مسيرة إلى قبر النور

أحد القيامة (1 كو 15: 12-26؛ مر 16: 1-8)

 

1ولمّا عبَرَ السبتُ، مريمُ المجدليَّةُ ومريمُ التي ليعقوبَ، وسلومَه، اشتَرَينَ عُطورًا ليَأتِينَ يَمسَحْنَهُ. 2وفي الفجرِ، في أوَّلِ الأسبوع، أتَينَ إلى القبْرِ إذْ أشرَقَتِ الشمْس. 3وقائلاتٍ كنَّ في نفوسِهنَّ: “مَنْ يُدحرِجُ لنا الحجرَ عن بابِ القبْر؟” 4وتطلَّعنَ فرأيْنَ أنَّ ذاكَ الحجَرَ كان مُدحرَجًا، لأنَّه كانَ كبيرًا جدًّا. 5دخلْنَ إلى القبْرِ، ورأيْن شابًّا جالِسًا عن اليمينِ ومُتَّشِحًا حُلَّةً بيضاءَ فانذَهَلْنَ. 6أمّا هو فقالَ لهنَّ: “لا تَخَفْنَ، أنتنَّ طالباتٌ يسوعَ الناصريّ ذاك الذي صُلِبَ. هو قامَ وما هو هنا. ها المكانُ حيثُ كان مَوضوعًا. 7لكنِ اذهَبْنَ وقُلنَ لتلاميذِه ولكيفا إنَّهُ سابِقٌ إيّاكُم إلى الجليل، وهناك تَرَونَهُ كما قالَ لكم.” 8وإذْ سمِعْنَ هرَبْنَ وخرَجْنَ مِن القبر، لأنَّ الذُهلَ والرِّعدَةَ أخذَتْهُنَّ، ولإنسانٍ ما قُلْنَ شيئًا، لأنَّهُنَّ كُنَّ خائفات.

*  *  *

من هم الأشخاص الحاضرون؟ أوَّلاً، أولئك الذين كانوا عند صليب يسوع (يو 19: 25). ما عدا مريم العذراء، أمّه. هي كانت "واقفة". والوقوف علامة القيامة. بما أنَّها آمنت بالقيامة حين كانت بقرب ابنها على الصليب، ما احتاجت أن تمضي إلى القبر. فالذي اعتبروه ميتًا هو حيّ. "أخت أمِّه"، هي سالومة، أمُّ يعقوب ويوحنّا. فبالنظر إلى قرابتها، طلبت من يسوع أن يُجلس ولدَيها كـ"وزيرين"، الواحد عن يمين يسوع والآخر عن شمال يسوع "في مجده" (مت 20: 20ي). زوجها زبدى. إذًا مريم لم تكن وحيدة والديها كما تقول الأناجيل المنحولة فلها أخت اسمها سالومة، متزوِّجة وعرفنا اثنين من أولادها. ومريم (زوجة) كلاوبا هي أمُّ إخوة يسوع الأربعة، أي أبناء عمّ يوسف: يعقوب، يهوذا، سمعان، يوسي (مت 13: 53). ذُكرت في مر 16: 1 على أنَّها "أمُّ يعقوب". وفي مر 15: 47 على أنَّها أمُّ يوسي، الذي هو تصغير يوسف. فلا نقرأ بعد اليوم في يو 19: 25: "أخت أمِّه مريم" بحيث لا يعود اسم أمِّ يسوع مريم. يا للضلالة والكذب. بل نقرأ: "أمّه وأخت أمِّه، ومريم زوجة كلاوبا". أمّا المجدليَّة التي خرج منها سبعة شياطين، كما قال لوقا (8: 2)، فهي التي كانت خاطئة، وخصوصًا لأنَّها كانت "معثرة" كبيرة للناس، فتقودهم إلى الخطيئة. أمّا الآن فهي تبشِّر بالقيامة، إمَّا وحدها (يو 20: 18) وإمّا مع سائر النسوة، كما هو الأمر هنا.

"رأيْن شابًّا" من هو هذا الشابّ الذي كان عند القبر؟ يلبس "حلَّة بيضاء". هي لباس القيامة. ولباس الذي اعتمد وخرج من جرن العماد، فترك الإنسان القديم ولبسَ الإنسان الجديد. هنا نقرأ مر 14: 51: "وتبعه شابٌّ لابسًا إزارًا (مثل شرشف) على عريه". أرادوا أن يوثقوه "فترك الإزار وهرب عريانًا". هكذا كان يتمُّ العماد: يدخل الإنسان عريانًا في الماء، كما في الموت. ويخرج لابسًا لباسًا أبيض، لباس النصر والقيامة. اعتمد في يسوع وقام مع يسوع وأخذ يبشِّر بقيامة يسوع. هو عن "اليمين" مثل كلِّ أهل الملكوت (مت 25: 34).

والحاضر الأكبر يسوع المسيح. حسبوه ميتًا، فحملوا الحنوط لكي يدهنوا جثمانه. أتُراه مات ومات؟ ألم يتذكَّروا أنَّه قال لهم ثلاث مرَّات إنَّه ذاهب إلى الموت، ولكنَّ حياته لا تنتهي في الموت، بل في القيامة؟ لا تكون في الغياب بل في الحضور. إذ كانوا صاعدين إلى أورشليم، ويسوع يسير في المقدِّمة، كأنَّه معجَّل ولا يستطيع أن ينتظر، قال: "ابن الإنسان يسلَّم إلى رؤساء الكهنة، فيحكمون عليه بالموت... ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم" (مر 10: 32-34).

كيف تلقَّوا هذا الكلام؟ "لم يفهموا ما قاله، وخافوا أن يسألوه" (مر 9: 32) عاطفة حلوة من قِبَل هؤلاء النساء. ولكن أين هو الميت؟ قال الشابُّ لهنَّ: "أنتنَّ تطلبن يسوع الناصريّ المصلوب. إنَّه قام! وليس هو هنا" (مر 16: 6). هل أخطأن؟ كلاَّ. "ها هو الموضع الذي وضعوه فيه". ولكن أين هو الحجر الكبير؟ من دحرجه؟ دهشة فوق دهشة! ثمَّ، لماذا البقاء هنا أمام قبر فارغ؟ ولماذا نتعلَّق بالقبر فنزوره سنة بعد سنة. ونضع الزهر عليه. فهل حبيبنا الذي تركنا ما زال هنا؟ وهل انتهت حياته في القبر؟ قال الربّ: "الذين عملوا الصالحات إلى قيامة الحياة". ولماذا نأتي نحن إلى حيث الموت؟ نحن أبناء القيامة. والذين تركوا هذا العالم صاروا في حضن الآب السماويّ، كما الأولاد في حضن والديهم.

ارتعدت النسوة أمام الموت. هل الموتى يتكلَّمون؟ وما انتظرن سوى السكوت بين القبور. لا شكّ. الموتى صامتون. ولكنَّ هذا الذي وُضع في القبر هو حيّ. والذي أراد أن يتبعه في الموت هو هنا شاهد للقيامة. كم هو مختلف عن بطرس الذي قال إنَّه مستعدٌّ لأن يتبع المسيح حتَّى الموت! ولكنَّه لم يستطع أن يسهر معه ساعة، هو ويعقوب ويوحنّا. وبطرس رفض في البداية أن يمرَّ في "غسل الأرجل" شأنه شأن رفاقه. أمَّا هذا الشابُّ فهو يعلن القيامة، ويرسل النسوة إلى بطرس وسائر التلاميذ. لا حاجة للتعلُّق بالقبر. ولا ضرورة لكي نبحث عن الميت حيث لا ميت. بدأت الرسالة في الجليل. وفي الجليل يجتمع التلاميذ مع يسوع لكي يرسلهم ليحملوا البشارة. بعد بداية أولى فيها يدعوهم إلى التوبة، ها هي بداية ثانية يدعو فيها بطرسُ أولئك الذين سمعوه: "توبوا وليعتمد كلُّ واحد منكم... لغفران الخطايا" (أع 2: 38).


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM