سلام يسوع يفوق كلَّ شيء

 

سلام يسوع يفوق كلَّ شيء

 

الأحد السادس بعد الفصح (كو 2: 6-15؛ يو 20: 19-25)

19ولمّا كان مساءُ ذلك اليوم (يوم) الأحد، والأبوابُ كانتْ مغلقة، حيثُ كان التلاميذُ خوفًا من اليهود، أتى يسوعُ وقامَ بينَهم وقالَ لهم: "السلامُ معكم." 20هذا قال، وأظهرَ لهم يديه وجنبَه، ففرحَ التلاميذُ لأنَّهم رأوا ربَّنا. 21فقالَ لهم يسوعُ أيضًا: "السلامُ معكم، كما أرسلني أبي أنا أيضًا مرسِلكم أنا." 22ولمّا قالَ هذه، نفخَ فيهم وقالَ لهم: "اقبلوا الروحَ القدس. 23إذا تغفرونَ خطايا لإنسان، تُغفَر له، وإذا تمسكونَ لإنسان، هي ممسوكة." 24وتوما، وهو واحدٌ من الاثني عشر، ذاك الملقَّب بالتوأم، ما كان هناك معهم حين أتى يسوع. 25فقالَ له التلاميذُ: "رأينا ربَّنا." أمّا هو فقالَ لهم: "إذا أنا غيرُ راءٍ في يديهِ مواضعَ المسامير، ورامٍ أنا فيها أصابعي، وباسط أنا يدي في جنبه، فلا مؤمنٌ أنا."

*  *  *

حضور الربِّ يزيل الشكّ

عاد يوحنَّا إلى ما تعيشه الجماعات المسيحيَّة في أيَّامه، يوم الأحد، فاكتشف حضور الله الذي يرسل تلاميذه، وكلَّ مؤمن من المؤمنين، ليحمل إلى الناس السلام والفرح الغفران. ولكنَّ هذا يفترض الإيمان، وإلاَّ ظلَّ الإنسان خارج الجماعة، رافضًا ما تؤمن به. أتُرى يسوع يترك توما غير مؤمن وتلميذي عمَّاوس في الحزن والكآبة والليل؟ كلاّ.

 

خوف سيطر على الرسل

جماعة الأحد جماعة خائفة. أغلقت أبوابها على نفسها. خافت من المجهول وكأنَّ هناك مجهولاً بالنسبة إلى المؤمن. وخافت من اليهود الذين قتلوا المعلِّم. حين كان معهم كان يدفع عنهم هجمات الفرِّيسيِّين، ولاسيَّما في ما يتعلَّق بالسبت. أمّا الآن، فهم وحدهم كخراف لا راعي لها. ليلة خميس الأسرار، كان يسوع بعدُ معهم. والآن، أحسُّوا أنَّهم صاروا يتامى، بعد أن مات يسوع ووُضع في القبر.

لو كان لدى الرسل الإيمان لما خافوا. لهذا، شابهوا توما الذي قال: "إن لم أعاين... لا أؤمن." فالإيمان ينفي الخوف كما قال الربُّ للتلاميذ يوم سيطر على البحر والرياح. فلا يبقى لهم سوى أن يقولوا: أعِن يا ربُّ قلَّة إيماننا. وكيف ذلك؟ بمجيئه، بحضوره. جاء. الربُّ هو الذي يأتي دومًا، ومنه كلُّ مبادرة. رافق تلميذي عمَّاوس دون أن يسألاه، وجاء إلى التلاميذ في العلِّيَّة ولم ينتظر أن تتردَّى الأمور. ووقف. هي وقفة القيامة، بعد أن سُجِّي في القبر.

 

يسوع مصر فرح

سيطر عليهم الحزن. والصورة التي نجدها عند تلميذي عمَّاوس تصوِّر لنا شعور الأحد عشر. فقد سألهما يسوع عمَّا يتحدَّثان، "فوقفا حزينين" (لو 24: 17). في الواقع، خاب أملهما. انتظرا أن يكون يسوع ذاك الذي يخلِّص إسرائيل (آ21). وظلَّ هذا الانتظار يرافقهم حتَّى يوم الصعود. فقالوا للربّ: "أفي هذا الزمن تعيد الملك لإسرائيل...؟" (أع 1: 6).

قال بطرس ليسوع يومًا: "تركنا كلَّ شيء وتبعناك" (مر 10: 28). فماذا نال بعد هذا التجرُّد؟ بل هو ورافقه فكَّروا أن يعودوا إلى عملهم السابق. فنقرأ في إنجيل يوحنّا أنَّ بطرس قال للرفاق: أنا ذاهب لأصطاد، فقالوا له: ونحن نذهب معك. انتهت المغامرة مع يسوع. لنعُد إلى حياتنا السابقة. ولكنَّ مثل هذه الرفقة مع يسوع لا يمكن أن تنتهي بهذه السهولة. هناك مرارة في القلب وحزن، لهذا يقول يوحنّا: وقف يسوع عند الشاطئ، فتبدَّل كلُّ شيء.

وهنا، كان التلاميذ متحيِّرين وهم وراء أبواب موصدة. وإذا بيسوع معهم. يكفي أن يكون في وسطهم لكي يعود إليهم الرجاء. أراهم يديه ورجليه، فعاد الفرح إلى قلوبهم. جراحه حاضرة بلا شكّ، وهي تعود به إلى يوم الجمعة العظيمة، ولكنَّ هذه الجراح شُفيت. هي جراح القائم من الموت والمنتصر على الجحيم. رأوا الربّ، وهذا يكفيهم. أمَا سبق وقالوا ليسوع في خطبة بعد العشاء السرّيّ: أرنا الآب وحسبنا؟ أمّا الآن، فرأوا وجهه الممجَّد الذي يحمل صورة الله غير المنظور. لهذا استطاعوا أن يقولوا لتوما وهم في ملء اليقين: "رأينا ربَّنا". قالوا هذا بارتياح كبير، فأحسَّ توما هو أيضًا بالحاجة إلى أن يرى الربّ. والربُّ سوف يلبِّي نداءه: هاتِ يدك وضعها في جنبي ولتكن مؤمنًا لا غير مؤمن.

 

من يحلُّ محلَّ يهوذا؟

ولكنَّ يسوع سوف يتركهم في الصعود. لهذا دعا الروح القدس كي يكون معهم فحضوره فسحة حياة. ومعه تبدأ خليقة جديدة كما في بداية الكتاب المقدَّس حيث خرجت كلُّ حياة من المياه حين رفَّ روح الربِّ عليها. فمع الأحد عشر يبدأ شعب جديد في خطِّ الشعب الأوَّل الذي تأسَّس على الأسباط الاثني عشر. لا شكَّ في أنَّ التلاميذ أصبحوا أحد عشر بعد أن نقص يهوذا. فلا بدَّ من الثاني عشر. في أعمال الرسل، اختاروا متِّيًّا بالقرعة (أع 1: 26). ولكن في إنجيل يوحنّا، لا يكتمل العدد إلاَّ بالتلميذ الحبيب. ذاك الذي يحبُّه يسوع ويسمح له أن يستند إلى صدره، وذاك الذي يحبُّ يسوع ويعرفه، وُلد في قبر فارغ أو في صوت يأتي من البعيد، من على الشاطئ. وفي النهاية، التلميذ الثاني عشر هو أنت، أنا، كلُّ واحد منَّا.

عندئذٍ تتكوَّن الكنيسة التي تتابع عمل يسوع بشكل منظور، بعد أن غاب يسوع عن أنظار التلاميذ، وظلَّلته سحابة عنهم. وهي ما زالت تفعل من خلال الأسرار. فالطعام الذي أكله يسوع مع تلاميذه في اليوم الأوَّل من الأسبوع، يوم الأحد، هو المشاركة في عشاء الربِّ مع الخبز والخمر. والغفران الذي يمنحه الرسل إنَّما هو امتداد لغفران يسوع حين قال للمخلَّع: مغفورة لك خطاياك. وقال للخاطئة: غُفرت لك خطاياك الكثيرة فأحببتِ كثيرًا (لو 7: 47). وما حكم على الزانية كما حكم عليها الفرِّيسيُّون، فاكتفى بأن يقول لها: "اذهبي ولا تخطأي بعد الآن" (يو 8: 11).

 

حضور غافر

انطلق العالم الأوَّل مع آدم في خطيئة أراد فيها الإنسان أن يكون إلهًا يقرِّر ما هو شرّ وما هو خير. ولكنَّ العالم الثاني، ينطلق من غفران يعيد الخليقة إلى بهائها الأوَّل كما خرجت من يد الله، الذي رأى كلَّ شيء حسنًا جدًّا بعد أن كوَّن الإنسان على صورته ومثاله. وكما فعل يسوع مرارًا خلال حياته على الأرض، فأعاد كلَّ إنسان إلى كرامته، ها هو يرسل روحه القدُّوس ليغفر خطايا البشريَّة، بحيث تبدأ جماعة القيامة حياة جديدة. وكلُّ هذا يتمُّ بواسطة الرسل، وبواسطة الكنيسة التي ستغفر الخطايا فيمجِّد الناس الله لأنَّه أعطى البشر مثل هذا السلطان (مت 9: 8).

وهكذا ظهر يسوع لتلاميذه فمنحهم السلام والفرح والغفران. ولم يُعطهم فقط هذا، وكأنَّه لفترة معيَّنة. فإنَّ عهد الله مع الإنسان يعرف الخيانة بسبب ضعف الإنسان وخطيئته. لهذا أعطانا الروح القدس الذي يكفل حضور يسوع وعمله في الكنيسة بدءًا بغفران تحمله إلى العالم وانتهاء بإيمان تعيشه من خلال الرسل، أمام القائم من الموت الذي ما زال يحمل جراحه التي هي جراح الكنيسة وجراح جميع المؤمنين الذين يشهدون لحضوره في العالم.

 

عيش الكلمة

القيامة هي أساس الحياة المسيحيَّة. فلولا القيامة، لكان كلُّ ما قدَّمه يسوع فلسفة مثل سائر الفلسفات التي يذكرها بولس الرسول في الرسالة إلى كولسّي. ولولا الصليب، لكنَّا بعدُ على مستوى العهد القديم مع ذبائحه التي تتكرَّر سنة بعد سنة ولا تنال لنا الغفران. ولكنَّ يسوع الذي رآه التلاميذ أفهمهم أنّه ذاك الحيّ الحاضر معهم ليملأ قلوبهم بالسلام والفرح والغفران وليعدَّهم لقبول الروح القدس. ونحن، تلاميذ يسوع ماذا ننتظر لكي ننعم بعطايا الآب؟

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM