كنيسة، لا كنائس

حين اعترف بطرس بيسوع أنَّه المسيح ابن الله الحيّ (مت 16: 16)، هنَّأه الربُّ وقال: "أنتَ صخر، وعلى هذا الصخر أبني كنيستي" (آ18). كنيستي أنا، لا كنائسي. فليسوع كنيسة واحدة. فإذا كانت الكنيسة جسدَه، كيف نرضى أن نشلِّع هذا الجسد ونمزِّقه، وتعلن كلُّ جماعة أنَّها كنيسة: الكنيسة المارونيّة، الكنيسة السريانيّة... كنائس وكنائس، وكلُّ واحدة تعتبر نفسها الكنيسة وأنَّ الآخرين هم على خطأ. أمَا هذا الذي حصل في شرقنا القديم؟ بعد مجمع أفسس، انفصل جزءٌ عن الكنيسة الكبرى، وانزوى في جهات بلاد الرافدين وفارس. وبعد خلقيدونية، راحت بيزنطية من جهة والكنائس القبطيَّة والسريانيَّة والأرمنيَّة بانتظار الحبشيَّة من جهة أخرى. ولمَّا جاء الفتح العربيّ، لم يعُد أحد يعرف أين هي كنيسة المسيح. شرذمات هنا وهناك. وينبغي لهذه الشرذمة أن تتميَّز عن أختها لتبرز شخصيَّتها، وكأنَّ الإيمان بدأ بها. واستهزأ المؤمنون هنا بالمؤمنين هناك، فصار أتباع المسيح سخريةً وهزءًا. تألَّم المرتِّل فقال: "صرنا عارًا عند جيراننا، هزءًا وسخريةً للذين حولنا" (مز 44). وفي أيِّ حال، ذاب المسيحيُّون في الشرق، لا من عداوة خارجيَّة فحسب، بل لأنَّهم عادَوا بعضهم بعضًا ولجأوا إلى الحاكم الذي لا يدين بدينهم، فضاعوا. فاستحقَّوا كلام بولس الرسول: "أنتم تقاضون بعضكم بعضًا، وهذا عيب" (1 كو 6: 7). وقال: "إذا كنتم ستدينون العالم، ألا تكونون أهلاً لأن تحكموا بالقضايا البسيطة؟" (آ2).

هذا الوضع المؤلم اختبره بولس في كورنتوس: أنا مع بطرس. أنا مع بولس. أنا مع أبلّوس. فمن يجسر أن يقول: أنا مع المسيح. أجل، لم يبقَ أحد مع المسيح. أنا مع نسطور، أنا مع يعقوب، أنا مع فوتيوس... واللائحة طويلة. فمن هو رئيسنا؟ أكيدًا، ليس يسوع. من صُلب من أجلنا؟ باسم من اعتمدنا، ووراء من نسير؟ مساكين! عميان يسيرون في الظلام، آخرتهم في اللاشيء.

توبيخ بولس يصل إلينا إذا أحببْنا أن نسمع: "هل بولس هو الذي صُلب من أجلكم؟" إذا كان هو، فاتبعوه. وإلاّ! هل اعتمدتم باسم بولس؟ إذا كان الأمر كذلك، فاتبعوا بولس أو أحد المعلِّمين سواء كانوا ضالِّين أو صادقين. يا لتعاستنا! في القرن الواحد والعشرين، لم نزل على مواقفنا بالنسبة إلى إخوتنا في الكنيسة. تعاليمنا هي هي وإن اختلفت الألفاظ. ممارساتنا هي هي وإن اختلفت الممارسة حين نعمِّد من تعمَّد في تقليد آخر. لا، لم نتغيَّر ولا نريد أن نتغيَّر، فنستحقُّ كلام إرميا النبيّ: "هل يغيِّر الكوشي جلده، أو النمر رقطه؟ (إذا استطاعا) تقدرون أنتم أيضًا أن تصنعوا الخير أيُّها المتعلِّمون الشرّ" (13: 23).

رسالة القدِّيس بولس الأولى إلى أهل كورنتوس 1: 1-13

بولسُ المدعوُّ ورسولُ يسوعَ المسيح بمشيئةِ الله وسوستنيس الأخُ، إلى كنيسةِ الله التي في كورنتوس، المدعوِّين والقدّيسين، المقدَّسين بيسوعَ المسيح، وإلى كلِّ أولئك الداعينَ اسمَ ربِّنا يسوعَ المسيح في كلِّ مكان يَخصُّهم ويَخُصُّنا، النعمةُ معكم والسلامُ من اللهِ أبينا ومن ربِّنا يسوعَ المسيح. شاكرٌ أنا إلهي في كلِّ وقتٍ لأجلِكم على نعمةِ اللهِ التي وُهبَتْ لكم بيسوعَ المسيح. إنَّكم في كلِّ شيء اغتنيتُم به بكلِّ كلمةٍ وبكلِّ معرفة. لكي تُثبَّتَ فيكم شهادةُ المسيح، بحيثُ ما نُقِصتم في واحدة من مواهبِه. لكنْ مُنتظرون أنتم تجلّي ربِّنا يسوعَ المسيح، الذي هو يُثبِّتُكم حتّى النهايةِ بحيثُ تكونونَ بلا لومٍ في يومِ ربِّنا يسوعَ المسيح. أمينٌ هو الله الذي بيدِه دُعيتُم إلى شَركةِ ابنِه يسوعَ المسيحِ ربِّنا. لكنّي أنا طالبٌ منكم يا إخوتي، باسمِ ربِّنا يسوعَ المسيح أن تكونَ كلمةُ جميعِكم واحدةً بحيثُ لا تكونُ فيكم انشقاقاتٌ بل تكونونَ مكمَّلينَ في فكرٍ واحدٍ وفي رأيٍ واحد. لأنَّ بيتَ خلوة أرسلوا لي عليكم، يا إخوتي، أنَّ هناك خُصوماتٍ بينَكم. فهذه قائلٌ أنا: منكم قائلٌ "أنا لبولس أنا". ومنكم قائلٌ "أنا لأبلُّوس أنا"، ومنكم قائلٌ "أنا لكيفا أنا"، ومنكم قائلٌ "أنا للمسيح أنا". ألعلَّ المسيحَ قُسمَ؟ أو لعلَّ بولسَ صُلبَ لأجلِكم؟ أو باسم بولسَ اعتَمدْتُم؟


 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM