زكَّا العشَّار في أريحا

الأحد الحادي عشر بعد العنصرة (أف 2: 17-22؛ لو 19: 1-10)

 

1وحين دخلَ يسوعُ وعبَرَ في أريحا. 2رجلٌ ما اسمُه زكّا كان غَنيًّا وعظيمَ الجُباة، 3ومُريدًا كان أنْ يَرى يسوعَ مَنْ هو، وما كان قادِرًا مِنَ الجمع، لأنَّ زكّا كان صَغيرًا بقامتِه. 4وركضَ فسبَقَ يسوعَ وصعِدَ جُمَّيزةً ليَراه، لأنَّه كان عتيدًا أن يَعبُرَ هناك. 5وحين أتى يسوعُ إلى ذاك المكان، رآهُ وقال له: “أسرِعْ، انزِلْ يا زكّا، فاليومَ ينبغي أن أكونَ في بيتِكَ.” 6فأسرَعَ ونزلَ وقبِلَهُ فرِحًا. 7وحين رأوا ذلك كلُّهم، مُتذمِّرين كانوا وقائلينَ: “لدى رجُلٍ خاطئ دخَلَ وحلَّ.” 8وقام زكّا وقالَ ليسوع: “ربّي، ها أنا واهبٌ نِصفَ أموالي للمساكين، ولكلِّ إنسانٍ خدَعْتُ في شيء، مُعوِّضٌ أنا واحدًا بأربعة.” 9فقالَ لهُ يسوع: “اليومَ صارَتِ الحياةُ لهذا البيت، لأنَّ هذا أيضًا هو ابنُ إبراهيم. 10لأنَّ ابنَ الإنسان جاء ليَطلُبَ ويُحييَ الشيءَ الذي كان هالكًا.”

*  *  *

يسوع صاعد إلى أورشليم. الناس يرافقونه دون أن يدروا. هم ماضون إلى العيد وهو ماضٍ. في الخارج لا يختلف عنهم. شابٌّ مثل سائر الشبَّان، زاده على كتفه. هذا في الخارج.

دخل أريحا. وصار في نهايتها. ما دعاه أحد. ما حيَّاه أحد. فقط رجل فضوليّ، حشور. أخبروه عن يسوع وما كان يجرؤ أن يقترب منه، لأنَّ الفرِّيسيِّين يمنعون الخطأة من الاقتراب إلى شخص "قدِّيس"، "مفصول" عن العشَّارين. هو لا يسلِّم على مثل هؤلاء. وخصوصًا لا يجلس معهم إلى المائدة. فأمّا أن يقف زكَّا أمامه وجهًا إلى وجه؟ فهو لا يجسر. تلك حسابات رجل غنيّ. له مركزه في المدينة. ما كان مجرَّد عشَّار، هو رئيس العشَّارين. ماذا صنع؟

تصرَّف مثل "طفل"، مثل "ولد". صعد الجمَّيزة. تخيَّلوا رجلاً يلبس لباس العيد يصعد شجرة! هذا غير معقول! ومع ذلك، تصرَّف زكَّا مثل طفل وكأنِّي به سمع كلام الربّ: إن لم تكونوا كالأطفال... وكلُّ ما أراده أن "يرى من هو يسوع". هذه الشخصيَّة التي يتكلَّم عنها الجميع. "حشريَّة". ولكنَّ الربَّ رفع هذا "الولد" فجعله مضيفه. ما اكتفى بأن يسلِّم عليه من بعيد: "أهلاً زكَّا، كيف الصحَّة؟" تلك سلاماتنا التي لا تعني شيئًا. نسأل ونتابع الطريق. أو يجيبنا الآخر: الحمد لله. لا. ما كانت نظرة يسوع من هذا النوع. هي نظرة حبّ وخلْق من جديد. قيل هو خاطئ! غفر له خطيئته. هو "غريب"، صار قريبًا. لا يحقُّ له أن يكون مع الناس، صار من أهل البيت. أو بالأحرى، صار بيته مقامًا ليسوع. تلك طريقة يسوع في التعامل مع كلِّ واحد منَّا.

"انزلْ سريعًا يا زكَّا." خاف هذا الرجل أن يراه الناس، فاختبأ في الشجرة. أمَّا يسوع فنظر إليه، ويا لها من نظرة ملأت قلبه بالفرح. أنا العشَّار! يسوع في بيتي! ماذا يقول الناس؟ هذا لا يصدَّق، ولكنَّ عظمة الربِّ ما إن تقول حتَّى تفعل. حوَّل يسوع زكَّا. لم يعد ذاك المتطلِّع، الفضوليّ. صار شخصًا آخر. لم يعد يرى من كلِّ هؤلاء الجموع إلاَّ الربّ. وودّ أن يرتمي بيديه كما الطفل الراكض نحو أمِّه.

"انزلْ". نزل في الحال، مسرعًا. افتح بابك فـ"أنا أقيم اليوم في بيتك". فتح بابه. فتح قلبه. فرصة لا تعود، شابه فيها طيما الذي صرخ وصرخ وما توقَّف حتَّى سمعه يسوع ودعاه. وكلمة يسوع: "اليوم". اليوم هو يدعوك. الربُّ يدعوك كما دعا أندراوس ورفيقه (يو 1) اللذين لبثا النهار كلَّه مع يسوع. "اليوم" يزورنا يسوع. هل نحن في بيتنا؟ هل نحن على استعداد لأن نسمع صوته ونفتح له الباب؟ "اليوم". التأخير ممنوع. غدًا لن يكون يسوع في أريحا. فيكون عبرَ وأنتَ ما استفدت من مروره. لا، ما ترك زكَّا الفرصة تفوته. "اليوم" سمع زكَّا صوت الربّ. واليوم أظهر لنا كيف تحوَّلت حياته. أيَّأتي الربُّ إلى قلبنا في سرِّ التوبة؟ أنأكل جسده ونشرب دمه، ولا يتحوَّل شيء فينا؟ العادة! نتناول كلَّ أحد، كلَّ يوم... وبعد ذلك؟ هل خرق نظرُ يسوع قلوبنا؟

زكَّا مثَلٌ لنا. "اليوم" جاءه الربّ. و"اليوم" استقبل الربّ. قال: "أعطي الفقراء." أمام يسوع الذي أعطى ذاته، لا يكون جوابنا سوى العطاء. هكذا نكون تعلَّمنا منه. هي الرحمة والمحبَّة أوَّلاً. ثمَّ العدالة. وقال: "إذا ظلمتُ أحدًا". مرَّات نردُّ للربِّ ما "سلبناه" من أولاده. وهكذا نرضيه، نرشيه! حسب الشريعة، أردُّ الدينار أربعة دنانير.

"اليوم حلَّ الخلاص بهذا البيت." ما أن نفتح قلبنا حتَّى يملأه الربُّ بنعمه وعطاياه، يملأه بحضوره. وفي بداية الكنيسة، صار بيت زكَّا "العشَّار" مكان اجتماع المسيحيِّين الأوَّلين في أريحا. صار كنيسة قبل أن تُبنى الكنائس. إذا كان يسوع، خلال حياته على الأرض، أكل مع الخطأة والعشّارين، أتراه يستحي أن يستقبل المؤمنين في بيت عشَّار؟ "اليوم أقيم". والربُّ أقام وحوَّل قلب زكَّا كما حوَّل بيته فلم يعد بيت الخطيئة، بل بيت النعمة وحضور الله.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM