يوم السبت (لو 14: 25-35) نداء إلى التجرُّد

25وإذ كان جموعٌ كثيرةٌ ذاهبينَ معه، التفَتَ وقالَ لهم: 26“مَنْ يأتي إليَّ ولا يُبغِضُ أباه وأمَّه وإخوتَه وأخواتِه وأبناءَه ونفسَه أيضًا، تلميذًا لا يَقدِرُ أن يَكونَ لي. 27ومَنْ لا يَحمِلُ صليبَه ويأتي ورائي، تلميذًا لا يَقدِرُ أن يكونَ لي. 28فمَنْ منكم يُريدُ أن يَبنيَ بُرجًا ولا يَجلِسُ أوَّلاً فيَحسَبُ نفقاتِه إن كانَ له لإكمالِه. 29فإذا وضعَ الأساسَ وما قدِرَ على إكمالِه يكونُ كلُّ الناظِرينَ ساخرينَ بِه. 30وقائلين: "هذا الرجلُ بدأ في بناءٍ وما قدِرَ على الإكمال." 31أو مَنْ هو الملِكُ الذاهبُ إلى الحربِ لكي يَتقاتَلَ معَ ملِكٍ رفيقِه ولا يُفكِّرُ أوَّلاً إذا كانَ قادرًا بعشَرَةِ آلافٍ على لقاء ذاك الآتي عليه بعِشرينَ ألفًا. 32وإلاّ، إذْ هو بَعيدٌ منه بعدُ، يُرسِلُ رسُلاً ويَطلُبُ السلام. 33هكذا كلُّ إنسانٍ منكم، الذي لا يَترُكُ مُقتناهُ كلَّه، لا يقدِرُ أن يكونَ لي تلميذًا. 34حسَنٌ هو الملح، أمّا إذا الملحُ يَتفَهُ فبماذا يُملَّحُ؟ 35لا للأرضِ ولا للزِبل ذاهبٌ هو. بل رامون به إلى الخارج. مَنْ له أذنان ليسمَعَ، يَسمَعُ.”

*  *  *

نتعلَّق بذواتنا، بأنانيَّتنا، ولا نريد أن نتحرَّك. نتعلَّق بشلَّة من الأصحاب ونبني كلّ حياتنا معهم. نهتمُّ بأمورنا المادّيَّة وبراحتنا ورفاهيَّتنا ولا نسمح لأحد أن يعكّر لنا صفونا. والمبدأ: نأكل ونشرب فإنَّا غدًا نموت. ولكن إذا تبدَّلت الظروف، ماذا تعملون؟ تيأسون من الحياة. تندبون حظَّكم. تلعنون الحظَّ أو القدر ونمضي فنبحث عن حلول...

علَّمنا يسوع. نادانا إلى التجرُّد إذا أردنا أن نأتي عليه. "نفضّله" على الأهل والأقارب. والكلمة قاسية. "يبغض أباه وأمّه" هو الشرط ليكون المسيحيّ تلميذًا ليسوع. ما هذا الكلام؟ ولكن في الزواج، أما يترك الرجل أباه وأمّه ويتَّحد بامرأته؟ في اللغة السامية: هو يبغض. أي يفضّل. وإن لبث متعلّقًا "حتَّى بنفسه" لا يستطيع أن يكون تلميذًا ليسوع. هو الشرط الأساسيّ للانطلاق، للصعود.

هل أنتم مستعدُّون أن "تتخلُّوا" عن كلّ شيء؟ ولكنَّ يسوع ينبّهنا أيضًا: ادرسوا وضعكم. فالتلمذة ليسوع ليست بالعمل البسيط الذي يؤخذ "بالخفَّة". إنَّها أمرٌ جدّيّ. نشبه بناء. نبدأ ونحسب حسابًا: هل نستطيع أن نكمّله؟ نشبه حربًا فنستعدّ لها ونعرف إمكانيَّاتنا. ويعد يسوع: "يترك جميع ماله". ففي منطق يسوع: نترك كلَّ شيء ننال كلَّ شيء. نتعلَّق بكلّ شيء فتكون أيدينا فارغة.

*  *  *

قضيتُ في هذا البحر الهائج قرابة عشرين سنة، أسقط تارةً وأنهض أخرى، لكن بشكل سيّئ، لأنّي كنتُ أعود إلى السقوط (...). ويمكنني القول إنَّها كانت حياة من أشدّ ما يستطيع المرء أن يتصوَّرها مشقَّة. فما كنتُ أنعمُ بالله، ولا كنتُ أغتبط بالعالم. فحين كانت مسرَّاتُ العالم تغمرني وأتذكّر واجباتي نحو الله، كان الأسى ينتابني، وحين أكون مع الله، كانت أهواء العالم تسلبني السكينة. تلك كانت حربًا شاقَّة لا أدري كيف استطعتُ احتمالها شهرًا، فكم بالأحرى سنوات عديدة.

ومع هذا أرى واضحة الرحمة العظمى التي غمرني بها الربّ؛ فرغم علاقاتي الدنيويَّة، بقيَت لي الجسارة لممارسة صلاة الصمت. أقول الجسارة، لأنّي لا أعرف في هذه الدنيا جسارة أكبر من خيانة الإنسان ملِكَه واستمراره في حضرته، على إدراكه أنَّ الملك عارف بالأمر. فعلى الرغم من أنَّنا جميعًا دائمًا في حضرة الله، يبدو لي أنَّ وضع الذين يمارسون صلاة الصمت هو من نوع آخر، لأنَّهم يرون أنَّ الله يشاهدهم. أمّا الآخرون فقد يقضون أيَّامًا لا يتذكَّرون فيها أنَّ الله يراهم.

القدّيسة تريزا الأفيليَّة

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM