الفصل الرابع والعشرون: خطبة اسطفانس وجه إبراهيم

الفصل الرابع والعشرون
خطبة اسطفانس
وجه إبراهيم
7: 1- 8
خطبة اسطفانس هي أطول خطب أع. وهذا ما يدلّ على أهميتها. إنها نظرة إلى تاريخ إسرائيل تبدأ مع إبراهيم (آ 1- 8) وتصل إلى سليمان والهيكل (آ 46- 49). وتتوقّف بصورة خاصة عند موسى (آ 17- 43) الذي هو صورة عن يسوع (آ 25). ولكن هذه النظرة لا تكفي، شأنها شأن سائر الخطب الرسولية، بأن تذكر حسنات الله. فهي ستتحوّل سريعاً إلى هجوم على إسرائيل الذي ما زال يقاوم الروح (آ 51؛ رج آ 27، 35، 39، 42، 52)، وعلى هيكل صار أعظم من الله (آ 48). يتحدث اسطفانس عن إبراهيم، عن يوسف
(آ 2- 16). ويتوسّع في خبر موسى ويقابل بين المهمة الخلاصية الرفيعة التي سلّمه الله إياها وموقف بني إسرائيل من رفض وعصيان وخيانة. هي مواضيع تقليدية ردّدها سفر التثنية. ولكن الخطيب يتوسّع فيها هنا انطلاقاً من الواقع المسيحي. فحين يتكلّم اسطفانس عن يوسف فهو يفكّر في المسيح. وموقف بني إسرائيل تجاه موسى هو موقفهم تجاه المسيح. كما يرفض اسطفانس تعلقاً بأرض خاصة (آ 2- 6)، بذبائح (آ 39- 43)، ببناء هيكل مادي (آ 44- 50).
أما نحن فنوزع هذه الخطبة على خمسة فصول. وجه إبراهيم، وجه يوسف، وجه موسى التاريخي، موسى المحرّر، الهيكل والروح القدس. ونبدأ بوجه إبراهيم حيث تشكّل آ 2- 8 وحدة تامة، وحيث تبدأ آ 9 بخبر يوسف ويعقوب مع غياب إبراهيم كفاعل. لن نتحدث فقط عن هذه الآية أو تلك، بل نربطها بعضها ببعض باحثين عن المعنى العام.
أ- النقطة المركزية في خبر إبراهيم
السؤال الذي يهمّنا في هذه الآيات هو: ما هي النقطة الرئيسية في خبر إبراهيم؟ وفي النهاية، سنحاول أن نعرف علاقة إبراهيم وخبره مع سائر الخطبة.
نظن أن النقطة الرئيسية في حدث إبراهيم نجدها في نهاية آ 7: "وبعد هذه الأمور سيخرجون ويعبدونني في هذا المكان". لماذا اخترنا هذه الآية دون سائر الآيات؟
1- وظيفة آ 2- 4
تشير الآيات إلى تحرك إبراهيم من بلاد الرافدين إلى أيّة أرض يدل الله إبراهيم عليها. ويبرز هدف ظهور الله لإبراهيم بالخطاب المباشر: "أترك أرضك وعشيرتك". وهذا الأمر يبدأ مع مسيرة الخبر، ويعبّر عن هدف التحرّك. وما تبقّى هو تصوير للظروف التي فيها أعطي الأمر. وهكذا يكون الوصول إلى الأرض هو الهدف الرئيسي بأن يترك إبراهيم بلاد الرافدين. فعلى القارئ أن ينظر من خلال هذه الآيات إلى الوصول إلى أرض كنعان.
2- وظيفة آ 5
هذه الآية تتبع الوصول إلى أرض الموعد، وهي تقدّم نقطة اهتمام أخرى يجب أن يهتم بها القارئ. لم يحصل إبراهيم الآن على الأرض. فالوصول إلى الأرض لا يعني امتلاكها. والامتلاك في سيكولوجيا هذا الخبر يعني أكثر من مجرد امتلاك الأرض. لا شك في أن الله توخى أن يمتلك إبراهيم الأرض: فقد وعد بها له ولنسله، مع أنه لا ولد له. وهكذا وجد أمر الله في آ 3 تتمّته، لا في الوصول بل في الامتلاك المقبل. وهكذا يتوجّه انتباه القارئ لا إلى وصول إبراهيم، بل إلى امتلاكه الأرض هو وأبناؤه. فان كنا معتادين على تقاليد العهد القديم، نفهم أن الطريق فُتحت الآن أمام تاريخ إسرائيل الذي يحاول أن يبلغ أرض الموعد. إبراهيم هو البداية، هو الفاتحة من أجل امتلاك الأرض.
3- آ 6- 7 وارتباطها مع آ 2- 5
لقد حل محلّ الوصول إلى الأرض انتظارٌ طويل ليتمّ الوعد. وهاتان الآيتان (آ 6- 7) تقدّمان لإبراهيم وللقارئ (ولمتهمي اسطفانس) المستقبل الذي كان مجهولاً في آ 5. تكلّم الله مرة أخرى في صيغة الخطاب المباشر. رسم لإبراهيم التاريخ الذي سيمتدّ بعد إبراهيم وعبر أبنائه الذين سيمتلكون في النهاية الأرض، فيتمّ تماماً كاملاً الهدف الذي أراده الله بأن يدعوه من بلاد الرافدين إلى هذه الأرض.
إن هذه الآيات تقدّم للقارئ معطيات الزمان والظرف التي فيها تمّ مخطّط الله، وتدفع القارئ إلى النظر من خلال زمن إبراهيم وخبره إلى إنجاز أمر الله لإبراهيم. وهكذا تكون هذه الآيات مفكرة لقصة الله. ويكون للقارئ فكرة عن الحقبة التي بعد الوعد، وعن هدف هذا التحرّك.
ب- مفتاح خبر إبراهيم
ونجد في كلمات الله الأخيرة قرار الله بأن يرسل إبراهيم إلى أرض أخرى. هناك حركة تيهان وعبودية وحرية وخروج من الأسر. كل هذا يعرفه قارئ العهد القديم، وهو واقع تاريخي، ولكن العبادة في ذلك الموضع (تلك البلاد) هي هدف أكثر منه واقع. قال: سيخرجون أحراراً ويعبدونني في تلك البلاد. الواو (في ويعبدونني) تعني الغاية: يخرجون لكي يعبدوني. هناك تشديد على آ 7 أكثر منه على سائر الآيات. ولهذا نتوقف عندها.
1- خطاب مباشر
هذا هو الخطاب المباشر الأخير من قبل الله في خبر إبراهيم، وذلك حتى يكلّم الله موسى (آ 32). وهكذا يكون الخطاب المباشر في الذروة من خبر إبراهيم وسيشير بقوة إلى ما سيقال فيما بعد.
2- موقع آ 7 ب
تنفصل آ 7 ب انفصالاً أدبياً عن سائر الإيراد الكتابي (آ 6- 7) عبر انقطاع، ليكون التشديد على ما يتبع مباشرة. فالنصف الأول من الإيراد قد أجمل مع "ميتا توتا" أي "بعد هذا". وحين يتم "هذا" يتم الباقي كله، يتم كل ما سبق. فالأهم نقرأه في الخطاب المباشر.
3- تأليف آ 6- 8
إن الإيراد الموجود في آ 6- 7 يعود إلى نصين من العهد القديم. مع "سأدين". نحن لا نزال في إطار خبر إبراهيم كما في سفر التكوين. أما آ 7 ب فتعود إلى سفر الخروج (3: 12). فمن تنبّه إلى المتتالية التي نجدها في خطبة اسطفانس، انتظر أن يظهر استشهاد من سفر الخروج مع سائر استشهادات الخروج في القسم المتعلّق بموسى في الخطبة. غير أن ما يلفت النظر، هو أن الاستشهاد من سفر الخروج قد تأخر في الزمن ليقدّم تفسيراً لمستقبل إسرائيل الذي أعطي لإبراهيم من قِبل الله. فقسم سفر التكوين الذي منه أخذ الاستشهاد لا يشير إلى العبادة. فالإطار هو ليتورجي (تك 15: 9- 20 الذي يتضمن قطع العهد)، ولكن ما يتبع (تك 15: 14) هو فعل "خرج" مع "غنى كبير". إذن، لا نجد ذكراً لعبادة الله المقبلة. وهكذا يبدو أن اسطفانس زاد "عبادة الرب" كتفسير للسبب الذي لأجله صار الشعب حراً.
ونقرأ في نهاية آ 7 ب: "في ذاك الموضع". فقد يعني الموضع الذي فيه تقبّل إبراهيم هذا الإعلان عن الله. هذا الموضع هو أرض إسرائيل. وهكذا نستنتج بعد أن نضم كلمتين منفصلتين تفوّه بهما الله، أن الكاتب حدّد بطريقة ناجحة الهدف الأخير لملاّكي الأرض في المستقبل. الهدف الأخير الذي لأجله دُعي إبراهيم من أرضه إلى أرض إسرائيل هو عبادة الله.
4- تأليف آ 7 ب
ونجد تبديلاً نصوصياً آخر في آ 7 ب. فالاستشهاد الأصلي في خر 3: 12 يطلب من بني إسرائيل أن يعبدوا الله على هذا الجبل. بما أن الاستشهاد يدلّ على مستوى الزمان والمكان، فلفظة "الجبل" سوف تتغيّر. كان باستطاعة لوقا أن يستعمل عدداً من المفردات، ولكنه اختار مفردة "توبوس" التي قد تعود إلى عبارة: "من تلك المواضع (أو: الأماكن)". حين صاغ هذه العبارة، ذكّر قرّاءه فجأة باستعمال آخر لعبارة "تلك البلاد" في اتهام اسطفانس لبني إسرائيل (لا حاجة إلى القول إن العبادة في الموضع المقدّس ستجعل المكان مقدساً، هاجيوس توبوس). هناك ولا شك بعض الدعابة المقصودة في هذين الاستعمالين.
فالمكان الذي فيه يعبد بنو إسرائيل الرب يتعارض بقوة مع ذاك المكان الذي سيدمّره يسوع الناصري. بفضل هذا لا يماثل المكان (توبوس) في آ 7 حرفياً مع الهيكل، ولا يحدّد مكان خاص لا في هذا النص ولا في سفر التكوين، بل يقدّم هنا كالمكان الذي فيه يقوم إسرائيل برسالته، ليصل إلى هدفه في إطار يعبّر عنه في آ 2- 7. فإسرائيل مدعوّ في بداية تاريخه وبالتالي في بداية دعوة الله له، ليعبد الله "في هذا المكان"، يعني في إسرائيل أو في مكان آخر. في بداية إنجيل لوقا ومباركة زكريا لابنه، يعطي الكاهن لإسرائيل تحديداً مشابهاً بألفاظ تدل على هدفه الأخير: "أقسم لإبراهيم أبينا بأن يهبنا ذاك التحرّر من الخوف وأن ننجو من أيدي أعدائنا فنخدمه في القداسة والبر، كل أيام حياتنا في حضرته" (لو1: 73- 75). وحين جاء يسوع رسول الله الأخير، سيدمّر المركز الأساسي لهذه العبادة. فالعلاقة الدقيقة بين 6: 16 و7: 7 ب لم تٌكتب بعد. بيد أن هناك شعوراً باقياً وأساسياً يصل إلى ذروته في نهاية خطبة اسطفانس. وما نقوله هو أن عودة متكرّرة إلى مكان العبادة وردت مرّة في رأس الاتهامات، ومرة ثانية في رأس مقدمة القسم المتعلّق بإبراهيم. كل هذا يجب أن يوقظ القارئ إلى تفسير لاحق للمشكلة: كيف يستطيع الإله عينه أن يأمر بني إسرائيل أن يعبدوه في هذا المكان (حرّرهم لكي يفعلوا هذا)، وفي قمة تاريخ إسرائيل (في نظر المسيحيين) يتطلّع إلى دمار المكان المقدس والمخصّص للعبادة؟
إن البراهين الأربعة المذكورة أعلاه تلتقي لتدلّ على أن آ 7 هي قمة خبر إبراهيم: تبيّن هدف أمر الله الأصلي لإبراهيم (آ3)، وتحدّد السبب الذي لأجله حرّر الرب إسرائيل.
ج- وعد مع الله
ونطرح سؤالاً: إذا كانت آ 6- 7 هما جوهر خبر إبراهيم، لماذا يبدو سائر الخبر طويلاً؟ سنجد الجواب على مستوى اللاهوت.
1- البداية مع الله (آ 2)
نجد في آ 2 تبدّلاً يتعلّق بإبراهيم: ظهر الله له حين كان في بلاد الرافدين وقبل أن يقيم في حاران. هذا في التقليد (تك 15: 7) هو سبب كافٍ ليبرّر إعادة صياغة تك 11: 31- 12: 5 بحيث صارت بلاد الرافدين نقطة الانطلاق لإبراهيم حسب إلهام الله. نظن، على مستوى اللاهوت، أن اسطفانس اختار هذا التقليد (تك 15: 7) بدل ذلك (11: 31 ي) لأنه أراد أن يبيّن لسامعيه أن النداء إلى أرض جديدة (لعبادة الله) كان في الأصول العميقة لتغرّب إبراهيم الأول. لم يأتِ نداء الله بعد تحرّك إبراهيم الأول وتحرّكه الثاني. فأول تحرك لإبراهيم كان جواباً للأمر الإلهي. مقابل هذا، كل تحرّك يقود إلى الأرض الجديدة قد ألهمه الله، ولم يستفد من محطة في سَفَر إبراهيم (كما يمكن أن يدل تك 12 على ذلك).
ومخطط الله من أجل إسرائيل كان أولانياً. بعد أن شدّدنا على النظرة اللاهوتية نجد خبر إبراهيم داخل آ 2- 18. فالله هو فاعل كل فعل رئيسي: قال، دلّ، نقله، وعده، قال له (ما عدا في آ 4 أ حيث الفاعل هو إبراهيم). فبدون هذه الأفعال لا حركة في الخبر. فالله هو الذي يحرّك كل ما يحدث لإبراهيم. وهكذا يشدّد اسطفانس على واقع، وهو أن تاريخ إسرائيل القديم يوجّهه الله وحده. لم يحدّثنا اسطفانس فقط عن هدف إسرائيل، بل على أن هذا الهدف قد هيّأه الله. فقبل تأسيس الشعب دُعي إبراهيم أبو الآباء، فبرز دور الله الخلاّق هذا.
إن التشديد على هذه النقطة اللاهوتية تخلق توتّراً أدبياً بين وضع تك 15: 7 وخبر11: 31- 12: 25 لأن أع 7: 2- 4 يعود إلى النص الأول. فقد كان هناك خبر قديم يقول إن إبراهيم توقّف في حاران. وهناك حسب التقليد، كلّم الله إبراهيم وطلب منه أن يذهب إلى أرض الموعد. ومع أن كلمات الله هذه انتقلت من مكانها وزمانها، إلاّ أن الكاتب يتحدّث عن وقفة حاران ويستعملها أولاً كعلامة على تتمة أمر الله. وثانياً كنقطة بارزة في نشاط الله.
إن محاولة إدخال اليقين اللاهوتي إلى معطيات تاريخية تقليدية، تشرح السبب الذي لأجله طال خبر إبراهيم، الذي هو في الأصل مقدّمة لما يلي.
2- أهمية "الوعد" مع آ 17
يشدد بعض الشرّاح على كلمة الوعد في آ 5 ويربطها مع آ 17: اقترب زمن تحقيق الوعد. ومع تكرار لفظة "وعد" وخصوصاً في آ 17، رأى هؤلاء الشرّاح أن يقسموا هذا الكلام إلى قسمين في خبر مؤسّس على الوعد.
هذه هي قسمة بنيوية وأدبية، وهي تربط إبراهيم ويعقوب ويوسف بالصورة المحورية في الخطبة، صورة موسى. ولكن هناك من لا يوافق هذه القسمة ولا يعتبر أن "الوعد" يُجمل خطبة اسطفانس.
أولاً: علاقة "الوعد" مع آ 17
إن تكرار كلمة "وعد" في آ 17 لا تعلن عن تتميم الوعد، بل تعلن فقط أن زمن تحقيق الوعد صار قريباً. ظل زمن التتميم مفتوحاً، ولم يعد يُذكر الوعد بعد آ 17. ولم يصرف الكاتب وقته لكي يؤكّد لقرّائه أن بني إسرائيل نالوا في النهاية الأرض التي وُعدوا بها. وسننتظر آ 45 لنتعرّف إلى الاحتلال التاريخي للأرض. مع العلم أن الكاتب يتوقف عند دوره الظرفي والثانوي. وما يشدّد عليه في هذا القسم من الخطبة هو استعمال غير كافٍ للهيكل. ونحن نفهم الـ "وعد" كعلامة على أن هذا الخبر يتحرّك إلى الأمام في خط بدأ مع آ 5. وبدل أن تكون آ 17 بداية القسم الثاني من الخطبة، فهي تقود القارئ وتذكّره أن مخطّط الله اللاهوتي الأصلي هو في الواقع محمول في مجموعة من الأحداث التاريخية. وكما قلنا أعلاه، نجد قسمة الخطبة بطريقة أفضل في كلام الله لإبراهيم الذي يرسم في خطوط عريضة تاريخ الشعب المقبل قبل أن تتمّ أحداثه.
ثانياً: "الوعد" وعلاقته بخبر إبراهيم
ونقول أيضاً إن لفظة "الوعد" لا تكفي لتعبّر عن جوهر خبر إبراهيم. فخبر إبراهيم غير معنيّ بوجهة الوعد، بل في العلاقة التي جعلها اسطفانس بين "الشعب" و"الأرض" و"يعبدونني". هذه العناصر الثلاثة تشكّل النقطة الرئيسية في حدث إبراهيم. إنها تقع تحت نقطة الوعد؟ ولكن حين نرى المستقبل في الخطبة، لا نبقى مع فكرة "الوعد"، بل نصل إلى العلاقة بين هذه العناصر الثلاثة. والعلامة أننا لا نبقى مع فكرة الوعد هي ربط آ 4- 5 مع آ 6- 7. فإن آ 6- 7 لا تتكلّمان عن الوعد، بل توضحان للسامع في آ 6 كيف يكون تاريخ إسرائيل، وفي آ 7 ماذا ينتظر من الأرض. وبمختصر الكلام، موضوع الوعد (أي: الأرض) يخدم فقط هدف نداء إبراهيم: أن يعبدوني في هذا المكان. هذا الهدف يتعدّى فكرة الوعد ولكنه لا يلغيها.
د- آية انتقالية (آ 8)
أن آ 8 هي آية انتقالية من خبر إبراهيم إلى خبر يوسف ويعقوب. نتحدّث أولاً عن وجهات الآية، ثم نشرح موقعها كآية انتقالية.
1- عهد الختان
إن آ 8 أ تدشّن لفظة "العهد" (الميثاق). ففي موقع ما قاله الله فيما بعد لإبراهيم، يبدو العهد كختم لوعد الله. إنه تأكيد على أن الله أمين للتاريخ الذي حدّده لإبراهيم. وتتحدّث آ 18 أ أيضاً عن وعد الختان. فالختان يشير إلى ملاحظة حول نهاية آ 5، تتعلّق بعدم وجود أولاد لإبراهيم. هذا النقص قد تجاوزه إبراهيم. سيكون له أولاد يحملون مصيراً دلّ الله عليه من أجل الشعب. والختان، بعد أن حل مسألة الأولاد، سيقودنا إلى آ 8 ب.
توضح آ 8 ب العلاقة بالأولاد. فعبارة "كاي هوتس" تربط بين هدف الله (ثبّته العهد) وأولاد إبراهيم. هدف الله هو سبب الأولاد. الفاعل في آ 8 أ هو الله. وفي آ 8 ب الفاعل هو إبراهيم واسحق ويعقوب. بهذه الصورة ننتقل من فاعل سيطر على الأفعال هو الله. نمتدّ في قسم من تاريخ إسرائيل له معناه منذ سفر التكوين، ونجد نفوسنا أخيراً في عالم الآباء الاثني عشر.
2- انتقال إلى خبر يوسف
قلنا أعلاه إن آ 8 هي آية انتقالية. إنها تربط ما حدث من قبل بما سيتبع فيما بعد.
أولا: إن "عهد الختان" يتطلع إلى ما قاله الله الآن، كما إلى نهاية آ 7. والله ظلّ أيضاً الفاعل في هذا النشاط.
ثانياً: إن الانتقال من إبراهيم إلى أسحق ويعقوب والآباء الاثني عشر لا يعني وقفة بالنسبة إلى القارئ. بل هو يورد تحقيق أمر الختان وولادة الأولاد في نظرة إلى وعد الله وعهده.
ثالثاً: إن تبدّل الفاعل "من الله إلى الآباء" يدلّ على أننا ننتقل من خبر إبراهيم كما قرأناه في الآيات السابقة.
رابعاً: نجد في نهاية آ 8 وبداية آ 9 اللفظة عينها، وهو أمر نادر في العهد القديم وفي العهد الجديد. إذن، فنحن أمام رباط بين الآيات السابقة (آ 2- 8) والآيات اللاحقة (آ 9- 16).
من أجل هذه الأسباب نرى في آ 8 آية انتقالية، كما نرى فيها عبر عهد الختان آية تبرز الآيات السابقة. فبعد أن تحدّد تاريخ إسرائيل (آ 6- 7) وتثبّت (آ 8 أ)، ننتقل إلى ما يحمل مخطط الله كما يعيشه البشر.
وهكذا رأينا في آ 2- 7 وحدة تامة كاملة تتحدّث عن إبراهيم، وفي آ 8 آية انتقالية بين 21- 7 وما يلي. ويبدأ الخبر اللاحق في آ 9 وذكر يوسف. لنوجّه أنظارنا إلى العهد القديم فنرى مع ذكر يوسف في آ 9 أننا وصلنا إلى تك 37- 50. تجاوزنا اسحق وبداية خبر يعقوب. هذا الإغفال لبعض فصول سفر التكوين يدعونا إلى اكتشاف المعنى الخاص لأحداث اختارها الكاتب وحدّثنا عنها. وهكذا نصل إلى وجه يوسف.



Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM