نترجَّى الحياة الآتية

 

نترجَّى الحياة الآتية

 

حياة وحياة. حياة بحسب الجسد، بحسب اللحم والدم حيث يستطيع الإنسان أن يقول: "لنأكل ونشرب لأنَّا غدًا نموت." أو نردِّد أقوال سفر الجامعة المنغلقة على الأبديَّة. ما هو هدف الحياة؟ "ليس للإنسان خير من أن يأكل ويشرب ويذوق السعادة في عمله" (2: 24) ويعود إلى الكلام عينه في 8: 15: "فمدحتُ الفرح، لأنَّه ليس للإنسان خير تحت الشمس إلاَّ أن يأكل ويشرب ويفرح، وهذا يبقى له من تعبه مدَّة حياته التي يعطيه الله إيَّاها تحت الشمس". عندئذٍ لا يفرَّق الإنسان عن الحيوان، ويطلق الكاتب (أو بالأحرى الكاتبة) هذا القول الذي التقفه شهود يهوه ليُنكروا الحياة الأبديَّة: "لأنَّ ما يحدث للبشر يحدث للبهيمة. هو مصير واحد. موت هذا كموت ذاك ونسمة واحدة لكليهما. فالإنسان لا يتفوَّق على البهيمة. كلاهما يذهبان إلى مكان واحد. كلاهما كانا من التراب وكلاهما إلى التراب يعودان" (جا 3: 19-20).

هذا إذا لم يكن من حياة أبديَّة، كما يرى العديد في أيَّامنا. فالإنسان مجرَّد جسد. ويجب أن يحافظ على الجسد، يجب أن يطيل عمره ولو جُعل في "البرَّاد" عددًا من السنين. كتلة من لحم ودم وعظام... ولكنَّ الكتاب يستدرك الأمر في سؤال لا يحتاج إلى جواب: "من يعلم روح بني البشر. هي تصعد إلى فوق. وروح البهيمة تنزل إلى أسفل، إلى الأرض" (آ21).

ذاك ما ينتظره الإنسان بعد هذه الفانية: الحياة الآتية، الحياة الخالدة. هو المخلوق على صورة الله كمثاله. فهل يدمِّر الله صورته؟ وهل يتناسى مجهود الإنسان ليقترب من المثال الذي وضعه الله أمامه؟ هذا غير معقول. لهذا قال يسوع بعد شفاء مخلَّع بيت زاتا: "لا تتعجَّبوا من هذا. تجيء ساعة يسمع فيها صوتَه جميعُ الذين في القبور. فيخرج منها الذين عملوا الصالحات إلى قيامة الحياة..." (يو 5: 28-29). وسبق له فقال في الفصل عينه: "من يسمع لي ويؤمن بمن أرسلني فله الحياة الأبديَّة، لا يحضر (لا يمرُّ في) الدينونة لأنَّه انتقل من الموت (فنحن نعيش في الموت وننتظر ساعة الموت) إلى الحياة (الأبديَّة، التي لا تزول).

لو كان الإنسان جسدًا بنسمة فقط، لشابه الحيوان. ولكنَّ الروح يرفعه إلى الله ليكون حيث الله يكون. تلك هي الحياة الآتية التي يرجوها المؤمن وبدأ يعيشها منذ الآن في العالم.

 

إنجيل يوحنّا 5: 19-29

فأجابَ يسوعُ وقالَ لهم: "آمين آمين أنا قائلٌ لكم: الابنُ غيرُ قادر أن يصنعَ شيئًا من تلقاءِ نفسه، إلاّ الشيء الذي يرى الآبَّ عاملَه، لأنَّ ما الآبُ عاملُه، الابنُ أيضًا مثلَه عاملُه، لأنَّ الآبَ يحبُّ الابنَ ويُظهرُ له كلَّ شيء يعملُه. وهو يظهرُ له وفرةً من هذه الأعمالِ لكي تتعجَّبوا أنتم. فكما أنَّ الآبَ مُقيمٌ الموتى ومحييهم، هكذا الابنُ أيضًا مُحيي من يشاء. لأنَّ الآبَ ما كان دائِنًا لإنسان، بل وهبَ الدينونةَ كلَّها للابن. لكي يوقِّرَ الابنَ كلُّ إنسانٍ كما الآبُ موقَّر، وذاك الذي لا يكونُ موقِّرًا الابنَ لا يوقِّرُ الآبَ الذي أرسلَه.

آمين آمين أنا قائلٌ لكم: سامعُ كلمتي والمؤمنُ بمَنْ أرسلَني، تكونُ له الحياةُ الأبديَّة، وما هو آتٍ إلى الدينونة، بل هو انتقلَ من الموتِ إلى الحياة. آمين آمين أنا قائلٌ لكم: الساعةُ آتية، وهي الآنَ أيضًا، متى الموتى يَسمعونَ صوتَ ابنِ الله وأولئكَ السامعونَ يحيونَ. فكما أنَّ للآبِ الحياةَ بأقنومِه، كذلكَ وهبَ الابنَ أيضًا أن تكونَ الحياةُ بأقنومِه. وسلَّطَه أيضًا لكي يكونَ صانعًا الدينونةَ. لأنَّه ابنُ الإنسان. لا تتعجَّبونَ بهذا! الساعةُ آتيةٌ متى يسمعُ صوتَه الذين في القبورِ كلُّهم، فالذين عملوا الصالحاتِ يخرجونَ إلى قيامةِ الحياة، والذين عملوا السيِّئات إلى قيامةِ الدينونة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM