كلمةُ البشارة خلاَّقة

أحد البيان ليوسف (أف 3: 1-13؛ مت 1: 18-25)

 

18أمّا ميلادُ يسوعَ المسيحِ فهكذا كان. لمّا كانَتْ مريمُ أمُّه مخطوبَةً ليوسف، قبْلَ أنْ يَجتمِعا وُجدَتْ حبلى من الروحِ القدس. 19أمّا يوسفُ بعلُها، فكان بارًّا وما أرادَ أن يكشفَها، وكان ارتأى سرًّا بأن يطلِّقَها. 20وفيما ارتأى هذه، تراءى لهُ ملاكُ الربِّ في الحلمِ وقالَ له: “يا يوسفُ بنَ داود، لا تخَفْ من أخْذِ مريمَ امرأتِك، ذلك أنَّ الذي وُلدَ فيها، هو من الروحِ القدس. 21فسَتلِدُ ابنًا وتدعو اسمَه يسوعَ، فهو يخلِّصُ شعبَه من خطاياهم. 22وهذا كلُّه كانَ ليَتمَّ ما قيلَ من الربِّ على يدِ النبيِّ: 23ها البتولُ تحبَلُ وتَلِدُ ابنًا، ويدعونَ اسمَه عمانوئيل الذي يُترجَمُ إلهُنا معَنا. 24ولمّا قامَ يوسفُ من نومِه، صنَعَ كما أمرَهُ ملاكُ الربِّ، وأخذَ امرأتَه، 25وما عرفَها حتّى ولَدَتِ ابنَها البكرَ ودعَتِ اسمَهُ يسوع.

*  *  *

زمن الميلاد زمن البشارات. بُشِّر زكريَّا فوُلد له يوحنّا. وبُشِّرت مريم بابن سيكون ابن العليّ. واليوم، يُبشَّر يوسف. فهذه المرأة التي خطبها ليست كسائر النساء. هي حبلى من الروح القدس. لا من زرع بشريّ. وهذا الابن الذي تنتظره، هو عمانوئيل، إلهنا معنا. وهكذا بانت الأمور ليوسف واتَّضحت. فانتقل من الشكِّ والقلق إلى الإيمان والفرح. وفعل ما أمره به ملاك الربِّ، فكان الخادم على مثال خطِّيبته التي افتخرت بأن تكون الأمة التي تربط حياتها بقول الله.

بعد أن قدَّم متَّى سلالة يسوع البشريَّة، دلَّ على أنَّ ذاك الذي عرفه الرسل والكنيسة من بعدهم، هو إنسان ينتمي إلى السلالة البشريَّة، بما فيها من ملوك وعظماء، وما فيها من عشائر سواء جاءت من العالم اليهوديّ أم من العالم الوثنيّ. فالله عمَّانوئيل، ليس فقط إله الشعب اليهوديّ، بل هو إله الكنيسة والبشريَّة، بعد أن قال للتلاميذ: ها أنا معكم طول الأيَّام وحتَّى منتهى الدهر.

 

منطق البشر أم منطق الله؟

يوسف هو بعل مريم، خطِّيبها، وتعاهدا على الحياة تحت سقف واحد. يعرف الواحد ما يعرفه الآخر من فرح وحزن. يوسف هو "زوج" مريم على مستوى الحياة المشتركة، ولكنَّها لم تأتِ بعد إلى بيته ليسكنا معًا. ما زال بعيدًا عنها، وهي بعيدة عنه. فلمَّا وجدها حبلى، أراد أن يبتعد عنها، أن يتركها وشأنها.

قد يكون حسبها زانية، فأخبرته بأمرها، فتراجع عن تطبيق الشريعة. وقد يكون أحسَّ بأنَّ هذا الابن ليس ابنًا كسائر أبناء البشر. أراد أن يتراجع أمام أمٍّ بتول لا يستحقُّ أن يعيش معها، ومع ابن عجيب لا يستحقُّ أن يخدمه، لأنَّه خاطئ.

هذا كان وضع يوسف لمَّا ظهر له الملاك في صمت الليل: لا مجال للمنطق البشريّ. أمّا المنطق الإلهيّ فيفرض على هذا البارّ الصامت أن يفعل ما يأمره به الربّ: أن يأخذ الولد على عاتقه، يعطيه اسمًا كما يفعل كلُّ أب مع ابنه، ويجعله من سلالة الملوك، سلالة داود. وإن لم يرث من داود سوى مذود حقير في جوار بيت لحم. حبلٌ عجيب بفعل الروح القدس. واسم عجيب يدلُّ على حامل الخلاص والحياة.

 

ابن فريد لأمٍّ فريدة

يسوع هو ابن يوسف بحسب أمر الملاك. وهو ابن مريم بعد أن تدخَّل الروح القدس. وهكذا حملته، كما تحمل كلُّ أمٍّ ابنها في حشاها. تغذَّى من جسمها بانتظار أن يغتذي من لبنها، وينام في حضنها. هذا الذي اسمه عمَّانوئيل، إلهنا معنا، أراد أن يكون في حشا أمِّه. تنازل، امَّحى، أخلى ذاته، فما اختلف عن أطفالنا وأولادنا. صار شبيهًا بنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة.

هذا الابن هو البكر. هو أوَّل ولد لمريم، لكنَّه كان آخر ولد لها على مستى الجسد، قبل أن تصير أمَّ أبناء عديدين. هو البكر لأنَّه مقدَّس لله، شأنه شأن كلِّ بكر في العالم اليهوديّ، وهو البكر بالنسبة إلينا: هو بكر بين إخوة كثيرين بعد أن أراد الآب أن يوسِّع عائلته فتضمُّ البشريَّة كلَّها. هو بكر القائمين من الموت. وهو  الابن البكر الذي تسجد له كلُّ ملائكة الله.

هذا البكر على مستوى البشر، لم يكن له إخوة وأخوات على مستوى اللحم والدم. وأمُّه التي ما عرفت رجلاً حين حبلت به، لن تعرف رجلاً بعد أن فهمت من الملاك أنَّها ستكون مكرَّسة بكلِّيَّتها للربّ: أنا لا أعرف رجلاً، بمعنى لن أعرف رجلاً. وهكذا كانت مريم فخر البتولين والبتولات، وكان ابنها الابن الوحيد لله الآب.

 

هل الله معنا؟

الاسم البشريّ لهذا الطفل الذي سيولد هو يسوع. ولهذا الاسم معناه: الله يخلِّص، الله يحيي، ويعيد الحياة إلى الموتى. ولكنَّ الاسم الذي يرافق يسوع في طفولته وحياته الرسوليَّة هو عمَّانوئيل، أي إلهنا معنا. اعتبر موسى أنَّ الله معه، ومثله يشوع. وسمع جدعون كلامًا يقول له: الربُّ معك، أيُّها المحارب الباسل. وأعلن النبيّ إشعيا للملك: الله معنا رغم الظروف الصعبة والحرب المهدِّدة، هو عمَّانوئيل. ولكنَّ الملك فضَّل التحالفات البشريَّة على الاستناد إلى حضور الله في شعبه.

في العهد القديم، كان الاسم رمزًا. أمّا الآن فهو حقيقة وواقع. فهذا الطفل هو الله وابن الله. وهو سيرافق التلاميذ خلال حياته على الأرض، ويعدهم بأن يكون معهم حتَّى النهاية. وقال لنا: حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة، أنا معهم، أنا في وسطهم. بعد ذلك، كيف تخافون؟ يكفي أن تؤمنوا لكي تنبذوا الخوف عنكم.

 

ما سرُّ المسيح؟

يدخلنا بولس في سرِّ المسيح. هذا السرُّ كان مكتومًا في الماضي، وتحقَّق في المسيح، وحملته الكنيسة وما زالت تحمله. هذا السرُّ دخل فيه يوسف، فعرف في مريم العذراء أمَّ المخلِّص، وفي الولد العجيب حضور الله معنا. هذا السرُّ حمله بولس الرسول إلى اليهود وإلى الوثنيِّين: نستطيع أن نقترب من الله بدالَّة الأبناء. لم يعد الله ذاك البعيد في أعالي السماء ووراء الغيوم، بل هو معنا، قريب منَّا. يكفي أن نذهب إلى بيت لحم كما فعل المجوس، لا أن نبقى في سلطتنا كما فعل هيرودس، ولا في انغلاقنا كما فعل الفرِّيسيُّون الذين عرفوا أين يولد المسيح، ولم يتحرَّكوا، بل سيأتي يوم يهدِّد هيرودس ذلك الطفل، والكتبة يهتفون ليُصلب.

 

عيش الكلمة

البرارة عند يوسف هي السير في خطِّ مشيئة الله، وحسب قصده الإلهيّ. لم يفهم، ولكنَّه أطاع الربّ. ومريم لم تفهم هي أيضًا، ولكنَّها سلَّمت أمرها إلى الله. ذاك يكون موقف المؤمن ساعة لا يفهم: يترك الربَّ يوجِّه حياته، ويعمل انطلاقًا من معطيات بسيطة ويعرف أنَّ الظلمة التي تكتنفه الآن سوف تنجلي. عندئذٍ يستطيع أن يكتشف حضور الربِّ الذي كان يعمل في أعماقه من أجل الساعة التي فيها يتجلَّى مخطَّط الله في ملئه.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM