"ولكن عندما زُرعَتْ، نمَت وفاقت في حجمها النباتات كلّها"

 

يوم الجمعة (لو 13: 18-21)

18وقالَ يسوع: “ماذا يُشبِهُ ملكوتُ الله، وبماذا أشبِّهُه؟ 19يُشبِهُ حبَّةَ خَردَل، وهي التي أخذَها رجلٌ ورماها في جنَّتِه، فكبُرَتْ وصارَتْ شجرةً عظيمة، وطَيرُ السماء عشَّشَ في أغصانِها.” 20وقالَ يسوعُ أيضًا: “بماذا أشبِّهُ ملكوتَ الله؟ 21يُشبهُ خميرًا أخذَتْهُ امرأةٌ وطمرَتْهُ في دقيقِ ثلاثةِ مكاييل حتّى اختمرَ كلُّه.”

*  *  *

ماذا نقول عن ملكوت الله؟ هو لا يشكّل العدد الكبير. هو صغير، صغير جدًّا. مثل حبَّة خردل، لا نكاد نراها. أهذه نتيجة ما عمله يسوع؟ أهذا ما واصلته الكنيسة يوم كتب لوقا إنجيله حوالي سنة 85-90؟ لا تخافوا. لا تيأسوا. فالملكوت سوف ينمو فيصل إلى القارَّات الثلاث المعروفة، كما نقرأ في سفر الأعمال: في إيران الحاليّ والعراق وتركيَّا ومصر وليبيا وصولاً إلى رومة (أع 2: 9ي). هذه البذرة الصغيرة سوف تصبح شجرة كبيرة. وعاد لوقا إلى سفر دانيال (4: 7-19) مع هذه الشجرة الكبيرة التي تضمُّ الممالك والشعوب، بدءًا من اليهود وصولاً إلى الوثنيّين. فلا نبقَ محبطين، يائسين. أين هم المسيحيُّون اليوم؟ هل هم في زيادة أم في نقصان؟ ما هذه الأفكار البشريَّة التي ترفض أن تدخل في نظرة يسوع المسيح؟

ولكن، أين هو هذا الملكوت؟ نحن لا نراه. ماذا يساوي تجاه هذه التجمُّعات الدينيَّة الكبرى التي نرى هنا وهناك؟ القوَّة، العظمة، الغنى، الامتداد، العدد... كلاّ. يقول الربّ يسوع. قوَّة الملكوت داخليَّة. هو يشبه "الخمير". ماذا يشكّل الخمير؟ لا يشكّل الشيء الكثير. أمَّا مفعوله فيتجاوز كلَّ توقَّعاتنا. بدون الخمير لا قيمة للعجين وهو لا يعطينا خبزًا. والكنيسة هي كالخمير في العالم، وهي، إذا كانت أمينة لربّها، تخمّر العالم كلَّه.

*  *  *

"ولكن عندما زُرعَتْ، نمَت وفاقت في حجمها النباتات كلّها"

 

يا إخوتي، علمتم كيف يُشبه ملكوت السماوات بكامل عظمته حبَّة خردل... أهذا كلُّ ما يرجوه المؤمنون؟ أهذا كلُّ ما ينتظره المؤمنون؟... أهذا هو "الذي ما رأته عين ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر؟" أهذا ما وعد به الرسول بولس وما هو محفوظ في سرّ الخلاص، الذي يفوق كلَّ وصف، للذين يحبُّون؟ (1 كو 2: 9). لا ندعنَّ نفوسَنا تضطرب ممّا قاله الربّ. في الواقع، إن كان "ما يبدو أنَّه حماقة من الله هو أحكم من حكمة الناس، وما يبدو أنَّه ضعف من الله هو أقوى من قوَّة الناس" (1 كو 1: 25). فإنَّ هذا الأمر المتناهي الصغر، ألا وهو خير الله، يفوق في بهائه روائع العالم كلّها.

ليتنا نزرع في قلوبنا حبَّة الخردل هذه لكي تصبح شجرة معرفة الخير والشرّ (تك 2: 9). فتنمو إلى العلى، رافعةً معها أفكارنا نحو السماء وناشرةً أغصان الذكاء كلّها...

المسيح هو الملكوت. ومثل حبَّة خردل، زُرع في حديقة هي جسد العذراء. ونما وأصبح شجرة الصليب التي تغطّي الأرض كلَّها. وبعد أن طُحنت هذه الحبَّة بالآلام، أعطتْ ثمرًا يُبهجُ قلب كلّ من يلمسه بمذاقه العذب وأريجه الذكيّ. لأنَّ فضائل حبَّة الخردل تبقى خفيَّة إن بقيت على حالها، ولكنَّ طاقاتها تنكشف بعد أن تُطحَن. هكذا أراد المسيح أن يُطحَن جسدُه كي لا تبقى قوَّته خفيَّة... المسيح هو الملك لأنَّه يجسّد مبدأ كلِّ سلطة. والمسيح هو الملكوت لأنَّه يختزل مجد ملكوته كلّه.

القدّيس بطرس الكلام الذهبيّ (406-450)

 

 

يوم السبت (لو 1: 46-55)

46فقالَتْ مريمُ: “معظِّمةٌ نفسي الربَّ. 47وابتهجَتْ روحي بالله مُحييَّ 48لأنَّه نظرَ إلى وَضاعةِ أمتِه. فها منَ الآن الطوبى تُعطِي لي القبائِلُ كلُّها. 49لأنَّه صنعَ نَحوي عظائم، ذاك الذي هو قَديرٌ وقدُّوسٌ اسمُه 50وحنانُهُ لأجيالٍ وقبائلَ على الذين يَخافونَهُ! 51صنَعَ انتصارًا بذراعِه، وبدَّدَ المُفتخرينَ بفِكرِ قلوبِهم. 52قلَبَ الأقوياءَ عن عروشِهم ورفَعَ الوضعاء. 53الجياعَ أشبعَ خَيراتٍ والأغنياءَ أطلقَ فارغِين. 54عضَدَ إسرائيلَ عبدَه، وتذكَّرَ حنانَهُ. 55كما قيلَ مع آبائِنا، مع إبراهيمَ ومع نسلِه للأبَد.” 56وبقيَتْ مريمُ عندَ إليشبَعَ قُرابةَ أشهرٍ ثلاثة، ورجعَتْ إلى بيتِها.

*  *  *

هذا النشيد المريميّ مبنيّ على التعارضات بين الانحدار والرفعة. أعلنت مريم عظمة الله. هو الكبير الكبير ويجعل أبناءه كبارًا. هو القويّ والقدير وعمل في مريم أشياء عظيمة، كبيرة. ذراعه قويَّة كما نعرف من العهد القديم. قال الربُّ لشعبه: "أخرجكم من أثقال المصريّين... وأخلّصكم بذراع ممدودة" (خر 6: 6). وينشد المرتّل الخلاص: "بيد قديرة وذراع ممدودة، لأنَّ إلى الأبد رحمته" (مز 136: 12). وفي مز 89: "بذراعك القويَّة بدَّدت معاديك". الذين يعادونك، الذين يرفضونك. ويقول بعد ذلك: يا ربّ، لك ذراع قديرة، يد قويَّة. كم تحتاج هذه الفتاة الوضيعة إلى مثل هذه القدرة! فهي تحمل في حشاها جبَّار العالمين.

هذه اليد القديرة تقلب الأمور رأسًا على عقب. المتكبّرون يتشتَّتون فلا يعود الناس يرونهم. المقتدرون الجالسون على العرش، ينزلهم الربُّ عن عروشهم ويجعلهم على الحضيض. الأغنياء الذين يملكون الكثير، يجرّدون من كلّ ما يملكون. يصبحون فقراء ويمضون يتسوَّلون لقمة خبز: مقابل هذا، الوضعاء يُرفعون، هكذا رُفعت مريم. هكذا رُفع صيَّادو السمك. الجائعون ينالون كلَّ خير. لأنَّ الربّ يشبعهم وهو مَن عندَه ينبوع الحياة. ذاك هو كلام الربّ من إبراهيم إلى يسوع وصولاً إلى كلِّ واحد منَّا.

*  *  *

"حفظتها من كلِّ خطيئة بالنعمة الآتية أصلاً من موت ابنك"

حقًّا إنَّه عادلٌ وصالح أن نمجّدك، وأن نقدّم لك فعل امتناننا في كلِّ يوم وفي كلِّ مكان، لك، أيُّها الآب الكلّيّ القداسة، الربُّ الأزليّ والكلّيّ القدرة.

لأنَّك حفظتَ العذراء مريم من عواقب الخطيئة الأولى، وملأتها من النعمة (لو 1: 28) لتعدَّ لمجيء ابنك والدةً جديرةً به وأهلاً له: من خلالها، أعطيتَ صورة مسبقة عن الكنيسة، العروس التي لا دنسَ فيها ولا غضن والرائعة الجمال (أف 5: 27).

هذه العذراء النقيَّة هي التي ستعطينا المخلّص، حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم (يو 1: 29). وهذه المختارة من بين النساء جميعهنَّ، تتدخَّل لصالح شعبك، وتبقى في نظره مثال القداسة.

لذا، فإنَّنا مع ملائكة السماء أجمعين، وملؤنا الفرح، نرنّم: قدُّوس! قدُّوس! قدُّوس الله، ربُّ الكون!...

من الليتورجيّا اللاتينيَّة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM