ما هذه البشارة العجيبة؟

أحد بشارة العذراء (غل 3: 15-22؛ لو 1: 26-38)

 

26وفي الشهرِ السادس، أُرسلَ جبرائيلُ الملاك من لدُنِ الله إلى الجليل، إلى المدينةِ التي اسمُها الناصرة، 27لدى بتولٍ مَخطوبةٍ لرجلٍ اسمُه يوسف من بيتِ داود، واسمُ البتولِ مريم. 28فدخَلَ لدَيها الملاكُ وقالَ لها: “سلامٌ لكِ يا مُمتلئةً نِعمة، ربُّنا معكِ، مُباركةٌ أنتِ في النساء.” 29وهي لمّا رأتْ، ارتهبَتْ بكلمتِه، ومُفكِّرةً كانت في ما هو هذا السلام. 30فقال لها الملاك: “(أنت) لا تخافينَ يا مريم، لأنَّك وجدتِ نِعمةً لَدى الله. 31وها أنتِ تَقبلِينَ حبَلاً وتَلدينَ ابنًا وتَدْعينَهُ يسوع. 32وهذا يكونُ عظيمًا وابنَ العليِّ يُدعَى، ويُعطي له الربُّ الإله عرشَ داودَ أبيه، 33ويملِكُ على بيتِ يَعقوبَ للأبد، ولملكوتِهِ انقضاءٌ لا يكونُ.” 34فقالَتْ مريمُ للملاك: “كيفَ تكونُ هذه وأنا لا رجلَ معروفًا لي؟” 35فأجابَ الملاكُ وقالَ لها: “الروحُ القدسُ يأتي، وقدرةٌ العليِّ تَحِلُّ عليكِ. لأجلِ هذا، ذلك المولودُ فيك قدُّوسٌ هو وابنَ الله يُدعَى. 36وها إليشبَعُ قريبتُكِ هي أيضًا حاملٌ ابنًا في شيخوختِها، وهذا الشهرُ هو السادسُ لتِلكَ المَدعوَّةِ عاقرًا. 37لأنَّ لا شيءَ عَسيرًا على الله.” 38فقالَتْ مريمُ: “ها أنا أمةُ الربِّ، يكونُ لي مِثلَ كلمتِكَ.” وذهب الملاكُ من عندِها.

*  *  *

العاقر ستحبل

حين تنظَّم عيدُ الميلاد، خلال القرن الرابع، في 25 كانون الأوَّل، أرادت الكنيسة الاستعداد لهذا الحدث بما يُسمَّى زمن المجيء وخبر البشارات. فذاك الذي وُلد في بيت لحم اليهوديَّة، حبلت به مريم في ناصرة الجليل. وهكذا التقى الشمال والجنوب في طفولة يسوع، بانتظار أن تنضمَّ أرض السامرة.

بعد بشارة زكريَّا بأنَّ الكبيرة السنِّ والعاقر ستحبل بابن يفرح بمولده الكثيرون، ها هي بشارة مريم البتول. وابنها لن يكون فقط إنسانًا من البشر، بل هو أيضًا ابن العليّ وابن الله. فالشهر السادس يبقى ناقصًا، ويبقينا في العالم اليهوديّ، وسوف ننتقل إلى الكمال مع البشارة بالمخلِّص.

 

أمّ وبتول معًا؟

أرسل الله ملاكه. والملاك يدلُّ على حضور الله، بل هو يهيِّئ هذا الحضور من أجل حوار الإنسان مع الله. أرسله إلى مكان محدَّد: في الجليل، في الناصرة، في بيت مريم. إلى شخص محدَّد نتعرَّف إليه، إنَّها مريم، وهي عذراء. وسوف نرى خلال حوارها مع الملاك أنَّها ستبقى كذلك: "أنا لا أعرف رجلاً." وقد فهمت الآن أنَّ أمَّ المسيح لا يمكن إلاَّ أن تكون بتولاً مكرَّسة بكلِّيَّتها لابن الله. وهذه العذراء مخطوبة، شأنها شأن كلِّ فتيات عمرها. لم تتميَّز مريم في الخارج عن بنات الناصرة، بل اختيار الله لها هو الذي يميِّزها.

 

نعمة الله تكفي

السلام عليك. في الأصل، افرحي. وهو نداء توجَّه إلى شخص فرد. هي مريم هنا، وإلى جماعة الشعب كلِّه كما قال النبيّ صفنيا. وسلام الملاك هو البركة التي تملأ قلوبنا وحياتنا وبيتنا، بل ستنال مريم ملء البركة. "ممتلئة نعمة". لم يعد من موضع لأيِّ شيء آخر. لهذا نقول لها: "كلُّك جميلة ولا عيب فيك". لقد نالت أن تكون أمَّ ابن الله، فأيُّ نعمة تأتي بعد هذه النعمة. حين أعطانا الله ابنه. أعطانا كلَّ شيء. وكانت مريم أوَّل من تسلَّم هذا العطاء. فقالت لها إليصابات: "مباركة ثمرة بطنك." وأخيرًا، الربُّ مع مريم كما كان مع آباء الشعب، مع إبراهيم، موسى، يشوع، صموئيل، إرميا. وهذه المعيَّة تتعدَّى كلَّ ما يمكن إنسان أن يختبره. لسنا فقط على مستوى روحيّ، بل على مستوى مادّيّ. حبلت مريم بيسوع، وولدته، كما تلد كلُّ أمٍّ ابنها. أقام في حشاها، فقيل له: "طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين أرضعاك."

 

حضور الربِّ مخيف

انتقلت مريم من الإصغاء إلى الخوف والسؤال، قبل الجواب النهائيّ: "أنا أمة الربّ." إنَّ الله الذي يكلِّمنا في أعماقنا، في نسيم صامت كما قيل عن إيليَّا، يطلب منَّا الإصغاء. فالصمت الخارجيّ وحده لا يكفي. نحتاج إلى صمت داخليّ، هو في الوقت عينه استعداد لأن نعمل ما يطلبه الله منَّا. والخوف هو عاطفة الإنسان في حضرة الله، ويدلُّ على إيمان لدى ذاك الذي التقى الربَّ واعتاد أن يلتقيه. والسؤال سؤالان. أوَّلهما تعجُّب: ماذا يريد منها هذا الإله الذي يدخل حياتها؟ أيُّ نعمة يحملها إليها؟ وثانيهما قلق: وكيف ستتجاوب مع مجيئه؟ ما يطلبه منها مستحيل: أن تكون أمًّا وعذراء في الوقت عينه. هنا بدت مريم مثل إبراهيم حين طلب الله منه إسحق. وفي النهاية، أطاع إبراهيم، والربُّ هو الذي دبَّر الأمور. ومريم قالت: ها أنا أمة الربّ، وبدأت حالاً المسيرة على ضوء كلام الله.

 

في طاعة الله خلاص

وهكذا تحقَّق الوعد الذي أُعطي لإبراهيم في مريم بعد أن حلَّ يسوع في حشاها، وبانت أمانة الله وتجسَّدت في تجاوب البشر. وتشدِّد الرسالة على أنَّ نسل إبراهيم واحد وهو المسيح. كلُّ مسيرة الإيمان انتهت في يسوع وقد جسَّدتها مريم حين قالت: "نعم، أنا أمة الربّ." في هذا الإطار، عرفت الشريعة موضعها كجواب الإنسان على نداء الله. ليس كلُّ من يقول: يا ربّ، يا ربّ، يدخل ملكوت السماوات، بل كلُّ من يعمل. وفي الواقع، دلَّت مريم على طاعتها للربّ حين قبلت نداءه. وبرهنت عن هذه الطاعة حين مضت إلى نسيبتها إليصابات. بهذا، سارت مريم مسيرة معاكسة لبداية الخليقة: بدأ الإنسان برفض الله، فكانت الخطيئة التي هي أصل كلِّ الخطايا. أُنكرُ الربَّ الإله، وأجعل نفسي إلهًا. فماذا يبقى من الوصايا؟ أمَّا مريم فسمَّت نفسها الخادمة في حضور يسوع الذي جاء ليخدم. وبعد أن "ألغى" الإنسانُ الله، ألغى أخاه، وقتله. أمّا مريم فراحت تحمل الفرح إلى مَن ماتت فيها قوى الولادة والحياة.

 

عيش الكلمة

نداء في أساس حياة مريم، أضاء على ما قيل، وعلى ما بعد. نداء الربِّ يرافقنا ونحن نسمعه يومًا بعد يوم حتَّى الساعة الأخيرة التي فيها يقول لنا: "تعالوا يا مباركي أبي." هل سمعنا نداء الربِّ يُطلقنا في بداية حياتنا؟ لا شكَّ في ذلك. وإن سيطر علينا الضباب والقلق والتراخي بعض الوقت، نعود إلى هذا الصوت الذي قال لنا: قبل أن يُحبَل بك في البطن اخترتك. اختار الله مريم لمهمَّة ما بعدها مهمَّة. وهو يختار كلَّ واحد منَّا. عسى ألاَّ يكون جوابنا ابن ساعته، بل يتعمَّق في العمل اليوميّ، خدمة ومحبَّة وعطاء.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM