يوسف الملك وابن داود

قراءة من إنجيل متَّى (1: 1-2، 16-17)

1كتابُ ولادةِ يسوعَ المسيحِ ابنِ داودَ، ابنِ إبراهيمَ، 2إبراهيمُ ولَدَ إسحقَ، إسحقُ ولَدَ يعقوب، يعقوبُ ولَدَ يهوذا وإخوتَه...

16يعقوبُ ولَدَ يوسفَ رجلَ مريمَ التي منها وُلِدَ يسوعُ المدعوُّ المسيح. 17إذًا، كلُّ الأجيالِ من إبراهيمَ حتّى داودَ، أجيالاً أربعةَ عشَر. ومن داودَ حتّى جلاء بابلَ أجيالاً أربعةَ عشَر، ومن جلاء بابلَ حتّى المسيح أجيالاً أربعةَ عشَر.

*  *  *

يبدأ متَّى إنجيله فيعطينا نسب يسوع. هو "ابن داود، ابن إبراهيم" (1: 1). بإبراهيم هو خطّ الإيمان. على ما قيل: "آمن إبراهيم بالله فحُسب له إيمانه برًّا". أي برَّره الله. قدَّسه. صار بركة لشعوب الأرض. ثمَّ هو "ابن داود"، أي ملك ابن ملك. أمّا السلسلة فتتواصل من الآباء حتَّى تصل إلى يسَّى، ومن يسَّى إلى داود. "وداود الملك وَلدَ سليمان". وفي النهاية: يعقوب وَلد يوسف" (آ16). فإذا كان يسوع ابن داود، فبأبيه. وإن كان ملكًا، لأنَّ يوسف أباه هو ملك. وهكذا نستطيع القول إنَّ يسوع أخذ الملكيَّة بواسطة أبيه، والكهنوت بواسطة أمّه التي هي نسيبة إليصابات. ونحن نعلم أنَّ إليصابات كانت "من بنات هارون" (لو 1: 5).

فهذا الملك الصغير يسوع، لاحقه هيرودس. فهرب به يوسف إلى مصر. ولكن إن كان يوسفُ هذا الإنسان "المسكين" العائش في مصر، كيف عرف بموت هيرودس. ثمَّ كيف عرف أنَّ أرخيلاوس حلَّ محلَّ أبيه. وما هذا النجَّار الذي درس الأمور السياسيَّة فعرف طبع أرخيلاوس. لهذا لم يمضِ إلى بيت لحم، مركز بيته، بل مضى إلى الناصرة.

ذاك هو يوسف من جذوره. من السلالة الملكيَّة. أمّا ملوك يهوذا فراحوا في غياهب النسيان منذ زربّابل الذي كان على رأس العائدين من المنفى، وساعد على إقامة المذبح وبناء الهيكل (عز 2: 2). ولكنَّه طاع، فتسلَّمَ السلطةَ رئيسُ الكهنة الذي سمع كلامًا يوجَّه عادة إلى القائد: "إن سلكت في طرقي، وحفظت شعائري فاسمع يا يشوع الكاهن العظيم" (زك 2).

وهكذا انغمرت سلالة داود حتَّى وصلت إلى العهد الجديد. فدعا الملاك يوسف وقال له: "يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك" (مت 1: 20).

 

يوسف حارس أسرار الله

مع أنَّه كان له ملوك بين أجداده، وأنَّه تحدَّر من هؤلاء الملوك الذين جعلهم الله ذاتُه على العرش، وجدَ يوسف نفسه، بدون كآبة، في وضع وضيع وخفيّ، فما طلب يومًا أن يخرج من الطريق التي رُسمت له. ما بدا له الفقر عارًا حين الله سمح بذلك. كان يكفيه أن يجدَّ في عمل يديه، أن يحفظ لله حياةً أعدَّها لخدمته. وتطلَّع في حاله. لا ثورات! حظٌّ غريب! بل استعدادات لقبول عناية حكيمة وسجودٌ لله.

كم أحبَّ أن أتمثّله تحت سقف قرويّ وفي بيت ضيّق وفقير، بعيدًا عن ضجَّة العالم وضجيجه. يتقدَّس بالعمل، بالانزواء وبالصلاة! أيّ قصر ضمَّ يومًا مثل هذه العيلة الرفيعة؟ ففي هذا المدى المظلم والصغير، كم من الأمور العظيمة حصلت! هنا رُسم تصميم عالم جديد، مخلوق في البرّ وقداسة الحقّ. هنا بدأت تتنفَّذ في الزمن مشاريع أزليَّة من لدن رحمة الله تجاه بشر عاقّين، ناكري الجميل، خاطئين. هنا تكوَّنت أوَّل نماذج العبادة الروحيَّة والباطنيَّة التي سوف تتثبَّت، وهنا وُضعت أسسُ إنجيل غير معروف سوف يُحمل إلى كلِّ أقطار الأرض.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM