أوّل رتبة عماد

من إنجيل ربِّنا يسوع المسيح للقدِّيس لوقا (3: 7-22)

 

7وكان يقولُ للجموعِ التي كانَتْ آتيةً نحوَ العماد: “يا وُلْدَ الأفاعي، مَنِ الذي بيَّنَ لكُمُ الهربَ من الغضَبِ العتيد. 8فاصنَعُوا ثمارًا تَستحِقُّ التوبةَ ولا تبدأون القولَ في أنفسِكم: "لنا أبٌ، إبراهيم"، فأنا قائلٌ لكم: مِنْ هذه الحجارةِ اللهُ قادِرٌ على إقامةِ أبناءٍ لإبراهيم. 9فها الفأسُ مَوضوعةٌ على جِذعِ الأشجار، فكلُّ شجرةٍ غيرِ صانعةٍ ثِمارًا جيِّدةً تُقطَعُ وتَسقُطُ في النار.”

10وكان الجموعُ سائلينَه وقائلين: “إذًا، ماذا نَصنَعُ؟” 11فأجابَ وقالَ لهم: “مَنْ لَهُ قميصانِ اثنان، يُعطي مَنْ ليسَ له. ومَنْ له طعامٌ هكذا يَصنَع.” 12وجاء أيضًا الجباةُ ليَعتَمِدوا، فقالوا له: “يا مُعلِّم، ماذا نَصنَعُ؟” 13فقال لهم: “لا تَطلبون شيئًا يَزيدُ على ما تُؤمَرونَ بأن تَطلبوا.” 14وكان جنودُ الجيشِ سائلينَه وقائلين: “ونحنُ أيضًا ماذا نَصنعُ؟” فقال لهم: “إنسانًا لا تَظلُمون، وعلى إنسانٍ لا تَفتَرون وأجرَتُكم تَكفي لكم.”

15وإذْ كان الجمعُ مُنتظِرًا، وعلى يوحنّا كانوا مُفكِّرين في قلبِهم لعلَّهُ هو المسيح. 16أجابَ يُوحنّا وقالَ لهم: “أنا، ها مُعمِّدُكم أنا بالماء. ولكن يأتي ذلك الأقوى منّي، ذلك الذي أنا لا أستحِقُّ أنْ أحُلَّ ربْطَ نَعلَيه. هو يُعمِّدُكم بالروحِ القدُسِ والنار. 17ذلك الماسكُ الرَّفشَ بيدِه والمنقّي بيادرَه، والجامعُ القمْحَ لأهرائِه، والتبنَ يُشعلُ بنارٍ لا مُنطفِئَة.” 18وأمورًا أيضًا أُخرياتٍ كثيراتٍ كان مُعلِّمًا الشعبَ ومُبشِّرًا.

19أمّا هيرودسُ رئيسُ الربع، فلأنَّه كان مُؤنَّبًا بفمِ يوحنّا على هيروديّا امرأةِ فيلبُّسَ أخيه وعلى كلِّ الشرورِ التي كان صانِعًا، 20أضافَ أيضًا هذه على كلِّها، فحبَسَ يوحنّا في السجن. 21وحدثَ لمّا اعتمدَ الشعبُ كلُّهُ أنَّ يسوعَ اعتمَدَ أيضًا، وإذْ هو مُصلٍّ، فُتحَتِ السماء. 22ونزلَ الروحُ القدُسُ علَيه بشَكْلِ جِسْمِ حمامة، وصوتٌ كانَ من السماء قائِلاً: “أنتَ هو ابني الحبيب، بِكَ ارتَضَيت.”

*  *  *

ما أجمل الله ينطلق من حياة البشر لكي يفهمنا حياته؟ هو لا يُرى، فأراد من خلال البشر أن يجعل نفسه منظورًا في شكلٍ رمزيّ. جعل الإنسان على صورته، رجلاً وامرأة. يصيران خالقَين مثله حين يتَّحدان الواحد مع زوجته أو المرأة مع زوجها.

وكذا نقول عن "العماد" أو التغطيس في الماء. هي ممارسة تعود إلى القرن الثاني ق. م. واتَّخذها يوحنّا ممَّن دُعوا "العماديِّين" لأنّهم يمارسون الاغتسال. أمّا يوحنّا فمارسها كفعلٍ خارجيّ وحمَّلها معنًى أدبيًّا: يجب أن يترافق هذا "التغطيس" باعترافٍ بالخطايا، والوعد بالتوبة وتبديل الحياة، وإلاّ لا يكونون أبناء ابراهيم، بل شجرة تستحقُّ أن تُقطع.

وأخذَنا يوحنّا لمعموديّة أسمى من تلك التي يعطيها. قال: "أنا أعمّدكم بالماء للتوبة، وأمّا الذي يجيء بعدي... يعمِّدكم بالروح القدس والنار" (مت 3: 11). ولكن قبل أن يمنحنا الابن المعموديّة التي تجعلنا أبناء الله وبناته، مرَّ هو بمعموديّة التوبة. ولكنّه ليس خاطئًا. قال: "من يقدر أن يتَّهمَني بالخطيئة؟". وقال عنه الرسول: "صار شبيهًا بنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة. ومع ذلك قال الإنجيل: "ولمّا اعتمد الشعبُ كلُّه، اعتمد يسوع أيضًا" (لو 3: 21). غطس مع كلِّ الناس واقتبل معموديّة يوحنّا. ولكن تحوَّل هذا العماد، فصار أساس العماد المسيحيّ.

الإنسان يغطس مع الابن المتجسّد. ويسمع مع يسوع صوت الآب من السماء: "هذا هو ابني الحبيب، عنه رضيت". وحين نعتمد، يعلن الآب من السماء: "هذا ابني، هذه ابنتي". هو رضي عنّا، برَّرَنا، قدَّسَنا، جعلنا قدِّيسين، أي فرَزَنا لكي نعمل يومًا بعد يوم، ما يرضيه. والروح القدس يحلُّ علينا كما حلَّ على يسوع. فيكون فينا الإنسان الجديد "الذي خلقه الله على صورته في البرِّ وقداسة الحقّ" (أف 4: 23)، بحيث نمتنع عن الكذب والغضب ولا نعطي إبليس مكانًا (آ27).

انطلق الإنجيليُّون من رتبة المعموديّة فتحدَّثوا عن عماد المسيح، ورأوا في عماد المسيح أوَّل رتبة عماد، والنموذج لكلّ من يعتمد بحيث يكون ابنًا (وابنةً) مع الابن. فيا لسعادتنا!

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM