يوسف رجل الصمت والسكوت

قراءة من إنجيل لوقا (2: 15-20)

15وحدثَ أنَّه لمّا ذهبَ من عندِهم الملائكةُ إلى السماء، تكلَّمَ الرعاةُ الواحدُ مع الواحد، قائلين: “نسيرُ حتّى بيتَ لحم ونَرى الكلمةَ هذه التي كانَت كما الربُّ أعلمَنا.” 16وأتَوا مُسرعين فوجدوا مريمَ ويوسفَ والطفلَ الموضوعَ في المذودِ. 17ولمّا رأَوا أَخبروا بالكلمةِ التي قيلَتْ لهم على الصبيّ. 18والذين سمِعُوا تَعجَّبوا كلُّهم مِنَ (الكلمة) التي قيلَتْ لهم من قِبلِ الرعاة.

19أمّا مريمُ فكانَتْ حافظَةً كلَّ الكلماتِ هذه ومُتمعِّنةً بها في قلبِها. 20ورجِعَ أولئكَ الرعاةُ وهم مُسبِّحون الله ومُهلِّلون على كلِّ ما رأوا وسمِعوا كما قِيلَ معَهم.

*  *  *

ويقول الكثيرون: لا كلمة ليوسف. فهو لم يقل كلمة واحدة في الإنجيل. فمن يتكلَّم يُحسَب أنَّه موجود وأنَّه كامل. وهكذا مرَّات عديدة نسمع شخصًا يعطي رأيًا أو يتَّصل ليقول: أنا هنا. وهذا يكفيه.

ليس هذا موقف يوسف ولا موقف مريم. ففي عيد الميلاد، أتى الملائكة. ماذا قالت مريم؟ ولا كلمة. وماذا قال يوسف؟ ولا كلمة (لو 2: 16). كلُّهم صامتون. يصلّون، يتأمَّلون، مأخوذون.

تخيَّلوا! الرعاة تكلّموا، أخبروا. فلا مريم ولا يوسف تدخّلا وقالا الذي يعرفانه عمَّا لا يعرفه أحد. هذا ليس منطق الإنجيل: حيث القلوب ملآنة من نعمة الله، فهي تفضّل ما صنعته مريم، وبالتالي يسوع: "وأمّا مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام وتتأمَّله في قلبها" (آ19).

"وكلُّ الذين سمعوا تعجَّبوا" (آ18). فالصمت يعني السماع. يوسف، مريم وغيرهما يسمعون، يتعجَّبون، يمجّدون الله. أي يفرحون لأنَّ مجد الله ظهر على الأرض. فالابن في المذود هو مجد الله. كانوا يقولون: الله لا يُرى. أمّا الآن فهم يرونه متجسّدًا. لماذا الكلام؟ أما الصمتُ أعمقُ جدًّا؟ أما هو أفضل الطرق لحوار داخليّ مع الله؟ هذا ما يعرفه القدّيسون. الله لا يتكلَّم إلاَّ في الصمت. وهكذا كان يوسف، وكانت مريم. هما في حوار حميم مع الكلمة الذي صار بشرًا وسكن بيننا (يو 1: 14). وبعد هذا، نريد من يوسف أن يتلو "خطابًا" ليقول ماذا عمل ومن هو هذا الولد؟ فيسوع الطفل لم يتكلَّم ليقول من هو يوسف، ومن هي مريم. يكفي النظر، يكفي التأمُّل. يكفي الحوار العميق. ذاك ما كانه يوسف. ألا نعرف أن نقتدي به ونفهم الغنى الذي ناله في رفقة يسوع؟


 

يوسف في الطاعة لمشيئة الله

قراءة من إنجيل متّى (1: 18-25)

18أمّا ميلادُ يسوعَ المسيحِ فهكذا كان. لمّا كانَتْ مريمُ أمُّه مخطوبَةً ليوسف، قبْلَ أنْ يَجتمِعا وُجدَتْ حبلى من الروحِ القدس. 19أمّا يوسفُ بعلُها، فكان بارًّا وما أرادَ أن يكشفَها، وكان ارتأى سرًّا بأن يطلِّقَها. 20وفيما ارتأى هذه، تراءى لهُ ملاكُ الربِّ في الحلمِ وقالَ له: “يا يوسفُ بنَ داود، لا تخَفْ من أخْذِ مريمَ امرأتِك، ذلك أنَّ الذي وُلدَ فيها، هو من الروحِ القدس. 21فسَتلِدُ ابنًا وتدعو اسمَه يسوعَ، فهو يخلِّصُ شعبَه من خطاياهم. 22وهذا كلُّه كانَ ليَتمَّ ما قيلَ من الربِّ على يدِ النبيِّ: 23ها البتولُ تحبَلُ وتَلِدُ ابنًا، ويدعونَ اسمَه عمانوئيل الذي يُترجَمُ إلهُنا معَنا.

24ولمّا قامَ يوسفُ من نومِه، صنَعَ كما أمرَهُ ملاكُ الربِّ، وأخذَ امرأتَه، 25وما عرفَها حتّى ولَدَتِ ابنَها البكرَ ودعَتِ اسمَهُ يسوع.

*  *  *

بداية البشريَّة، عصيان الله. "تصيران مثل آلهة" (تك 3: 5). إذا كنتُ أنا "إلهًا" فمن يجسر أن يعطيني الأوامر؟ سواء أتت هذه الأوامر من الله أو من البشر. والرهبان والراهبات ينذرون الطاعة. يا ليتهم يتأمَّلون بيوسف: "يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك" (مت 1: 20). وكان الجواب، لا كلامًا مثل كلام الابن الأكبر الذي قال لأبيه: أنا ماضٍ إلى الكرم ولم يمضِ (مت 21: 28ي). ولا هو جادل؟ أتعرف ماذا تطلب منّي؟ وماذا يقول البشر؟ ثمَّ أنا حرّ في ما أريد أن أعمل؟ أو قلْ لآخر. أما هكذا فعل موسى بعد جدال كبير مع الله. قال موسى: "استمع، يا ربّ، وأرسل بيد من ترسل" (خر 4: 13). أنا لست مستعدًّا أن أمضي. أرسلْ غيري. وقال الكتاب بلغة بشريَّة: "فحميَ غضبُ الربّ على موسى" (آ14). هو الحزن. أدعوك، يا موسى، إلى هذه الرسالة السامية وتتهرَّب! كان بالإمكان أن يستغني الربُّ عن موسى، ولكنَّ الربَّ لا يندم أبدًا على عطاياه. فأرسل له أخاه هارون.

لا شيء من كلِّ هذا عند يوسف. يقول الإنجيل: "وما إن استيقظ من النوم حتَّى فعل كما أمره ملاك الربّ" (مت 1: 24). كما أمره الربّ. قال له: "خذ امرأتك". وفي الحال: "أخذ مريم امرأتَه إلى بيته". نحن البشر لا نرى في البعيد. وحده الله يرى. وحده الله يهيّئ لنا الطريق إلى "النجاح" و"الفرح" وكدتُ أقول إلى "المجد". ماذا كان يوسف لو أراد أن يجادل وربَّما في النهاية يرفض؟ شخصًا في بيت لحم أو في الناصرة، لا أكثر ولا أقلّ. ولكن حين أطاع، دخل في مشروع الله العظيم، ألا وهو خلاص البشر، فكان دوره كرجل دور مريم كامرأة. وهكذا استطاع الرسول أن يقول: "ولمّا تمَّ ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا لامرأة (هنا دور مريم) مولودًا تحت الناموس (هو دور يوسف الذي قبل أن يتبنَّى يسوع فيدخله في شعب من الشعوب لكي يفتدي جميع الشعوب) ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبنّي" (أي لنصبح أبناء الله وبناته) (غل 4: 4-5).

هنا دور يوسف الذي يشبه دور مريم. هي قالت: "ها أنا أمة الربّ فليكن لي بحسب قولك" (لو 1: 38). وبدأت فمضت إلى إليصابات، ويوسف اكتفى بأن ينفّذ أمر الربّ. "ها أناذا".


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM