سراجٌ فوق المنارة

ميلاد مريم العذراء (2 كو 4: 1-6؛ لو 8: 16-21)

 

16ما مِنْ إنسانٍ مُنيرٍ سِراجًا ومُخفيهِ بوعاء أو واضعٍ إيّاه تحتَ السرير، بل هو واضعُهُ فوقَ المنارة حتّى يرى كلُّ داخلٍ نورَه. 17فليس شيءٌ مُغطّى إلاّ ويُكشَف، ولا مُخبَّأ إلاّ ويُعرَف ويأتي إلى العلَن. 18أنظروا كيف سمعتُم: فمَنْ له يُوهَبُ لَهُ، ومَنْ ليسَ لَهُ فذلك الذي يَظنُّ أنَّه له يُؤخَذُ منه.” 19وأتى نحوَه أمُّه وإخوتُه، وما كانوا قادرينَ أن يتكلَّموا معه بسببِ الجمع. 20فقالوا له: “أمُّكَ وإخوتُكَ قائمونَ في الخارجِ ومُريدونَ أن يَرَوك.” 21أمّا هو فأجابَ وقالَ لهم: “هؤلاء هم أمّي وإخوتي، الذين هم سامعون كلمةَ الله وعاملون بها.”

*  *  *

لا كلام في العهد الجديد عن ميلاد مريم العذراء. ولكن إذا كنّا نعيِّد مولد يوحنّا المعمدان لأنَّه تقدَّس في الحشا، فلماذا لا نعيِّد مريم حين وُلدَت وهي التي دعاها الملاك "ممتلئة نعمة"؟ وحدَّدت الكنيسة أنَّها لم تعرف الخطيئة منذ حُبل بها في أحشاء أمِّها.

أساس هذا العيد إنجيل يعقوب التمهيديّ. وكان اسم الكتاب في الأصل: ولادة مريم. نذر يواكيم، قدَّم القرابين وأطلَّت عليه علامة: "الآن علمتُ أنَّ الربَّ أنعم عليَّ وغفر جميع خطاياي". وحين أحسّ أنَّه تبرَّر، نزل من هيكل الربِّ واعتزل في بيته... وولدَت حنَّةُ امرأتُه. فقالت للقابلة: "ماذا ولدتُ؟" فأجابت القابلة: "ابنة". فقالت حنَّة: "تعظَّمت نفسي في هذا اليوم".

في هذا الخطِّ نقرأ سورة آل عمران: "إذ قالت امرأة عمران: "ربِّي، إنِّي نذرتُ لك ما في بطني محرَّرًا، فتقبَّلْ منِّي، أنت السميع العليم". فلمّا وضعتْها قالت: "ربِّي، إنِّي وضعتها أنثى!" والله أعلمُ بما وضعَتْ، وليس الذكر كالأنثى وإنِّي سمَّيتها مريم وإنِّي أعيذها بك (أجعلها تحت حمايتك) وذرِّيتها من الشيطان الرجيم" (3/ 35-36).

من زمان، اعتادت الكنيسة على الاحتفال بهذا العيد. فهتفت الليتورجيّا: هلمُّوا نعيِّد بابتهاج لمولد مريم البكر، التي بولادتها بشَّرت العالمَ كلَّه بالفرح. قال القدِّيس برنار: "اليوم وهبَنا الله تعالى هبة كريمة، وحوَّل حزن حوَّاء فرحًا". وقال يوحنّا الدمشقيّ: "إنَّ نجمة الصبح بظهورها تنبئ بانتهاء ظلام الليل. هكذا العذراء المجيدة بظهورها ومولدها تبشِّرنا بانتهاء شقائنا، وتُعزِّينا".

تتحدَّث الرسالة عن حضور المسيح في الكرازة الرسوليَّة. وإذا أحببنا أن نطبِّقه، نقول: حضور يسوع بمولد العذراء، يجعل النور يطلُّ بانتظار أن تشرق الشمس، شمس البرّ. ذاك ما يقول سفر التكوين: "ليكن نور!" فكان نور (تك 1: 3).

ونقرأ الإنجيل. أتت أمُّ يسوع. هي مريم العذراء. ولا نقول مثل بعض المسيحيِّين الموتورين: بما أنَّ يوحنّا لا يدعو مريم باسمها، "فهذا ينفي ضمنًا كون مريم اسم والدة يسوع". فصاحبنا لم يعرف أنَّ أخت مريم العذراء هي سالومة والدة يوحنّا ويعقوب. ثمَّ تأتي مريم زوجة كلاوبا والدا إخوة يسوع الذين هم يعقوب ويهوذا ويوسى (أو: يوسف) وسمعان. هم بواسطة والدهم كلاوبا أقرباء ليسوع بواسطة يوسف.

أرادوا أن يَصلوا إلى يسوع فما استطاعوا بسبب الجمع. أجل، الرسالة هي قبل الأخ والأخت والأمّ والأب: "من أحبَّ أبًا أو أمًّا أكثر منِّي لا يستحقُّني". ثمَّ لماذا جاء الآن الإخوة، ولماذا لم يكونوا معه من البداية؟ قال يوحنّا: "إنَّ إخوته لم يكونوا يؤمنون به." هم مثل اليهود ينتظرونه "مسيحًا منتصرًا يحطِّم الأعداء".

أتوا يريدون أن يروا "أخاهم" وابن العشيرة لكي يعيدوه إلى صوابه. فهو يشكِّل خطرًا لا على نفسه فقط، بل عليهم أيضًا. وصل الخبر إلى يسوع، والناس يحترمون إخوته كرامة له. ولا نقول شيئًا عن أمِّه التي نالت مديحًا رائعًا: "طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين أرضعاك" (لو 11: 27). أمّا هو فأجاب المرأة: "طوبى للذين يسمعون كلام الله ويعملون به" (آ28). القرابة الجسديَّة، لا بأس بها، ولكنَّ المهمّ القرابة الروحيَّة: صارت مريم تلميذة يسوع، بعد أن كان هو تلميذها يتعلَّم على حضنها قراءة الكتاب المقدَّس. شابهت مريم هنا أصحاب الأرض الطيِّبة الذين أثمروا مئة حبَّة (لو 8: 8). وقال فيهم يسوع: "الأرض الجيِّدة هم الذين يسمعون الكلمة ويحفظونها في قلب جيِّد صالح، ويثمرون بالصبر" (آ15)

وفي هذا المقطع (8: 19-21) أيضًا يسوع ينادي: "أمِّي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها". شرطان أساسيّان: السماع أوَّلاً. ثمَّ العمل. هنا نكون إخوة وأخوات يسوع، وإلاَّ نكون خارجًا.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM