الفصل الثالث والعشرون: خطبة اسطفانس

الفصل الثالث والعشرون
خطبة اسطفانس
نظرة عامة: اتهامات
نبدأ كلامنا عن خطبة اسطفانس في ملاحظة تفسيرية. لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار بأربعة عناصر لها تأثيرها على تفسيرنا للخطبة وقد أثرت، على ما نظن، في تأليف الخطبة. الأول: إن الكتاب الذي نجد فيه خطبة اسطفانس يتركز على المسيح تركّزاً قوياً ولا سيّما في الخطب. الثاني: إن الخطبة التي ندرس قد تكوّنت في النهاية على ضوء حدث مضى هو دمار أورشليم. الثالث: ترتبط الخطبة كقطعة أدبية في كتاب، بمتتالية الفصول الأولى ومواضيعها الموسّعة. الرابع: الخطبة هي تفسير مسيحي لتاريخ اليهود.
أ- الاتهامات وعلاقتها بعضها ببعض
قبل أن ندخل في تفسير خطبة اسطفانس، نظن أنه من المهم أن نناقش بعض الوجهات في آيات عديدة من محاكمته في ف 6. فخبر الجدال حول هذه الخطبة قدّم نظرات متعدّدة حول علاقة ممكنة بين الخطبة واتهام اسطفانس. أمّا قراءتنا للحدث فأقنعتنا أن الاتهامات المتعلّقة بالخطبة هي التي تعطي الكلمات معناها وتوضح المواضيع الأساسية (كرستولوجية، ليتورجية) للقارئ.
أما الخطبة فقد هُيئت بأجوبة على أسئلة تتعلّق بالمشكلة الكبرى في عهد لوقا، وهي دمار الهيكل. واعتبارنا لهذه الاتهامات هي أنها مقدّمة بحيث إنها ترسم خطاً دقيقاً بين أمور لم يبرهن عنها وإعلانات ترتبط بالوثائق. وقيمة تفسيرنا لهذه الآيات سيكون واضحاً عبر تفسير للخطبة التي تتبع هذه المقدمة.
ننظر إلى هذه الاتهامات على أن الواحد يرتبط بالآخر. ما نجده هنا وما نلاحظه في تدرّج الخبر، هو أن الاتهامات ضد اسطفانس تتحدّد شيئاً فشيئاً. فالاتهام الأول (6: 13) يجعل من اسطفانس مجدّفاً. ويوضح: هو لم يجدّف فقط بصورة عامة ضد الله وموسى، بل ضد المكان (الهيكل) المقدس والشريعة.
والاتهام الثاني (6: 14) يتفصّل أكثر. فهو يفسّر في أي معنى تكلّم اسطفانس ضد الهيكل وضد الشريعة. إن اسطفانس نفسه لم يفعل شيئا ضد هذه المؤسسة وهذا النظام، بل قال: يسوع الناصري سيعمل ضدهما: يهدم الهيكل، يغيّر التقاليد. ونلاحظ مع توضّح الاتهامات، أن عمل اليهود صار شكلياً وقانونياً. وتنامي التحديد في الاتهام وتبدّل النشاط من عملِ شعبي غوغائي إلى عمل قانوني هما وسيلتان أدبيتان تدلاّننا على أن آ 14 هي المحور الذي عليه نركّز كلامنا. هذا يعني أن هذه الآية تتجاوز التحرّك المتنامي ضد اسطفانس وقد وضعت مكانياً قرب الخطبة بحيث إنها صارت النقطة التي يرد عليها اسطفانس في خطبته.
وهكذا لا نرى اتّهامينِ أو أكثر متجاورين ومتلاصقين، بل توسّعاً في اتهام واحد يتوضّح شيئا فشيئاً ويتخذ منحى لاهوتياً متزايداً. نلاحظ في الوقت عينه أن كل اتهام قد صيغ لوضع يجد فيه اسطفانس نفسه. أن يكون اسطفانس قد اتُهم في هذه المؤامرة على أنه جدّف، يكفي ليجعل الجموع تتحرّك. وحين يكون أمام المحكمة، سيُتهم بصورة أقوى وأدق لأنه قام بعمل شنيع: إنه جحد إيمانه. وفي النهاية، لم يبقَ من شك لدى الشهود الكذبة حول معنى اتهامهم وطبيعته الحقيقية. أوردوا كلمات "قالها" المتهم من أجل الحكم عليه. وهكذا يترافق الخبر المتدرّج مع اتهامات تتكمّل شيئاً فشيئاً.
ب- عودة إلى 6: 14
بعد أن نظرنا إلى الشكل الإيجابي المتعلّق بالاتهامات وبنيتها، نركّز الآن على 6: 14، لأنها كما قلنا، نقطة الانطلاق التي أعطيت للقارئ ليفهم الخطبة الآتية.
ما نلاحظه أولاً في هذه الآية هو تأليفها المتقن. فقد أعلن الشهود أن جريمة اسطفانس هي أنه تكلّم ضد الهيكل والشريعة: قال بأن يسوع سيدمّرهما. قد ننتظر عقاباً لاسطفانس إن هو حاول شخصياً أن يسيء إلى الهيكل بيده (يهدم حجارته)، أو إن جدّف ضد الهيكل والشريعة. بل، وهذا لم نكن نتوقعه، نجد جرمه في مكان آخر. نجده في يسوع الذي يريد أن يهدم النظم اليهودية. ما هي إساءة اسطفانس الخاصة؟ لقد جعل يسوع في المركز الرئيسي وسماه كذلك الذي يعارض الهيكل مباشرة.
لا شكّ في أن الهجوم على الهيكل والشريعة هو واحد وهو يشير إلى أن المتهمين هما اسطفانس ويسوع معاً. ولكن بنية الاتهامات تركّز على يسوع، لا على اسطفانس، كالعامل الرئيسي في هذا "الهدم". فاسطفانس اكتفى، شأنه شأن الأنبياء، بأن يعلن ما سيفعله يسوع. ومع ذلك، توقف اليهود عند الاتهام وعند اسطفانس. فمن الواضح للقارئ المسيحي لهذا الحدث، وقد سبق له أن عرف يسوع ودوره المحوري في مخطط الله، أن هذا التعبير عن الاتهام له معناه.
يختلف المسيحي عن اليهودي فيقبل ما يقوله اسطفانس ويوافقه الرأي بأن يسوع سيدمّر الهيكل. فيسوع هو الرب والمسيح، وما يفعله يمكن أن يكون الحق والعدل. أما هو جالس عن يمين الله؟ فالنقطة المهمة التي يناقشها الكاتب ليست صدق اسطفانس ولا قدرة يسوع، بل السبب الذي لأجله وقف يسوع ضد الهيكل وضد الشريعة. وهكذا ما كان موضوع محاكمة لدى اليهود، صار حقيقة للكاتب وللقارئ بحيث إنه لا يتساءل: "هل يكون الأمر هكذا"؟ بل: "لماذا سيكون هكذا"؟
ونختم هذه النقطة فنقول إن التعبير عن الاتهام، وقد سمّى يسوع ذاك الذي يدمّر الهيكل والشريعة، هو أهم تفصيل في الهجوم على اسطفانس. فلا بدّ من شرح العلاقة بين يسوع من جهة والهيكل والشريعة من جهة أخرى. وهذا الاتهام المعبّر عنه بدقة، سيوجّهنا لنفهم هذا التوسع الخاص للخطبة ومدلولها في الحديث عن يسوع والهيكل.
ج- كلمة "المكان"
1- معنى الكلمة
وقبل أن ننتقل من الاتهام إلى الخطبة، نتوقف عند لفظة "توبوس" (المكان، هنا الهيكل). فماذا يعني المكان المقدس؟ يعني كما في أع 21: 28 حيث نقرأ اتهام اليهود لبولس: "هذا هو الرجل الذي يحارب شعبنا والشريعة وهذا المكان" (أي الهيكل). ثم نقرأ: "جاء ببعض اليونانيين إلى الهيكل ودنّس هذا المكان المقدس". فبنية 21: 28 ومفرداتها تلفت النظر حين نقابلها مع مختلف أقسام خبر اسطفانس وخطبته. فاليد الواحدة هي التي عملت في ف 7 كما في ف 21. والتماثل بين المكان المقدس والهيكل مهمّ جداً، لأن هذه اللفظة ستلعب دوراً هاماً في توسّع الخطبة. فموضوع الدمار يُعطى له اسم المكان الذي فيه يتعبّد (7: 7) بنو اسرائيل ونسل إبراهيم. وفي تفسيرنا، تبدو العبارة أساسية لفهم الخطبة كلها. ويجب أن تبقى أمامنا لفظة "توبوس" حين ننتقل من آ 14 إلى الخطبة.
2- الهيكل والقيامة
ونلاحظ نقطة أخيرة في أع نود أن نركّز عليها. نقرأ هنا عن بناء مادي، فندرك شكلاً من تدمير مادي مقبل. هذه نقطة مهمة لأن سائر التقليد المتعلّق بتدمير الهيكل يرتبط بجسد يسوع وقيامته. ولنقابل بإيجاز المقاطع التي تورد تقليداً عن الهيكل:
مت 26: 61 (رج 27: 40) مر 14: 58 (رج 15: 29)
أدمّر هيكل الله وبعد أدمّر هذا الهيكل الذي صنعته
ثلاثة أيام أبنيه (من جديد) الأيدي وأبني آخر لم تصنعه الأيدي
يو 2: 19 أع 6: 15
دمّروا هذا الهيكل وأنا فيسوع الناصري هذا
أقيمه في ثلاثة أيام سيدمّر هذا المكان
تبيّن النصوص الثلاثة الأولى تشابهاً في الألفاظ ونيّة مشتركة تربط دمار الهيكل بموت يسوع، وإعادة بنائه بقيامة يسوع. وإذا قابلنا النص الرابع، نص أع، مع النصوص الثلاثة، نجد أنه يتخذ معنى آخر. إن 21: 28 تؤكد أن المسيحيين كانوا ضد الهيكل المادي بحيث إن 6: 14 يبدو مؤسساً على واقع تاريخي. قد نرى هنا توسعاً في النصوص الثلاثة الأولى في وعظة أساسية ضد هيكل أورشليم. في أي حال، هيكل أورشليم هو ما يدمّره يسوع، واسطفانس يمثّل نقاط الدفاع حول هذا الهيكل. حين نرى تقرّب متى ومرقس ويوحنا من لفظة "الهيكل – الجسد"، نجد من الصعب أن نقبل بأن لوقا لم يعرف شيئاً من هذا. إن 6: 14 تجعلنا نشعر أنه كان هناك خلاف بين العالم اليهودي ونظمه التي وضعها الله، والمسيحية مع اعتقادها بأنه، "ما من اسم آخر (غير اسم يسوع) وهبه الله للناس نقدر به أن نخلص" (14: 12).
خاتمة
هذه الأفكار هي ما لفت نظرنا كاستعداد (أراده الكاتب) لفهم كامل لما سيقوله اسطفانس، وللسبب الذي سيدفعه إلى قول مثل هذا الكلام. وفوق هذا كله، هناك موضوع المسيح والهيكل الذي سيجعله اليهود بمثابة الاتهام الحاسم ضد اسطفانس (وضد المسيحية) والذي سيلعب دوراً هاماً في الخطبة التي سنقرأها (7: 2 ي).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM