الروح القدس والرسل

في خطب الآلام التي وردت في الإنجيل الرابع، نحسُّ بالحزن يملأ قلوب التلاميذ. فالربُّ يتركهم. وهم لا يعرفون الطريق، وفي أيِّ حال هم خائفون ويتعلَّقون بالمعلِّم وكأنَّهم لا يريدون له أن يغادرهم. وسبق لهم أن نبَّهوه من خطر الذهاب إلى أورشليم، قال لهم الربّ: "أمّا الآن فأنا ذاهب... والآن قلتُ لكم، فملأ الحزن قلوبكم" (يو 16: 5-6). لماذا الحزن؟ وتابع الربّ: "صدِّقوني، من الخير لكم أن أذهب. فإن كنت لا أذهب لا يجيئكم المعزِّي (البارقليط)" (آ7). ثمَّ: "متى جاء الروح الحقُّ أرشدكم إلى كلِّ حقّ".

ولو نعرف ماذا يعمل هذا الروح مع الرسل: "متى جاء وبَّخ العالم على الخطيئة والبرِّ والدينونة" (آ8). على مستوى البرّ. المسيح هو البارّ والبشر خاطئون. وخطيئتهم الكبرى عدم إيمانهم. ذاك ما قال لهم بطرس في عظته الأولى يوم العنصرة. وها هو يوبِّخهم على خطيئتهم: "صلبتموه وقتلتموه بأيدي الكافرين" (أع 2: 23). ولكنَّه البارّ الذي لا يتركه الله في يد الموت. فواصل بطرس كلامه: "ولكنَّ الله أقامه وحطَّم قيود الموت." وعلى مستوى الدينونة؟ اعتبر بيلاطس أنّه يدين المسيح ويحكم عليه بالموت، ولكنَّ يسوع في النهاية، هو الديَّان. لهذا هو يطلب التوبة: "توبوا وليعتمد كلُّ واحد منكم باسم يسوع المسيح، فتُغفَر خطاياكم" (آ37).

انتظر الرسل مجيء الروح، وما تحرَّكوا قبل أن يحلَّ عليهم الروح بشكل ريح عاصفة. دفعهم إلى خارج العلِّيَّة بعد أن كانت مقفلة، مغلقة. ألسنة نار. أي لسان الله كان معهم ليعلِّمهم ماذا يقولون. من يتخيَّل هؤلاء "الأمِّيِّين" كما دعاهم اليهود، يخطبون في الجموع ويصطادون الصيد الوفير؟ الله جعلهم صيّادي بشر. ولكن من يمسك بيدهم لكي تمتلئ الشباك وتكاد تتمزَّق؟ الروح. ذكَّرهم الروح بكلام الربِّ وأكمل تعليمهم، كما أفهمهم كيف يفسِّرون الكتب المقدَّسة. جُلدوا، ضُربوا، فقرأوا المزمور الثاني وفهموا عداوة العالم لهم كما كانت من قبل للمسيح نفسه. وهذا ما ملأ قلوبهم فرحًا، وجعلهم ينطلقون في الرسالة باندفاع أكبر: "لا نقدر أن نسكت عمّا رأينا وسمعنا. أنسمع الناس أم نسمع الله؟


 

إنجيل يوحنّا 16: 1-15

بهذه تكلَّمتُ معكم لئلاَّ تعثُروا. لأنَّهم يخرجونَكم من مجامعِهم، وتأتي ساعةٌ يظنُّ كلُّ من يقتلُكم أنَّه مُقرِّبٌ قربانًا لله. وهذه يفعلونَ لأنَّهم ما عرفوا أبي ولا عرفوني. بهذه تكلَّمتُ معكم، حتّى إذا ما أتى وقتُها تذكرونها أنّي أنا قلتُ لكم هذه. ومن قديم ما قلتُ لكم لأنّي كنتُ معكم. أمّا الآنَ فأنا ذاهبٌ إلى مَنْ أرسَلَني، ولا إنسانٌ منكم سائلني إلى أينَ ذاهبٌ أنت؟ قلتُ لكم هذه، فأتتِ الكآبةُ وملأتْ قلوبَكم.

لكن أنا قائلٌ لكم الحقَّ: أصلحُ لكم أن أذهب أنا، فإذا أنا غيرُ ذاهبٍ، البارقليطُ غيرُ آتٍ إليكم. لكن إذا أذهبُ أرسلُهُ إليكم. ومتى أتى فهو يوبِّخُ العالمَ على الخطيئة وعلى البرِّ وعلى الدينونةِ. على الخطيئة، لأنَّهم غيرُ مؤمنينَ بي. وأمّا على البرِّ، فلأنّي إلى أبي ذاهبٌ أنا وأنتم غيرُ رائينَ أيضًا. وأمّا على الدينونة، فلأنَّ رئيسَ هذا العالمِ مُدانٌ هو.

ولي أيضًا كثيرٌ أقولُ لكم، لكنَّكم غيرُ قادرينَ على الاحتمالِ الآن. أمّا متى أتى روحُ الحقِّ فهو يدبِّرُكم في الحقِّ كلِّه، لأنَّه لا يتكلَّم من ضميرِ نفسِه، بل كلَّ ما يسمعُ بذلك يتكلَّم، والعتيداتِ يُعلِّمُكم. وهو يمجِّدني لأنَّه يأخذُ ممّا لي ويظهرُه لكم. كلُّ شيءٍ يوجَدُ لأبي خاصَّتي هو. لأجلِ هذا قلتُ لكم يأخذُ ممّا لي ويظهرُه لكم.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM