رفض الإيمان يقود إلى التجديف على الروح القدس

 

رفض الإيمان يقود إلى التجديف على الروح القدس

 

الأحد التاسع بعد العنصرة (2 تس 2: 13-17؛ مت 12: 24-32)

 

24أمّا الفرّيسيّون فلمّا سمعوا قالوا: “هذا لا يُخرجُ الشياطينَ إلاّ ببعلَ زبوبَ رئيسِ الشياطين.” 25فعلمَ يسوعُ أفكارَهم وقالَ لهم: “كلُّ مملكةٍ تنقسِمُ على نفسِها تخرَبُ، وكلُّ بيتٍ ومدينةٍ ينقسِمُ على نفسِه لا يقومُ. 26وإذا الشيطانُ مُخرجٌ الشيطانَ، انقسمَ على نفسِه، إذًا كيف (تكونُ) مملكتُه قائمة؟ 27وإن أنا مُخرجٌ الشياطينَ ببعلَ زبوبَ، فأبناؤكم بماذا يُخرجونهم؟ لأجلِ هذا يكونون لكم ديّانين. 28وإن أنا مُخرجٌ الشياطينَ بروحِ الله، قرُبَ منكم ملكوتُ الله. 29أو كيفَ يقدرُ إنسانٌ أن يدخلَ بيتَ القويِّ وأمتعتَه ينهبَ إلاّ إذا بدأ فأسرَ القويَّ، وحينئذٍ ينهبُ بيتَه؟ 30مَنْ لا يكونُ معي فهو ضدِّي، ومَنْ لا يجمعُ معي تبذيرًا يُبذِّرُ. 31لأجلِ هذا أنا قائلٌ لكم: كلُّ الخطايا والتجاديفِ تُغفَر للناس. أمّا الذي على الروحِ فلا يُغفَر للناس. 32وكلُّ مَنْ يقولُ كلمةً على ابنِ الإنسان يُغفَر له. أمّا مَن يقول على الروح القدس فلا يُغفَر له، لا في هذا العالَم، ولا في العالم العتيد.

*  *  *

طرد يسوعُ الشيطان من أعمى - أخرس، فرأى الأعمى وتكلَّم. تعجَّب الجمع واكتشف في هذا الشافي ابن داود، أي المسيح. تذكَّروا نبوءة إشعيا حول الأشفية التي يجريها المسيح، فقاموا بخطوة أولى سوف تقود العديدين منهم إلى الإيمان. أمّا الفرِّيسيُّون فعارضوا يسوع بل رفضوا رفضًا قطعيًّا أن يكون يسوع سوى شيطان ورئيس الشياطين. وعدم إيمانهم هذا قادهم إلى التجديف على الروح القدس، وإلى رفض الأنوار التي يرسلها الله إلى كلِّ إنسان، لأنَّه لا يريد موت الخاطئ بل عودته عن ضلاله ليحيا. أعطى يسوع مثلين، واستخلص النتيجة التي وصل إليها الفرِّيسيُّون.

 

كلُّ مملكة تنقسم على نفسها تخرب

نلاحظ أنَّ يسوع ابتدأ بالمملكة فوصل إلى المدينة. وفي النهاية إلى البيت. وهكذا يكون الخراب واسعًا جدًّا بحيث لا يترك مجالاً للبناء.

في محطَّة أولى، دلَّ يسوع على أنَّ الشيطان يعرف كيف يجمع قواه. فإن كنتُ أنا من الشيطان، فلا أخرب مملكتي، بل أحافظ عليها.

في محطَّة ثانية، طرد تلاميذُ الفرِّيسيِّين الشياطين. كيف يفعلون ذلك؟ هم في النهاية سيدينون معلِّميهم لأنَّ هؤلاء لم يريدوا أن يخطوا خطوة نحو يسوع. رفضوا أن يروا هذا الشفاء الذي لا شكَّ فيه، فدلُّوا على أنَّهم هم العميان، وأنَّ من الأفضل أن يسكتوا فيشابهوا هذا المريض. يبقى على الفرِّيسيِّين أن يختاروا بين رؤية عمل رئيس الشياطين، أو عمل روح الله. فإن تعرَّفوا إلى روح الله الذي يعمل، اكتشفوا أنَّ ملكوت الله حاضر هنا. عندئذٍ يتحلَّون بالاستعدادات اللازمة لكي يدخلوه. مرَّات عديدة يرفض الإنسان أن يرى أو يسمع لئلاَّ يُجبر على تبديل حياته، فيجد الأعذار الواهية ويبقى خارجًا.

 

الرجل القويّ والرجل الأقوى

حتَّى الآن كان الشيطان ذاك القويّ. سُمِّي أركون العالم وسلطانه، وقال كذبًا حين جرَّب يسوع: "دُفعت إليَّ الممالك وأنا أعطيها لمَن أشاء." ولَّما جاء المسيح، صار هو الأقوى. مع يسوع بدأ عهد جديد، دخل ملكوتُ الله فجأة. كان العالم استُعبد للخطيئة وبالتالي للشرّ، فجاء المسيح وحرَّره، انتزعه من سلطان إبليس.

ألا يرى الفرِّيسيُّون هذا الملكوت من خلال أقوال يسوع ومعجزاته؟ فماذا ينتظرون ليكونوا مع يسوع - الراعي الذي يجمع الخراف ولا يبدِّدها؟ بل هم في الواقع، يبدِّدون القطيع، ويبدِّدون الأجراء، بل كالرعاة الأشرار الذين تكلَّم عنهم حزقيال النبيّ: لا يقوُّون الضعيف، لا يداوون المريض، لا يردُّون الشارد، ولا يبحثون عن الضالّ (ف 34). هذا ما فعلوه في زمن يسوع حين قتلوا الراعي فتبدَّدت الخراف، وتابعوا عملهم السيِّئ في بداية تاريخ الكنيسة وفي زمن الرسل.

 

عملهم تجديف على الروح القدس

جاء كلام يسوع تحذيرًا لهم وتنبيهًا. فهو لا يدين أحدًا قبل الأوان، ولا يحكم على الفرِّيسيِّين حكمًا قاطعًا. باستطاعتهم أن يعودوا فتُغفر خطيئتهم إن هم تابوا. رفضوا ابن الإنسان وصلبوه. فطلب لهم هذا المصلوب الغفران. والربُّ الذي طلب منَّا أن نغفر سبعين مرَّة سبع مرَّات، أتراه لا يغفر كما يغفر الإنسان؟ بلى. غير أنَّ غفران الله يجب أن يتجاوب مع عودة الإنسان إليه. وإلاَّ لكان الغفران الذي يقدِّمه كسحابة صيف تمرُّ وتمضي دون أن تمطر. هنا نتذكَّر كلام الربِّ بالنبيّ: عودوا إليَّ فأعود إليكم. ولكن، إن تحجَّرت القلوب، لا تستطيع أن تتقبَّل كلمة الله. وإن صُمَّت الآذان، فهي لن تعود قادرة على السماع. هذا هو التجديف على الروح القدس الذي يمنع الإنسان من الانفتاح على الله والطاعة. فتكون النتيجة خروجًا من البيت الوالديّ، وذهابًا إلى البعيد، وبحثًا عن الظلمة لا النور، وطلبًا للخطيئة لا النعمة، ورفضًا لملكوت الله الآتي بقوَّة، وبحثًا عن بعل زبول، رئيس الشياطين. من لا يجمع مع المسيح ليجعل الرعيَّة واحدة، يفرِّق لكي يحلَّ الانقسام والشقاق والبغض.

والسؤال الأخير: أين هو موقعنا؟ ماذا نختار؟

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM