الفصل الثامن والعشرون: خطبة اسطفانس الهيكل والروح القدس

الفصل الثامن والعشرون
خطبة اسطفانس الهيكل والروح القدس
7: 44- 53
ذكر اسطفانس في خطبته الطويلة إبراهيم الآتي إلى عبادة الله في أرض كنعان. ويوسف وموسى اللذين كانا أداة خلاص بيد الله. وها هو يصل إلى الموضوع الأساسي الذي إليه وجّه كل تلميحاته: تتعلّقون بالهيكل ولكنكم في الواقع تقاومون عمل الروح. وقد قاومتموه خاصة حين أسلمتم البار وقتلتموه.
نتوقف في هذا الفصل عند قسمين، الأول: موضوع الهيكل. الثاني: مقاومة الروح القدس.
أ- موضوع الهيكل (آ 44- 50)
إن آ 44- 50 تشبه الأحداث السابقة المذكورة في خطبة اسطفانس، فتقدّم التاريخ بصورة موجزة. إلا أنها تفترق عنها فتتحدث عن مواضع العبادة، ساعة تكلّمت الآيات السابقة عن الأشخاص (إبراهيم، يوسف، موسى). وهكذا ننتقل من خبرة البرية إلى خبرة من مئات السنين تصل بنا إلى الملوك، بل إلى زمن المنفى.
نجد ثلاث ألفاظ تتحدث عن أماكن العبادة: سكيني، سكينوما، أويكوس (خيمة، مسكن، بيت). وكل مكان يرتبط بشخص من الأشخاص: موسى، داود، سليمان (وقد نزيد عليهم "الآباء"). ننتقل من زمن موسى (عبر زمن الآباء) إلى داود، ومن داود إلى سليمان.
أ- اسطفانس والهيكل (آ 44- 47)
نقرأ آ 44 فنلاحظ عبارات مشابهة مع إيراد عاموس: الخيمة، في البرية، موضع. صنع، هكذا ارتبطت آ 44 بما قبلها.
تتضمّن آ 44 الأمور التالية: هناك خيمة (سكيني). كانت لآبائنا في البرية. بُنيت حسب النموذج الذي أراه الله لموسى. إذن وجود الخيمة، وطريقة بنائها كانا موضوع وحي من قبل الله. هذا يعني أن الله كان راضياً عنها.
وتنقلنا آ 45 أجيالاً، فتصل بنا إلى داود. ولكن بدلاً من أن تحدّثنا عن حضور الخيمة الدائم في إسرائيل حتى ملك داود، فهي تعلن أن الخيمة (مثل إسرائيل) نعمت بحماية الله.
وتبقينا آ 46 في زمن داود: لقي داود حظوة أمام الرب، فرأى من الضروري أن يجد مسكناً (سكينوما) لإله يعقوب. وتوصلنا آ 47 إلى سليمان فتروي لنا أنه بنى بيتاً (أويكوس) لإله يعقوب. نلاحظ هنا كيف تعامل اسطفانس مع نص العهد القديم. في آ 44 كان هناك علامة رضى من الله، لهذا بنى موسى الخيمة للآباء في البرية. في آ 46 هناك رضى من الله مما أراده داود. أما آ 47 التي تروي بناء البيت بيد سليمان، فهي لا تتحدّث عن رضى الله. وسوف نرى في آ 48- 50 عدم رضى الله عن هذا البيت الذي بناه. فبعد آ 47، سيأتي كلام أشعيا (أي بيت تبنون لي؟) و"التجديف" على هيكل الله، فيشتعل الغيظ في قلوب السامعين.
تتحدّث آ 48 عن موضع العبادة لاعن سليمان، وتسمّيه “بيتا” صنعته أيدي البشر. إن اسطفانس لا يهتم بموقف سليمان، بل بالهيكل. فليفكّر سليمان بما يشاء. أما اسطفانس فرأى الخطأ في فكرة تقول إن لإله إسرائيل، لإله الكون، بيتاً صنعته الأيدي البشرية.
2- معارضة اسطفانس للهيكل (آ 48- 50)
نتوقّف هنا عند لفظة "بيت" وعبارة "صنعته الأيدي". أجل، استعمل اسطفانس لفظة "بيت" ليتحدّث عن الهيكل. وهاجم لا يهوديا واحداً، بل جميع اليهود الذين ينظرون إلى الهيكل على أنه بيت، وهذا هو الخطأ. والخطأ: هو أنه صُنع بالأيدي، وهذا ما يقلّل من قدر الهيكل (رج آ 41 التي تتحدث عن "صنع الأيدي"). فنحن هنا أمام معابد صُنعت من أجل الأصنام. وهكذا نرى اسطفانس يختار كلماته ليهاجم خصومه. إنه يعارض الهيكل، ولكن لماذا يعارض الهيكل؟
أولاً، الهيكل كبيتٍ لا يتوافق مع المفهوم الحقيقي لله. وهذا ما يشجبه الكتاب المقدس. يقدّم اسطفانس برهاناً يستند إلى سلطة الكتب لا إلى سلطة العقل. ونفهم هذا البرهان حين نرى أن المعارضة للروح القدس التي ترِدُ بعد الحديث عن الهيكل، تجد ينبوعها الأول في رفض اليهود أن يعيشوا حسب كلام الأنبياء كما أوحى به الروح القدس. وينطلق اسطفانس بصورة خاصّة من نص أشعيا فيبيّن أن اليهود لم يسمعوا يوماً لكلام الله، بل عارضوه دائماً.
ثانياً، إن العبادة في الهيكل تشبه أكثر ما تشبه العبادة الكاذبة في البرية. هل نعني بهذا أن العبادة في الهيكل هي عبادة أوثان كما كانت عبادة الآباء؟ لا، بطريقة مباشرة. ولكن تبقى المقابلة بين الهيكل والعبادة الوثنية في البرية شرعية بصورة غير مباشرة، وذلك بسبب علاقتها بالبرهان الكرستولوجي. هنا نعود إلى خبر موسى وإلى الصورة الكرستولوجية التي نجدها فيها. فخبر موسى هو مزيج من الكرستولوجيا والعبادة الكاذبة. فمن يرفض المخلّص والفادي والنبي، تصبح عبادته غير مقبولة، تصبح عبادة أوثان. وإن آ 44- 50 قد تأثرّت بكرستولوجية هذه الخطبة وبإنجيل لوقا وأع 1- 6، لتقدّم لليهود هذا النبي الذي يشبه موسى، هذا الفادي الذي رُذل بشكل واضح. والنتيجة: إن عبادة إسرائيل في البرية كما في أورشليم لا يمكن أن يقبلها الله. ودمار الهيكل (الذي هو واقع عرفه أع) يدلّ على أن هذا التفسير صحيح. فماذا ينتظر القارئ بعد العبرة التي قدّمها الماضي سوى دمار الهيكل؟!
ثالثاً، في تلك الحالة، ماذا تفترق معابد صنعتها الأيدي للآلهة الكاذبة عن هيكل الله في أورشليم؟ هنا نعود إلى خطبة بولس في أثينا (17: 24- 25، 29). نجد فيها الكلمات التي نقرأها في خطبة اسطفانس: "رب السماء والأرض لا يسكن في معابد بنتها أيدي البشر، ولا تخدمه أيدٍ بشرية كما لو كان يحتاج إلى شيء... فالألوهة ليست شكلاً صنعها الإنسان بفنّه ومهارته من ذهب أو فضة أو حجر". ما قاله بولس عن معابد أثينا هو الذي قاله اسطفانس عن الله الذي لا يستطيع أن يتخيّله إنسان، الذي لا يحتاج إلى البشر، الذي لا يقابل بالفضة والذهب. فلا عمل بشرياً ولا موضع ولا فكر يستطيع أن يحدّ الله.
إن عمل الإنسان من أجل الله يدلّ على نوعية تفكيره بالله. لا الذي تقوله المعابد عن العابدين الذين يؤمّونها؟ أما يظن الشعب أن الله الذي يخدمه البشر هو ضعيف ويحتاج إلى البشر؟ أما نقابل طبيعة الله مع الأشياء الذهبية، مع ما يتصوّره الناس عن الله؟ فالهيكل هو مرآة يعكس نظرة الإنسان إلى إلهه. وهكذا، إذ ينطلق اسطفانس من نص أشعيا، يعلن أن هيكل أورشليم هو رمز لتفكير خاطئ جذرياً حول طبيعة الله الحقيقية.
شجب اسطفانس مثل هذا التفكير الخاطئ، وانتظر أن يُنقّى عبر الطاعة لكلمة الله، كما قال أشعيا.
رابعاً، ونعود إلى إبراهيم، كما عدنا في البرهان الثاني إلى موسى. جاء إبراهيم إلى أرض كنعان وانتهت قصة بنيه بعبادة الله "في هذا الموضع" (آ 7). أي في الهيكل الذي هاجمه اسطفانس بقوة. إن خبر إبراهيم وُضع هنا ليقدّم للقارئ المدلول العميق والجوهري للهيكل. ويبيّن علاقة النظم اليهودية بتاريخ اليهود مع الله. وما أراده اسطفانس حين أورد خبر إبراهيم، هو أن يبيّن أن العبادة كانت الهدف الأول والسبب الأساسي لاهتمام الرب بشعبه في الخروج. ونضيف: إن عبادة الله في الهيكل كانت السبب الأخير لنداء إبراهيم.
في ضوء هذا التصوير لطبيعة إسرائيل الحقيقية، نرى أهمية رفض الهيكل ورذله. هذا ما لا شك فيه على ضوء كلام أشعيا. فالهيكل معرّض لأن يكون مثل المعابد الوثنية فلا يعود يمثّل المفهوم الحقيقي لله. وعلى هذا نقول: كما رُذل موسى وصارت عبادة الشعب تجديفاً، هكذا رُذل يسوع وصارت العبادة في الهيكل تجديفاً. ولكن اسطفانس ذهب إلى أبعد من ذلك. فالهيكل الذي يرى فيه اليهود كل عظمتهم، يتعارض مع طبيعة الهيكل الحقيقي وهدفه. فليس له بعد الآن إلا أن يُهدم فلا يبقى فيه حجر على حجر (مت 24: 2).
ب- مقاومة الروح القدس
1- يا قساة الرقاب (آ 51)
مع آ 51- 53 تنتهي خطبة اسطفانس. نجد هنا مقابلة بين "آبائكم" وبين "أنتم". ويأتي الظرف "دائماً". وكل هذا يوجهنا إلى ذروة الخطبة. فسامعو اسطفانس يشبهون آباءهم. فإذا كان هناك من شكّ حتى الآن في التشابه بين أعمال الآباء وأعمال الأبناء الحاضرين هنا، فاسطفانس يزيل الشك. وهكذا نفهم أن ما رواه اسطفانس لسامعيه، لم يكنِ مجرّد خبر يستمعون إليه ولا يبالون. فسامعوه رأوا أنفسهم في ما عمله آباؤهم. قاوم الآباء النبي موسى، وما زالوا هم يقاومون المسيح النبي مثل موسى. وصل الآباء في عبادتهم إلى العجل الذهبي، وهم يتعلّقون بالهيكل كحجر ولا يسمعون لذلك الذي يحدّثهم بحضوره.
ويركز اسطفانس حديثه على الروح القدس الذي ذكره باسمه. استعد السامعون لإدراك ملء معنى ذلك الروح، وسيتعرّف إليه قارئ سفر الأعمال. فعمله في لو وفي أع يظهر بوضوح هؤلاء اليهود بقساوة رقابهم (يرفضون أن يمشوا) وبآذانهم التي لا تسمع وقلوبهم التي لا تفهم (حرفيا: مختونة أي مقفلة). كل هذا يدلّ على عمل الروح بصورة عامة على أثر ما قاله أشعيا (آ 48- 50). فالعلاقة بين أشعيا وبداية الكلام الموجّه بطريقة مباشرة تتوضّح حين نلاحظ أن وظيفة النبي هي بأن يتكلّم "بواسطة الروح القدس ويقول". هذه الوظيفة نسبت إلى الروح في أع 25:8 ي، حيث التماثل واضح بين أشعيا والنبي، وحيث موضوع الجدال هو رفض لسماع النبوءة. فوضع 28: 25- 27 يشبه وضع النص الذي ندرس. ورفض كلام أشعيا هو مقاومة للروح القدس. وفي الوقت عينه، يتحرك الخطيب من مثل فردي يتعلّق بالهيكل كمركز عبادة إلى تشكّ عام. فبنو إسرائيل يعارضون دوماً الروح القدس. لهذا بدا اسطفانس "على خلاف" مع الهيكل. فهو أولاً يمثل خارجياً موقف القائلين بأن الله يقيم في مكان صنعته أيدي بشر. وثانيا، يعارض أقوال النبي أي الروح القدس.
2- الأنبياء والبار يسوع (آ 52)
أولاً: أسلمتموه وقتلتموه
إن آ 52 تتابع ما قالته آ 51 حول معارضة الروح القدس. فالتعارض مع كلام أشعيا وإبراز تاريخ بني إسرائيل في معاملتهم للأنبياء، ينتهي في معاملة اليهود الحاضرة للذي هو وحده موضوع كل هذه النبوءات. فالتشكي من الهيكل وجدَ قوّة في كلام النبي (أشعيا). والآن فموضوع الاهتمام هو النبي والسابق للبار، والبار نفسه. وهكذا قُسمت عبارة “أنتم وآباؤكم” حسب عملين اثنين: الأوّلون اضطهدوا الأنبياء السابقين للبار وقتلوهم. والآخرون أسلموا البار وقتلوه. بيّن اسطفانس في هذه الآية أن معاصريه "يشبهون آباءهم"، بل هم اقترفوا جريمة أكثر بشاعة من جريمة آبائهم: "أسلمتموه، قتلتموه". هذه أقوى كلمة اتهام في مؤلّف (لو- أع) لوقا. هنا نتذكر كلام يسوع: "أنتم (يا يهود اليوم) تشهدون على آبائكم وتوافقون على أعمالهم" (أو: تشهدون لأعمال آبائكم وتوافقون عليها، أو: تشهدون أنكم توافقون) (لو 11: 48). وفي النهاية، العلامة بين ما فعله الآباء والذي يُعمل الآن مع البار يذكر السامعين بما فعله اليهود في الماضي بموسى، وما فعله الله من أجل موسى (أبرز اسطفانس حياته بالنظر إلى حياة المسيح) ليلعب وظيفة خلاصية من أجل شعبه. والختام: البار هو نهاية وذروة سلسلة طويلة من المضطهدين الذين يمثلّهم النبي موسى حين رفضه شعبه.
ثانياً: سؤالان
تتضمن آ 52 الإشارة الوحيدة إلى المسيح في خطبة اسطفانس التي تسمّي يسوع "البار". وهنا نطرح سؤالين. الأول: لماذا ذُكر المسيح هنا فقط في الخطبة؟ الثاني: لماذا اختار اسطفانس لقب "البار" دون سائر الألقاب؟
* السؤال الأول: ذكر يسوع في هذا الموضع.
هناك جوابان.
- الجواب الأول ينطلق من يوسف وموسى كصورة عن المسيح.
لا شك في أن المسيح يُذكر هنا فقط بشكل مباشر في الخطبة، ولكن الخطيب قرأ حياة يسوع من خلال حياة يوسف وموسى. فيوسف الذي رُذل قد أقامه الله عبر الحكمة والنعمة إلى مجد يتفوّق على المصائب وذلك من أجل خلاص شعبه. وأهم جزاء حصل عليه هو أن يُدفن أبوه في أرضه. وموسى الطفل نَعِم بالحكمة والقدرة في الأقوال والأعمال. ظن أن أخوته عرفوا أنه اختير من أجل خلاصهم. هو الذي تسلّم من الرب مهمة افتداء إسرائيل. هو الذي قاد شعبه عبر كل المصاعب فأضحى صورة النبي الآتي. هو الذي كان الوسيط بين الله والشعب ليحمل كلمات الحياة، هو الذي رُذل وصار سبباً لسقوط إسرائيل في عبادة كاذبة قادتهم إلى المنفى. فموسى هذا أصبحت حياته صورة عن المسيح.
وهكذا، وإن لم يُذكر المسيح بصورة مباشرة في هذه الخطبة إلا مرة واحدة، فكل شيء يشير إليه عبر وجه يوسف وموسى.
- الجواب الثاني: خطبة اسطفانس في سفر الأعمال.
قلنا إن السامعين قد لا يفهمون ما قاله اسطفانس عن الروح القدس. أما القارئون فيفهمون ذلك في إطار سفر الأعمال. وهذا ما نقوله عن المسيح الذي لم يُذكر إلا مرة واحدة في هذه الخطبة. فالخطبة لا تتوجّه فقط إلى سامعي اسطفانس، بل إلى قرّاء أع الذين قرءوا في الخبر المروي صورة المسيح، وفهموا أن ما قيل في أع 1- 6 يقود إلى ف 7 والفصول التالية.
في هذا المعنى لا يحتاج المسيح أن يُذكر كما نتوقّع لدى سماع الخطبة. في هذه النظرة، نقول إن الخطبة بُنيت لا لتحدّثنا مباشرة عن المسيح بل عن ردة فعل إسرائيل تجاه المسيح وعن علاقة تاريخ إسرائيل كله بالله. وقيمة خطبة اسطفانس لا تقوم في ما تقدّمه عن المسيح، بل في إبراز رفض اليهود للكلمة الأخيرة التي وجهّها الله إليهم. وبكلمة أخرى، نحتفظ في ذهننا بكرستولوجية ف 1- 6 حين نقرأ في خطبة اسطفانس تركيزه على تاريخ إسرائيل الذي هو تاريخ بدت قمته في رفض اليهود للمسيح.
* السؤال الثاني: لقب البار
لماذا اختار اسطفانس لقب البار واعتبره كافياً من أجل حديثه؟
تستوقفنا هنا ثلاثة نصوص كتابية. الأول: أشعيا وعبد الله المتألم. ففي أش 53: 11 يسمّى عبد الله "الصديق البار" الذي "يُبرِّر كثيرين من الناس ويحمل خطاياهم". هنا نلتقي بما قاله بطرس في خطبته عن يسوع بعد شفاء الكسيح: "إله آبائنا مجّد فتاه يسوع الذي أسلمتموه وأنكرتموه... أنكرتم القديس البار" (3: 13- 14).
النص الثاني: ما تقوله الأسفار الحكمية عن البار الذي يواجهه شرّ العالم. قال أم 29: 27: "الإنسان الجائر يمقته الصديقون، والمستقيم في سلوكه يعينه الأشرار". وفي 10: 28: "رجاء الصديقين فرح لهم، وأمل الأشرار يبيد". ولكن يبقى النص الأهم حك 2: 12- 20: "يدّعي معرفة الله، ويسمّي نفسه ابن الرب... سلوكه غريب في الحياة، يخالف سلوك الآخرين... فلننظر هل أقواله هي الحق". هنا نتذكّر كيف طبّق إنجيل متى هذه الأقوال على يسوع المائت على الصليب. قال اليهود عن يسوع: "توكل على الله وقال أنا إبن الله، فلينقذه الله أن كان راضياً عنه" (مت 27: 42).
النص الثالث، نقرأه في إنجيل لوقا. رأى قائد الحرس ما جرى فقال: "بالحقيقة كان هذا الرجل باراً" (لو 23: 47). هنا نعود إلى ما قلناه عن حك 2: 12 ي. فيسوع هو البار الذي هاجمه الأشرار. وسنجد هجوماً خاصاً من قبل المصلوبين حول يسوع بعد هجوم اليهود وتهكمهّم على يسوع. "خلّص غيره فليخلّص نفسه إن كان مسيح الله المختار" (لو 23: 35). عاد اسطفانس إلى الأنبياء وإلى السابقين للبار فتحدّث عن البار الأول الذي أسلموه وقتلوه.
3- المعارضة لله (آ 53)
تسلّمتم الشريعة وما عملتم بها. كان اليهود هؤلاء الأشرار. فبعد أن رفضوا البار وقتلوه، لم يحفظوا الشريعة مع أنها من الله، مع أن الملائكة (رمز حضور الله) حملوها. إذن، اليهود هم هؤلاء الخطأة والأشرار (لا أبرار). وهكذا، إن لم يكن العهد القديم كافياً لكي يقنع سامعي اسطفانس بخطيئتهم، فهو قد ساعد الخطيب ليعظّم شأن يسوع بانتظار أن يراه في المجد "من عن يمين الله" (آ 56).
كان انتقاد عنيف من قبل اسطفانس لليهود على مدى أجيالهم. وهاهو يقول لهم إنهم "غير مختونين"، إنهم ما أرادوا أن يسمعوا ولا أن يفهموا. وهكذا بدا موضوع معارضة اليهود لله في كل بشاعته: منذ يوسف وموسى، إلى رفض كلام الأنبياء وبالتالي رفض الروح القدس. والفرق الوحيد بين الجيل الماضي ومعاصري اسطفانس، هو أن المعاصرين اقترفوا شراً كبيراً حين رفضوا الذي أنبأ به الأنبياء، وقتلوه.
لا تشكّل هذه الآيات تشكّي اسطفانس من اليهود، بل تشكي المسيحية كلها كما نجده في لو وفي أع. كل هذا يجد قمته في نهاية سفر الأعمال حيث سوء التفاهم واضح بين اليهودية والمسيحية. قال بولس ليهود رومة وعبرهم إلى كل اليهود: "مهما سمعتم لا تفهمون، ومهما نظرتم لا تبصرون. تحجرّ قلب هذا الشعب فسدّوا آذانهم وأغمضوا عيونهم لئلا يسمعوا بآذانهم ويبصروا بعيونهم ويفهموا بقلوبهم ويتوبوا فأشفيهم" (28: 26- 27).
ما أرادوا أن يسمعوا. ولكن كلمة الله ما زالت تنتشر، وسوف تصل إلى الوثنيين. هم لا يقدرون أن يوقفوا هذه الكلمة التي ستصل إلى أقاصي الأرض. لذلك سيوقفون حاملها، يرجمونه بالحجارة فيسكتونه. وكما صلبوا معلّمه الذي جاء يحمل إليهم الحياة (3: 15)، رجموه هو بدون محاكمة. ولكن قرب اسطفانس وقف شاول (بولس) يحمل ثياب الذي يرجمونه، بانتظار أن يحل محلّه في حمل كلمة الله إلى اليهود أولاً ثم إلى الوثنيين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM