يوم الثلثاء (لو 14: 1-6) في بيت فرّيسيّ

1وحدثَ أنَّه لمّا دخلَ إلى بيتِ واحدٍ مِن رؤساءِ الفرّيسيّين ليَأكُلَ خُبزًا في يومِ السبت، وهم كانوا مُراقبينَ لَهُ، 2وها رجلٌ ما مُمتلئٌ بالماء ومَوجودٌ قُدّامَه. 3فأجابَه يسوعُ وقال للكتبةِ وللفرّيسيّين: “أيَحقُّ في السبتِ الشفاء؟” 4أمّا هم فصَمَتوا. فأمسَكَهُ وشفاهُ وصرَفَهُ. 5وقالَ لهم: “مَنْ منكم إذا سقطَ ابنُه أو ثورُه في بئرٍ في يومِ السبت لا ينتَشِلُهُ ويُصعِدُهُ في الحال؟” 6فما استطاعُوا أن يُعطوهُ جوابًا على هذه.

*  *  *

نلاحظ هنا أنَّ لوقا يختلف عن متَّى بشكل خاصّ، في الكلام عن الفرّيسيّين. فيسوع لا يبتعد عنهم. يدعونه إلى مائدتهم فيلبّي الدعوة، كما هو الأمر هنا. وليس فقط لدى فرّيسيّ عاديّ، بل أحد "رؤساء الفرّيسيّين". وسبق لوقا وتحدَّث عن ذاك الفرّيسيّ الذي "أجبر" على استقبال تلك الخاطئة، والتي اكتشف يسوع حبَّها المتفوّق على حبِّ الفرّيسيّ الذي دعاه.

ولكن لا يمكن إخفاء النوايا السيّئة. هم "يراقبونه" علَّهم يجدون عنده خطأ فيُبرزون هذا الخطأ لدى الشعب بحيث لا يخفّ وهجُهم. ولكن قال يسوع: "من يقدر أن يبكّتني على خطيئة؟" (يو 8: 46). كلُّ ما يستطيعون أن يفعلوا: يأخذون تفصيلاً من الشريعة ويطبّقونه على هواهم. كم يتألَّم الإنسان حين يرى هذا الرفض لعمل الخير، حين يرى مثل هؤلاء الناس "الأنقياء" يفضّلون الشريعة على الإنسان. لتبقَ يد هذا الرجل يابسة! لا بأس، ولكنَّ شريعة السبت! لا تمسُّوها.

أتى مريض. أنشفيه أم لا نشفيه يوم السبت؟ صمتوا. وهو صمت الرفض والحكم على يسوع لأنَّهم عارفون ما سوف يعمله. أفحمهم بسؤاله. ثمَّ شفاه.

أهكذا تكون آداب المائدة؟ أندعو يسوع لكي تراقبه؟ أندعو كاهنًا أو راهبًا أو راهبة؟ ما هو الهدف العميق من دعواتنا؟

*  *  *

المكانة الأولى للمحبّة

 

كثيرون من المسيحيّين يعتقدون أنّ الدين المسيحيّ مجموعةٌ من الوصايا الكثيرة والمعقّدة التي تُقيّد حرّيّة الإنسان وتكبّل تفكيره وتصرّفاته، كالصوم، والصلوات الطويلة، والتقشّفات المادّيّة المرهقة.

إنّ اعتقادهم متأتٍّ عن معرفتهم السطحيّة للدين المسيحيّ. ليس في الدين المسيحيّ مجموعة كبيرة ومُعقّدة من الوصايا، بل وصيّةٌ رئيسيَّةٌ تُهيمن على كلِّ فروع الوصايا، وهي المحبّة. وهذه الوصيّة ليست قيدًا، بل روحٌ وحياة. إنّها تنبع من قلب المسيحيّ المحبّ وتتوجّه إلى قلب الله ليحفظ أوامره ووصاياه، وإلى قلب أخيه المسيحيّ ليؤازره على قدْر استطاعته.

فالدين المسيحيّ الذي هو دين المحبّة يحمل الإنسان المسيحيّ على أن يُتَمِّمَ وصايا الله، لا لأنّه عبدٌ يُنَفِّذُ أوامر مولاه، بل لأنّه ابنٌ لله ويُريد أن يُعبّر عن حبّه لأبيه السماويّ بمحبّته لإِخوته البشر.

وإذا قام تناقضٌ بين الشريعة والمحبّة، كانت المكانة الأولى للمحبّة، فتتخلّى الشريعة عن فرض إلزامها وتترك الأولويّة والسيادة للمحبّة، فيزول التناقض، وتقوم أسمى العلاقات بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. وهذا ما فعله يسوع لمّا شفى المريض يومَ السبت.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM