يوم الاثنين (لو 12: 54-59) علامات الأزمنة

54وقالَ للجموع: “إذا رأيتُمُ الغمامةَ طالعةً من المغرِب، للحالِ أنتم قائلون: "المطرُ آتٍ"، وهكذا يكون. 55وإذا ريحُ الجنوبِ هابَّةٌ، أنتم قائلون: "حَرٌّ يكون"، ويكون. 56يا آخذينَ بالوجوه! وجهَ الأرضِ والسماء أنتم عارفون أن تُميِّزوا، والزمانَ هذا كيف أنتم لا تُميِّزون؟ 57فلماذا لا تَحكمون بالحقِّ مِن أنفسِكم؟ 58فحين أنتَ ذاهبٌ مع المشتكي عليك إلى الحاكم، فهَبْ له التجارةَ بحيثُ تَتخلَّصُ منه، لئلاّ يقودَكَ لَدى القاضي والقاضي يُسلِّمك للجابي، والجابي يَرميكَ بينَ السجناء. 59وأنا قائلٌ لك: لا تَخرُجُ من هناك حتّى تُعطي الفلسَ الأخير.”

*  *  *

بعد أن توجَّه يسوع إلى التلاميذ، ها هو يتوجَّه إلى الجموع وبشكل قاسٍ: حتَّى الآن لم يفهموا بعد أنَّ الزمن تحوَّل كلّيًّا. لم يعد شيء كما كان من قبل، قبل مجيء يسوع. اليوم دخلتم، أيُّها المؤمنون، في نهاية الزمن، أو بالأحرى في نهاية زمن، هو الزمن اليهوديّ، حيث يزول الهيكل وينتهي الكهنوت ولا تعود هناك تقدمة ذبائح.

هؤلاء الفلاّحون في الجليل وفي مناطق أخرى، يعرفون كيف يكون الطقس: حارًّا أو باردًا، ناشفًا أو ممطرًا. يعرفون أمور الطبيعة الزراعيَّة. ولكن لماذا لا يعرفون أن يقرأوا علامات الأزمنة. ويدعوهم: يا مراؤون. يا أهل الخبث والرياء. لماذا تغمضون عيونكم وتصمُّون آذانكم؟ ماذا تنتظرون لكي تميّزوا مجيء النهاية وإطلالة مرسل الله؟

ويقول الربّ: "كلُّ واحد يستطيع أن يحكم بنفسه ويكتشف حضور الساعة ويعرف ما ينبغي عليه أن يعمل. الدينونة آتية. ونتائجها قاسية. فماذا ينتظر كلُّ واحد لكي يتصالح مع خصمه؟ لماذا نترك الخلاف داخل الجماعة؟ لماذا لا نبدّل حياتنا اليوميَّة، الملموسة؟ نعرف أن ننتبه إلى الزروع، ولا نعرف أن ننتبه إلى نفوسنا وإلى جماعتنا. يا ويلنا إذا لم نكن مستعدّين!

*  *  *

علامات الأزمنة

 

إنّ العلامات الحقيقيّة تكون، عادة، مصدر تعزية وتشجيع في الدرب الروحيّ، ومساعدة قويّة للخلاصوهذه العلامات تكون بسيطة، وتقودنا إلى معرفة الله المتجسّد بسهولة بما أنّها تشهد لصلاحه وتواضعه، وتقوّي إيماننا بأنّه هو الكلمة، الله.

لكي يسترجع الله الآب الصلة المقطوعة مع الإنسان الساقط، سُرَّ أن يتّخذ كلمتُه الجسدَ البشريّ، وأن يظهر بين الناس، وأن يخالطهم، وأن يوطّد علاقته بهم لتغدو علاقة حميمة متينة، وأخيرًا أن يصعدهم معه إلى السماءولكن، ولو أنّ كلمة الآب لبس الجسد البشري، إلاّ أنّه يبقى كلمة الله، ويعمل ككلمة الله بحسب ما تقتضيه طبيعته الإلهيّة وعظمتهجلس عن يمين الآب بطبيعته البشريّة الذي سبق له أن اتّخذها من البتول مريم، ومع ذلك فهو حاضر في كلّ مكان بما أنّه الله، حتّى في الذهن والقلب والجسد، ويتَّحدهم معه بالروح القدس ويؤلّههم.

ولذلك، فإنّ عجائب المسيح تساعدنا على اكتساب معرفة عظمة ابن الله، فكلمة الله هو الواحد الأحد الذي ندين له بأجمعنا، ونحتاج إليه كلّنا: “وإنّما الحاجة إلى واحد” (لوقا 10: 42). إنّ كلمة الله جاء ليتمّم الخلاص للجنس البشريّ، ومعرفته تدلّ عليها أعمالُه، هذه المعرفة التي تعطي الإنسان المسيحيّ نقاوة القلب، وتشعّ في حياته الروحيّة كما تتلألأ الشمس في كبد السماء الخالية من الغيوم.

إنّ شروق الشمس بعد ظلمة الليل الداجي تجعل رؤية الأشياء تختلف وتتغيّر، فبعض الأشياء التي كانت غير مرئيّة تصبح مرئيّة، والتي كانت مرئيَّة ولكنّها مختلطة تبدو بظهور الشمس متمايزة ومنفصلة. وهذا لا يحصل لأنّ الأشياء تتغيّر، فهي ثابتة لا تتغيّر، بل نظرتنا إليها هي التي تتغيّر. والسبب في ذلك انتقالنا من الظلام إلى النور. وهذا ما يحصل، تمامًا، في علاقة ذهننا مع الأمور الروحيّة. فعندما يُنار الذهن بنور المعرفة الإلهيّة التي يسبغها علينا الروح القدس، يستطيع، عندئذ، أن يكمل مسيرته غير المنظورة نحو الله. فقط بنور المعرفة الروحيّة نستطيع الهرب من الضلال، وتاليًا من الهلاك. فإنْ فُقد هذا النور، فُقدَت معه الحقيقة وكلّ فضيلة تروق في عينَي الله، ويصبح الخلاص لجنس البشر عسيرًا، لكون هذا النور هو الذي يُدخل الإنسان إلى المظالّ الفردوسيّة. وعندما ينير هذا النور بصر الإنسان الروحيّ، عندها يستطيع أن يعي بأجلى بيان حقيقة العجائب والعلامات، وعندها يستطيع أن ينجو من المظاهر التي تجرفه وتغويه لكونه أدركها بمفهوم بشريّ بحت.

القدّيس أغناطيوس بريانتشانينوف


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM