عيد العائلة الثالوثيَّة

أحد الثالوث الأقدس (2 كو 13: 11-13؛ مت 28: 16-20)

 

16والتلاميذُ الأحدَ عشَر ذهبوا إلى الجليل، إلى الجبل، حيث واعدَهم يسوعُ. 17وإذْ رأوه سجدوا لهُ ومنهم من شكُّوا. 18وقرُبَ يسوعُ وتكلَّمَ معهم وقالَ لهم: “أُعطيَ لي كلُّ سلطانٍ في السماءِ وفي الأرضِ، وكما أرسلني أبي أنا مُرسلُكم. 19فاذهبوا، تلمذوا الشعوبَ كلَّها، وعمِّدوهم باسم الآبِ والابنِ والروحِ القدس. 20وعلِّموهم أن يحفظوا كلَّ ما أوصيتُكم به. وها أنا معكم أنا، كلَّ الأيّام حتّى انتهاءِ العالم.” آمين.

*  *  *

بعد أن عيَّدت الكنيسةُ الله الآب الذي أرسل ابنه في ملء الزمن، وعيَّدت الله الابن، على ما في التدبير الخلاصيّ، وعيَّدت الله الروح القدس، ها هي تعيِّد الثالوث الأقدس الذي هو عائلة الله. هذه العائلة هي مسكن الله وسط البشر، وهي تدعو البشريَّة جمعاء وكلَّ واحد منَّا لكي يكون ابنًا مع من هو الابن الوحيد، يسوع المسيح. أمّا الدخول فيكون بالعماد باسم الآب والابن والروح القدس، كما نقول في قانون الإيمان.

 

مهمَّة الكنيسة

جاء هذا المقطع في نهاية إنجيل متَّى يقدِّم لنا لوحة عن الكنيسة. انطلقت من الجليل، كما انطلق يسوع، فما انحصرت في العالم اليهوديّ، بل مضت إلى جميع الأمم. أمّا نشاطها فمثَّلث: تُتلمذ أي تدعو الناس لكي يتعلَّقوا بيسوع، كما فعل بطرس يوم العنصرة. ثمَّ تُعمِّد باسم الثالوث. وأخيرًا، تعلِّم، لأنَّ التعليم يدوم ما دام المؤمن عائشًا على الأرض. أمّا في السماء، فنعرف الله كما يعرفنا.

بدأت رسالة يسوع في الجليل. ومن الجليل أرسل تلاميذه. وعلَّم أوَّل ما علَّم على الجبل. وهناك التقت الكنيسة بمعلِّمها. والتلاميذ، في الكنيسة، يكونون أحد عشر، بعد أن ترك المكان فارغًا لكلِّ واحدٍ منَّا، وهكذا يتمُّ الرقم 12 الذي يدلُّ على ملء الكنيسة.

 

لماذا في الجليل ومنه؟

انقسمت أرض فلسطين، في زمن يسوع، ثلاثة أقسام. السامرة التي أشار إليها متَّى إشارة عابرة. والجليل حيث بدأ يسوع بشارته. واليهوديَّة (بعاصمتها أورشليم) حيث مات يسوع ودُفن وقام. اتَّفق الإنجيليُّون الثلاثة الأوَل على القول بأنَّ يسوع الذي هو ابن الجليل، بدأ عمله في الجليل. سمَّاه متَّى "جليل الأمم" عائدًا إلى سفر إشعيا. فالجليل يهدِّده الضلال الوثنيّ. ويسوع لا يفعل كالأسينيّين فيهرب إلى البرِّيَّة تاركًا الشعب يتخبَّط في مشاكله. ولا يتصرَّف كالفرِّيسيِّين الذين تركوا هذا الشعب الجاهل يتبع "مسحاء" متعدِّدين قادوه مرارًا إلى الموت. بل هو يلجأ إلى الجليل منذ طفولته (مت 2: 12)، ويرجع إلى الجليل بعد عماده (مت 3: 13)، ويختار أوَّل رسله من أرض الجليل، على شاطئ البحيرة. وإلى الجليل يدعو رسله، بعد القيامة، لكي يطلقهم إلى الأمم. سبق له وأعطاهم توصياته، في خطبة الرسالة (ف 10)، ولكنَّه انتظر صعوده لكي يرسلهم كالخراف بين الذئاب.

 

الصعود إلى الجبل ارتقاء إلى الله

الجبل في الأساس موضع لقاء الإنسان بالله. هكذا صعد موسى إلى جبل سيناء، وهناك تلقَّى الوصايا العشر. ومثله صعد إيليّا فتثبَّت في رسالته النبويَّة. والرسل يكونون في الخطِّ عينه. فذاك الآتي إليهم هو يسوع الذي جاء في الجسد من نسل داود، وثبت أنَّه ابن الله بقيامته من بين الأموات (رو 1: 3-4). أجل، ابن الله نفسه يُحمِّل تلاميذه رسالة، ومن خلال هؤلاء التلاميذ المصطفين، يحمِّلنا كلُّنا رسالة إلى الأمم. ولكن سبق له وهيَّأهم حين صعد معهم إلى الجبل وأعطاهم شرعة الملكوت. صعد يسوع فصعدوا معه. جلس فجلسوا عند قدميه، ففتح فاه يعلِّمهم: "طوبى للمساكين، طوبى للودعاء، أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم." وكان لهم لقاء آخر معه، على جبل التجلِّي. هناك قال الآب: "هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا" (مت 17: 5). وهكذا، بعد مسيرة مع يسوع الذي بدأ كموسى الجديد، مضوا إلى لقاء يسوع الذي هو الربّ، فدلُّوا على إيمانهم به حين سجدوا له. ولكن بعضهم ظلَّ مشكِّكًا مرتابًا. غير أنَّ الذهاب في الرسالة يجعلهم يفهمون أنَّ يسوع هو حقًّا قريب منهم، هو عمَّانوئيل، الله معهم، الذي يرافقهم طوال الأيَّام، إلى انقضاء الدهر.

 

العائلة الثالوثيَّة مثال لنا

حين كان يسوع على الأرض، اختار اثني عشر رسولاً. هذا الرقم يذكِّر متَّى بالأسباط الاثني عشر الذين يرمزون إلى شعب الله، والاثنا عشر يرمزون إلى الكنيسة، شعب الله الجديد. هذه الكنيسة تجتمع باسم الثالوث الأقدس. لقد تعدَّت العهد القديم، الذي آمن بالإله الواحد، وشدَّد على وحدانيَّة الله، بل جعل الله في أعلى السماء فما عاد يجسر أن يتلفَّظ باسمه. فالإله الذي نعبده هو ثالوث، هو عائلة. ونحن نُدعى للدخول إلى هذه العائلة، فنكون حيث يكون يسوع. هو اسم واحد نؤمن به: يسوع. ولكنَّه ثالوث مع آب ندعوه أبًا، كما يدعو الطفل أباه، وابن أرسله الآب ليخلِّص العالم لا ليدينه، وروح ينبثق من الآب ويرسله الابن، بحيث يتتابع عمل البشارة باسم الآب والابن والروح القدس. والكنيسة هي عائلة الله على الأرض، ونحن ندخل فيها بالمعموديَّة، حجر الزاوية فيها من أحد عشر رسولاً، وهناك كرسيّ فارغ. ملأه لوقا في أعمال الرسل بقرعة عيَّنت متِّيَّا ليكون في مصافّ الاثني عشر. أمّا متَّى فاعتبر كلَّ واحد مدعوًّا ليذهب إلى لقاء الربِّ، بحيث ينطلق في عمل الرسالة من أجل التلمذة والتعميد والتعليم.

 

عيش الكلمة

حياة المؤمن هي في قلب الثالوث. نعتمد باسم الثالوث، نحتفل بالأسرار في إطار ثالوثيّ، وهذا واضح بشكل خاصّ في ذبيحة القدَّاس، التي فيها ندعو الآب، ونتذكَّر ما فعله الابن لأجلنا (كلام التقديس)، ونطلب من الروح أن يحلَّ على القرابين لكي تصبح جسد المسيح ودمه. وما نعيشه في الأسرار، صورة مصغَّرة عن التدبير الخلاصيّ الذي نؤمن به كلَّ مرَّة نتلو قانون الإيمان: نؤمن بإله واحد آب ضابط الكلّ، وبربٍّ واحد يسوع المسيح، وبالروح القدس، الربِّ المحيي.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM