تحنَّنْ عليَّ أنا الخاطئ

الأسبوع السادس عشر من زمن العنصرة (رو 8: 18-27؛ لو 18: 9-14)

 

9وقال هذا المثَلَ قبالةَ الناس المتَّكلينَ على نفوسِهم على أنَّهم صدِّيقون، والمحتقِرينَ الناسَ كلَّهم. 10“رجلان اثنان صعِدا إلى الهيكل للصلاة: واحدٌ فرّيسيٌّ وآخرُ جابٍ للضرائب. 11وذلك الفرّيسيّ كان قائِمًا بينَه وبينَ نفسِه، وكان مُصلِّيًا: "يا الله، شاكرٌ أنا لكَ لأنّي ما كنتُ مِثلَ سائرِ الناس الخاطفينَ والظالمينَ والزناة ولا مِثلَ جابي الضرائب هذا. 12بل أنا صائمٌ (يومين) اثنين في الأسبوع، ومُعشِّرٌ كلَّ شيء أقتَنيهِ أنا." 13أمّا ذلك الجابي فكان قائِمًا من بعيد وما كان مُريدًا أيضًا أن يَرفعَ عينَيه إلى السماء، إنَّما قارِعًا على صدرِه كان، وقائِلاً: "يا الله، تَحنَّن عليَّ أنا الخاطئ." 14وأنا قائلٌ لكم: نزَلَ هذا مُبرَّرًا إلى بيتِهِ أفضلَ من ذاك الفرّيسيّ. فكلُّ إنسانٍ يَرفَعُ نفسه يُواضَعُ وكلُّ مَن يُواضِعُ نفسَه يُرفَع.”

*  *  *

يبدأ القدِّيس لوقا فيقدِّم لنا لوحة أولى. الفرِّيسيُّون. هم الذين ينفصلون عن الآخرين. لا يسلِّمون عليهم إذا لم يكونوا مثلهم. لا يأكلون مع "العشّار" (أو: جابي الضرائب الذي يأخذ العِشر)، مع "الوثنيّ". يأتي من السوق فيغسل يديه، لا نظافةً، بل هربًا من نجاسة لأنَّنا لامسنا الأشياء والأشخاص. مساكين! هم عبيد. هم سجناء شريعة يفتخر بها كثيرون لأنَّهم يحبُّون أن يكونوا قاصرين. هكذا كانوا يفعلون وهكذا نفعل. الشريعة! نركع أمامها. أمّا يسوع فجعل الشريعة في خدمة الإنسان، وما سمح للإنسان أن يكون عبدًا للشريعة. جمع كلَّ الوصايا (613 وصيَّة) في: أحبَّ الربَّ إلهك. أحبَّ قريبك كنفسك. "هذه هي الشريعة وتعاليم الأنبياء". وما لم يصل الإنسان إلى هذا الموقع، لا يحسب نفسه مومنًا، بل لا يحسب نفسه إنسانًا.

هم "أبرار". أي يعملون أعمالاً تعلَّموها من آبائهم. كلاَّ! البارّ الحقيقيّ هو الذي يسمع صوت الله ويعمل بمشيئته على مثال إبراهيم. قال له الربّ: انطلقْ. فانطلقَ. ما هؤلاء الأبرار الذين يأتمرون على قتل يسوع؟ أين وصيَّة: "لا تقتل"؟ هكذا يكون "الفضلاء". إذا كانوا لا يستطيعون أن يعملوا خيرًا، يعملون شرًّا بحيثُ يحسُّ الناس بوجودهم.

"ويحتقرون الآخرين". هذا هو مفهوم الديانة عند الكثيرين في أيَّامنا. يجب أن يأتي الناس إلينا، وإن لم يكن بالحسنى فبالقوَّة والعنف. وبما أنَّنا أفضل الناس، لا نقبل بأيٍّ كان أن يكون معنا ويقوم بأيِّ نشاط.

"إنسانان". اثنان. الفرِّيسيّ إنسان والعشّار إنسان. اثناهما على صورة الله كمثاله. والاثنان يستطيعان أن يصلِّيا. ولكن يقول "المترفِّع": صلاتي أفضل من صلاته. أنا أقف، وقفة الندِّ أمام الذي هو الله. وأمنِّنُه بأعمالي: أصوم، أدفع العشر حتَّى من النعنع وسائر البقول.

الآخرون. هم مثلُ هذا العشّار! يسرقون. يعملون الشرور. يزنون. في المعنى الحرفيّ للزنى. وفي المعنى الرمزيّ حيث الزنا هو خيانة للربِّ والسير وراء آلهة أخرى. والخطيئة الكبرى عند هذا العشّار هو أنَّه يأخذ الضرائب فيسلب المالَ لنفسه ثمَّ يعطي الدولة الرومانيَّة، الوثنيَّة، التي تسيطر على البلاد.

كيف كانت صلاة العشّار؟ أوَّلاً، لبث بعيدًا، تقريبًا على الباب، وخاف أن يدخل. "ما تجرَّأ أن "يرفع عينيه". نظر إلى الأرض، وما نظر إلى السماء، أي إلى الله، لأنَّ السماء رمزٌ إلى الله. فحين نقول: "أبانا الذي في السماوات"، نعني يا أبانا، يا من أنت الله المتسامي. فالسماء ليست مكانًا نحصر فيه الله.

"قرع صدره". علامة التوبة والندامة على الخطايا. كلُّنا خطأة. وإن نحن أتينا إلى الكنيسة فلكي نعترف قبل كلِّ شيء بخطايانا. وإذ نقرُّ بها يغفر لنا الله لأنَّه الرحيم الغفور. ومع قرع الصدر الذي ليس فقط حركة خارجيَّة، بل يدلُّ على ما في القلب من انسحاق، كانت الصلاة: "اللهم". صلاتنا إلى الله، لأنَّ كلَّ خطيئة هي في النهاية إغاظة لله، هو الأب والأمّ. لا يرضى أن ينحدر أولاده. كما لا يرضى على أولاده إن لم يكونوا إخوة وأخوات. ثمَّ "ارحمني". يطلب المؤمن الرحمة، لا العدالة. هو لا يستحقّ. ولكنَّ الله يعاملنا برحمته، كما الأمُّ تعامل ابنها في رحمها، في حشاها. فإذا أراد الله أن يمارس عدالة البشر، ما من أحد يخلُص. هو يستقبلنا كما استقبل الأب ابنه الضالّ، الذي شطر البيت: غمره أبوه، قبَّله.

 

"أنا الخاطئ". أنا لا أترفَّع على الله، بل أعرف موقعي. وهكذا نالت صلاة العشَّار رضى الله. برَّره، قدَّسه، أطلقه. الفرِّيسيّ برَّر نفسه وما انتظر الله. أمّا العشّار فانتظر الله وسلَّم أمره إليه. ترفَّع الفرِّيسيّ على الله. والنتيجة؟ واضعه الله. ردَّه إلى موقعه. طلب منه أن يقف قرب العشار ويقولان معًا: "اغفر لنا" (صيغة الجمع). لا فقط: اغفر لي. لا فقط: لا أحتاج لغفرانك. فأنا بارّ. أنا قدِّيس. يا ليته تواضع أمام الله. لَكانَ الله رفعه كما يرفع الأب ولده. ونحن هل نقيم مع العشّار ونقرُّ بخطيئتنا أم نقف مع الفرِّيسيّ، فنترك الهيكل في حالة أتعس...؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM