اثنين الرماد

قراءة من إنجيل القدِّيس متّى (6: 16-21)

        أمّا أنت فمتى (تكونُ) صائمًا، اغسِلْ وجهَك وامسَحْ رأسَك (بالطيبِ)، بحيثُ لا تُرى لدَى الناس أنَّك صائمٌ بل لأبيكَ الذي في الخفاءِ وأبوكَ الناظرُ في الخفاءِ هو يُجازيك.لا تَكنِزون لكم كنوزًا في الأرضِ حيثُ السوسُ والآكلةُ يُفسدان، وحيثُ السارقونَ ناقبونَ وسارقون.بل اكنِزوا لكم كنوزًا في السماء حيثُ لا سوسٌ ولا آكلةٌ يُفسدان وحيثُ السارقونَ لا يَنقُبون ولا يَسرِقون.لأنَّه حيثُ يكونُ كنزُكم هناك أيضًا قلبُكم.


 

منذ العهد القديم، اعتاد المؤمنون أن يذرُّوا الرماد على رؤوسهم كعلامة الحزن والتوبة. ويسوع نفسه الذي عمل العجائب الكثيرة في كورزين وفي بيت صيدا، انتظر التوبة من هاتين المدينتين فلم يجد. فلو عمل في صور وصيدا كلَّ هذا لكان أهلُهما "تابوا من زمن بعيد في المسوح والرماد". وأخذت الكنيسة بهذه العادة، أقلَّه في العالم السريانيّ وفي العالم اللاتينيّ. فالرماد علامة خارجيَّة على توبة داخليَّة، من أجل تبديل الحياة. والبداية لا تتوقَّف عند البداية، بل تمتدُّ حتّى النهاية، حتّى أسبوع الآلام وأحد القيامة. ولئلاَّ تبقى توبتنا بشريَّة، وبالتالي ناقصة، نتوِّج زمن الصوم بقبول سرِّ التوبة: نعترف بخطايانا، نتوب عنها، نطلب القوَّة "فنهرب من كلِّ أسباب الخطيئة" ونبدأ انطلاقة جديدة.

فزمن الصوم هو وقت الرضى. الربُّ يرضى عنّا كما رضيَ عن ابنه الوحيد حين اعتمد في الأردنّ: هذا هو ابني الحبيب، عنه رضيتُ. هل نفهم ما معنى رضى الربّ؟ يعني نحن نعيش بحسب مشيئته. نسير في الطريق التي يسير فيها معنا. فنحن لا نصوم وحدنا، ولا نصلّي وحدنا: فالربُّ يسوع هو رفيق دربنا. هل نعرف هذا الأمر أم نسيناه؟ وإذا كان صومنا بشريًّا، بحسب عادات أهل هذا الزمان، أو بحسب الروتين، فلا ينفعنا عملُنا شيئًا على ما قال الرسول عن الختان: هو لا يضيف شيئًا على حياتنا. ولكن إن أشركنا صيامنا بصيام المسيح، وكنّا مع الكنيسة الجامعة، نشعر بالقوَّة تحملنا في هذا "الجهاد" كما يدعوه آباء الكنيسة.

وزمن الصوم هو زمن الخلاص. نحن خطأة، نبدأ مسيرة إلى القداسة. إن أخذنا بأمور هذا العالم، نفهم أنَّنا لسنا من العالم وإن كنّا عائشين في العالم، كما قال الربّ. تصرُّفات عالميَّة كثيرة نتخلّى عنها إذا أردنا لنفوسنا الخلاص. ذاك ما قال بطرس الرسول في نهاية خطبته يوم العنصرة: "تخلَّصوا من هذا الجيل الفاسد" (أع 2: 40). هو جيل فقدَ إيمانه أو كادَ يفقده وعاش كما يعيش سائر الناس. لماذا التفكير في أمورٍ تُتعبنا؟ نحن بألف خير. والآخرون؟ وأين الله في حياتنا؟ هل نكتفي ببعض الصور نضعها في بيوتنا وهي تحمينا من الخطر، أم ننظر إلى حياتنا على ضوء الإنجيل؟ فهذا الجيل اللامؤمن أضاع الطريق. إذًا، إلى أين يسير؟ هو لا يدري. مثل العبرانيّين في البرِّيَّة: كان بإمكانهم أن يتيهوا، ولكنَّ الربَّ أنار دربهم في ظلمة الليل. ويسوعُنا قال لنا: "أنا نور العالم، من يتبعني لا يمشي في الظلام".

وزمن الصوم هو زمن المصالحة. فسدت الأمور فلا بدَّ من إصلاحها. أوَّلاً مع الله. ثمَّ مع القريب. والمصالحة تعني أن نستفيد من الصلاح الذي يقدِّمه الله لنا. ونفيد الآخرين الذين يرون أعمالنا الحسنة فيمجِّدون الآب الذي في السماء. في المصالحة، نتوافق ولا نتخاصم، ولا يختلف بعضنا مع بعض. وما نلاحظ هو أنَّ الربَّ قام بالخطوة الأولى، فأتى إلينا لكي يتصالح معنا، بعد أن عاديناه نحن بتصرُّفاتنا تجاه القريب بشكل خاصّ. فالربُّ يحزن حين يراني على خلاف مع أخي، فيمنعني أن آتي وأقرِّب الذبيحة قبل أن تصطلح الأمور بيننا. وإذا كان الربُّ قام بالخطوة الأولى، فما عسانا نحن أن نعمل؟ نترك بعض حقِّنا من أجل السلام والوئام. ولو عاملَنا القريبُ بالعنف، نحن نعامله باللطف، وهكذا نكون أبناء (وبنات) أبينا السماويّ، الذي يشرق شمسه على الأشرار والأخيار ويسكب غيثه على الأبرار والفجّار.

هكذا يكون صومنا "بلا لوم". هكذا نكون خدَّام الله، بثباتنا في الضيقات. نصوم أربعين يومًا، لا يومًا أو يومين، وهذا ما يدلُّ على ثباتنا في الجهاد. ومثل هذا الثبات لا يمكن إلاَّ أن يعطي ثمرًا.

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM