لمسة الإيمان تفجِّر الحياة

 

لمسة الإيمان تفجِّر الحياة

أحد شفاء النازفة (2 كو 7: 4-11؛ لو 8: 40-48)

 

40ولمّا رجعَ يسوعُ، قبِلَهُ جمعٌ كثيرٌ لأنَّهم كلَّهم كانوا مُنتظرين. 41ورجلٌ ما اسمُهُ يائيرُسُ رئيسُ المجمع، سقَطَ قدّامَ رِجلَيْ يسوعَ وطالبًا كان منه أن يَدخُلَ إلى بيتِه. 42لأنَّ له ابنةً وحيدةً وكانَتْ ابنةَ نحوِ اثنتَي عشْرَةَ سنة، وكانَتْ قريبةً من الموت. 43وإذْ يسوعُ ذاهبٌ معه، وجمعٌ كثيرٌ كانَ زاحِمًا له، امرأةٌ ما كانَ جاريًا دمُها منِ اثنتَي عشرةَ سنة، وهي بين الأطباء مُقتناها كلَّه أنفقَتْ، وما استطاعَتْ أنْ تُشفى بيَدِ إنسان. 44فاقتربَتْ مِنْ خَلفِه، ولمسَتْ هَدْبَ ثوبِه وفي الحالِ وقَفَ سَيْلُ دمِها. 45فقال يسوعُ: “مَنِ الذي لمسَني؟” وإذْ كلُّهم مُنكرينَ كانوا، قال لهُ سمعانُ كيفا والذين معه: “رابّان، الجمعُ مُضايقونَك وزاحمون، وأنتَ قائلٌ: مَنْ لمسَني؟” 46أمّا هو فقالَ: “إنسانٌ لمسَني. فأنا عرَفتُ أنَّ قوَّةً خرجَتْ منّي.” 47فحينَ رأتِ المرأةُ أنَّها ما أضلَّتْه، أتَتْ مُرتعدةً وسقطَتْ وسجدَتْ له وقالَتْ على عيونِ الشعبِ كلِّه، من أجلِ أيَّةِ علَّةٍ لمسَتْ وكيفَ شُفيَتْ في الحال. 48فقالَ لها يسوع: “تَشجَّعي يا ابنتي، إيمانُكِ أحياك، اذهَبي بسَلام.”

49وفيما هو مُتكلِّمٌ أتى رجلٌ مِنْ بيتِ رئيسِ المجمع وقالَ له: “ماتَتِ ابنتُكَ، فلا تُتعِبِ المعلِّم.” 50فسمِعَ يسوعُ وقال لأبي الصبيَّة: “لا تخَافُ آمِنْ فقط وهي عائشَة.” 51وأتى يسوعُ إلى البيت وما ترَكَ إنسانًا يَدخُلُ معه إلاّ سمعانَ ويعقوبَ ويوحنّا وأبا الصبيَّة وأمَّها. 52وكلُّهم كانوا باكينَ ونائحينَ علَيها. أمّا يسوعُ فقال: “لا تبكون، فما هي ماتَتْ بلْ هي نائمة.” 53وكانوا ضاحكين علَيه إذ هم عارفونَ أنَّها ماتَت. 54أمّا هو فأخرَجَ الناسَ كلَّهم إلى الخارج، وأخذَها بيدِها وناداها وقال: “يا صبيَّةُ قومي”. 55فرجعَتْ روحُها وفي الحال قامَتْ. فأمرَ أن يُعطوها لتَأكُلَ. 56وذُهِلَ أبواها. أمّا هو فحذَّرَهما بأنْ لا يَقولا لإنسانٍ ما كان.

 

*  *  *

مسيرة موت إلى الحياة

مسيرة الصوم مسيرة موت مع المسيح من أجل قيامة معه. هذا هو معنى الإماتة التي يحاول المؤمن أن يمارسها في هذه الأيَّام المباركة. نحرم ذواتنا من الطعام في الصباح، ونمتنع عن كلِّ مأكول ومشروب، كرمز إلى موت يوميّ عن الخطيئة من أجل الحياة التي نصبو إليها. تلك كانت مسيرة ابنة يائيرس التي ستقوم من الموت، والنازفة التي تستعيد عطيَّة الحياة.

بعد تفسير مثل الزارع الذي تحدَّث فيما تحدَّث عن الشيطان الذي ينتزع الكلمة "لئلاَّ يؤمنوا فيخلصوا"، ترد معجزات أربع عن نتيجة هذا الإيمان. هدأت العاصفة، مع أنَّ إيمان الرسل كان غائبًا (لو 8: 15). شُفي المجنون فرفض الناس أن يؤمنوا. لمست النازفة طرف ثوب يسوع فشفاها إيمانها. ويكفي يائيرس أن يؤمن لتُشفى ابنته، بل لتقوم من الموت.

جاء يسوع، رحَّبت به الجموع. لسنا فقط أمام جمع من اليهود، بل جموع من العالم اليهوديّ والعالم الوثنيّ. وكلُّهم ينتظرونه لا فئة صغيرة من الناس. ولمسة واحدة تكفي من أجل الشفاء والحياة، وهي لمسة الإيمان.

 

شعب ذاهب إلى الموت

في القسم الأوَّل من النصّ (آ4-48)، نرى العالم اليهوديّ الذي يذهب إليه يسوع ليطلب الخراف الضالَّة. ولكنَّ هذا العالم يسير في طريق الموت، بعد أن تعلَّق بطقوسه وذبائحه، فقال فيه إشعيا: "هذا الشعب يكرمني بشفتيه وقلبه بعيد منِّي." وستبيِّن الرسالة إلى العبرانيِّين خوف الكهنة الذين تعاقبوا على خدمة الهيكل، وعدم جدوى ذبيحة تتكرَّر فلا تعطي مغفرة الخطايا. أمّا يسوع فهو الكاهن الوحيد الذي لا يحتاج لأن يقدِّم ذبيحة عن خطيئته وعن خطيئة الشعب. ثمَّ إنَّ ذبيحته واحدة، وهي تمنح الخلاص للبشر أجمعين. "جاء وبشَّر القريبين كما بشَّر البعيدين." فالعالم اليهوديّ حاضر من خلال يائيرس، رئيس المجمع، ووحيدته ابنة الاثنتي عشرة سنة التي تمثِّل الشعب العبرانيّ بقبائله الاثنتي عشرة. ماذا ينقصهم كي ينالوا الخلاص؟ الإيمان. إلى هذا الإيمان دعا يسوع يائيرس الذي تعجَّب فقط، ولم ينتقل من الدهشة إلى الخطوة التي تجعل منه تلميذًا ليسوع. نالت ابنته نعمة الشفاء، فهل نعِم هو بهذه النعمة؟

 

شعب يبحث عن الحياة

مثَّل يائيرس الشعبَ اليهوديّ ولاسيَّما الفرِّيسيِّين الذين لم يصدِّقوا يسوع، بل ضحكوا منه ساعة رأوه آتيًا ليُنهضها "من نومها". ومثَّلت النازفة العالمَ الوثنيّ الذي يبحث عن الحياة. هي مريضة منذ اثنتي عشرة سنة، ولا تستطيع أن تعطي الحياة. بحثت عن العلاج لدى الأطبَّاء الكهنة، وعُرف العالم الوثنيّ بمعابده وآلهته الكثيرة. ولكنَّ هذه الآلهة الصمَّاء، لها عيون ولا تبصر، لها آذان ولا تسمع، لها أيدٍ ولا تفعل. فما تراها تقدر أن تصنع لمَن يأتي إليها طالبًا؟ تركوا الله الذي هو ينبوع الماء الحيّ وحفروا آبارًا مشقَّقة لا تحفظ الماء. وقال سفر الحكمة إنَّ الوثنيِّين حمقى لأنَّهم لم يقدروا أن يعرفوا الكائن، مع أنَّهم نظروا إلى الروائع التي صنعها (حك 13: 1)، واعتبر بولس الرسول أنَّ لا عذر لهم. فمع أنَّهم عرفوا الله، ما مجَّدوه (رو 1: 21)، خسروا قوَّة الحياة فيهم، وأصابهم نزف كما أصاب هذه المرأة.

 

لمسة عقيمة ولمسة شافية!

مَن يوقف مسيرة الموت؟ يسوع وحده. من يلبِّي بحث الإنسان عن الحياة؟ يسوع وحده. ولكنَّ هذا يفترض أن نذهب إلى يسوع ونطلب منه، مع ما في هذا الطلب من تواضع، وإحساس بالضعف، وتعبير عن حاجة. فمَن اعتبر نفسه مكتفيًا استغنى عن يسوع. ولكنَّ الربَّ قال: "اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم." نحن نطلب، بل لا نخاف أن "نزعج" المعلِّم. فهو يحبُّ أن نزعجه. ولو مضينا إليه في نصف الليل (لو 11: 5). ولو كرَّرنا حتَّى "يتعب منَّا" (لو 18: 5) ويتضايق. هذا يفترض أن نقترب من يسوع مهما كان وضعنا. فهذه المرأة التي اعتبرها الناس نجسة، جاءت إلى يسوع ولمسته، أو بالأحرى لمست طرف ثوبه. وللحال شُفيت. وابنة الاثني عشر عامًا، أمسكها يسوع بيده فأنهضها من موتها كما نُنهضُ إنسانًا من النوم. إلاَّ أنَّ لكلِّ لمسة ميزتها. فلمسة الناس الذين يزحمون يسوع ويضايقونه، لم تحمل ثمرًا، أمّا لمسة هذه المرأة فمنحتها الشفاء. والسبب قاله يسوع: "إيمانك خلَّصك، إيمانك شفاك." ونحن أبعد ما يكون عن عمل خارجيّ يُبقي المسافة طويلة بيننا وبين الربّ. بالنسبة إلى بطرس وإلى يائيرس، يسوع هو المعلِّم. أمّا بالنسبة إلى المؤمن فهو الربُّ الذي يمنح الشفاء للمرضى والحياة للموتى.

 

حزن مثمر

فرح بولس حين رأى حزن الكورنثيِّين. الحزن بحسب العالم يقود إلى الموت، ذاك كان وضع يهوذا. أمّا الحزن بحسب الله فيقود إلى التوبة ويحمل الخلاص. فإن كان من حزن يرافقنا خلال الصوم، فحزن على خطايانا، لأنَّنا ما صرنا بعد قدِّيسين.

 

عيش الكلمة

نتعلَّق مرارًا بطقوس وعبادات، ويبقى قلبنا بعيدًا عن الله. نشتكي من أنَّ الله لا يسمع لنا، ونبحث عن خلاص هنا وهناك غافلين عن أنَّ لا مخلِّص سوى يسوع. أتى يسوع إلى العالم اليهوديّ، ويأتي إلى جماعاتنا وإلى كلِّ واحد منَّا. ماذا نستفيد من مجيئه ولاسيَّما في زمن الصوم هذا؟ فلنقترب منه بحيث يسمح لنا أن نلمسه لمسة الإيمان فننال الخلاص، وألاَّ نكتفي بأن نزحمه ونضايقه ولا نشعر بتلك القوَّة التي تخرج منه فتشفينا شفاء النفس والجسد.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM