من عرس إلى عرس

أحد مدخل الصوم: عرس قانا الجليل (رو 14: 14-23؛ يو 2: 1-12)

 

1ولليومِ الثالثِ، كانَ عرسٌ (وليمةٌ) في قانا، مدينةِ الجليل، وأمُّ يسوعَ كانتْ هناك. 2ويسوعُ وتلاميذُه دُعوا أيضًا إلى العرس. 3ونفدتِ الخمرُ، فقالَتْ ليسوعَ أمُّه: "ليسَ لهم خمر." 4فقالَ لها يسوع: "ما لي ولكِ، أيَّتها المرأة، ما أتتْ ساعتي بعد." 5فقالَتْ أمُّه للخدَمِ: "الشيءَ الذي يقولُ لكم اصنَعوا." 6وكانَ هناكَ ستُّ أجاجينَ حجرٍ موضوعةٍ لتطهيرِ اليهود، واسعةٍ اثنينِ اثنينِ كَيلينِ أو ثلاثة. 7فقالَ لهم يسوعُ: "املأوا هذه الأجاجينَ ماءً." فملأوها إلى فوق. 8فقالَ لهم: "صبُّوا الآنَ وقدِّموا لرئيسِ المتَّكأ"، فقدَّموا. 9وعندما ذاقَ رئيسُ المتَّكأ هذا، ذلك الماءَ الذي صارَ خمرًا، وهو ما كان عارفًا من أينَ كانَتْ، أمّا الخدَمُ فكانوا عارفينَ لأنَّهم هم ملأوها ماءً، دعا رئيسُ المتَّكأ العريس، 10وقالَ له: "كلُّ إنسانٍ يقدِّمُ أوَّلاً الخمرَ الطيِّبة، ومتى ارتووا عندئذٍ التي هي أقلّ. أمّا أنتَ فحفظتَ الخمرَ الطيِّبَةَ حتّى الآن."

11هذه هي الآيةُ الأولى التي صنعَ يسوعُ في قانا الجليل، وأظهرَ مجدَهُ فآمنَ به تلاميذُه. 12بعدَ هذه، نزلَ إلى كفرناحومَ، هو وأمُّه وإخوتُه وتلاميذُه، وهناك كانوا أيّامًا قليلة.

*  *  *

عرس في قانا

قانا مدينة في الجليل. كان عرسٌ ودُعيَ يسوع إليه. قبل ذلك، كان غدٌ وكان غدٌ. وها نحن نصل إلى اليوم الثالث. بعد أن جمع يسوع تلاميذه أندراوس والتلميذ الآخر. ثمَّ سمعان بطرس. وبعدهم فيلبُّس ونتنائيل. صاروا خمسة تلاميذ. هو العدد المقدَّس في العالم اليهوديّ.

هو المكان والزمان. والأشخاص؟ عريس وعروس لا نعرف اسميهما. رئيس المتَّكأ أو رئيس الوليمة. ثمَّ الخدم الذين سوف يملأون الأجران. وأخيرًا الناس الذين يشاركون في فرحة العرس. وقال الإنجيل: "وكانت أمُّ يسوع هناك" (2: 1). هي الأولى وهي تمثِّل الشعب اليهوديّ، كما السامريَّة سوف تمثِّل الشعب السامريّ (يو 4). وآخر الآتين: يسوع وتلاميذه. ذاك ما حصل في قانا. وما كان يحصل في قرانا. خبر بسيط.

 

مشكلة صعبة

ونفدت الخمر. ما العمل وكيف سوف يتصرَّف العروسان والأهل، وخصوصًا رئيس الوليمة؟ هل يمضي الناس إلى بيوتهم، ويحسُّ أهل العرس بالخزي والخجل؟ كلاّ. فمريم هي هنا. ويسوع سيتدخَّل ويُعطي أطيب خمر، ممّا جعل رئيس الوليمة يتعجَّب.

العريس والعروس لا يتكلَّمان. رئيس المتَّكأ لم يفهم من أين أتت هذه الخمر الطيِّبة، بل عاتب أهل العرس: أوَّلاً الخمر الطيِّبة ثمَّ الخمر العاديَّة. سأل ولم ينتظر الجواب. ولا العروسان تساءلا لأنَّ ما حصل لبث خفيًّا على المدعوِّين. فالأجران في الخارج كما هو معروف. مُلئت ماء. ولكنَّ الخدم الذين ملأوها لبثوا صامتين، منغلقين. كيف صار هذا الماء خمرًا؟ نحن ملأنا الأجران ماء. كيف حصل ما حصل؟ وكيف أطعنا نحن هذا الشابَّ وسقينا رئيس الوليمة؟ أما كان يهزأ بنا؟ لا. هو ما هزئ. بل أُعجب بما أعطيناه من شراب.

مساكين! لهم عيون ولم يروا. لهم آذان ولم يسمعوا. لهم قلوب ولم يفهموا. ذاك كان وضع الكثيرين في زمن يسوع. وهو كذلك في أيَّامنا حيث لا نطرح سؤالاً حول ما يحدث حولنا. ماذا ننتظر لنكتشف يد الربِّ تعمل في حياتنا؟ وكم شابه رئيسُ الوليمة بيلاطس. سأل ما هو الحقُّ وتابع طريقه وما انتظر الجواب. قال الربُّ: "من يسأل ينل". سأل رئيس الوليمة وما انتظر الجواب. لبث على مستوى الطعام والشراب. قريبًا يمضي ولا يبقى في العرس إلى آخر الوقت. وكذلك بيلاطس: سأل ومضى. ونحن نطرح السؤال ونمضي. والأسوأ حين لا نطرح سؤالاً وكأنَّ ملكوت الله أكلاً وشربًا.

 

مسيرة مريم

هي حاضرة هنا. هي الأمُّ التي عيناها على كلِّ الأمور. كانت أوَّل من عاين نفاد الخمر. وكانت أوَّل من بحث عن حلٍّ لهذه المسألة الصعبة. لجأت إلى ابنها: "ما بقي عندهم هخمر."

لبثت مريم على المستوى المادّيّ. هي في العرس. وتدافع عن "شرف" العروسين. لهذا جاء جواب يسوع مبهمًا بالنسبة إلينا. لماذا هذه المسافة بين يسوع وأمِّه؟ إذا قرأنا النصَّ على المستوى الحرفيّ، لا نفهم شيئًا، بل نلوم يسوعَ على لهجته القاسية تجاه أمِّه.

هنا ندخل في عمق الكتاب المقدَّس. دعا يسوع أمَّه "امرأة" لأنَّها المرأة الجديدة، تجاه حوَّاء المرأة القديمة. هذه حملت الخطيئة إلى العالم، ومريم أيضًا حملت الخلاص. بدأت فيه منذ الآن وسوف تكمِّله قرب الصليب. هناك أيضًا يدعو يسوع أمَّه "امرأة". ولكنَّ شتَّان بين نداء ونداء. فعند الصليب صارت هذه المرأة أمَّ جميع الذين يحبُّون يسوع. ما الذي حصل؟ مرَّت في "الساعة"، ساعة الموت. متى انتقلت مريم من المرأة القديمة إلى المرأة الجديدة؟ عند الصليب. هناك كانت واقفة وقفة القيامة وهي التي رافقت ابنها وصارت التلميذة الأولى. فلا قيامة بدون موت، ولا مجد بدون صلب وآلام. ذاك هو عرس يسوع مع أحبَّائه.

 

يسوع وتلاميذه

ويبقى التلاميذ. هم تلاميذ يسوع ويرافقونه. هذا رآه تحت التينة، وآخر قضى معه النهار كلَّه، حتَّى الساعة الرابعة مساء. وثالث دعاه أخوه أو صديقه. هم معه وسوف يرافقونه حتَّى بعد القيامة. فهم حاضرون وقت الصيد العجيب (يو 21). هم لم يتدخَّلوا. سمعوا أمَّ يسوع. ربَّما لم يفهموا كلمات يسوع لها. هناك أمور عديدة لم يفهموها في حياة يسوع إلاَّ على ضوء القيامة. وهكذا نقول هنا. لم يعُد "اليوم الثالث" اليوم الذي بعد غد. فاليوم الثالث يذكِّرنا دومًا بالقيامة. والساعة لا يمكن أن تكون أيَّة ساعة في النهار. فالساعة ارتبطت بمصير يسوع. وتردَّدت في حياته بانتظار أن يقول: "ولمّا علم يسوع أنَّ ساعته أتت لينتقل من هذا العالم إلى الآب..." (يو 13: 1). عندئذٍ غسل الربُّ لهم أرجلهم ليجعلهم يدخلون في "الساعة". ولمّا رفض بطرس، كان التهديد: "لن يكون لك نصيب معي."

إذًا، فهمت مريم مقال يسوع. فما تراجعت، بل دعَتْ الخدم لأن يعملوا ما يقوله لهم. إذًا، لا بدَّ من الدخول في سرِّ مريم لكي نفهم ما يقول لنا يسوع. ما هذا المنطق؟ إذا الخدم فعلوا ذلك فكانت المعجزة، فماذا لا نعمل نحن الرسل حين يطلب منَّا الربُّ أن نقوم بعمل لا نعرف إلى أين يقودنا. بدا الخدم كالعميان ومع ذلك أطاعوا. ونحن الرسل؟

 

الخلاصة

الآية عمل من لدن الله يدعو الناس إلى الإيمان. وهكذا قيل عن الرسل "آمنوا". رأوا ما لا يُرى. رأوا "مجده" والمجد هو حضور الله الملموس. منذ البداية أظهر يسوع مجده لتلاميذه. وتلك ستكون صلاته قبل آلامه: "يا أبي، جاءت الساعة: مجِّدْ ابنك ليمجِّدك ابنُك" (يو 17: 1).

والنتيجة الأخيرة نقرأها في آ12: "نزل يسوع إلى كفرناحوم". هناك مقرُّ الرسالة. ربَّما في بيت بطرس. مريم هي التلميذة الأولى ثمَّ إخوة يسوع ثمَّ تلاميذه. كلُّهم معه. والرسالة تنطلق. وما أحلانا حين نكون مع هذا الفريق الذي سيكون النموذج لمسيرة الرسل بعد الصعود، ولاسيَّما بولس وبرنابا وسلوانس وتيموتاوس وغيرهم.

 

الرسالة

 

تحدَّثنا عن الطعام. ما نأكل وما لا نأكل. نراعي شعور بعضنا بعضًا ونفهم أنَّ ملكوت الله ليس أكلاً وشربًا. بل هو برٌّ (نعمل مشيئة الله) وسلام (بين الإخوة حيث الوداعة تسيطر والتواضع) وفرح "يحمله إلينا الروح القدس."

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM