تعظِّم نفسي الربّ

 

تعظِّم نفسي الربّ

 

عيد انتقال العذراء (رو 12: 9-15؛ لو 1: 46-55)

 

46فقالَتْ مريمُ: “معظِّمةٌ نفسي الربَّ. 47وابتهجَتْ روحي بالله مُحييَّ 48لأنَّه نظرَ إلى وَضاعةِ أمتِه. فها منَ الآن الطوبى تُعطِي لي القبائِلُ كلُّها. 49لأنَّه صنعَ نَحوي عظائم، ذاك الذي هو قَديرٌ وقدُّوسٌ اسمُه، 50وحنانُهُ لأجيالٍ وقبائلَ على الذين يَخافونَهُ! 51صنَعَ انتصارًا بذراعِه، وبدَّدَ المُفتخرينَ بفِكرِ قلوبِهم. 52قلَبَ الأقوياءَ عن عروشِهم ورفَعَ الوضعاء. 53الجياعَ أشبعَ خَيراتٍ والأغنياءَ أطلقَ فارغِين. 54عضَدَ إسرائيلَ عبدَه، وتذكَّرَ حنانَهُ. 55كما قيلَ مع آبائِنا، مع إبراهيمَ ومع نسلِه للأبَد.”

*  *  *

نشيد يعبِّر عن عواطف مريم بعد البشارة التي نقلها إليها الملاك، ويقدِّم الجواب المباشر على المديح الذي وجَّهته إليها إليصابات حين قالت لها: "مباركة أنتِ بين النساء، ومبارك ثمرة بطنك." نشيد عميق فيه تتأمَّل العذراء في ما صنعه الله لها، فتروي ما صنعه في الماضي وما يمكن أن يصنعه في كلِّ آن، لأنَّه إله المعجزات. ولكنَّها لا تستطيع أن تصوِّر هذه العظائم التي أجراها الله إلاَّ بالعودة إلى الكتاب المقدَّس.

 

عظائم الله تدلُّ على تساميه

إنَّه الربّ. هكذا سمَّى الشعب الأوَّل الله: منذ ظهر على موسى في العلَّيقة الملتهبة، إلى عمله مع الآباء والملوك والأنبياء، إلى الذين سمَّاهم الكتاب خائفي الله ومساكينه، العائشين بحسب وصاياه، الواثقين كلَّ الثقة به. وهو الإله الذي يحمل الخلاص لجميع البشر منذ بداية البشريَّة حتَّى نهاية العالم، لأنَّه يريد لجميع البشر أن يخلصوا ويجيئوا إلى التوبة. بدأت مسيرة الخلاص المنظورة مع إبراهيم حين قال له الربّ: أا أكون معك، أنا ترسٌ يحميك. وارتبطت بإبراهيم، شعوبُ الشرق كلُّها التي أرادت أن تنال بركة نالها هو من الله. ومن هذه الشعوب شعب إسرائيل، الذي دُعي هو أيضًا إلى الخلاص الذي يجد كماله في يسوع المسيح بعد أن بدأ يتحقَّق في حشا العذراء: ولمّا تمَّ ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة.

 

عظائم الله تدلُّ على رحمته

منذ البداية، تظهر هذه الرحمة وهذا الحنان. يتنازل الله فيقف على مستوى خليقته. منذ خطيئة الإنسان الأوَّل، بانت رحمة الله، فغفر للعيلة الأولى وجعل عداوة بين الحيَّة والمرأة، بانتظار أن تأتي بنت حوَّاء، مريم، وتدوس رأس الحيَّة. هذه الرحمة وعد بها الله الآباء، وعد بها شعبًا عرف أنَّه مدعوٌّ لكي يحمل اسم الله. ولكنَّ وعده لم يتوقَّف عند زمن من الأزمنة، بل هو وعد لجميع الأزمنة، إلى أن يأتي وقت يجمع الله في المسيح كلَّ ما في السماوات وعلى الأرض. ورحمة الربِّ لم تكن لجيل واحد تميَّز عن بقيَّة الأجيال. لم تكن فقط لجيل إبراهيم أو موسى أو إيليَّا، بل لجميع الأجيال. ولكنَّها تطلب من الإنسان أن يتجاوب معها. وحدهم الذين يتَّقون الربّ، ويخافونه مخافة الأبناء، ويعيشون بحسب وصاياه، يعرفون هذه الرحمة وينعمون بها.

 

عظائم الله تدلُّ على قدرته

هكذا قالت مريم عن الربِّ الذي تعظِّمه، عن الله الذي يحمل الخلاص: هو القدير. هذا ما قاله النبيّ عن أورشليم: "الربُّ الإله هو فيك، القدير يخلِّصك ويجلب لك السعادة ويجدِّد فيك حبَّه." الله قدير وهو يعمل دون محاباة للوجوه. دون خوف من إنسان أو شيء من الأشياء. فهو القدُّوس المنزَّه عن الشرّ. وإن هو جاء إلى البشر فلكي يرفعهم إليه. أمّا قدرته فتظهر في وجهين: ضدَّ المتكبِّرين والأعزَّاء الجالسين على الكراسي من جهة، ومع المتواضعين الذين يعرفون ضعفهم وينتظرون كلَّ معونة من الربِّ من جهة أخرى. ضدَّ الأغنياء الذين ظنُّوا أنَّهم يستغنون عن الربِّ بعد أن "أغلَّت أرضهم الخيرات الكثيرة" من ناحية، ومع الجياع الذين لا يطلبون الخبز وحده، بل كلام الله الحقّ والعدالة من ناحية ثانية. وفي النهاية، يطلبون الله حسب كلام المزمور: "من لي في السماء سواك وفي الأرض لا أريد غيرك."

هذا الإله الذي تُنشده مريم وتتحدَّث عن عظائمه، هو الذي يهتمُّ بخائفيه، ولكنَّه لا ينسى الخطأة. هذا الإله الذي ظهرت رحمته مع إبراهيم، أتمَّ هذه الرحمة في ابنه الذي أرسله في ملء الزمان، لا ليدين العالم، بل ليخلِّصه. هذا الإله الذي تحدَّث الكتاب عن خلاصه، هو إله الواقع، الإله الذي يقف بجانب الحمَل ويريد من الذئب أن يغيِّر سلوكه، والذي يقف بجانب الضعفاء والمعدمين والذين لا سلطان لهم. هكذا وقف قرب خادمته الوضيعة مرمي، فرفعها. لهذا هنَّأتها الأرض بانتظار أن تهنِّئها السماء وتجعلها في كمال القيامة، نفسًا وجسدًا، بجانب ابنها.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM