اطلبوا تجدوا

 

اطلبوا تجدوا

الأحد الثاني عشر بعد العنصرة (أف 4: 1-16؛ لو 11: 9-13)

 

9وأنا أيضًا أنا قائلٌ لكم: اسألوا فيوهَبَ لكم، اطلُبوا وأنتم تَجدون، اقرَعوا فيُفتحَ لكم. 10لأنَّ كلَّ سائلٍ آخذٌ، والطالبَ واجدٌ، والقارعَ يُفتحُ له. 11فأيُّ أبٍ منكم يسألُهُ ابنُه خبزًا، هل حجرًا يمدُّ له؟ وإذا سمكةً يسألُه، هل بدَلَ السمكةِ، حيَّةً يَمدُّ له؟ 12وإذا بيضةً يسألُه، فهل عقربًا يمدُّ له؟ 13فإذا أنتم الذين أشرارٌ أنتم، عارفون أنتم أن تُعطوا العطايا الصالحةَ لأبنائِكم، فكم بالأحرى أبوكم مِن السماء يُعطي روحًا قدسًا للذين يسألونَه.”

*  *  *

صلَّى يسوع فرآه تلاميذه وخافوا أن يوقفوه عن صلاته وهو في حوار مع الله أبيه. فلمَّا فرغ، علَّمهم بناءً على طلبهم الصلاة الربِّيَّة. ثمَّ تابع فأعطى التلاميذ مثَل الصديق اللجوج (لو 11: 5-8) الذي جاء نصف الليل يطلب من صديقه ثلاثة أرغفة. وبعد المثَل، طبَّق يسوع ما قاله على التلاميذ: إذا كان الناس، بما فيهم من شرٍّ، يعرفون أن يعطوا العطايا الصالحة، فكم بالأحرى الآب السماويّ الذي يعطي عطيَّة العطايا، يعطينا الروح القدس، وقدرته تفعل فينا وتحوِّلنا.

 

نسأل لننال

نحن هنا في موضوع الصلاة التي يعرفها الإنسان منذ بداية البشريَّة. وسيكون للشعب الأوَّل أن يصلِّي مرارًا، ولاسيَّما المزامير التي صلاَّها يسوع من على صليبه: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني... يا أبتِ في يديك أستودع روحي." وصلاة بستان الزيتون تستوحي ولا شكَّ مز 40: "قلت ها أنا آتٍ لأصنع مشيئتك، يا الله."

حين نسأل، ندلُّ على دالَّة الأبناء الأحبَّاء، وعلى الجرأة التي تمنع عنَّا كلَّ خوف. نقف أمام الربِّ وقفة الأبناء الأحبَّاء، لا وقفة العبيد الذين ينتظرون العقاب. وحين نطلب نتأكَّد أنَّنا نجد. فثقتنا كبيرة بالله الذي يعرف حاجاتنا قبل أن نسأله. وحين يعطي فهو يعطي بسخاء. يعطينا في أحضاننا كيلاً ملبودًا، مهزوزًا، فائضًا (لو 6: 38). فإذا كان يطلب منَّا أن نعطي، أفلا يعطي هو أعظم العطايا؟ حين نقرع ندلُّ على أنَّنا نشبه الشحَّاذ الذي ينتظر صدقة. لا يحقُّ له بالعطاء، ولكنَّه ينتظر من كرم أخيه مساعدة من أجل حياته اليوميَّة. ونحن في طلبنا نعرف أنَّه لا يحقُّ لنا بشيء. فعطايا الله مجَّانيَّة كلُّها، وهو لا يعطينا لأنَّنا أعطينا أو عملنا خيرًا. فإن فعل، كان على مستوى التجارة، لا على مستوى النعمة التي يهبها الله لنا دون مقابل. ونعرف بشكل خاصّ أنَّنا إن قرعنا الباب بتواضع وانسحاق، نجد شخصًا يفتح لنا الباب، فلا يعطينا عطايا مادِّيَّة وحسب، بل يدخلنا في الملكوت.

 

آباؤنا على الأرض

حين علَّم يسوع تلاميذه الصلاة، بدأ كلامه: أيُّها الآب. ولكن كيف يتعرَّف اليهود أنَّ الآب السماويّ، وهم الذين عبدوا الله الواحد، ولم يعرفوا الإله - العيلة الذي نعيش في دفء حبِّه؟ لهذا عاد يسوع إلى وجه آبائنا، مع ما في هذه الصورة من نقص، ليجعلنا نستشفُّ بعض الشيء وجه الآب السماويّ، الذي يُدخلنا إلى بيته العائليّ، ويعاملنا معاملة الأبناء الأحبَّاء.

لذا، وبعد المبدأ الذي يعلِّمنا الطلب والسؤال، جاءت ثلاثة تشبيهات تدلُّ على ما يمكن أن يفعله آباؤنا على الأرض، مع أنَّهم خطأة وأشرار. عُرف بعضهم بأنانيَّته، لاسيَّما ما فعله يفتاح حين أراد أن يذبح ابنته، كما يفعل الوثنيُّون، لكي يكون له شرف النصر على أعدائه.

أيقدِّم الأب حجرًا لابن يسأله رغيفًا؟ نتذكَّر هنا أنَّ الصديق اللجوج طلب من صديقه خبزًا. كما نتذكَّر أنَّ يسوع أطعم الشعب في البرِّيَّة خبزًا حتَّى شبعوا. ونشير إلى أنَّ الحجر يُستعمل للكلب الذي يريد الدخول إلى البيت. فعليه أن يبقى في الخارج. أمّا الابن فهو في البيت وله يُعطى خبز البنين (مت 15: 26). أيقدِّم الأب حيَّة بدل السمكة؟ لا ننسى أنَّ يسوع أطعم الجموع سمكًا مع الخبز في البرِّيَّة. أيقدِّم الأب عقربًا تحمل الموت، بدل بيضة تدلُّ على الحياة؟ في هذا السياق نتذكَّر ما قاله يسوع لتلاميذه بعد أن عادوا من الرسالة فرحين: "أعطيتكم سلطانًا أن تدوسوا الحيَّات والعقارب." (لو 10: 19)، ففيها السمُّ القاتل، وهي تمثِّل أعداء المؤمنين.

 

الآب السماويّ

هؤلاء هم آباؤنا، وهذا ما يفعلونه لأجلنا. فماذا يا ترى يفعل الآب السماويّ؟ يتمُّ الانتقال هنا من الأصغر إلى الأكبر، ومن الأقلّ إلى الأكثر. فالآب هو الصالح الذي يطلب منَّا أن نقتدي به، هو الكامل في عطاياه ومواهبه. وهو الحنون الذي يرحم يغفر. وهو القدير الذي لا يقف شيء أمام قدرته. وهو المحبُّ الذي لا يكتفي بأن يعطينا خيرات الأرض، بل أعطانا ابنه الوحيد، فما الذي لا يعطينا إيَّاه بعد ذلك؟ أبونا في الأرض يعطينا ما نحتاج إليه من طعام وشراب، ويحمينا من كلِّ شرٍّ قد يصيبنا. هذا ما فعله الله مع الشعب الأوَّل في البرِّيَّة: أعطاه المنَّ والسلوى، وأخرج له الماء من الصخر، وحماه من الأعداء. ولكنَّ كلَّ هذه تبقى عطايا فانية، كما قال يسوع بعد تكثير الأرغفة. لهذا، فالله يعطينا العطايا التي لا تفنى. يعطينا الروح القدس، وهكذا لا نبقى يتامى. فهذا الروح يكون بجانبنا، يصلِّي فينا. يعلِّمنا ماذا نقول وماذا نفعل.

أجل، هذا الإنجيل جعلنا في إطار الثالوث، في إطار أُسرة أبناء الله حيث السمة المتميِّزة هي الثقة والدالَّة والمجَّانيَّة. ونحن إذ نصلِّي في الابن، نرفع عيوننا إلى الآب لكي يعطينا الروح القدس الذي هو عطيَّة العطايا.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM