انظروا كيف تسمعون

الأسبوع الثالث عشر بعد العنصرة (1 كو 3: 1-11؛ لو 8: 1-15)

 

1وحدثَ مِنْ بَعدِ هذه أنَّ يسوعَ كان متجوِّلاً في المدُنِ والقرى، وكارزًا كان ومُبشِّرًا بملكوتِ الله، والاثنا عشرَ معَهُ، 2والنساءُ تلك اللواتي شُفينَ من الأمراضِ ومن الأرواحِ الشرّيرةِ، مريمُ المدعوَّةُ المجدليَّة، تلك التي سبعةُ شياطينَ خَرجوا منها، 3وحنّةُ امرأةُ كوزا ربِّ بيتِ هيرَودُسَ، وسُوسَنُ، وأخرياتٌ كثيراتٌ اللواتي كُنَّ خادماتٍ لهم مِن مُقتنياتِهنَّ.

4ولمّا جمعٌ كبيرٌ اجتمَعَ، ومِنْ كلِّ المدنِ إليه كانوا آتين، قالَ بأمثال: 5“خرجَ الزارِعُ ليَزرعَ زرعَهُ، فوُجدَ ما سقطَ على جانبِ الطريق، فدِيسَ وأكلَهُ الطَّير. 6وآخرُ سقَطَ على الصخر، وفي ساعتِه نما، ولأنَّ ليسَ له رطوبةٌ يَبِسَ. 7وآخرُ سقَطَ بين الأشواك، فنمَتْ معه الأشواكُ وخنقَتْه. 8وآخرُ سقطَ في أرضٍ صالحةٍ وحسنَةٍ فنما وعمِلَ ثِمارًا، واحدٌ بمِئة. وإذ هو قائلٌ هذا كانَ صارخًا: من له أذنان ليَسمَعَ، يَسمعُ.”

9وسأله تلاميذه: “ما هو هذا المثل؟” 10فقالَ لهم: “لكم وُهبَتْ مَعرفَةُ سِرِّ ملكوتِ الله. أمّا لأولئكَ الباقين، فبتشابيهَ يُقالُ لهم، وإذ هم ناظرون لا يَنظرون، وإذ هم سامعون لا يَفهمون. 11فها هو المثل: الزرعُ هو كلمةُ الله. 12وأولئك الذين هم على جانبِ الطريقِ هم هؤلاء السامعون الكلمة، فيأتي الشرّيرُ ويحمِلُ الكلمةَ مِنْ قلبِهم فلا يُؤمنون فيَحيون. 13 أمّا أولئك الذين على الصخْرِ فهم الذين حين سمِعوا كانوا بفرَحٍ قابلينَ الكلمة، وليسَ لهم جذور، إنَّما لزمنٍ هم يُؤمنون، وفي زمنِ التجربةِ مُتعثِّرون. 14وأمّا ذاك الذي سقطَ بين الأشواك، فهم هؤلاء السامعون الكلمةَ فيَختَنقون بالهمِّ والغنى وبملذّاتِ العالم، وثِمارًا غيرُ واهبين. 15أمّا ذاك الذي في أرضٍ صالحة، فهم هؤلاء السامعون الكلمةَ بقلبٍ صافٍ وصالح، والآخذون والواهبون ثمارًا، بالصبر.

*  *  *

هذه العبارة التي أوردها لوقا بعد مثل السراج (8: 18) تجمع في لمحة واحدة أولئك الين كانوا قرب يسوع، كما الذين غُرسَت فيهم كلمة الله. حول يسوع ثلاث حلقات. الأولى، الاثنا عشر الذين هم امتداد للأسباط الاثني عشر: رمز إلى الشعب الأوَّل وإلى الشعب الثاني (6: 12-16). ثمَّ حلقة التلاميذ (ف 10) والتلميذات (8: 1-3) الذين رافقوا يسوع على طرقات الجليل. والحلقة الثالثة تتكوَّن من الذين استقبلوا يسوع مثل مريم ومرتا (10: 28-32) زكّا (19: 1-10) يوسف الرامي (23: 50-53)، إلخ. هؤلاء أثمرت فيهم الكلمة.

وها هو يسوع يعطي مثل الزارع. كيف يبدو الذين يسمعون الكلمة؟ هم مثلُ الأرض، حَبٌّ على الطريق يأكله الطير ويدوسه الناس. حبٌّ على الصخر وبين الحجارة. جفَّ لأنَّ لا رطوبة له. فشلٌ تامّ. وفشل ثالث لحَبٍّ سقط بين الشوك. ولكنَّ الأرض الطيِّبة أعطت غلَّة رائعة: مئة ضعف (لا تدرُّج هنا من 30 إلى 60 إلى مئة).

أمران يلفتان النظر: لا شكَّ في أنَّها عادة لدى الفلاَّح بأن يُلقي زرعه كلَّ سنة. ولكن هنا نقرأ لفظ "خرج" (آ5). نحن أمام حدث فريد ولاسيَّما حين نعرف أنَّ الزارع هو ابن الله الذي خرج من عند أبيه وأتى إلى العالم. والأمر الثاني، الكلام عن الزرع كاستعارة لإشارة إلى الكلمة أو التعليم: عُرف في العالم القديم. أمّا آ11-15 فتطبِّق المثل على تعليم يسوع، الذي انطلق منذ ألفي سنة ولا يزال حاضرًا وهو ينتظر الحقول، ينتظر القلوب المتنبِّهة إلى التعليم.

أعطيَ المثل. يبقى أن يُفهَم. لهذا سأل التلاميذُ عن مدلول كلام يسوع. فأجاب يسوع مميِّزًا نوعين من السامعين: من جهة، التلاميذ الاثنا عشر والنسوة في آ1-3، الذين أُعطي لهم أن "يعرفوا أسرار ملكوت الله". يعني: حضور سرّيّ للملكوت في نشاط يسوع (هو إنسان مثلنا، يعلِّم)، وفي كلامه، بالرغم من فشل بعد فشل. ومن جهة ثانية، أولئك الذين يصطدمون بالمثل ويتوقَّفون عند ضعف تصرُّف يسوع، في الظاهر، فيلبثون رافضين الوعد الإلهيّ المُعطى هنا. نتذكَّر هنا النبيَّ إشعيا (6: 10): هبة الله ومسؤوليَّة الإنسان تتكاتفان في هذه المصائر المتعارضة. من يثمر، من لا يثمر.

وفي محطَّة ثالثة يُشرَح المثل. خبرة الجماعات المسيحيَّة الأولى وصعوبات حمل البشارة تنصبُّ في هذا الشرح الاستعاريّ، فيتركَّز الانتباه على نوعيَّة الحقول التي تشير إلى فئات الأشخاص الذين يتقبَّلون كلمة الله. الفئة الأولى: يسمعون التعليم الذي لا يترك أثرًا فيهم. لم "تُطبَع" الكلمة فيهم، لأنّ إبليس "يأتي وينزعها" (آ12). لا يُبقي لها أثرًا. هو الشرِّير أو الشرّ لا يترك مجالاً للكلمة. الفئة الثانية لا تقاوم المحن والصعوبات أو العداوة (اضطهاد ورفض المؤمنين). يتركون الكلمة ويمضون (آ13). والفئة الثالثة: يجدون أمورهم المادِّيَّة "خانقة" فيفضِّلون أن يخنقوا الكلمة بحيث لا تزعجهم. همُّ العالم والغنى يتقدَّم على الكلمة (آ4). مثل الغنيّ الغبيّ، 12: 16-21؛ (رج 16: 13: لا تقدرون أن تخدموا ربَّين الله والمال. ثمَّ مثل لعازر والغنيّ 16: 19-31). والفئة الرابعة: نضجوا. حملوا ثمرًا. تقبَّلوا الكلمة "بقلب مستقيم". لا مواربة فيه ولا شرّ. وبقلب "صالح"، طيِّب، مستعدّ، لا انقسام فيه (آ15). فالموقف المثاليّ هو الثبات في المحنة والصعوبات. هو الأمانة التي تمتدُّ وتمتدُّ ولا تكون قصيرة النفَس. من نجعل في هذه الخانة الأخيرة؟ مريم العذراء والذين يرافقونها. قيل ليسوع: جاءت أمُّك وإخوتك. فكان الجواب: "أمِّي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها" (8: 21). ذاك كان شرح المثل (آ15).

انطلق يسوع ممّا يراه هو وتلاميذه في الحقول، فوصل بنا إلى كلمة الله التي تُزرَع في صدر كلِّ واحد منّا. في أيِّ فئة نحن؟ يا ليتنا في فئة التلاميذ الذين دخلوا في سرِّ الله! أمّا أولئك الذين لبثوا في الخارج فلم يكن للزرع موضع في قلوبهم. ثمَّ نطرح السؤال: ما هو الشوك الذي يمنع الكلمة من أن تثمر فينا؟ وفي أيِّ حال، هناك تبدُّل يطلبه الله من كلِّ واحد منّا. ندخل في المثل، نفهم معانيه العميقة ونطبِّقه على حياتنا.

وخلاصة المثل وتفسيره بالنسبة إلى التلاميذ والتلميذات:

- أهمِّيَّة السماع في حياتنا. من قراءة الإنجيل والكتب المقدَّسة، من سماع الوعظ الأسبوعيّ أو على الراديو. هل نسمع في أذن غائبة أم يصل الكلام إلى القلب؟

- أهمِّيَّة اكتناز الكلمة بحيث تصبح جزءًا منّا فتغنينا وتغني الذين حولنا.

- يسوع هو الزارع. واليوم كلَّفنا، بعد أن صعد إلى السماء، أن نواصل عمله. نبذر الحبّ، نزرع الكلمة. اقتبال الكلمة يتطلَّب الثبات، وتوزيع الكلمة يتطلَّب الثبات وعدم التوقُّف بالرغم من الفشل الذي نراه في عملنا.

- وإن نحن زرعنا وسقينا واهتممنا، هل نحن معجِّلون لنرى الثمار؟ مهما عملنا نحن عبيد عاديُّون. الله هو الذي ينمي. ونحن إذ نعمل نتَّكل على الثمرة التي هي عطيَّة من عنده.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM