أورشليم اليهود واليونانيِّين

أحد الشعانين (فل 1: 1-13؛ يو 12: 12-22)

12ولليومِ الآخَر، الجمعُ الكثيرُ الذي كان آتيًا إلى العيد، إذ سمعوا أنَّ يسوعَ آتٍ إلى أورشليم، 13حملوا سعفَ النخلِ وخرجوا للقائِه، وكانوا صارخينَ وقائلينَ: "أوشعنا، مباركٌ هو الآتي باسمِ الربِّ، ملكُ إسرائيل." 14ويسوعُ وجَدَ حمارًا فجلسَ عليه كما كُتب: 15لا تخافي يا ابنةَ صهيونَ فها ملكُكِ آتٍ إليكِ وراكبٌ على جحشٍ ابنِ أتان. 16وما عرفَ تلاميذُه هذه، في ذلك الزمان، ولكن لمّا مُجِّدَ يسوع، تذكَّرَ تلاميذُه أنَّ هذه كُتبَتْ عليه، فصنعوها له. 17وذلكَ الجمعُ الذي كانَ معه، كان شاهدًا أنَّه دعا لعازرَ من القبرِ وأقامَه من بينِ الأموات. 18ولأجلِ ذلك خرجَتْ لاستقبالِه جموعٌ كثيرةٌ لأنَّهم سمعوا الآيةَ هذه التي صنعَ. 19والفرّيسيّونَ كانوا قائلين، واحدٌ لواحد: "ناظرون أنتم ولا نافعون أنتم في شيء. فها العالمُ كلُّه ذهبَ وراءَه." 20وكانَ أيضًا من الشعوبِ أناسٌ فيهم صعدوا للسجودِ في العيدِ. 21فأولئكَ أتَوا، اقتربوا إلى فيلبُّس ذاك الذي من بيتَ صيدا الجليل، وسألوه قائلين: "يا سيِّدي، نحنُ نريدُ أن نرى يسوع." 22فأتى فيلبُّس وقال لأندراوُسَ، وأندراوسُ وفيلبُّسُ قالا ليسوعَ.

*  *  *

1. مبارك الآتي باسم الربّ

هو العيد. ولا يحدَّد أيُّ عيد. ولكن حين لا يكون تحديد، يكون عيد القطاف أو عيد المظالّ. هو مناسبة الفرح العارم. يقطفون العنب والزيتون. يصنعون الخمر والزيت. ينشدون، يرقصون، وخصوصًا يتذكَّرون مع الخيام التي يصنعونها لهذه المناسبة لحراسة الأشجار والغلال، أنَّ خيمة الله كانت في وسط خيامهم. "أسير بينهم فيكونون شعبي وأكون إلههم."

أيَّام بطالة. لا يعملون فيها عملاً، لكي يقوموا بالاحتفال المقدَّس. "تأخذون ثمر أشجار بهجة وسعف النخل وأغصان الأشجار (= أشجار الزيتون) وتفرحون أمام الربِّ إلهكم" (لا 23: 40) وذاك ما فعل الناس. أي "الجمع الكبير". فمن خلال ما حصل في زمن يسوع، يتطلَّع الإنجيليّ إلى المسيحيِّين الذين صاروا كثرًا في أيَّامه.

يسوع آتٍ إلى العيد، والجمع أتى. هو المسيح المنتظر. مضوا إلى لقائه في شكل موكب رائع كما كانوا يعملون للملوك. ذاك ما فعلوا لسمعان المكابيّ حين دخل قلعة أورشليم "بتسابيح الحمد وسعف النخل والكنَّارات والصنوج والأعواد والأغاني والأناشيد..." (1 مك 13: 51).

خرجوا للقاء يسوع. هكذا كانوا يلاقون "القائد المنتصر". ويُنشدون له. أمّا يسوع، فنادوه "ملك إسرائيل". هو في خطِّ داود، المسيح الملك، الذي ينتظرون منه ملء النصر وطرد الرومان من البلاد، في خطِّ ما فعل المكابيِّين مع السلوقيِّين.

"هوشعنا": هبِ الخلاص. ذاك ما نقرأ في مز 118: 25: "يا ربُّ خلِّصْ، يا ربُّ أنقذْ". ثمَّ: "مبارك الآتي باسم الربّ." ذاك ما كان الكهنة يقولون للآتي إلى الهيكل. وما زلنا نقوله في ما يُدعى "الهجمة". ومن أعظم من ذلك الآتي اليوم إلى هيكل الله؟ هو يحمل رسالة وينعم بقدرة الله. وأيَّة قدرة نطلب أكثر من تلك التي تقيم ميتًا من القبر، بعد أربعة أيَّام، يومَ يُعتبر أنَّه أنتن واقترب من التفكُّك ولم يعد سبيل له للرجوع إلى الحياة.

كم انتظروا هذا الملك! منذ نتنائيل الذي أعلن بالصوت الملآن: "أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل" (يو 1: 49)، إلى الذين أكلوا وشبعوا (يو 6: 15). من يكون أعظم منه؟

 

2. على جحش ابن أتان

ولكن ما هو هذا الملك؟ أين الجواد والفرسان الذين يرافقونه؟ أين المركبات الحربيَّة؟ أين الأبَّهة الملكيَّة وتاج الذهب والصولجان؟ لا شيء من ذلك. وحين أراد داود أن يمسح ابنه سليمان قال: أركبوه "على البغلة التي لي" (1 مل 1: 34). أمّا هنا فلا بغلة ولا أتان. كان "جحش ابن أتان" أقلّ ما يمكن. نتخيَّل يسوع راكبًا عليه ورجلاه تلامسان الأرض. أمّا مرقس فيقول: جحش ما ركب عليه أحد (11: 2). هو بكر. والبكر من الحيوان مكرَّس للربّ.

ما فهم التلاميذ: ما هذا الملك؟ أهذا يحارب الرومان، يطردهم؟ أين قدرته وعظمته؟ والجميع كانوا مستعدِّين ليقدِّموا له أفضل الجياد. وإذ لم يفهموا عادوا إلى كلام الله عند الأنبياء. "لا تخافي يا ابنة صهيون". هناك خوف وخوف. هذا الآتي لا يحمل السلاح ولا هو آتٍ ليعاقب المجرمين ويقتصَّ من الخطأة. فلا تخافيه. ومن جهة ثانية، تخاف بنت صهيون، أي مدينة أورشليم: أهذا من يدافع عنها ويبعد عنها الأعداء؟

أنت تنتظرين الملك! وها هو الملك آتٍ. ولكنَّه يختلف عن جميع الملوك الذين تعرفين. هو "وديع" ويرفض كلَّ وسائل العنف والموت. يحوِّل السيف والرمح إلى سكَّة للفلاحة ومنجل للحصاد. هو اختار هذه المطيَّة ليدلَّ على تواضعه. هكذا يكون قريبًا من كلِّ واحد منَّا. من يستطيع أن يصل إلى الملك، إلى الرئيس، إلى الزعيم؟ لا أحد. هناك حاجز من الأبواب ومن الحرَّاس. أمّا يسوع فالجميع يقتربون منه بعد أن صار شبيهًا بنا. أكل معنا وشرب. علَّم في أسواقنا. هو لا يحتاج إلى جنود يحمون قصره. وفي أيِّ حال، لا قصر له، بل ليس له موضع يسند إليه رأسه. وممَّن يخاف؟ ندَّد الأنبياء بالقصور وأسرَّة العاج (عا 3: 15). ونريد من يسوع أن يكون غنيًّا؟ فهو من قال لرسله: "لا تقتنوا ذهبًا ولا فضَّة ولا نحاسًا في مناطقكم" (مت 10: 9).

لا. لم يفهم الرسل في الحال. فانتظروا مجد القيامة. مرَّات عديدة لا يفهم الرسل. ولكن على ضوء القيامة تصبح الأمور واضحة. ما هذا الهيكل الذي يبنيه في ثلاثة أيَّام؟ ليس هو هيكل الحجر الذي دفعوا المال الكثير ليبنوه، وطالت الأعمال فيه عشرات السنين. إنَّه هيكل جسده. حين قام يسوع من بين الأموات، فهموا. وهنا أيضًا "تذكَّروا". تذكَّروا ما عملوا ليسوع. وخصوصًا تذكَّروا الكتب أي كلام الله. والموقف ذاته حين راح بطرس والتلميذ الحبيب إلى القبر. قبر فارغ! أين الذي وضعناه فيه؟ "لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنَّه ينبغي أن يقوم من بين الأموات" (يو 20: 9).

 

3. بين الفرِّيسيِّين واليونانيِّين

موقفان تجاه يسوع. الأوَّلون خافوا على مصالحهم ورأوا في يسوع عدوًّا لهم. هو يأخذ الجموع من أمامهم بحيث لا يستطيعون بعد أن يستفيدوا منهم. والفئة الثانية لا يهتمُّون سوى أن يروا يسوع. كم يشبهون التلميذين اللذين تبعا يسوع بعد أن أعلن يوحنّا المعمدان: "ها هو حمل الله" (يو 1: 36). قال لهما يسوع: "ماذا تطلبان؟" أجابا: "أين تقيم؟" قال لهما يسوع: "تعاليا فتريا" (آ38-39). رأيا يسوع. أقاما معه طوال النهار. وهذا ما أراده هؤلاء اليونانيُّون. يسوع وسط الجمع؟ كثيرون يشاهدونه من بعيد. نحن نريد أن نقترب منه، نلمسه، نسمعه يكلِّمنا في قلبنا، يشعلنا من الداخل. وكان لهم ما أرادوا. في بداية رسالة يسوع، أتى أندراوس بأخيه سمعان بطرس، وفيلبُّس بنتنائيل. وهنا، فيلبُّس وأندراوس أخذا هؤلاء اليونانيِّين إلى يسوع. ولا نستطيع أن نتصوَّر فرحتهم، ربَّما لبثوا ساهرين مع يسوع.

هؤلاء أتوا للسجود في أورشليم وزيارة الهيكل. فانتهى بهم الأمر عند يسوع. يشبهون ذاك الأبرص الذي شُفيَ فترك التسعة الباقين يمضون إلى الهيكل، وهو عاد إلى يسوع "ليؤدِّي المجد لله" (لو 17: 18). يسوع صار الهيكل الجديد فلا حاجة بعد إلى الذبائح في الهيكل الحجريّ. وإذا رمز الهيكل إلى حضور الله، فيسوع هو الله وابن الله. ونحن قادرون، كلُّ واحد في مخدعه الصباحيّ والمسائيّ، أن يقضي وقتًا مع يسوع. يسمعه، يملأ قلبه من حضوره. ولكنَّ هذا يفترض الإيمان. ولو تعرفون الفرح الذي يملأ القلب بحيث نردِّد كلام المزمور: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ" (34: 9).

والفئة الثانية، الفرِّيسيُّون. لا يؤمنون ولا يريدون أن يؤمنوا. كما يمنعون الناس من الإيمان، كما حصل مع ذاك الأعمى منذ مولده (يو 9)، وأسوأ من ذلك: حين رأوا أنَّ الناس يؤمنون بيسوع لأنَّه أقام لعازر الذي يشهد بحضوره على قدرة يسوع، عزموا أن يقتلوا لعازر.

صاحوا والغيظ يقتلهم: "لا تنفعون شيئًا. العالم ذهب وراءه." ذاك ما لاحظه الإنجيل الرابع حوالي سنة مئة. في ذلك الوقت، كان الهيكل قد دُمِّر وأهل أورشليم ماتوا، تشتَّتوا، بيعوا عبيدًا... يا ليتهم طلبوا أن يروا يسوع. لكانوا معًا، يهودًا ويونانيِّين، في لقاء حميم مع الربِّ. كم مرَّة نخسر مناسبات حلوة لنكون مع يسوع، نسمعه ويسمعنا، نراه ويرانا!

 

وكلَّم الرسول أهل فيلبِّي. كنيسة عزيزة على قلبه. منها وحدها قبل مساعدة مادِّيَّة. هو متشوِّق لأن يراهم ولكنَّ الظروف. ولهذا كتب إليهم وشجَّعهم: "ذاك الذي بدأ فيكم الأعمال الصالحة يكمِّلها... ومع أنَّ بولس في القيود، في سجن أفسس، إلاَّ أنَّ الفرح لا يغادره.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM