الوكيل الأمين الحكيم

أحد الكهنة (1 تم 4: 6-16؛ لو 12: 42-48)

 

42فقالَ لهُ يسوعُ: “مَن يا تُرى هو ربُّ البيتِ الأمينُ الحكيمُ الذي يُقيمُه سيِّدُه على خِدمتِه ليُعطيَ الطعامَ في حينِه؟ 43طوباه ذلك العبدُ الذي يأتي سيِّدُه فيجدُه صانعًا هكذا. 44حقًّا أنا قائلٌ لكم: يُقيمُه على كلِّ مُقتناه. 45أمّا إذا قالَ ذاك العبدُ في قلبِه: "سيِّدي مُتأخِّر ليأتي"، ويَبدأُ يَضربُ عبيدَ سيِّده وإماءَه. ويبدأُ يأكلُ ويَشرَبُ ويَسكرُ، 46يأتي سيِّدُ ذلك العبدِ في يومٍ لا يَظنُّهُ وفي ساعةٍ لا يَعرِفُها ويَقطعُهُ ويضعُ نصيبَه مع أولئكِ اللامؤمنين. 47فالعبدُ العارفُ مشيئةَ سيِّدِه ولا يُعِدُّ له حسَبَ مَشيئتِهِ يُضرَبُ ضرباتٍ كثيرات. 48أمّا ذلك الذي لا يَعرِفُ ويَصنعُ شيئًا مُستحقًّا للضربات، فيُضرَبُ ضرباتٍ قليلات، لأنَّ كلَّ مَن وُهِبَ كثيرًا فكثيرًا يُطلَبُ منه، وذلك الذي أُودعَ الكثيرَ، يُطلَبُ الأكثَرُ بيدِه.

*  *  *

كلَّ سنةٍ نذكر الكهنة الذين خدمونا واهتمُّوا برعايانا. كلَّ سنةٍ نصلِّي مع الكهنة الذين يرافقوننا، منذ الطفولة وقبول المعموديَّة حتَّى النهاية مع مسحة المرضى والصلاة في الكنيسة قبل أن نودِّع الأهل والأصحاب.

أمَّا الرسالة فتُذكِّر الكاهنَ كيف يكون "خادمًا صالحًا للمسيح يسوع"، يغذِّي المؤمنين "بالإيمان والتعليم الصحيح". فهو مَن يوصي المؤمنين، ويذكِّرهم بوصايا الربّ. وهو مَن "يعلِّم". هي الصفة الأُولى في خطّ يسوع المسيح الذي قضى حياته العلنيَّة يعلِّم، فما أُخذ بأمورٍ عديدةٍ همَّت الكهنة في أيَّامه. ولا هو انشغل بأمور العالم فصار "المهندس" و"الطبيب" و"القاضي". مرَّةً طُلب إليه أن يتدخَّل في الميراث، فأجاب: "مَن وضعني عليكم قاضيًا أو مقسِّمًا؟" (لو 12: 13).

لماذا يهتمّ الكاهن بالأمور الماديَّة؟ لأنَّ رفقة يسوع لا تملأ حياته. هو في العالم وهو من العالم، وليس مستعدًّا أن يتخلَّى عن العالم ومشاغله. هو يشبه مرتا ويبتعد عن موقف مريم التي كانت جالسة عند قدمَي المعلِّم تسمع له.

في هذا الإطار نقرأ إنجيل اليوم. أمَّا الموضوع في هذا الفصل اللوقاويّ فهو السهر والاستعداد الدائم للانطلاق، في النهار حين نشدّ ثوبنا ونُشمِّر عن سواعدنا، وفي الليل حين يكون السراج مشتعلاً في أيدينا فلا نخاف الظلمة. عندئذٍ نستحقّ أن نسير في خطى المسيح الذي هو نور العالم.

وسأل بطرس: "أتقول لنا هذا المثل أم للجميع؟" (لو 12: 41). أتُرى السهر محصورًا في غيرنا؟ أنحسب نفوسنا مستعدِّين في كلّ وقت؟ ومَن يجسر أن يقول إنَّه مستعدّ للقاء الربّ في كلّ وقت؟ نحن نستند إلى رحمته. إذًا، الدعوة موجَّهةٌ إلينا نحن الكهنة والأساقفة، كما إلى كلّ مسؤولٍ في كنيسة الله.

الكاهن هو الوكيل، لا الأصيل. هو لا يعظُ بنفسه بل بالإنجيل. هو مؤتمنٌ على الإنجيل، لا على الأخلاقيَّات والنظريَّات الفلسفيَّة والإصلاحات في العالم. هذه كلُّها غلافٌ خارجيّ. عندما يدخل الإنجيل حقًّا في القلوب، فهو يعطينا ثمارًا صالحة.

 والوكيل يكون أمينًا لِمَن ائتمنه على شعبه. فالربّ، في النهاية، يحاسبنا على أمانتنا له. ويسوع دُعيَ الأمين في سفر الرؤيا. وقال لنا: حتَّى إِنْ خُنَّاه فهو لا يخون، بل يبقى أمينًا لئلاَّ يخون نفسه. تلك تكون الوقفة اليوميَّة لنا. ما مدى أمانتنا؟ هل جعلْنا ذواتنا في المقدِّمة "بحيث يرانا الناس" أم اعتبرنا أنَّ شرفنا بأن نخدم المسيح، بأن ندلّ على المسيح، ونعتبر نفوسنا مثل يوحنَّا المعمدان الذي دلّ على المسيح. تركه تلاميذه ففرح. يجب أن ينمو يسوع، وأنا يجب أن أنقص. المخلِّص هو يسوع الذي نمضي إليه ونحمل إليه الآخرين، على ما قالت الرسالة: "ها أنا والأولاد الذين أَعطيتَني" (عب 2: 13)، وعلى ما فعل الرسل الأربعة الذين دفعهم إيمانُهم، فحملوا المخلَّع وأوصلوه إلى يسوع (مر 2).

والصفة الثانية للوكيل أن يكون "عاقلاً"، حكيمًا. لا يتصرَّف كالنمل فلا يبدل شيئًا في حياته ولا في رسالته. هو مَن يُخرج من ذخائره كلَّ جديدٍ وقديم. يعرف كيف يتصرَّف "في غياب المعلِّم" السماويّ. في الصلاة والتأمُّل يكتشف إرادة الربّ وينال أنواره.

مَن يكون هكذا ينال أطيب الأجر. ولكن، هناك الوجه الآخَر، وجه الإهمال، وجه الوكيل الشرِّير، الأنانيّ، الممتلئ من نفسه، الذي لا يُراعي الخراف التي أَوكلها الربُّ إلى عنايته... ولكن، لماذا يكون الحساب قاسيًا؟ لأنَّ الكاهن نال الكثير، لهذا يطالبه الربّ بالأكثر.

الكاهن هو الخادم، وحين نعرف ما قاله المجمع حول شعب الله الذي هو شعبٌ كهنوتيّ، نفهم أنَّ الوالدين هم كهنة، والمعلِّم في المدرسة، والمدير في المؤسَّسة... والمتعلِّم هو وكيلٌ على ما أُعطي من علمٍ لكي يوزِّعه، والغنيّ وكيلٌ على مالٍ ناله من الربِّ لكي يُشرك به الآخرين.

حسب داود نفسه "الأصيل" فأراد أن يحصي شعبه: طغاه الشرِّير أو الشرّ الذي في داخله. الشعب ليس شعبك، هو شعب الله، والأولاد هم أولاد الله وأنا أُساعدهم لكي يكونوا أبناء الله، لا ليكونوا أبنائي أنا وحدي. أغمرهم، أجعلهم في حضني، وكأنِّي لا أريد لهم أن ينطلقوا. الدجاجة تدفع صغارها حين يكبرون، ونحن؟

والكاهن يحسب الرعيَّة رعيَّته، والمؤمنين خِرافًا يستفيد منهم. يهتمّ بهم بقدر ما هم يهتمُّون به. ونحن نفهم نوعيَّة الاهتمام. أإلى هذا المستوى نصل نحن الذين نلنا الكثير؟ هذه النعم التي هي لخيرنا تصبح دينونةً لنا. عندئذٍ نستحقّ "القصاص" والقصاص الكبير، من شمَّاسٍ وكاهنٍ وأسقف، كلّ واحدٍ بقدر مسؤوليَّته.

والأمانة تعني الثبات في الخدمة والصبر وطول الأناة. قال موسى مرَّةً للربّ: لا أستطيع أن أحمل كلَّ هذا الجمع. أوَّلاً، الكاهن لا يحمل وحده رعيَّته. إنَّ هذه الرعيَّة رعيَّة يسوع ونحن نساعده، نتكلَّم بفمه، نعمل بيده، نحبّ بقلبه، وتكون تصرُّفاتنا امتدادًا لتصرُّفاته. ينطلق الكاهن باندفاع، ثمَّ يخبو اندفاعه شيئًا فشيئًا فيصبح عمله ابن الروتين والرتابة، مثل موظَّفٍ يعامل الآتين إليه لقاء أجر.

الكاهن مستعدّ، دومًا مستعدّ. لا بشكلٍ خارجيّ فقط، بل مستعدٌّ لأن يحمل المسيح، بحيث إنّ كلّ مَن التقى به يحسّ بتبدُّلٍ في حياته. عندئذٍ يستحقّ الطوبى التي يمنحها الربّ للخُدَّام الأمناء.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM