من يجدِّد الكنيسة؟ وكيف؟

أحد تجديد البيعة (عب 9: 11-15؛ يو 10: 22-42)

 

22وكانَ عيدُ التجديدِ في أورشليم، وكان شتاء. 23وكانَ يسوعُ ماشيًا في الهيكل، في رِواقِ سليمان. 24فأحاطَ به اليهودُ وقالوا له: "حتّى متى أنتَ آخذٌ نفسَنا: إذا أنتَ هو المسيحُ فقُلْ لنا جليًّا." 25فأجابَ يسوعُ وقالَ لهم: "قلتُ لكم ولا مؤمنونَ أنتم، والأعمالُ التي أنا عاملٌ أنا باسم أبي، هي شاهدةٌ لي. 26لكن أنتم لا مؤمنون أنتم، لأنَّكم ما كنتُم من خرافي كما قلتُ لكم. 27خرافي الخاصَّةُ سامعةٌ صوتي وأنا عارفُها أنا، وهي آتيةٌ ورائي. 28وأنا واهبٌ أنا لها الحياةَ الأبديَّة، ولا تهلكُ للأبد، ولا يخطفُها إنسانٌ من يدي. 29لأنَّ الذي وهبها لي هو أعظمُ من الكلِّ، وما من إنسانٍ قادرٌ أنْ يَخطفَها من يدِ أبي. 30أنا وأبي واحدٌ نحنُ."

31فأخذَ اليهودُ أيضًا حجارةً ليَرجموه. 32فقالَ لهم يسوع: "أعمالاً كثيرةً حسنةً من عند أبي أريتُكم، فلأجلِ أيِّ عملٍ منها أنتم راجمونَ لي؟" 33فقالَ له اليهودُ: "ما نحن راجمونَ لك لأجلِ أعمالٍ حسنة، بل لأنَّك مُجدِّفٌ أنت، وإذ أنتَ إنسانٌ (ابنُ إنسان) تجعلُ نفسَك الله. 34فقالَ لهم يسوع: "أما هكذا كُتبَ في ناموسِكم: أنا قلتُ إنَّكم آلهةٌ أنتم. 35فإذا لأولئك قالَ "آلهة" لأجلِ الذين إليهم كانتْ كلمةُ الحياة، ولا يمكنُ أن يُنقَضَ الكتابُ. 36فالذي قدَّسَه الآبُ وأرسلَه إلى العالم، أنتم قائلون له أنتم: أنتَ مُجدِّف، لأنّي قلتُ لكم أنا ابنُ الله. 37لو أنا عاملٌ غيرَ أعمالِ أبي، فلا تؤمنون بي. 38ولكن إذا أنا عاملٌ، فإذا أنتم لا مؤمنون بي، فآمنوا بهذه الأعمالِ بحيثُ تعرفون وتؤمنون أنَّ أبي فيَّ وأنا في أبي. 39فطلبوا أيضًا أن يُمسكوه، فخرجَ هو من بين أيديهم.

40وذهبَ هو إلى عِبرِ الأردنِّ، إلى المكانِ الذي كان فيه يوحنّا مُعمِّدًا من قديم، وكان هناك. 41وأناسٌ كثيرون أتَوا إليه وكانوا قائلين: "ما صنعَ يوحنّا آيةً واحدة، لكنَّ كلَّ شيء قال يوحنّا عن هذا الرجلِ، حقٌّ هو. 42فآمنَ به كثيرون.

*  *  *

لماذا تجديد البيعة؟

مع بداية تشرين الثاني، تنطلق الكنيسة في سنة ليتورجيَّة جديدة، تختلف عن السنة المدنيَّ التي تبدأ في أوَّل كانون الثاني والتي تتوقَّف عند أحداث العالم. أمّا السنة الليتورجيَّة فتعود إلى أحداث تاريخ الخلاص. تعيد قراءتها سنة بعد سنة، بحيث تصبح جديدة حين تتجسَّد في الكنيسة وفي العالم.

بعد أن دُمِّر الهيكل وتنجَّس، اعتاد اليهود أن يتذكَّروا سنة بعد سنة، كيف أُعيد البناء. وتجدَّد المذبح. يحملون الأغصان الخضراء ويُنشدون نشيد الفرح، "هللويا"، ويشعلون المصابيح في بيوتهم، وكأنَّ الربَّ يضيء عليهم من جديد بعد النكبة التي حلَّت بهم.

 

ما هو أساس إيمان الكنيسة؟

أعلن يسوع: أنا والآب واحد. نحن في قلب الثالوث والعلاقة بين الآب والابن: لا يعرف أحد الآب إلاَّ الابن، ولا يعرف أحد الابن إلاَّ الآب. وأضاف يسوع: من رآني رأى الآب. فالمسيح هو حضور الله على الأرض، هو ابنه وكلمته. ليس هو فقط إنسانًا من الناس: رأوه، سمعوه، لمسوه. ليس فقط ذاك الذي رافقه الناس وأكلوا معه. بل هو الله وابن الله. إنَّه يحمل قدرة الله. وحين يعلن يسوع أنَّه ابن الله، أنَّه ابن المبارك، سيكلِّفه إعلانُه هذا الموت لأنَّه اعتُبر مجدِّفًا. أمّا المسيحيَّة فترى هذه العقيدة في أساس إيمانها، فتقول لليهود إنَّ يسوع هو المسيح الذي انتظرتموه. جاء ليدشِّن ملكوت الله. وتقول لكلِّ الباحثين عن وجه الله على الأرض: يسوع هو الابن الذي فيه يتجلَّى الله في العالم. ونحن لا نصل إلى الله إلاَّ بواسطة ذاك الذي قال: أنا والآب واحد.

 

الآيات عقبة للإيمان

تكلَّم يسوع عن نفسه، فما آمنوا به، لأنَّهم يطلبون الآيات، ويريدون أن يروا. ولكنَّ يسوع طوَّب الذين آمنوا به ولم يروا. وقال لنا بولس إنَّ طلب الآيات يبقى عقب إن لم يصل إلى جنون الصليب. فالمعجزة التي تُدهشنا، ونصفِّق لها، تبقى خارجًا عنَّا، مثل حبَّة القمح التي تقع في أرض قليلة التراب، فتنمو بسرعة، وتذبل بسرعة. ثمرة تدوم ساعة.

ومع ذلك، قام يسوع بأعمال لكي يدعوهم إلى الإيمان. تنازل إلى مستواهم كما يتنازل إلى مستوانا، ليرفعهم إلى مستواه، إلى حياته. ثمَّ دعا هؤلاء الفرِّيسيِّين ليؤمنوا بالأعمال التي عملها، لأنَّها تدلُّ على قدرة الله ورحمته تجاه البشريَّة. وهذه الأعمال نستطيع نحن أيضًا أن نشاهدها كلَّ يوم، هذا إن لم نكن عميانًا نرفض أن نرى لأنَّنا لا نريد أن نؤمن. أمّا هدف يسوع من الأعمال، في النهاية، فهو الوصول باليهود إلى اكتشاف وجه الله في هذا الإنسان الذي اسمه يسوع. أمّا هم فسوف ينزعون عنه كلَّ صفة إلهيَّة، ويعتبرون أنَّ ما عمله يرتبط بالشيطان، بل برئيس الشياطين.

 

فليرجم إنَّه يجدِّف!

ما اكتفى يسوع في الكلام عن بنوَّته لله، بأن يذكر أعماله، بل عاد إلى الكتاب المقدَّس يستقرئه ليكتشف مع اليهود حقيقة الابن. تعجَّبوا لأنَّه جعل نفسه إلهًا. في الواقع، فهموا مقاله واعتبروه مجدِّفًا. ولهذا، أرادوا أن يرجموه، والرجم عقاب المجدِّفين. ولكن لا سمح الله أن يكون يسوع كذلك! لقد عاد يسوع إلى المزمور 82: "أنا قلت إنَّكم آلهة." انطبق هذا القول على المؤمنين، ألا ينطبق بالأحرى على من هو ابن الله الحقيقيّ؟ وإذا كنَّا نحن أبناء الله، فلأنَّ يسوع هو الابن الحقيقيّ، وصار أخًا لإخوة كثيرين، ولم يستحِ أن يدعونا إخوته.

 

من هو المجدِّف؟

الكتاب هو كلام الله، ومن رفض أن يسمعه، رفض الله بالذات. وهكذا يكون هو المجدِّف الحقيقيّ، لا ذاك الذي يعلن حقيقة شخصه وإن تجاوز إعلانه مفهومنا، ويكشف حياته على ضوء كلام الله. وهذا ما فعله يسوع. أمّا الفرِّيسيُّون فأخذوا بعادات البشر وتركوا كلام الله ومتطلِّباته. فتَّتوا كلام الله فما عاد يدلُّهم على المسيح الذي هو ابن داود وربُّ داود، وهو إله وإنسان. لهذا قيل فيهم عميت عيونهم وتقسَّت قلوبهم، فما اهتدوا ليكون لهم الشفاء. فضَّلوا مجد الناس (ومنفعتهم) على مجد الله.

 

عهد قديم، يتمَّم أم يُلغى؟

جاء المسيح يجدِّد قراءة العهد القديم والرسالة إلى العبرانيِّين أعلنت أنَّه الكاهن الأوحد الذي يجعل النظم القديمة تصل إلى كمالها، أو تُلغى. أجل، لم نعد بحاجة إلى ذبائح تتكرَّر ولا تصل إلى مبتغاها. كان اليهود يعتبرون دم الجداء والعجول كافيًا للتكفير. ولكنَّ تلك الذبيحة خارجة عن الإنسان ولا ترتبط به إلاَّ عبر نيَّته. أمّا يسوع فقدَّم نفسه ذبيحة، وهكذا كان لنا علَّة خلاص أبديّ. فيه وبه وحده تتجدَّد الكنيسة سنة بعد سنة، إلى أن تكون في النهاية الأرض الجديدة والسماوات الجديدة التي فيها يملك البرّ.

 

عيش الكلمة

في بداية السنة الطقسيَّة، تُدعى الكنيسة إلى التجديد، ويُدعى المؤمنون أيضًا. ندعى إلى مسيرة تبدأ من جديد في خطى يسوع المسيح فلو وصلنا إلى الكمال، لما احتجنا إلى سنة طقسيَّة جديدة نرافق فيها يسوع من معموديَّة يوحنَّا إلى صعود الربِّ إلى السماء. ولكنَّنا نحتاج أيضًا إلى سماع صوت الله يدعونا هذه السنة وكلَّ سنة. هلاَّ عدنا إلى الكتاب المقدَّس لنجد فيه نورًا لحياتنا؟ وهلاَّ عرفنا أنَّ إيماننا بالمسيح ابن الله، هو أساس مسيرتنا المسيحيَّة بما فيها من متطلِّبات تتعدَّى ما يطلبه البشر؟


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM