الفصل السادس والعشرون: خطبة اسطفانس وجه موسى التاريخي

الفصل السادس والعشرون
خطبة اسطفانس
وجه موسى التاريخي
7: 17- 34
ونصل إلى خبر موسى الذي يستفيد منه اسطفانس لكي يقول كلمته في الشعب اليهودي الذي قتل يسوع، والذي يستعدّ لقتل الذين يسيرون على خطاه. نقسم الخبر قسمين. الأول: وجه موسى التاريخي. والثاني: موسى المحرّر والمخلّص.
ونتوقف على القسم الأول.
أ- ملخص الخبر (آ 17- 19)
نحن هنا أمام ملخص كما نقرأه في خر 1. لا تشديد على هذه الفكرة أو تلك، بل ملخّص لمعطيات سفر الخروج استعداداً لما سيأتي. ونكتشف هنا اثنين:
الأول: مقاومة لأمة متنامية وعائشة تحت حكم ملك غريب. وهكذا نتذكر كلام الله لإبراهيم في آ 6 ب: "يكونون عبيداً ويعانون الذل مدة 400 سنة".
الثاني: نلاحظ حاجة الشعب إلى خلاص من الضيق. فخبر يوسف وعائلته تركنا مع شعب يعرف الراحة والازدهار. أما هنا فنحن في إطار الضيق الذي يتحمّله بنو إسرائيل. نحن نتطلّع إلى مدلول هذه المحنة ونتشوّق إلى خلاص آت.
إذا كانت آ 17 ب- 19 ملخصاً لسفر الخروج، فان آ 17 أ هي غير ذلك. فمضمونها غائب من نهاية تك وبداية خر. هنا تدخّل الكاتب، فربط الخبر لا بقصة يوسف وحسب (وهذا ما كنا نتوقّعه)، بل عاد إلى وعد إبراهيم قبل أن نعرف أين صار نسل يعقوب وأبناؤهم. وهذا ما يعود بنا إلى أرض الموعد وفعل العبادة لله.
ما هي العلاقة بين آ 5 (وعده) و آ 17 (الوعد الذي تحقق)؟ ليست بين الوعد وتحقيق الوعد. بل نحن أمام تواصل واستمرارية لانتظار كان في الماضي، وتذكّره القارئ الآن ليكون مستعداً. بمختصر الكلام، لسنا أمام تتمة، بل شحذ النظر من أجل انتظار أعمق.
فكلمة "وعد" لا توجه فقط خبر يوسف من تك إلى خر، بل تبلبل ما رأيناه في آ 9- 16. وجدنا في تلك الآيات موضوع الإنسان المرذول الذي رفعه الله فصار مخلّص شعبه عبر آلامه، وأمّن لهم بركة ودفنة في أرض الآباء. أما هنا فعدنا عبر آ 17، إلى الخبر الأول وهدفه: الحرية، امتلاك الأرض لكي يتم الهدف الموضوع وهو عبادة الرب.
ب- طفولة موسى (آ 20- 22)
اخترنا هذه الآيات كمجموعة، لأنها تصوّر جزءاَ من حياة موسى يختلف عمّا سنجد في آ 23، وينقلنا إلى صورة خاصة بعد أن كنّا في صورة عامة مع آ 17- 19.
قال النص عن موسى: كان جميلاً جداً أمام الرب (أي سُرّ الرب به). هنا نتذكر لوقا وكلامه عن طفولة يسوع: "وكان ينمو في الحكمة والسن والنعمة أمام الله والناس" (لو 2: 52). لا يكتفي اسطفانس بتقديم موسى على أنه إنسان مثالي، بل يشير إلى طبيعة عظمته التي تتضمن رضى الله عليه. نحن هنا في خط الحديث عن الرجال المتدينين منذ أخنوخ الذي "سلك مع الرب"، الذي سار بحسب شريعة الرب (تك 5: 24).
نلاحظ ثلاث كلمات يستعملها الكاتب اليوناني ليصوّر طفولة موسى: ولد، تربّى، تُبنّي. اهتم الكاتب بأن يقول لنا إن موسى تربّى في بيت والديه ثلاثة أشهر، فشدّد على الذين كانوا الأداة في تربيته ونموّه: أولاً، ثلاثة أشهر في البيت. ثانياً: النمو في قصر الأميرة. أجل لا ينتقل الكاتب من ولادة موسى إلى نجاته من الموت وحياته في قصر الأميرة دون أن يشير إلى بقائه ثلاثة أشهر في بيت والده.
نُبذ موسى. لم يكن له يد في ذلك. هذا ما أجمله الكاتب وشدّد على أنه أنقذ وصار في شكل من الأشكال ابن أميرة مصر. نلاحظ هنا أن الأفعال هي في صيغة المجهول. أما الفعل المعلوم الواحد الذي نجده، ففاعله ابنة فرعون، لا موسى. هذا ما يذكّرنا بخبرَيْ إبراهيم وموسى مع أفعال المجهول.
صار موسى مثل ابن ابنة فرعون، وهذا ما جعلنا نعرف مستوى حياته. فموسى تُرك (شأنه شأن يوسف قبله) وخُفضَ ورُفع إلى مستوى الملك. فهذه الحياة كابن لابنة فرعون قاد اسطفانس إلى القول: تربّى موسى بكل تربية المصريين.
أغفل اسطفانس أخباراً مهمة ذكرها العهد القديم، ولكنه شدّد على شخصية موسى العظيمة. إنه سيجد في طفولة يسوع ويوحنا المعمدان هذا الاتجاه عينه ليصوّر أمام القارئ السنين الأولى لهذا النموّ في الحكمة. فلولا هذه الحكمة، لكانت حياة هؤلاء الأشخاص عادية، وامتزجت حكمة مع حكمة. ولكننا لسنا هنا فقط أمام حكمة بشرية وحسب. ووَلْي الخطبة سيؤكد لنا ذلك. وصورة موسى ستكون مقابلة لدى العالم اليهودي واليوناني على السواء. ونتساءل: إلى أي درجة قبل السامعون اليهود لخطبة اسطفانس "بحسنات" التربية المصرية التي تلقّاها موسى من أجل خدمة الله؟ ونجيب: المهم أننا أمام مديح لشخص اسطفانس. فهذا يفرح سامعيه ولا يزعج قرّاءه.
وانتهت آ 22: "وكان موسى مقتدراً في القول والعمل". نبدأ فنتذكّر ما قاله لوقا عن يسوع أمام تلميذي عماوس (لو 24: 19). أيكون اسطفانس قد بدأ يرسم صورة موسى كمقدمة لصورة المخلّص يسوع المسيح (رج آ 25)؟
هنا يحدّثنا الخطيب عن نشاط موسى. غير أن قدرته على الكلام طرحت سؤالاً على الشرّاح. فقد قال خر 4: 10 إن موسى كان بطيء الكلام، وقد يكون تألم من عاهة ما منعته عن الكلام بسهولة. ولكننا لسنا أمام دراسة نقدية وتاريخية، بل أمام ما يشعر به قارئ الأسفار الخمسة ولا سيّما سفر التثنية. قد يكون هناك توسّع مدراشي أبرز شخص موسى. ثم إن اسطفانس يتطلّع إلى ما سيقوله في آ 25 عن هذا الذي يحمل الخلاص. كان يسوع نبياً مثل موسى (3: 22؛ رج 7: 37). وها هو موسى مخلّص مثل يسوع.
لماذا تحدّث الخطيب عن طفولة موسى (حتى أخذ تقاليد المصريين) وهو الذي أغفل أموراً عن مريم أو القابلات؟ لأنه أراد أن يحدّثنا في الوقت عينه عن طفولة يسوع. فالذي يقرأ لو وأع، يفهم أن كل هذا الحديث عن طفولة يسوع وموسى يهدف إلى أن يوصلنا إلى الدور الذي سيلعبه هذان الشخصان في مخطط الله. لقد صُوّرت طفولة موسى على مثال طفولة يسوع. وهكذا نرى أن بداية حياة موسى تقودنا إلى يسوع الذي يُتمّ شخص موسى.
وهكذا نلاحظ أن الخبر يشدّد الآن على شخص واحد. أبرز الخبر الأول دور العبادة، والخبر الثاني خلاص الشعب. وسيصل بنا الخبر الثالث إلى المخلّص الوحيد يسوع المسيح. ولكن قبل ذلك، نرافق موسى الشاب وعلاقته بإخوته والمصريين.
ج- موسى مع إخوته والمصريين (آ 23- 29)
نحن هنا أمام مرحلة من خبر موسى. فإن آ 23أ تنقلنا أربعين سنة بعد الحقبة التي صوّرتها آ 20- 22. أما آ 35، فتنقلنا إلى أربعين سنة ثالثة.
نتعرف إلى موسى العادل الذي يحاول أن يردّ الظلم، إلى موسى المخلّص الذي لم يفهمه إخوته، إلى موسى الهارب إلى أرض مديان.
1- موسى العادل (آ 23- 24)
لا نعرف شيئاً عن الفترة السابقة للأربعين سنة التي عاشها موسى، سوى أنه "كان مقتدراً في القول وفي العمل". هذه الصورة تطبع بطابعها سنوات حياته العديدة. لم يزد اسطفانس شيئاً هنا كما فعل حين تكلّم عن حداثة موسى. بل قطع المسافة بسرعة بين الطفولة وعمر الأربعين كما فعل سفر الخروج.
ذكرت آ 23 ب ما في خر 2: 11 وأوجزته، لئلا يتشتّت عقلنا بأي تفصيل. فالمهم أن موسى اهتم بأبناء قومه ولم يتبرأ منهم. إنهم إخوته أبناء إسرائيل. وتتابع آ 24أ الخبر وتوجزه محدّثة إيانا عن مقتل المصري وردة الفعل لدى موسى.
رأى موسى إنساناً مظلوماً، فمنعته حميته من السكوت. وهكذا بدا موسى بدرجة أولى ذاك العادل الذي يرفض الظلم. غير أنه نسي الصفتين اللتين رأيناهما عنده في طفولته: الحكمة الحنان. رأى حاجة عند إخوته، فأسرع اليهم ونسي أي شيء آخر.
2- موسى المخلّص (آ 25- 26)
برّرت آ 24 ما عمله موسى. أما آ 25 فتقول لنا كيف فهم موسى عمله (فهمه بصورة صحيحة) وكيف انتظر أن يفهمه إخوته. لا يتوقف الكاتب عند سبب القتل، بل عند اعتبار داخلي أمام الذي فعله موسى. فهذا التفكّر من قبل موسى هو مهمّ لتفسير عمل القتل الذي قام به. أولاً: لأننا لا نجده في سفر الخروج، بل أدخله الكاتب إلى الخبر. ثانياً: إن قتل المصري في خر هو عمل من أجل عبراني مثله، وقد قاد موسى إلى الهرب من الأرض. أما في أع فصار علامة إلهية موجّهة إلى موسى من أجل خلاص شعبه.
ويبدو أن الألفاظ المختارة للحديث عن الخروج المقبل من مصر، قد اختيرت لتعطي القارئ فكرة أننا لسنا فقط أمام خروج إلى برية. فلمهمّة موسى مدلول لاهوتي عميق: أن "يعطي الخلاص" لإخوته. يلفت انتباهنا لدى قراءة لو- أع اهتمام لوقا بعطية الخلاص التي تبدأ بتحرير خارجي من الشر، وتنتهي طبيعياً في خلاص يقدّمه الله بواسطة موسى. لم يفهم إخوة موسى أنه هنا ليخلّصهم.
لم يحدّد النص الخلاص الذي يتحدّث عنه، وإن كان التلميح واضحاً إلى الخروج. هذا ما يتيح للقارئ المسيحي إن يرى في فهم إخوة موسى تشابها مع المسيح وخبرته مع اليهود معاصريه. أجل، كُتبت هذه العبارة من أجل يسوع وعلاقته بمعاصريه.
عدم الفهم هو موضوع رئيسي في لو- أع. فرفض اليهود ليسوع يبدو رفضاً لقبوله بل نقصاً لفهمه (28؛ 26- 27؛ لو 19: 42؛ رج 18: 34: 24: 25، 45). وهنا نحس بخبرة مسيحية تجاه الذين لم يوافقوه على أنه المسيح فكانوا أول من لم يفهمه، أو تجاه مسيحيين لم يفهموه بعد ذهابه بعشرات السنين. هذا الفهم الغائب تحدّث عنه العهد القديم كما تحدّث المسيح. ويرى لوقا هذا المعنى الممكن مخيفاً في خبر الخروج. فجواب العبرانيين على تدخّل موسى كان جهلاً بل جنوناً إن قرأ أحد مثل لوقا موقف موسى في العهد القديم باحترام ومهابة. هاتان الصفتان أثّرتا على خبر لوقا حين تحدّث عن طفولة موسى، كما حدّدتا هنا تقديمه لقتل المصري.
لقد بدّل لوقا العهد القديم بطريقة ملحوظة. فالعهد القديم يتحدّث عن موسى بطريقة "دنيوية" ولا يشير إلا لماماً إلى تأثير الله حتى ظهوره في العلّيقة الملتهبة. أما لوقا فبدّل كل هذا، وأعلمنا أن موسى عرف أنه مخلّص إسرائيل وهو ينتظر من إخوته أن يفهموا هذا. وما يحزن في خبر الخروج هو أن ما صنعه موسى لإخوته لم يقدَّر على أنه عمل أخوّة، عمل لطف ودفاع. وفي أع هو لا يقدر أيضاً كعمل أخوّة، كما لم يُفهم في معناه الأعمق وكعمل يدل على خلاص الله بيد موسى.
عرف موسى قبل حدث العلّيقة الملتهبة أنه المخلص، وهذا ما برّر عمله فيما بعد. لهذا، لم يهرب موسى من مصر خوفاً من فرعون، لم يهرب كمجرم. بل هرب لأنه لم يُقبل به كمخلّص. عدوّه ليمس فرعون بل إخوته أنفسهم. إن آ 25 هذه ليست فقط شرحاَ لما عمله موسى مع المصري، بل هي تهيّئنا لنحكم على العبراني الذي أجاب بمرارة على موسى الذي تدخّل من أجل الصلح والسلام. هل فهم اليهود حياة يسوع كمخلّص؟
كانت آ 25 مقدّمة لخبر يتواصل. نرى موسى بعد يوم من قتل المصري أمام اثنين يتقاتلان. انطلق لوقا من الظروف التي نجدها في خر 2: 13، ولكنّه لم يحدّد هوية المتقاتلين. ما يهمه هو أن يبرز وجه موسى، وأن يضع أمامنا أخوين يتقاتلان بينما يدعوهما موسى إلى السلام. هنا لا يمارس موسى العدالة، كما مع المصري، بل يحاول أن يهب الخلاص لبعض إخوته. قال خر 2: 3: "لماذا تضرب قريبك"؟ أما أع فبدأ بعبارة: "أنتما أخوان". لا يعارض موسى المقاتل الظالم، بل يبيّن أن لا سبب لدى الإخوة أن يتقاتلا. فحكمته وعنايته ستنتصران على هذين الأخوين. وهكذا يدلّ لوقا على موقف موسى الذي لا يمكن أن يُرفض.
وهكذا دلّت آ 24 على أن موسى تصرّف بعدالة في نزاع. وهيأتنا آ 25 لأن نراه يزول وهو الذي هيأه الله لخلاص إسرائيل. نعرف في آ 23 و25 أن موسى جاء من أجل إخوته. وتبيّن لنا آ 26 وجه موسى بما فيه من حكمة وعطف. والجواب الذي تلقّاه يؤلمه، لأنه يدل على الجنون. ومن خلال "التجاوب" مع موسى نقرأ عن "التجاوب" مع يسوع: رفضوه ولم يفهموه.
3- الهرب إلى مديان (آ 27- 29)
وتبدأ آ 27 مع "المعتدي" والظالم. نحن هنا أمام إيراد طويل. فما الذي يريد لوقا أن يشدّد عليه؟ نجد قسمين في جواب المعتدي.
الأول: يبدو في شكل سؤال: من جعلك رئيساً وقاضياً علينا؟ لم يُشر العهد القديم إلى أن موسى أرسل إلى الشعب رئيساً وقاضياً. والجواب نجده في آ 25: الله أرسله. وهنا نقارب مع أع 2: 36 حيث نقرأ أن الله جعل يسوع "رباً ومسيحاً". ويزيد المعتدي: "علينا". هذا يعني في معنى أول المتقاتلين. وفي معنى أبعد إخوته من بني إسرائيل الذين سينالون الخلاص بموسى (آ 25). طُرح سؤال وكان بإمكان الجواب أن يكون: لا أحد. لا أحد جعلك رئيساً. فإذا هو الله. وهكذا يحيل اسطفانس السامع والقارئ إلى يسوع الذي جعله الله "رباً ومسيحاً"،. فلهذا السؤال معنى خاص وقد ردّده الكاتب مرة ثانية في آ 35: فموسى الذي أنكره شعبه وقالوا له: من جعلك رئيساً وقاضيا علينا هو الذي أرسله الله رئيساً ومخلصاً.
الثاني: يبدو هو أيضاً بشكل سؤال يشدّد على علاقة موسى بإخوته. فموسى رجل العطف والحنان وصانع السلام والذي يعترف أن هذين الرجلين هما أخواه، موسى يُرذل ويُعتبر أنه يريد أن يقتل العبراني كما قتل المصري. حين لا يعرف السائل أن يميز بين موسى الذي قتل المصري وموسى الذي يقف أمامه الآن، فهو قد أضاع موسى الحقيقي ولم يفهمه. وهكذا نعود إلى إطار عدم فهم مؤسف لموسى مخلص شعبه والمسرع إلى مد يد العون إلى إخوته.
بعد هذا يقدّم الخطيب تفاصيل لينهي الخبر كما في العهد القديم. نرى في العهد القديم أن الفرعون سمع بمقتل المصري فطلب موسى ليقتله. فهرب موسى خوفاً من فرعون. هذا ما يقوله العهد القديم. أما اسطفانس فترك المعطيات عن الفرعون، وشدّد على هرب موسى إلى مديان.
لخّص لوقا في نصف آية (آ 29 ب) فترة تمتدّ من قتل المصري إلى العلّيقة الملتهبة، كما لخّص المسافة بين ولادة موسى ومقتل المصري بفعل الماضي: كان، الذي يمتد على أربعين سنة. ولخص لوقا العهد القديم فقال: أقام هناك وكان له والدان.
قدّمت لنا آ 23- 29 الدرفة الثانية من حياة موسى. كانت الدرفة الأولى طفولته فبيّنت ما كان عليه موسى. ودلّت الدرفة الثانية أنه هو الذي جاء يحمل الخلاص لشعبه، أن أخاه العبري رفضه لأنه لم يفهم الوظيفة التي أوكلت إليه. لا يتوسّع لوقا في موقف المعتدي. فما يهمّه هو السامعون الذين يعرفون أن الله اختار موسى لمهمة الخلاص. ويتضمن هذا أن يكون العبراني قد فهم. أما موسى فتعجّب من عدم الفهم.
يشدّد أع على عدم فهم اليهود لنشاط يسوع. وهكذا نرى مقابلة بين العبراني وموسى من جهة، وبين المسيح وسامعي اسطفانس من جهة أخرى. وتبدو الأمور أوضح حين نتحدّث عن ينبوع وظيفة موسى: هو الله الذي اختاره وأعطاه السلطة بان يكون قاضيا ورئيساً على بني إسرائيل. ويجد السر المسيحي صدى له وتهيئة في خبر موسى أمام اليهود الذين رفضوا يسوع ولم يفهموه أنه هو المسيح والمخلّص.
ولسنا فقط أمام إسرائيلي فرد. فإذا قابلنا آ 27- 28 مع آ 35 نرى أن هذا العبراني يمثل الشعب كله. وهكذا نقول فيما يخصّ يسوع. ففعل "رذل" المستعمل في آ 35 هو الذي استعمل ليدل على رذْل الأمم ليسوع (3: 13، 14؛ 4: 16؛ لو 9: 23؛ 12: 9). وهكذا نفهم أن الكاتب يفسّر خبره على ضوء الزمن الحاضر.
د- موسى أمام العلّيقة الملتهبة (آ 30- 34)
تتعلّق آ 30 بنص خر 3: 1- 2 بسبب عدد 40 الذي يبدأ هذا القسم الإخباري الثالث من حياة موسى. نحن هنا على جبل سيناء، والموضوع الأساسي هو الحوار بين الله وموسى.
يبدأ اسطفانس بالظهور على جبل سيناء ويؤرخه. ولكنه يترك عدداً من التفاصيل، لأن اهتمامه يتوجّه إلى مكان آخر. استبعد الظروف التي قادت موسى إلى الوحي الإلهي، وترك ما يتعلّق بموسى قبل العلّيقة الملتهبة. واحتفظ بثلاثة أمور: رأى العلّيقة وتعجب. اقترب منها. تقدّم لينظر.
احتفظ اسطفانس بمقدّمة الخروج: ظهر ملاك في العلّيقة (رج آ 38. فسيناء هو المكان الذي فيه أعطيت كلمات الحياة). وزاد: في البرية، على جبل سيناء. جعل حوريب محلّ سيناء ليربط موضع إعطاء الوصايا بموضع ظهور الملاك. وبعد المقدمة، انتقل اسطفانس حالاً إلى تعرّف موسى إلى الرب. أما سفر الخروج فسار في بطء قبل أن يوحي الرب لموسى عن هويته. واليك النصّين الموازيين:
خر أع
أ- دعا الله موسى
ب- أجاب موسى
ج- طلب الله من موسى أن يخلع نعليه
د- كشف الله عن نفسه د- كشف الله عن نفسه
هـ- ردّة الفعل لدى موسى. هـ- ردّة الفعل لدى موسى
ج- طلب الرب من موسى أن يخلع نعليه
و- سلم الله موسى المهمة و- سلّم الله موس المهمّة
في نص سفر الخروج، خلع موسى نعليه من رجليه، ثم كشف الله له عن نفسه. أما اسطفانس فقدّم ردة الفعل لدى موسى فيما بعد. المهم هو الرسالة التي يتسلّمها موسى.
ماذا نجد في خر 3: 7- 10؟ تفسير لزيارة الرب لموسى وإعطاؤه مهمة تحرير إسرائيل. هذا ما سيوجزه أع في بضع آيات. أولاً: جواب الرب على مذلّة شعبه. ثانياً: أعلن الرب أنه سيخلّص إسرائيل. ثالثاً: قال لموسى أنه سيرسله إلى مصر. وتنتهي كلمات الرب بوعده أن ينهي مضايق شعبه. فالله جاء ليخلّص، وأداة خلاصه المختارة هي موسى.
والعبارة الأخيرة في آ 34 هي تسليم مهمة، وهي موافقة الله على ما في آ 25: ظن موسى أن إخوته سيفهمون أن الله يعطيهم الخلاص بواسطته. وينتهي حدث سيناء بنظرة إلى المستقبل، إلى مصر، إلى خلاص إسرائيل.
هذا التقديم الأول لموسى كالرجل الحكيم والمهيًّأ في كل الطرق أمام الله والناس، يتبعه شعور خفي بالرفض، رفض كل مجهود من اجل الخلاص. والآن، فهذا الرجل العظيم الذي رذله شخص واحد فدلّ بصورة رمزية على أن شعباً بكامله سيرذله، هذا الرجل سيُرسل ليخلّص إخوته العبرانيين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM