من جانب الطريق إلى السير وراء يسوع

 

من جانب الطريق إلى السير وراء يسوع

 

أحد الأعمى (2 كو 10: 1-7؛ مر 10: 46-52)

46وأتوا إلى أريحا. ولمّا خرجَ من أريحا هو وتلاميذُه وجمعٌ كثير، كان طيما بنُ طيما الأعمى جالسًا على قارعةِ الطريق ومُتسوِّلاً. 47وسمِعَ أنَّ هذا هو يسوعُ الناصريّ، فشرعَ يَصرخُ ويقولُ: “يا ابنَ داودَ ارحَمْني.” 48وكثيرون كانوا زاجرينَ له ليَسكُتَ. أمّا هو فبالأحرى كان صارخًا وقائلاً: “يا ابنَ داودَ، ارحَمْني.” 49وقامَ يسوعُ وأمرَ بأن يدعوه. فدَعَوا الأعمى وقالوا له: “تشجَّعْ، قُمْ، هو داعٍ لك.” 50فطرَحَ الأعمى لباسَه وقامَ فأتى لدَى يسوع. 51فقالَ لَهُ يسوع: “ماذا مُريدٌ أنتَ أنْ أصنعَ لك؟” فقال له الأعمى: “رابّي أن أُبصِرَ.” 52فقالَ لهُ يسوع: “انظُرْ إيمانُك أحياك.” وللحالِ عادَ النظرُ إليه. وكان ذاهبًا في الطريق.

*  *  *

1. طيما بن طيما

أريحا. تلك المدينة الكبيرة في وادي الأردنِّ والقريبةِ من البحر الميت. اشتهرت مع يشوع بن نون الذي جاء إليها بعد عبور الأردنِّ. هي نقطة تجمُّع. والأمر لم يختلف في مناسبة الأعياد الثلاثة، الفصح، العنصرة، التجلِّي، كما كان يعيشها المؤمنون في زمن يسوع. يأتون من القرى المجاورة. وينطلقون معًا باتِّجاه أورشليم. هناك عين ماء، عين السلطان. يتزوَّدون بالماء ويصعدون وهم ينشدون أناشيد الصعود إلى المدينة: "رفعتُ عينيَّ إلى الجبال، من هناك نصرتي. معونتي من عند الربِّ صانع السماوات والأرض."

يسوع. هو الشخص الأساسيّ. تلاميذه معه لا يفارقونه. وسوف يدخلون معه باحتفال إلى أورشليم. ثمَّ جمع غفير. يصعدون إلى أورشليم كما يصعد يسوع وينتظرون أن يسمعوا كلمة أو يروا معجزة. كلُّهم خرجوا من أريحا. ولكن استوقفهم شخص اسمه برطيما، ابن المخافة، كما في اللغة اليونانيَّة.

هو قاعد على جانب الطريق. هكذا لا يصطدم به أحد من المارَّة. هو ليس في الطريق، بل إلى جانب الطريق، مثل حجر من الحجارة. كم من السنين له هنا؟ الله أعلم. ولا شيء يتبدَّل في حياته. هو أعمى. لا يرى ما يراه الآخرون. ولكن سيأتي وقت يرى ما لا يراه الآخرون. يرى ابن داود، المسيح... يرى حامل الرحمة.

هو شحَّاذ. يتسوَّل. ربَّما يمدُّ يده أو يقول كلمة تثير الشفقة. هذا يعطيه رغيف خبز وآخر طعامًا آخر أو قطعة نقود. ويضع كلَّ هذا في ردائه. ولكن حين يكون قرب يسوع، لن يطلب شيئًا سوى أن يرى. مثله كان مخلَّع الباب الجميل الذي طلب صدقة من بطرس ويوحنّا الآتيين إلى الهيكل. "لا ذهب معنا ولا فضَّة." ولكن نعطيك ممّا معنا. وماذا معهما؟ باسم يسوع المسيح الناصريّ قمْ وامشِ" (أع 3: 6). وأرفق الكلمة بالعمل: "أمسكه بيده" وذاك ما سوف يفعل يسوع.

 

2. يا يسوع، يا ابن داود

هذا الشحَّاذ لا يرى ولكنَّه يسمع. سأل: ما الضجَّة؟ قيل له: يسوع الناصريّ مارٌّ من هنا. شابٌّ اسمه يسوع. قريته الناصرة. لا هو المسيح ولا هو ابن الله. ولا هو ذاك القدير الذي يجري العجائب، ولا الحنَّان الذي يهتمُّ بالمرضى والعائشين على هامش المجتمع، على قارعة الطريق. ولكنَّ طيما هو على قارعة الطريق، أما يهتمُّ به؟ بلى. لهذا أراد أن يستفيد من الظرف. "بدأ يصرخ". ومن يصرخ؟ المتألِّم، المحتاج إلى مساعدة. هو غارق في الماء. يستغيث والثقة تغمر قلبه.

هذا يسوع. لا شكَّ في ذلك. اسم متداوَل في البلاد. ولكنَّه يفترق كلَّ الافتراق عن أيِّ يسوع آخر، ولاسيَّما عن يسوع برأبّا، ذاك اللصِّ الذي فضَّله اليهود على المسيح. يسوع هذا هو ابن داود. يعني هو المسيح. هتف به طيما، ومنه سوف يتعلَّم الجمع يوم الشعانين: "مباركة مملكة أبينا داود" (مر 11: 9). ولكنَّهم لبثوا على مستوى الأرض ومملكة إسرائيل. أمّا هذا الأعمى فارتفع إلى مستوى السماء: "ارحمني". هي صلاة الخاطئ التائب، صلاة المحتاج: "ارحمني يا الله كعظيم رحمتك وكمثل كثرة رأفتك امحُ مآثمي" (مز 51). فالنداء إلى الله يتردَّد في المزامير: "ارحمني يا ربُّ لأنِّي ضعيف، اشفني يا ربُّ لأنَّ عظامي ترتجف" (مز 6). "ارحمني يا ربّ، انظر مذلَّتي" (مز 9). وإذ ينشد المرتِّل اتِّكاله على الربّ، يقول: "ارحمني يا ربّ لأنِّي في ضيق" (مز 31).

لم نَعُد أمام مجرَّد طلب يرفعه فقير إلى غنيّ، ومريض إلى طبيب. هي صلاة قدَّمها لنا القدِّيس مرقس على ضوء القيامة. ونحن نستطيع أن نصلِّيها اليوم. فيسوع بالنسبة إلى هذا الأعمى أكثر من إنسان عاديّ، أكثر من مُجري معجزات، أكثر من معلِّم بين المعلِّمين أو بطل من الأبطال. وأيُّ بطل هذا الذي يموت على الصليب! الجنود الذين أُرسلوا ليقبضوا عليه قالوا: ما تكلَّم مثله إنسان. فاحتقرهم الكتبة، المعلِّمون في إسرائيل.

صرخ الأعمى، انزعج الناس. انتهروه: اصمُتْ. أمّا هو فازداد صراخًا. هي فرصة فريدة ولا يمكن أن أخسرها. بدا مثل طفل تؤخذ منه أمُّه. ترك اسم "يسوع" وتوجَّه فقط إلى المسيح: "يا ابن داود ارحمني." لا شيء. لا أحد يستطيع أن يُسكت هذا الأعمى. هو لا يرضى بعد أن يكون "حجرًا" على "جانب الطريق" لماذا لا يكون مع هؤلاء الناس؟

 

3. قال يسوع: ادعوه

صرخ وصرخ. وصل إلى حافَّة اليأس. أتُرى يسوع لم يسمع؟ بلى، بدون شكّ. ولكن لماذا انتظر؟ لماذا تأخَّر وما دعاه؟ هي طريقة الربّ. حين نتجرَّد من كلِّ شيء، يكون هنا. يأتي إلى عوننا. يسوع الناصريّ شخص معروف. قال تلميذا عمَّاوس لهذا "الغريب" الذي يرافقهما: "هل أنت وحدك في أورشليم لا تعلم...؟ (لو 24: 18). وصلت النازفة إلى حافَّة اليأس. عندئذٍ شفاها يسوع. وابنة يائيرس؟ لو أتى قبل الوقت لكان شفاها من المرض. ولكنَّها الآن ماتت! قال: لا تخف. آمنْ فقط. وطيما تعب من الصراخ وكاد يسوع يبتعد عنه. ولكنَّ يسوع لا يبتعد. وينتظر الصرخة الأخيرة ليقول: "ادعوه".

صعوبات كثيرة تقف في وجه طيما. لا يتراجع. هو أعمى فكيف الوصول إلى يسوع. ثمَّ هناك أناس كثيرون. والأسوأ هو أنَّ بعض الناس أرادوا أن يُسكتوه. غريب الجمع في الإنجيل! كأنَّهم يمنعوننا من الوصول إلى يسوع. ما من أحد ترك الأربعة الذين يحملون المخلَّع، يصلون إلى يسوع. فصعدوا إلى السطح. والنازفة؟ الناس يزحمون يسوع، يضايقونه. وفي الحقيقة يضايقون الذين يريدون أن يأتوا إلى يسوع. وهنا، انتهروا الأعمى. كاد صوتُهم يُغطِّي على صوته بحيث لا يسمعه يسوع. ولكنَّ يسوع يُنصت وينتظر الوقت المناسب.

"ادعوه". عندئذٍ دعوه. تبدَّل موقف الجمع مع تدخُّل يسوع. أوصلوا إليه البلاغ: هو يدعوك. يا للنعمة الكبيرة. ما دعا أحدًا من جميع الذين يرافقونه. اعتبروا نفوسهم غير محتاجين إلى يسوع. الوجهة أورشليم. وكلُّهم صاعدون. كلُّهم يمشون.

"ثق، انهض". ثقته كبيرة ولو لم تكن كذلك لما كان صاح وازداد صياحًا. أمّا النهوض، فهو يحتاج إلى الناس لكي ينهضوه. إيمانه. ثقته. انتظاره. كلُّ هذا جعله "يثب" مثل أرنب. تتخيَّلون أعمى يقفز! على كتفيه رداء. رماه. هو ثقيل. لا حاجة بعدُ إليه. ولكن ماذا يأكل حين يعود في المساء؟ ما هذا السؤال الباهت. من له يسوع له كلُّ شيء. واسألوا السامريَّة التي جاءت بجرَّتها إلى بئر يعقوب: كيف تركت جرَّتها؟ ماذا سيقول لها زوجها؟ أسئلة لا تستحقُّ أن تُطرَح. نالت الماء الحيّ، فما الحاجة بعد إلى ماء من البئر؟ ومخلَّع الباب الجميل أخذ يقفز ويرقص. ابتسم من نفسه: ماذا كنت أطلب؟ وما الذي حصلت عليه. وهذا الأعمى ماضٍ إلى كنز النعم والعطايا. فلماذا بعد هذا الرداء وما فيه؟

دعاه يسوع. اجتذبه بنعمته. فقفز وأتى. "ماذا تريد أن أصنع لك؟" أيُّ سؤال هو هذا السؤال؟ أن أبصر. أن يعود إليَّ البصر. وناداه بلفظ يدلُّ على الثقة العميقة "رابُّوني". غير "رابِّي" المعلِّم، كما نقول للكاهن: يا محترم! بل نقول له: "أبونا، بيِّي". أمّا في متَّى ولوقا، فنادى الأعمى يسوع: "يا معلِّم" وبدا طيما قريبًا جدًّا من يسوع.

اذهب. امشِ. عيناك مغلقتان ولكنَّ إيمانك قويّ ويعوِّض عن عيني الجسد. وهكذا استعاد طيما نظره "وتبع يسوع في الطريق." مشى وراءه. جعل خطاه في خطى الربّ. "في الطريق". أيُّ طريق؟ طريق يسوع. قال: أنا الطريق والحقُّ والحياة. والمسيحيُّون الأوَّلون دُعوا "أهل الطريق"، أهل يسوع. والطريق هنا هي الطريق التي يتَّخذها يسوع والتي تصل به إلى الآلام والصلب. تجرَّد طيما من كلِّ شيء. ما نظر إلى الوراء ليأخذ رداءه وما سأل إلى أين تصل به الطريق. ما قال كما قال تلميذ آخر: "أتبعك إلى حيث تمضي"، بل "راح يتبع يسوع"، وحيث يكون يسوع هناك يكون خادمه، ورفيقه الذي دعاه حسب الناس أنَّ بولس يمتلك هذه الجرأة لأنَّه قويّ بقوَّة الجسد. لا. هو عرف ضعفه قبل أيِّ إنسان آخر. وقدرته آتية من لدن الله التي تهدم "الحصون" في المعنى الرمزيّ. أي كلُّ ما يقف عائقًا في وجه عمل يسوع المسيح.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM