الفصل الخامس والأربعون: الكنيسة الأولى تصلّي

الفصل الخامس والأربعون
الكنيسة الأولى تصلّي
إن الجماعات التي يتحدّث عنها أع هي جماعات تصلّي. وفي هذا المجال نجد مثال الصلاة في تصرّف كنيسة أورشليم.
أ- كنيسة أورشليم
يلخّص لوقا في الإجمالة الأولى (2: 42- 47) حياة جماعة أورشليم في أربع جمل تعبّر في نظره عما هو أساسي في هذه الكنيسة: تعليم الرسل والمشاركة في الخيرات، كسر الخبز والصلوات.
نلاحظ في آ 42 هذه صيغة الجمع. يتكلّم الكاتب عن "الصلوات". لا تعني هذه العبارة نمطاً من أنماط الصلاة، بل نشاطاً يتضمّن ممارسات متنوّعة ومنظّمة ومتكرّرة.
بعض هذه "الممارسات" مشترك بين اليهود والمسيحيين. أو بالأحرى، يشارك المسيحيون في أعمال ليتورجية تقوم بها جماعة (اليهود) لا يحسّون أنهم انفصلوا عنها أو نُبذوا منها. ويعود الكاتب مراراً إلى الحديث عن حضور تلاميذ يسوع في الهيكل. وبالمناسبة (2: 46)، يوضح لوقا أن مشاركة المسيحيين هذه في الاحتفالات اليهودية كانت تتم كل يوم، بقلب واحد وبصورة دائمة. وبعد هذا، سيدلّ على المكان الذي يجتمع فيه المسيحيون: تحت رواق سليمان (5: 12 ب؛ رج أيضاً 3: 11). قد تكون هذه الإشارة غير صحيحة (كما يقول الشرّاح حول 3: 11) أو ثانوية (كما يقوله الشرّاح حول 5: 12 ب، 14)، ولكنها تؤكد بأي حال هدف الكاتب وهو أن يبيّن أن هؤلاء المسيحيين الأولين اعتادوا أن ينضموا إلى صلاة اليهود.
يذكّرنا الكاتب أيضاً أن "بطرس ويوحنا صعدا إلى الهيكل لصلاة الساعة التاسعة" (أي الثالثة بعد الظهر، 3: 1). وأن بولس قضى أوقاتاً في الهيكل خلال إقامته في المدينة المقدسة (21: 26؛ 22: 17). ويشير لوقا إلى أن بطرس صعد على سطح بيت يقيم فيه بيافا، وأخذ يصلي في السادسة أي ظهراً (10: 9، لم تكن تلك الساعة ساعة تقليدية للصلاة في العالم اليهودي).
لا يقول لنا أع مضمون صلوات المسيحيين في الهيكل. ولكنه يعرف أن بولس شارك في طقوس تطهير، خلال وجوده في أورشليم. فعل هذا، عملاً بمشورة يعقوب والشيوخ، لئلا يشكك الأخوة. ولكنه لم يكن مقتنعاً بمثل هذه الطقوس. ويقول لنا لوقا إن المسيحيين "كانوا يكسرون الخبز (يمارسون الإفخارستيا) في البيوت... ويسبّحون الله" (2: 47).
إذن، لا تصلّي جماعة أورشليم فقط في الهيكل (كان أيضاً مكان اجتماع لسماع تعليم الرسل، كما كان مكان اجتماع لسماع الرابانيين) بل في البيوت أيضاً. لا يخبرنا لوقا كيف كانت تتم هذه الاجتماعات. فبمناسبة اجتماع مماثل ترأسه بولس في ترواس (20: 7- 11)، قال لوقا إن الاجتماع تم في اليوم الأول من الأسبوع (أي يوم السبت مساء). ولكنه كان قد قال في 2: 46 إن الاجتماعات تتم كل يوم. كانوا يسمعون كرازة "الرئيس" (الرسل في أورشليم)، يداومون على تعليم الرسل، (آ 22). نتذكّر بولس خلال مروره في ترواس: "اجتمعنا لكسر الخبز"، "كسر بولس الخبز". دور بولس خاص: هو الذي يعظ أو يحاور الحاضرين. بعد هذا، أكل هو وأكل الحاضرون، وتابعوا سماع التعليم. ويشير لوقا إلى اجتماعات صلاة تمّت هي أيضاً في بيوت خاصة.
ففي بداية أع، يتحادث عن الأحد عشر المجتمعين مع بعض النسوة ومريم أم يسوع وإخوته في العلية. كانوا كلهم يواظبون على الصلاة بقلب واحد (1: 14).
يعود الحديث عن المواظبة والوحدة مراراً. يصلّي الرسل ويواظبون على الصلاة (6: 4). ويداوم المسيحيون على الصلاة (روم 12: 12؛ كو 4: 2). وتتحقق الوحدة بهذه الجماعة المصلية سواء اجتمعت في الهيكل، أو في العلية (قد تكون مكان العشاء السري)، أو في أحد البيوت الخاصة.
نستطيع أن نكوّن بطريقة معقولة مضمون الصلاة التي مارسها الأحد عشر ورفاقهم في أورشليم (تشبه بشكلها صلوات اليهود في الهيكل أو المجمع). فيسوع كان قد وعدهم وعدين قبل أن يتركهم ببضعة أيام: "ستنالون قوة هي قوة الروح القدس الذي يحل عليكم". وزاد: "ستكونون لي شهوداً في أورشليم... وحتى أقاصي الأرض" (1: 8). لا يشك لوقا أن صلاة أحد العشر ارتبطت لانتظار الروح (انتظر عطية الروح أي صلى. ق 1: 4 مع 1: 14) والاستعداد للرسالة المقبلة. وهو يجمع نوال الروح مع صلاة الجماعة التي تتضمّن عطية الروح الإلهية (لو 11: 13: يهب الروح القدس للذين يسألونه). ويجمع أيضاً الصلاة مع مهمة الكرازة الإنجيلية. إن يسوع صلّى خلال عماده، أي في بداية رسالته (لو 3: 21- 22). وإن الكنيسة صلّت قبل العنصرة وانطلاقة التبشير (1: 14؛ 2: 1- 4). وإن بولس صلّى بعد لقائه بالرب وانطلاقه إلى عمل التبشير (9: 10- 17). هذه المواقف الثلاثة تعبر تعبيراً قوياً عن فكر لوقا. ثم إن صلاة يسوع ترتبط ارتباطاً وثيقاً برسالته أو برسالة تلاميذه... سنرى كيف أن الجماعات المسيحية ترافق بصلاتها المرسلين الذاهبين في مهمة تبشيرية.
إن جماعة العلية تحتفل بليتورجيا فرضتها ضرورة إحلال رسول محل يهوذا (1: 16- 26). يقدّم لنا لوقا نص هذه الصلاة موجزاً في آيتين اثنتين (آ 24- 25). ولكن مجمل الحدث يتيح لنا أن نتتبع مسيرة الصلاة التي قامت بها الجماعة. وهناك صلاة أخرى ترد في 4: 23- 31. في ذلك اليوم، التأمت مجموعة كبيرة لسبب هام: إن كنيسة أورشليم تعيش للمرة الأولى مأساة الاضطهاد. أمسك يوحنا وبطرس ووُضعا في السجن. أُطلق سبيلهما فجأة فعادا إلى الأخوة الذين تحمّسوا حين سمعوا خبر الاستجواب ورأوا هذين "العمودين" (رج غل 2: 9) حرّين. لهذا بدأت الجماعة بالصلاة: "رفعها أصواتهم إلى الله بقلب واحد" (4: 24).
ويحدّثنا ف 12 عن اجتماع آخر للصلاة على أثر سجن بطرس. إن الخبر يهمّنا، لأنه يدلّ على الاندفاع الذي كانت به تصلّي الجماعة من أجل الرسول المسجوِن. يقول النص: "كانت الكنيسة تصلي إلى الله بلا انقطاع من أجله" (آ 5). طالت الصلاة وكانت ملحاحة. إن الجماعة تصلي صلاة من يجدون نفوسهم في وضع ميؤوس منه. وتُذكر هذه الصلاة أيضاً في آ 12. نجا بطرس بطريقة عجيبة، "فذهب إلى بيت مريم، أم يوحنا مرقس، حيث كانت جماعة كبيرة تصلّي". يذكّرنا لوقا بهذه الصلاة الجماعية ساعة استجيبت، ويحدّثنا عن اجتماعات الكنيسة في منزل أحد أعضائها. لم يذكر لوقا كل اجتماعات الصلاة، لأنها كانت أموراً عادية فلم تكن هناك حاجة للتكلم عنها مطوّلاً.
ونشير إلى نقطة أخيرة. لا يقول صاحب أع لمن كانت الكنيسة تصلي، إلا حين يتحدث عن الرسل. هنا تصلي الكنيسة من أجل بطرس المسجون. هناك تشكر الله لأنه أطلق سراحه. وسنرى التلاميذ فيما بعد يصلّون مع بولس وهو يوّدعهم، يصلّون لأجل الذي قال لهم إنهم لن يروا وجهه بعد الآن (20: 36 ي). كان للصلاة من أجل رؤساء الجماعة أهمية كبرى في الكنيسة الأولى، في الجماعة الرسولية، وهذا ما تؤكّده النصوص البولسية: رج 1 تس 5: 17؛ 2 تس 3: 1 (صلّوا لأجلنا) أف 6: 18؛ كو 4: 3؛ عب 13: 18.
ب- الرسل والتلاميذ يصلّون
يحتل الرسل مكانة خاصة في قلب جماعة أورشليم المصفية. ويذكر لوقا باهتمام صلاة رؤساء الجماعة هؤلاء. بل يعلن أنه وإن تنوّعت أشكال الخدم (دياكونيا) في الجماعة، تبقى الخدمة الأولى خدمة الصلاة مع خدمة الكلمة. هذا يعني أنه حين يُتم الرسل خدمة الكرازة والصلاة يعملون بفاعلية من أجك خلاص الجماعة كلها.
إن الأحد عشر (ذكرت أسماؤهم) يشكّلون النواة الرئيسية لهذه الجماعة المصلّية قبل العنصرة. ثم إن بطرس ويوحنا يذهبان إلى الهيكل للصلاة. وحين يستعدان للصلاة، يجترحان معجزة شفاء الكسيح. ويقولان عن هذه المعجزة إنها تمت "باسم يسوع الناصري" (3: 6- 16). ليس من قبيل الصدف أن يقرّب لوقا بين الصلاة والمعجزة التي تمّت باسم يسوع: فالاثنتان تسيران معاً. وحين أقام بطرس طابيتة في يافا "أخرج كل الأرامل الباكيات ثم سجد يصلي" (هكذا فعل بولس أيضاً، رج 28: 8). ثم التفت إلى الجثة وقال: طابيتة، قومي (9: 40) إن بطرس يفعل كما فعل يسوع (ق مر 5: 40 ي). إن بطرس يعمل باسم يسوع (رج مر 9: 38)، والصلاة هي التي تربطه بمن باسمه يفعل.
وخبر كورنيليوس (10: 12- 11: 18) سيدلّنا على بطرس الرسول في صلاته (10: 9؛ 11: 5): "صعد بطرس إلى السطح نحو الظهر ليصلّي". وراح بطرس في انخطاف: حصل في الرؤية على وحي حاسم سيبدّل مسيرة الكنيسة. اكتشف "أن الله لا يفضل أحداً على أحد، فمن خافه من أية أمة كانت، وعمل الخير (البر) كان مقبولاً عنده" (10: 34). وعلى هذا، عمّد الوثني مع عائلته ساعة حل الروح القدس عليهم. جمع لوقا موضوع الوحي الإلهي والصلاة. ما كان يفكر بأن هذا الاتصال الذي بدّل مصير الكنيسة يمكن أن يتم خارج وقت الصلاة.
الرسل يصلّون، والناس يطلبون تشفعّهم من أجل أعضاء الجماعة الذين ليسوا جديرين بالاسم المسيحي. هذا ما عمله سمعان الذي طلب إلى بطرس أن يتشفع به إلى الرب "لئلا يصيبه الشر الذي ذكره له" (8: 24؛ رج 1 صم 7: 5- 12 وتشفع صموئيل). ويصلّي الرسل حين يهبون الروح. نزل بطرس ويوحنا وصليا من أجل السامريين حتى ينالوا الروح القدس (8: 15). وصلّى الرسل حين أوكلوا السبعة بمهمة في الجماعة: "بعد أن صلّوا وضعوا عليهم الأيدي" (6: 6).
ويصلّي الرسل مع الجماعة ووسط الجماعة. إنهم يلعبون دوراً خاصاً: دور التنشيط أو الرئاسة. هذا ما نكتشفه في خبر اختيار متيا. هذا الاجتماع الذي انتهى بالصلاة تم برئاسة بطرس (1: 15- 26). وهذا ما نستنتجه من الصلاة الواردة في 4: 23- 31. يُذكر "السيد" و"العبيد"، ولا يفهم هذا الذكر إلا إذا تمت الصلاة داخل الحلقة الرسولية. ويقول أحد الشرّاح: إن موضوع صلاة ف 4 يتعلّق بممارسة خدمة رسولية. إذا كانت استجيبت هذه الصلاة، فلا ننسى أن الرسل همل الذين صلّوها. قال شارح آخر: تفترض صلاة 4: 23- 31 تدخلاً نبويا، وهذا ما يقوم به الرسل الذين يتكلّمون باسم الرب، ويدلّون على مشيئته في تقرير مصير شعبه. ونقول الشيء عينه عن دور بولس في اجتماع ترواس (20: 11).
والمسيحيون يصلّون أيضاً. لا يحتفظ لوقا إلا بصلاة اسطفانس. فالتلميذ يصلّي ساعة موته، بل يتقبّل الموت وهو يصلّي. حين "يصرخ" إلى الله "يرقد"، وهو رقاد بدأه في الصلاة، رقاد هو عربون القيامة. والتعارض واضح بين هدوء اسطفانس الذي ركع يصلّي، وبين حلبة الجلادين الذين "ملأ الغيظ قلوبهم وصرفوا عليه بأسنانهم" (7: 54).
إن تصرّف اسطفانس الذي يختلف عن تصرّف خصومه، يتوافق مع ما طلبه يسوع: "باركوا لاعنيكم، وصلّوا لأجل المسيئين إليكم. من ضربك على خدك فحوّل له الآخر" (لو 6: 28- 29). حوّل اسطفانس وجهّه، وصلّى لأجل الذين أساؤوا إليه (افتروا عليه): "رشوا بعض الناس ليقولوا: سمعنا هذا الرجل يكفر بموسى وبالله" (6: 11).. صلّى لأجل الذين رجموه، فطبّق كلمة يسوع.
ويذهب اسطفانس أبعد من هذا. اقتدى بالمسيح فقدّم حياته لله: "أيها الرب يسوع، تقبّل روحي". ثم "سجد وصاح بأعلى صوته: يا رب لا تحسب عليهم هذه الخطيئة" (7: 59- 60)0 أجل، صلّى من أجل جلاّديه، صلّى على مثال يسوع الذي قال: "اغفر لهم يا أبي، لأنهم لا يعرفون ماذا يعملون" (لو 23: 34). توجّه يسوع إلى أبيه في صلاته، أما اسطفانس فتوجّه إلى الرب يسوع.
صلاة اسطفانس هي صلاة طلب، ولكنها قبل كل شيء فعل إيمان. ففي ساعة موته، وحين كانت الظواهر تدل على انتصار أعداء الإنجيل، رأى اسطفانس يسوع. هذا الذي "أسلمه اليهود وقتلوه" (7: 52) رآه اسطفانس حياً.
ج- الكنائس الفتّية
إن الكنائس الفتية التي تأسّست في سورية وآسية الصغرى وأوروبا تواظب على الصلاة، على مثال كنيسة أورشليم الأم. تذكّر لوقا الصلاة التي يمارسها المؤمنون في أنطاكية. هم يجتمعون حول الأنبياء مثل أغابوس (11: 27 ي) أو حول الخمسة الذين يورد لوقا أسماءهم فلا نعرف منهم إلا برنابا وشاول.
فالحدث الذي يرويه ف 13، يدشّن الرحلة الرسولية الأولى، وهو يُروى بطريقة سريعة تجعل معناه يغيب عنا. من الممكن أن مسيحيّي أنطاكية كانوا قد فكروا في مسؤولياتهم من أجل عمل الرسالة. تأسّست جماعتهم على قبرصيين وقيروانيين شتتهم الاضطهاد الذي حصل بعد موت اسطفانس (11: 20- 21)، فأحست أن عليها أن تمدّ تيار الرسالة الذي وصل إليها، أن تذهب إلى البعيد لتؤسّس جماعات أخرى. وتميّز برنابا وشاول بحسّ خاص ورغبة حارة في المشاركة في هذه المهمة. وبعد أن حلّلت هذه الكنيسة المحلية الأمور، اجتمعت للصلاة وسمعت أحد أبنائها يضع حداً للجدال: أرسل الروح القدس أمراً واضحاً: أفرزوا شاول وبرنابا من أجل عمل الرسالة.
نرى مرة أخرى أن الروح ظهر للجماعة خلال الصلاة. في الصلاة تهيّأت الرسالة وتقررّت. ساعة أرادت إرسال مبشرين اختارهم الروح القدس، أخذت الجماعة تصوم (هدف الصوم أن يزيد في حرارة الصلاة ويهيئ القلوب لاقتبال الوحي، دا 9: 3؛ أع 10: 30)، وتصلّي لتسلّم هذين المرسَلين إلى نعمة الله من أجل العمل الذي سيتمّانه (رج 14: 26). رافق الصلاة وضع اليد (من أجل نوال الروح. من أجل تعيين في مهمة، طريقة بها تبارك الجماعة المرسلين)، وبعد هذا تُرك المرسلان ينطلقان.
وخلال صلاة واحتفال مماثل في أنطاكية، تدخل النبي أغابوس، وأنبأ بمجاعة (11: 27- 30). قد نظن أنه واصل تقليد الأنبياء في العهد القديم، فهدّد الجماعة بعقاب بسبب خياناتها (رؤ 2- 2- 3). حينئذ عادت الكنيسة إلى نفسها وعجلّت في إرسال معونة إِلى الإخوة المقيمين في اليهودية. قد يكون الأمر هكذا، ولكن هناك شيئاً آخر...
ظهر رجاء المجيء الإسكاتولوجي بقوة، فدفع النبي هذا الرجاء، وأشعل الدعاء الذي يرافقه. فأخذ يعلن أن المجاعة الكبرى هي علامة تسبق زمن النهاية (مر 13: 8: تحدث مجاعات؟ رؤ 6: 5 ي)، وهي ستمتّد قريباً على الأرض. إذن، يسوع هو قريب، لأن العلامات التي تسبق مجيئه صارت ظاهرة (2 تس 2: 1- 12). فأجابت الجماعة على مثال الكورنثيين: الرب أتى (ماراناتا) وتوسلت على مثال المؤمنين في سفر الرؤيا: تعال، يا رب (ماراناتا)، ثم أخذت تعطي بسخاء من أجل المؤمنين (1 كور 16: 22؛ رؤ 22: 20).
ويتحدّث أع عن أوقات صلاة عاشتها جماعات أخرى، ولكنها ذُكرت بالنسبة إلى بولس. فكما دلّ القسم الأول (ف 1- 12) على الدور المميّز للرسل وعلى مكانتهم الخاصة في صلاة جماعة أورشليم، هكذا سيبين القسم الثاني الرسول بولس يلعب الدور عينه في الكنائس التي أسسها.
إن بولس يصلّي (9: 11) ساعة يستعيد النظر وينال الروح القدس (9: 17- 18). إن عبارة "استعاد النظر" وسقطت قشور من عينيه تدل على الاستنارة التي تمت في قلب بولس ودعته إلى أن ينظر إلى الأمور نظرة جديدة. وهذا ما سيقوله في 2 كور 4: 6: "والله الذي قال: ليشرق من الظلمة النور هو الذي أضاء نوره في قلوبنا لتشرق معرفة مجد الله، ذلك المجد الذي على وجه المسيح". حينئذ نجد مرة أخرى موضوع الصلاة في علاقة مع الاتصال بالله (10: 9؛ 11: 5). وترتبط الصلاة هنا أيضاً بموهبة الروح القدس وبداية الرسالة: فكما صلّى الأحد عشر مطولاً في العلية قبل أن ينالوا الروح القدس وينطلقوا في عمل البشارة، كذلك صلّى بولس ثلاثة أيام قبل أن يُعطى له هذا الروح عينه بيد حنانيا، وقبل أن يبدأ بالتبشير بيسوع في المجامع (9: 20).
وصلّى بولس في الهيكل (21: 26). يقوله عن نفسه: "بينما كنت أصلّي في الهيكل وقعت في غيبوبة" (انخطاف). وقال له الرب، هيا، سأرسلك إلى مكان بعيد (21: 17- 21). وسيصلّي في السجن مع سيلا في فيلبي (16: 25).
حين كان بطرس في السجن، واظبت الجماعة على الصلاة من أجله (12: 5، 12) وحين كان بولس في السجن كان يصلّي ويسبّح الله. ليس من السهل أن يسبّح الإنسان الرب وهو في السجن. ولكن لوقا أراد أن يعطي القرّاء مثالاً في بولس كما أعطاه في اسطفانس الذي صلّى من أجل صالبيه وهو يُرجم.
وصلّى بولس في مالطة حين وضع يديه على والد بوبليوس الذي كان "طريح الفراش بالحمّى والإسهال" (28: 8). وصلّى أيضاً من أجل ارتداد الذين يلتقي بهم. قال أغريبا لبولس: (أبقليل من الوقت تريد أن تجعل مني مسيحياً). فقال بولس: "أطلب من الله لك ولجميع الذين يسمعوني اليوم حتى يصيروا مثلي" (أي مسيحيين) (26: 28- 29). ويصلّي من أجل الذين سلّمَهم أمرَ الاهتمام بالجماعة. "عيّن بولس وبرنابا قسوساً في كل كنيسة ثم صلّيا وصاما واستودعا نعم الرب الذي آمنوا به" (14: 23).
وأخيراً، صلّى بولس قبل أن يودّع تلاميذه الأعزاء. صلّى أمام شيوخ أفسس الذين دعاهم (20: 17): "سجد معهم كلهم وصلّى" (20: 37). أما مضمون هذه الصلاة فنجده في الخطبة التي سبقت. لمّح بولس إلى المصير الذي ينتظره. ولكنه توسّع خاصة في الصعوبات التي تنتظر الكنيسة بعد رحيله. وكانت صلاة أخرى في صور: "سجدنا على الشاطئ وصلّينا" (21: 5). قالت التلاميذ هناك لبولس أن لا يصعد إلى أورشليم. ولكن بولس قال إنه مستعد لا للقيود بل للموت في أورشليم من أجل الرب يسوع. وهذا كان موضوع صلاته.
يقول أحد الشّراح: إن بولس يصلّي دائماً. موضوع صلاته العادي هو ثبات المسيحيين وإيمانهم ومحبتهم، صبرهم في المضايق والاضطهادات، هو نجاح عمله الرسولي من أجل الله. مثل هذه الصلاة تلتقي وصلاة يسوع حين قال: "أطلبوا ملكوت الله وبره".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM