طوبى للذين ما رأوني وآمنوا

الأحد الجديد (2 كو 5: 11-21؛ يو 20: 26-31)

 

26وبعدَ ثمانيةِ أيّام، كان التلاميذُ أيضًا في الداخلِ وتوما معهم. فأتى يسوعُ والأبوابُ مُغلقة، وقامَ في الوسط وقالَ لهم: "السلامُ معكم." 27وقال لتوما: "هاتِ إصبعَك إلى هنا وانظرْ يديَّ، وهاتِ يدَك وابسُطْها في جنبي بحيث لا تكونُ لا مؤمنًا، بل مؤمنًا (تكون)." 28فأجابَ توما وقال: "ربّي وإلهي." 29فقالَ له يسوع: "الآن، لأنَّك رأيتني آمنتَ، طوباهم الذين ما رأوني وآمنوا."

30وآياتٍ أخرى كثيرة، صنع يسوعُ قدّام تلاميذِه، وهي التي ما كُتبتْ في هذا الكتاب. 31وهذه التي كُتبتِ الآنَ، فلكي تؤمنوا أنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله، وإذا آمنتم تكونُ لكم باسمِه الحياةُ الأبديَّة."

*  *  *

كان الموعوظون الذين استعدُّوا بشكل خاصّ طوال الصوم المبارك، يتقبَّلون العماد المقدَّس. يموتون مع المسيح ويقومون مع المسيح. يخرجون من "جرن العماد" وهم يلبسون الثياب البيضاء. لهذا دُعيَ هذا الأحد: "في الثياب البيضاء". وعندنا دُعيَ الأحد الجديد. فهؤلاء الذين اعتمدوا اتَّخذوا حياة جديدة، وتركوا الحياة القديمة. وما هم وحدهم تجرَّدوا، بل كلُّ شيء حولهم تبدَّل. حين خطئ الإنسان، تحوَّل الفردوس، جنَّة عدن، أرضًا تنبت الشوك والحسك. وانتظرت الخليقة ولبثت تئنُّ منتظرة تجلِّي أبناء الله (رو 8: 19ي). ولمّا تجدَّد المؤمن بالعماد، تحوَّلت الخليقة مثله، ونظر هو إليها نظرة جديدة، كما تبدَّلت نظرته إلى إخوته وأخواته لأنَّهم صاروا كلُّهم أعضاء في الكنيسة، أبناء وبنات الله.

ذاك ما يفعله الإيمان والعماد فينا. قال الإنجيليّ: "من يؤمن ويعتمد يخلص" (مر 16: 16). اعتمد هؤلاء الذين استعدُّوا، وتعلَّموا الإنجيل الذي دعاهم "ليؤمنوا بأنَّ يسوع هو المسيح ابن الله. وحين يؤمنون تكون لهم الحياة باسمه" (يو 20: 31). راح زمان رؤية العين وحلَّت محلَّها رؤية أخرى. لا مجال بعد للجسد، للحم والدم، حيث يودُّ التلاميذ أن يلمسوا معلِّمهم بعد القيامة، كما كانوا يفعلون قبل القيامة. قال الربُّ لمريم: "لا تستطيعين بعد أن تلمسينيّ" لمس اليد. صرتُ في عالم آخر. هل تستعدِّين أن تقبلي الوضع الجديد؟ وكان جوابها سجودًا وهتافًا: "رابُّوني".

وتوما أحد الاثني عشر، سوف يعلن إيمانه، فيكون كلامه الذروة في إنجيل يوحنّا كما في سائر الأناجيل. جمع التسميتين المعروفتين في العهد القديم: "ربِّي". الربُّ هو "كيريوس" في اليونانيّ. "يهوه" في العبرانيّ. ثمَّ "إلهي"، إلوهيم، اللهمَّ، القدير، الثابت، الذي فعل في الماضي ويفعل الآن وإلى الأبد. أراد أن يرى بعينيه. أين هو أثر المسامير في اليدين والرجلين؟ أيكون هذا الذي يخبرون عنه هو شخص آخر؟ هنا يشير الإنجيل الرابع إلى دفاع قام به المسيحيُّون منذ بداية الكنيسة. قال الخصوم: مات يسوع وقُبر، وانتهى أمره. والذي رأيتموه هو شخص يشبهه. من هنا العبارة: "شُبِّه لهم". مساكين هؤلاء التلاميذ الذين أخطأوا حين نسوا معلِّمهم! بل مسكين هو الشعب اليهوديّ والذي تبعه. لبثوا خارج الملكوت ساعة أتى إلى الملكوت أناس من المشرق والمغرب "واتَّكأوا مع إبراهيم وإسحق ويعقوب" (مت 8: 11).

لا. ما شُبِّه للتلاميذ. بل رفض اليهود أن يقولوا شيئًا سوى أنَّ "التلاميذ سرقوه". وهكذا أراد توما أن يتأكَّد. وليس وحده، بل الآخرون أيضًا. فالإنجيل يقول عنهم بعد الصيد العجيب: "لم يجسر أحدٌ من التلاميذ أن يسأله من أنت، إذ كانوا يعلمون أنَّه الربّ" (يو 21: 12).

"إن كنتُ لا أرى". تعال، يا توما، وانظر يديَّ ورجليَّ. تأكَّد من أثر المسامير. هذا الذي كان مرفوعًا "فرآه الشعب" (لو 23: 35)، هو الآن وسط التلاميذ وآثار المسامير واضحة. ومع النظر هو اللمس. ماذا طلب توما؟ أن يضع يده في جنب المعلِّم." هناك أتت الحربة، فنزل دم وماء. أبعدُ حاجة إلى لمسة الجسد؟ كلاَّ. بل السجود والسجود العميق. فهذا الذي رافقْناه على طرقات الجليل واليهوديَّة، هو الربُّ وهو الإله. ولا يمكن أن يكون فقط إنسانًا. فكيف لإنسان وُضع في القبر أن يدحرج الحجر ويخرج!

التلاميذ خائفون! "سلام لكم". ذاك ما قاله لهم الربُّ. ومع السلام ملء البركة. وماذا نريد من بركة أفضل من القيامة؟ كلُّ هذا كان بعد ثمانية أيَّام. فبعد الأيَّام السبعة، يكون اليوم الثامن والحياة الجديدة. هكذا كان يعرف المعمَّدون الجدد أنَّهم تصالحوا مع الله بالمسيح. وهكذا نعرف نحن بعد أن عشنا زمن الصوم ومتنا يوم الجمعة مع المسيح وقمنا معه يوم الأحد، أنَّنا مصالَحون مع الله، ومرسَلون "كسفراء" لكي نعلن مع المؤمنين: "المسيح قام حقًّا قام".


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM