يسوع في الناصرة

 

يسوع في الناصرة

 

الأحد العاشر من زمن العنصرة (أف 2: 17-22؛ لو 4: 14-21)

 

14ورجِعَ يسوعُ بقوَّةِ الروحِ إلى الجليل، وخرجَ عنه خبرٌ في كلِّ مكانٍ حولَهُ. 15وهو مُعلِّمًا كانَ في مَجامعِهم، ومُمجَّدًا كانَ مِن كلِّ أحَد. 16وأتى إلى الناصرةِ حيثُ تَربّى، ودخلَ كما عادتُهُ إلى المجمعِ في يومِ السبت، وقامَ للقراءة. 17فأُعطيَ له سِفرُ إشعيا النبيّ. ففتحَ يسوعُ السفرَ ووجدَ المكانَ حيثُ كُتبَ: 18روحُ الربِّ عليَّ، ولأجلِ هذا مَسحَني لأبشِّرَ المساكين، وأرسلَني لأشفِيَ مُنكسِري القلبِ ولأكرِزَ للمسبيِّينَ المغفرةَ وللعميانِ البصرَ، ولأثبِّتَ المَكسورينَ في الحرِّيَّة. 19ولأكرِزَ سنةً مَقبولةً للربّ. 20ولفَّ السفرَ وأعطاهُ للخادِم، وذهبَ فجلَس. والذينَ في المجمعِ كلُّهم، عُيونُهم كانَتْ ناظرةً إليه. 21وشرَعَ يَقولُ لهم: “اليومَ تُمِّمَ الكتابُ الذي (سمعتموه) في آذانِكم.”

*  *  *

جاء يسوع إلى الناصرة، بلدته، وشارك في الصلاة يوم السبت. طلب منه المحتفل أن يقرأ من الكتاب المقدَّس، فكان أمامه نصُّ إشعيا: "روح الربِّ عليَّ... أرسلني." رأى فيه يسوع برنامج عمله وعمل تلاميذه بعده، وهو تحرير المساكين والمعذَّبين. بدأ عملُ التحرير هذا، اليوم، حين أعلن يسوع سنة نعمة وزمن غفران الخطايا.

 

يسوع وسط شعبه

حين نقرأ الأناجيل، نكتشف يسوع إنسانًا من الناس لا يتميَّز في شيء عن الذين يحيطون به. هذا في الخارج. ففي خبر النازفة مثلاً، نجد الناس يزحمونه، يقتربون منه، بل إنَّ زكَّا صعد إلى جمَّيزة لكي يقدر أن يراه جليًّا. لا شكَّ أنَّه ابن الله. ولكنَّ الرسول بولس قال لنا: أخلى ذاته وأخذ صورة العبد. أخفى لاهوته، ليكون شبيهًا بنا في كلِّ شيء، ما عدا الخطيئة. فلماذا ننسى أنَّه كان إنسانًا؟ نريد أن نجعله إلهًا، بل روحًا في الأعالي، وفي أيِّ حال بعيدًا عن البشر. عطش على حافَّة البئر فطلب ماء ليشرب، وتألَّم لموت صديقه لعازر فبكى...

وعاش يسوع في محيط محدَّد، محيط فلسطين مع المؤمنين اليهود. منذ الثانية عشرة من عمره اعتاد أن يشارك في الممارسات الدينيَّة: ذهب يحجُّ إلى أورشليم، مثل كلِّ أترابه، في عيد الفصح أو غيره. وهنا، شارك في صلاة السبت، بل قدَّم نفسه ليتلو القراءة العلنيَّة، على مثال ما يحدث في اجتماعاتنا الليتورجيَّة... ولكنَّه لم يتوقَّف عند الذي انتظره منه أبنا بلدته. لم يكن خاضعًا لقراءة نصِّ إشعيا، بل ارتفع فوق النصِّ وجعله كأنَّه قيل عنه: "اليوم تمَّت هذه الكتابة." فكلام الأنبياء يصبُّ في النهاية، في يسوع المسيح الذي هو الكلمة التي قالها الآب فأعطانا كلَّ ما عنده.

 

يسوع المعلِّم

يسوع واحد من الناس، ولكنَّ رسالته جعلت "عيون جميع مَن في المجمع شاخصة إليه." فهو المعلِّم. هذا ما يقوله النصُّ أوَّلاً بشكل إجماليّ: كان يعلِّم في المجامع، أي الموضع الذي يلتئم فيه اليهود لصلاة يوم السبت، أو للمشاركة في تعليم دينيّ ومدنيّ، على ما كان الأمر بالنسبة إلى "مدرسة تحت السنديانة". فالمجمع موضع واسع، لهذا استفاد يسوع، فعلَّم بسلطان، لا كما كان الكتبة والفرِّيسيُّون يعلِّمون. كانوا يردِّدون النصَّ دون نفاذ إلى معناه العميق، أو يكتفون بما قاله السابقون. لا يخرجون من تقليد ضيِّق فُرض عليهم. فالنصُّ الكتابيّ يفترض القراءة والتأمُّل والإدراك قبل أن نحمله إلى الآخرين. كلام الله هو حياة، قبل أن يكون شرائع تعدَّت الستّ مئة وصيَّة فأثقلت كاهن الشعب العاديّ الذي لم يكن يعرفها ولم يقدر أن يمارسها كلَّها. أمّا يسوع فتعليمه ينبع من شخصه. ومن الآب الذي أرسله: "قيل لكم، أمّا أنا فأقول لكم." وكلامه لا يقف عند الأخلاقيَّات والممارسات الروحيَّة التقويَّة، بل هو متطلِّب جدًّا. لا يكفي ألاَّ نقتل لكي نكون أبرارًا. فالغضب والكلام القاسي والنظرة الحاقدة تجعلنا بعيدين عن الله بحيث نستحقُّ الدينونة. وكذا نقول عن الزنى الذي يمكن أن يكون نظرة نشتهي بها الشخص الآخر... وكلام يسوع الذي هو كلام الله يفعل في النفوس، يبدِّل القلوب، ينقِّي النيَّات... يحمل الحرِّيَّة إلى مَن يريد أن يسمع.

 

بقدرة الروح

هذا الروح الذي حلَّ على يسوع بشكل حمامة، من أجل ولادة الشعب الجديد من الماء، هذا الروح الذي اقتاد يسوع إلى البرِّيَّة ليحارب الشرِّير في عقر داره، يعلِّمنا، من خلال خبرة الشعب الأوَّل، كيف ننتصر على إبليس بقدرة كلام الله، وهو الروح الذي جاء بيسوع إلى الجليل من أجل البدء في البشارة. هذا الروح حلَّ على يسوع فقرأ النصَّ النبويَّ داخل ملكوت الله. ما عاد للسامعين أن ينتظروا مجيء المسيح. فالمسيح هو هنا، بدأ يحمل الخلاص. حمل البشارة إلى المساكين، بدءًا بالرعاة في بيت لحم، ومنح العميان البصر، فرأوا بعيونهم وإيمانهم، وساروا معه في الطريق الصاعدة إلى أورشليم، على ما فعل ابن طيما. ومنح الذين أرهقتهم الشريعة الحرِّيَّة، والذين سحقتهم الخطيئة الغفران. جاء يسوع، وبدأ رسالته فحلَّت النعمة على الأرض، على ما نقرأ في إنجيل يوحنّا: بموسى أُعطيت الشريعة، وبيسوع المسيح النعمة. بل نلنا به "نعمة فوق نعمة" (يو 1: 16-17). لهذا، شخصت العيون إلى يسوع لتسمع كلامه، ولتنتظر منه دخولاً في السنة التي يقبلنا فيها الربّ، كأبناء، في ملكوته.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM