الخاتمة

هذا هو الكتاب المقدَّس. هو كتاب عمره ثلاثة آلاف سنة ونيِّف ولا يزال حاضرًا في حياة البشر.

كتاب نُقل إلى ألفي لغة ولهجة، بل تعدَّى هذا الرقم.

كتاب يُطبَع بالملايين كلَّ سنة فيصل إلى فئات البشر المختلفة.

كتاب يروي مسيرة الإنسان إلى الله، مع ضعفه وخطيئته وتراخيه، وتراجعه. فالبشريَّة في كرٍّ وفرّ، في صعود ونزول، في اقتراب وابتعاد. ومع ذلك، فالله لا ييأس من الإنسان ولا يتخلَّى عنه.

كتاب يروي انحناء الله إلى الإنسان من خلال الصور العديدة. خلقه، صنعه، جبله بيديه ليكون تحفة من التحف. بناه كما يبني الإنسان بيته. جبل آدم من التراب، وبنى حوّاء من ضلع آدم. وهكذا كان الرجل والمرأة جسدًا واحدًا.

وانحنى الله وتنازل. فسمع صراخ البشر ورأى الدرك الذي وصلوا إليه. وأرسل إليهم من يهتمُّ بهم، من يرشدهم، من يسير أمامهم: إبراهيم، موسى، يشوع... الأنبياء من إشعيا إلى إرميا وحزقيال وغيرهم.

إبراهيم سار في الطريق التي رسمها الله له. وموسى شقَّ البحر وعالم الشرّ بقدرة الله. واقتاد الناس عبر البرِّيَّة. جرَّدهم من كلِّ شيء ليتعلَّقوا فقط ويتَّكلوا عليه في كلِّ شيء، بدءًا بالطعام والشراب.

أمثلة عديدة برزت أمامهم... فكانت نورًا ضئيلاً ينبع من ذاك الذي خلق النور أوَّل ما خلق، بانتظار أن تأتي الشمس والقمر والكواكب. يشوع الذي أدخل القبائل إلى أرض أعدَّها الربُّ لهم. دبُّورة تلك النبيَّة التي كانت تقضي في الشعب مثل جدعون وغيره. صموئيل الذي طوَّر القبائل وأعدَّها لقبول المؤسَّسة الملكيَّة مع شاول ثمَّ مع داود ونسله عبر سليمان وصولاً إلى المنفى.

أنبياء تكلَّموا باسم الربّ، فأنعشوا الإيمان في القلوب في الساعات الحالكة. قال لهم إشعيا: إن لم تؤمنوا لن تأمنوا. أي لن يكون لكم إيمان وسلام إلاَّ إذا غمر قلبكم بالإيمان. وحدَّث عاموس الممالك منبِّهًا إيَّاهم إلى السير في شريعة الربّ: العدالة بدل الظلم، التآخي بدل التنافر، التعاون بدل التباعد. عندئذٍ تكثر البركة في الأرض، فيلحق الفالحُ بالحاصد، ودائس العنب بباذر الزرع، وتقطر الجبال خمرًا كما تسيل جميع التلال.

كتاب فريد من نوعه لأنَّه كلام الإنسان إلى الله يحمل صلاة المؤمنين في ضيقهم وفي فرحهم، في نجاحهم وفي فشلهم. صلواتهم، توسُّلاتهم جمعت في سفر المزامير الذي ما زال يحمل عواطف كلِّ واحد منّا: "إلى متى يا ربُّ تنساني؟ إلى متى تحجب وجهك عنِّي؟ إلى متى أحمل الغصَّة في نفسي والحسرة في قلبي نهارًا وليلاً؟"

كتاب فريد لأنَّه يقدِّم كلام الله إلى البشر. فهذا الإله لا يشبه الأصنام الصمّاء والبكماء، التي لا تسمع ولا تتكلَّم. إلهنا يتكلَّم عبر الذين يرسلهم فيوردون أقواله عبر أفواه بشريَّة. "فبعد أن كلَّم آباءنا بفم الأنبياء مرَّات كثيرة وبمختلف الوسائل، كلَّمنا بابنه الذي جعله وارثًا لكلِّ شيء وبه خلق العالم".

هذا الكتاب دعته البشريَّة "بيبليا" من اسم مدينة بيبلوس (جبيل) مدينة الحرف والكتاب. ونحن ضممنا إليه اللغة. فهو الكتاب المقدَّس. كتاب الله القدُّوس الذي لا يزال يكلِّم البشر إلى الآن. أيليق بالبشريَّة أن تجعل هذا الكتاب جانبًا؟ كلاَّ. هي ما فعلت ولا تفعل. بل جعلته في أشرف مكان من تراثها ورأت فيه ينبوع كلِّ حضارة وتطوُّر في البشريَّة. ألا نحتاج أن نقرأه؟

وتوقَّفنا في اكتشافه عند ثماني محطّات: هو كتاب الإيمان والصلاة والخطيئة والغفران. هو كتاب الحكمة والطريق إلى القداسة. هو كتاب المرأة في محيط ما زالت المرأة في الدرجة الثانية إن لم تكن الثالثة والرابعة. وكتاب التاريخ الذي ينظر إلى تطوُّر البشريَّة، جماعات وأفرادًا. وأخيرًا هو كتاب البطولة، لا في القتل والحرب والدمار، بل في الجرأة على حمل الكلمة ومواجهة الظلم والاستبداد من أجل بناء عالم يستحقُّ أن نحيا فيه.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM