إعلان الملكوت وفرحة يسوع

الأحد الحادي عشر بعد العنصرة  (أف 3: 1-13؛ لو 10: 17-24)

 

17وعادَ أولئكَ السبعون الذين أَرسلَ، بفرحٍ كبير، وهم قائلون له: “يا ربَّنا، فالشياطينُ أيضًا كانوا مُخضَعينَ لنا.” 18أمّا هو فقالَ لهم: “ناظرًا كنتُ الشيطانَ الذي سقَطَ مِثلَ البرقِ من السماء. 19ها أنا واهبٌ لكم سلطانًا بحيثُ تكونون دائِسينَ الحيّاتِ والعقاربَ وكلَّ قوَّةِ العدو، وشيءٌ لا يُؤذيكُم. 20إنَّما بهذه لا تَفرحون أنَّ الشياطينَ مُخضَعونَ لكم، إنَّما افرَحوا أنَّ أسماءَكم كُتبَتْ في السماء.”

21وفي تلك الساعة، ابتهجَ يسوعُ بالروحِ القدس، وقال: “شاكرٌ أنا لكَ يا أبي، يا سيِّدَ السماء والأرض لأنَّكَ أَخفَيْتَ هذه عن الحكماء والفهماء وكشفتَها للأولاد. نعم يا أبي، هكذا كانت المشيئةُ قدّامَكَ.” 22والتفَتَ نَحْوَ تلاميذِه وقال لهم: “كلُّ شيء سُلِّم إليَّ من قِبلِ أبي، ولا إنسانٌ عارِفًا مَنْ هو الابنُ إلاّ الآب، ومَنْ هو الآبُ إلاّ الابن، ولمَنْ إذْ يَشاءُ الابنُ أنْ يَكشِف.” 23والتفَتَ نَحوَ تلاميذِه وحدَهم، وقال: “طوباها الأعينُ الرائيةُ الشيءَ الذي أنتم راؤون. 24فأنا قائلٌ لكم: أنبياءُ كثيرون وملوكٌ أرادوا أن يَرَوا الشيءَ الذي أنتم راؤون، فما رأوا، وسَماعَ الشيء الذي أنتم سامعون فما سمعوا.”

                                               *  *  *

أرسل يسوع التلاميذ السبعين إلى الرسالة. ولمّا عادوا عبَّروا عن فرحهم وجاؤوا يرتاحون لدى يسوع من "التعب" الرسوليّ. فاستخلص يسوع العبرة من هذه الرسالة، وأطلق صرخة بهجة نحو الله. بعد أن فتح الملكوت للصغار، ولاسيَّما التلاميذ الذين رأوا ما لم يره الأنبياء والملوك.

 

كلمة المرسلين

أرسل يسوع التلاميذ اثنين اثنين، فمضوا باسمه يحملون السلام الذي بشَّر به الملائكة يوم ميلاد المخلِّص. ثمَّ عادوا يقدِّمون تقريرًا للمعلِّم عمَّا فعلوا، على مثال ما فعل بولس وبرنابا في كنيسة أنطاكية بعد الرحلة الرسوليَّة الأولى: "أخبرا بكلِّ ما صنع الله معهما، وأنَّه فتح للأمم الوثنيَّة باب الإيمان" (أع 14: 27). واكتشف التلاميذ قوَّة كلمة الله التي تفعل كالمطر في الأرض، ولا ترجع دون أن تنجح في مهمَّتها (إش 55: 11). بدأت الكلمة مع يسوع، ولاسيَّما في مثل الزارع، وها هي تنمو مثل شخص حيّ (أع 6: 17). بل هي تنتصر على قوى الشرّ والخطيئة والموت. سقط الشيطان بسقوط الكواكب وكأنَّها آلهة تُشرف على البشر. والصورة الثانية، صورة البرق، تلدُّ على فُجاءة نهاية ملكوت الشيطان وفجاءة مجيء الملكوت. ذاك الذي اعتبر نفسه القويّ، وظنَّ أنَّه السيِّد في العالم الوثنيّ بحيث دعا يسوع لأن يبقى في أرض ويترك له مملكته (لو 8: 28: ما لي ولك!)، جاءه من هو أقوى منه، وأخذ منه أسلابه وأرسله فارغ اليدين. والقويّ هنا ليس يسوع فقط (لو 11: 21) بل الرسل والتلاميذ.

 

سلطان المرسلين

سلَّم يسوع إلى التلاميذ السلطان الذي تسلَّمه من الآب، بعد أن قال لهم: "كما أرسلني الآب أرسلكم." فحملوا الكلمة وأخرجوا الشياطين. والمعنى الإيجابيّ لهذا الإخراج قبول السلام (لو 19: 8-9) الذي يحمله التلاميذ. ولم يتوقَّف الأمر عند هؤلاء الذين أرسلهم يسوع خلال حياته على الأرض، بل وصل إلى جميع الذين ينطلقون باسمه، بدءًا ببولس الذي كان رسولاً من نوع آخر، وهو الذي لم يرافق الربَّ منذ معموديَّة يوحنّا حتَّى صعود الربِّ إلى السماء (أع 1: 22).

عملُ الرسل هو امتداد عمل يسوع، لهذا استمدُّوا سلطتهم من سلطته، فكانت لهم قوّته، مع أنَّهم بدوا كالحملان بين الذئاب. هذا ما نلاحظه بشكل عامّ في سفر الأعمال حيث يشفي بطرس مخلَّع باب الجميل باسم يسوع الناصريّ (أع 3: 6)، كما فعل معلِّمه حين شفى مخلَّع كفرناحوم (لو 5: 17-26). وكانت مقابلة متعارضة. سقط الشيطان فارتفع التلاميذ، صاروا ملوكًا في العالم الجديد (لو 22: 29-30) الذي يدشِّنه يسوع. ملكوا في هذا العالم مع المسيح، بل ملكوا معه أيضًا في الآخرة بعد أن "كُتبت أسماؤهم في السماء."

 

بهجة يسوع

حمل التلاميذ سلام المسيح فعادوا يشعُّون فرحًا. وانتقل هذا الفرح وهذه البهجة إلى يسوع. جعل ثقته بالتلاميذ فكانوا أمناء له ولكلامه. هم الصغار، هم الأطفال بالنسبة إلى الكتبة والفرِّيسيِّين، لم يدرسوا في المدارس، ومع ذلك، دخلوا في سرِّ الملكوت. هكذا اختار الله الضعفاء ليخزي الأقوياء، واختار الجهَّال ليخزي الحكماء. من أدخلهم في هذا السرّ؟ الابن الذي وحده يعرف الآب. منذ الآن، بالإيمان، نعِم الرسل بحياة مع الثالوث، مع الآب والابن والروح، بعد أن كُتبت أسماؤهم في السماء. منذ الآن، هم يرون ما لم يره الأنبياء. منذ الآن يسمعون ما لم يسمعه الملوك من داود إلى سليمان وغيرهما. تلك هي فرحة المرسلين، حاملي كلام الله، في كلِّ زمان ومكان. وسعادتهم تقوم بالدخول في مخطَّط الله والذهاب إلى الصغار المسحوقين لتخفيف الحمل عنهم. وهكذا تنتقل سعادة التلاميذ إلى الناس، والراحة التي جاؤوا يطلبونها لدى المعلِّم، تصبح راحة كلِّ الذين فتحوا بيوتهم للرسالة وكانوا من أبناء السلام، فاستقرَّ فيهم سلام المسيح.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM