امرأة خاطئة

 

الأحد الخامس عشر من زمن العنصرة (1 تس 1: 1-10؛ لو 7: 36-50)

 

36ولمّا أتى، طلبَ منه واحدٌ من الفرّيسيّين أن يَأكلَ معه، فدخلَ إلى بيتِ الفرّيسيّ ذلك واتَّكأ. 37وكانت هناك امرأةٌ خاطئةٌ في تلك المدينة. حين علِمَتْ أنَّ ذلك مُتَّكئٌ في بيتِ الفرّيسيّ، أخذَتْ قارورةَ طيبٍ، 38وقامَتْ خَلْفَه لدى رِجلَيهِ وباكيةً كانت. وأخذَتْ بدُموعِها تُبلِّلُ رِجلَيهِ وبشَعرِ رأسِها تَمسَحهُما، ومُقبِّلةً كانت رِجلَيه وماسحتُهُما طيبًا. 39فلمّا رأى ذلك الفرّيسيُّ الذي دعاه، فكَّرَ في نفسِه وقال: “لو أنَّ هذا كان نبيًّا، لكانَ عارفًا مَن هي وما خبرُها: فخاطئةٌ هي تلك المرأةُ التي لمَسَتْهُ.” 40فأجابَ يسوعُ وقال له: “يا سمعانُ، لي شيءٌ أقولُ لكَ.” أمّا هو فقالَ: “قُلْ رابّي!” فقالَ لهُ يسوع: 41“وُجِدَ اثنان مَديونانِ لواحدٍ سيِّدِ الدَّين، واحدٌ كان مَديونًا بخمسِمِئةِ دينارٍ وآخرُ بخمسينَ دِينارًا. 42وإذْ ليس لهما ما يَفيان تركَ لاثنَيهما. إذًا، أيَّهما يُحبُّه أكثر؟” 43فأجابَ سمعانُ: “أظنُّ أنا ذاك الذي تركَ له أكثر.” فقال له يسوعُ: “بالصوابِ حكمْتَ.” 44والتفتَ نحْوَ تلكَ المرأةِ وقالَ لِسمعان: “أناظرٌ أنتَ المرأةَ هذه؟ دخلْتُ بيتَكَ وماءً لرِجليَّ ما وهبْتَ، أمّا هذه فبدموعِها بلَّتْ رِجليَّ وبشَعْرِها مَسحتْهُما. 45أنتَ ما قبَّلتَني، أمّا هذه فمنذُ دَخلَتْ ما كفَّتْ عن تَقبيلِ رِجلَيَّ. 46أنتَ بدُهنٍ ما مَسحتَ رأسي، أمّا هذه فبِدِهنِ الطيبِ مَسحَتْ رِجليَّ. 47لأجل هذه، أنا قائلٌ لكَ: مَغفورةٌ لها خطاياها الكثيرة لأنَّها أحبَّتْ كثيرًا. أمّا ذاك الذي يُغفَرُ له القليلُ فهو مُحبٌّ قليلاً.” 48وقال لتلك المرأة: “مغفورةٌ لكِ خطاياك.” 49فشرعَ أولئكَ المُتَّكئون يقولونَ في أنفسِهم: “مَنْ هو هذا حتّى يكونَ غافِرًا الخطايا؟” 50أمّا يسوعُ فقالَ لتلكَ المرأة: “إيمانُكِ أحياك، اذْهَبي بسَلام.”

*  *  *

امرأة خاطئة. ذاك هو عنوان هذا المقطع الإنجيليّ. ولكن مع من خطئت؟ أين هو الرجل؟ ألا يكون هو أيضًا خاطئًا؟ وهناك مقطع في يوحنّا: امرأة وُجدَت في زنى ويجب أن تُرجم. وهذه المرأة أتت حيث لا يكون سوى الرجال. من سمح لها أن تأتي إلى هنا؟ هي ثورة حقيقيَّة قام بها يسوع وحتَّى اليوم ما زلنا بعيدين عنها. التقليد الآتي من الصحراء، من محيط لا يقيم وزنًا للفتاة. يتعلَّم الشابّ لا الفتاة. فعملها معروف. تتزوَّج وهنيئًا لها إن أعطت لزوجها أولادًا وإلاَّ... تكون بنت فلان، زوجة فلان. أمّا اسمها، فلا اسم لها. وشخصيَّتها؟ لا شخصيَّة لها. هي كلُّ زوجها. وفي هذا المشهد الإنجيليّ، ما اسمها؟ "خاطئة". أما لها اسم آخر مثل صاحب البيت الذي اسمه سمعان...؟

لو لم يكن يسوع هنا، لما كانت تجرَّأت ودخلت. وانقسم الحاضرون: يسوع من جهة وجميع الحاضرين، وكلُّهم رجال من جهة. يسوع والمرأة عند قدميه: هي جاءت لتكون تلميذة ليسوع. حملت أدوات خطيئتها. هي تحوَّلت، واستعمال الطيب لم يعد للشرّ، بل ليُسكَب على يسوع إعدادًا لدفنه (لو 12: 1ي). وفي أيِّ حال، هناك طيب آخر يدعوه بولس الرسول: "رائحة المسيح الطيِّبة" (2 كو 2: 15). دموعها صارت دموع التوبة. والقبلة هي القبلة المقدَّسة في احتفالاتنا الليتورجيَّة (رو 16: 16).

حكمَ الفرِّيسيّ المتزمِّت على يسوع: لو كان نبيًّا لعرف. هو نبيّ وأكثر من نبيّ. هو المسيح وابن الله. وعرف. وتمنَّى أن تأتي إليه هذه الخاطئة: فهو ما أتى من أجل الذين يظنُّون نفوسهم أبرارًا ويعتبرون أنَّ لاخطيئة عندهم. هو جاء من أجل الخطأة: يدعوهم إلى التوبة. ويطلقهم في حياة جديدة. "اذهبي بسلام"، قال للمرأة. والسلام هو ملء البركة. أمّا الزانية فقال لها: "أنا لا أدينك. لا أحكم عليك. اذهبي ولا تعودي إلى الخطيئة" (يو 8: 11).

هذه الخاطئة "لمست" يسوع. تلمس "رجلاً". تستحقُّ لطمة! ثمَّ هي خاطئة وبالتالي تنجِّسه. كان الواجب عليه أن يبتعد عنها. ولكنَّه جاء ليحمل أوجاعنا ويأخذ عاهاتنا. لمسته نازفةُ الدم، خفيةً، فأخبر الجميع بها. هي ما نجَّسته. بل هو شفاها وقدَّسها. وأين الشرائع التي تمنع اليهوديّ وغير اليهوديّ وصولاً إلى الهنديّ حيث كلُّ طبقة تنعزل على ذاتها. تخيَّلوا: لمس يسوعُ الأبرص. إذًا تنجَّس! وتقول الشريعة: يبقى نجسًا حتَّى المساء. أجل، هكذا كانت الشريعة تقول. ولكنَّ الأبرص طهر. ويسوع واصل رسالته في عمل الشفاء يوم السبت حيث يكون الناس مجموعين وربَّما في أيَّام أخرى. فهو ليس عبد الأيَّام: هذا يوم شرٍّ وهذا يوم خير!

كيف نحكم نحن على الناس؟ هو رجل لا امرأة، وكلُّنا يعرف صلاة اليهوديّ الذي يشكر الربَّ الذي لم يجعله لا... ولا امرأة. ثمَّ هو غنيّ. ما نفع الفقير سوى أن يخدمنا فنستغلَّه. المريض، المعاق، اليتيم، الأرملة... ثمَّ هناك محيطنا "المخمليّ" حيث لا يدخله أيٌّ كان. وأخيرًا، الخادمة ليست على صورة الله ولا يحقُّ لها أن تجلس معنا وتأكل معنا. وفي النهاية ننسى اسمها. هذا هو عالم العنف الذي يرفضه يسوع كلَّ الرفض ويطلب من المؤمن أن يقتدي به.

أمّا عند يسوع، فمعيار واحد: المحبَّة. وهكذا ارتفعت الخاطئة فتجاوزت سمعان. صارت أفضل منه. ولكنَّه صاحب الدعوة! هو دعا يسوع كما ندعو "شخصيَّة" لكي نفتخر أنَّنا نعرفها وقد دعوناها. كلّ الولائم الدنيويَّة تحطُّ بالكاهن والأفضل له أن يتحاشاها. إن كان لا يستطيع أن يحمل كلام الله، حضور الله، فماذا جاء يعمل؟ أليأكل؟ أليشرب؟ أليَرى أو ليسمع أخبارًا؟...

 

هذه المرأة أحبَّت كثيرًا فغُفر لها الكثير. أو نقول: غفر لها يسوع فعرفت كيف تكون المحبَّة بعد اليوم. أتت غريبة فصارت قريبة من يسوع. تلميذة له. وسمعان، وأنا وأنت... بعد اللقاء بيسوع في هذا القدَّاس، ماذا تبدَّل عندي؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM