طوبيّا وساره عيلة مباركة.

طوبيّا وساره عيلة مباركة

سفر طوبيّا هو قصَّة تقويَّة كُتبت حوالي الجيل الثاني ق.م. تصوِّر العيلة التي ربَّت طوبيّا والعيلة التي ربَّت ساره. ثمَّ تروي كيف تزوَّج طوبيّا بساره فكان زواجهما علامة للعهد الأوَّل الذي قطعه الله مع آدم "انموا واكثروا واملأوا الأرض" وعلامة للعهد الثاني مع إبراهيم "بك تتبارك جميع أمم الأرض".

أ‌-     عيلتان في الضيق

1- تتألَّف عيلة طوبيّا من الأب "طوبيت" والد طوبيّا وحنّه أمِّه.

عاش الأب في مملكة السامرة ولكنَّه لم يعبد يومًا العجل الذي صنعه ياربعام الملك، بل كان ينطلق إلى هيكل الربّ في أورشليم ويقدِّم هناك للربّ جميع بواكيره وعشوره (1: 5-6). هذه كانت العلامة التي بها يعرف من يتَّقي الربّ ويثابر منذ صبائه على المحافظة على شريعة الله (1: 8) ولكن عندما يذهب إلى الجلاء ستكون علامة متَّقي الربّ في أعمال الرحمة التي هي إطعام الجياع وزيارة المرضى ودفن الموتى وممارسة الصدقة والإحسان.

كان طوبيت يتحلّى بالحكمة رغم صغر سنِّه، فلم يتصرَّف على شاكلة الجهّال الذين يكرهون العلم ويرفضون التأديب والتوبيخ (أم 1: 22-23)، بل على شاكلة الحكماء الذين يلتمسون الفطنة كالفضَّة ويبحثون عنها كالكنز الثمين (أم 2-4). وعندما صار رجلاً، اتَّخذ له امرأة من سبطه فولد له منها ولد أدبه منذ صغره على تقوى الله واجتناب كلِّ خطيئة (1" 9-10).

ولقد مارس طوبيت في حياته الوصايا المتعلِّقة بالعدالة والمحبَّة. رغم تهجيره وفقره وشقائه لم يشأ يومًا أن يأكل مالاً مسروقًا. هذا ما قاله لامرأته يوم جاءت إلى البيت بجدي قدَّمه لها من اشتغلت عندهم بالحياكة: لا يحلُّ لنا أن نأكل ولا نلمس شيئًا مسروقًا (2: 21). ولقد علَّم ابنه أن يوفي من خدمه بشيء أجرته لساعته، وأن لا يبقي عنده أجرة أجير (4: 15) بحسب ما يأمر الربّ في كتابه (أح 19: 13 + تث 24: 15).

2- تربية طوبيت لابنه طوبيّا

أدَّب طوبيت ابنه كما قلنا على تقوى الله فأعطاه سبع نصائح. النصيحة الأولى إكرام الوالدين كما تقول الوصيَّة الرابعة من وصايا الله: أكرم أباك وأمّك فيطول عمرك على الأرض (خر 20: 12 + أف 6: 1-3). قال طوبيت: عندما أموت ادفنّي دفنة لائقة، وأكرم والدتك جميع أيّام حياتها واذكر ما المشقّات التي عانتها لأجلك (4: 3). مثل هذا القول نقرأه في يشوع بن سيراخ (7: 29-30): أكرم أباك بكلِّ قلبك ولا تنسى من هي أمّك. اذكر أنَّك بهما كوِّنت، فماذا تجزيهما مكافأة عمّا فعلا بك؟

النصيحة الثانية: الأمانة للربّ. كن أمينًا لله جميع أيّام حياتك واحذر أن ترضى بخطيئة وتتعدَّى وصايا الربّ إلهنا (4: 6). كلّ إنسان يخطأ. والبارّ يسقط سبع مرّات في النهار (أم 24: 16)، ولكنَّه ينهض فلا يبقى تحت الخطيئة. ولكن على المؤمن أن لا يقبل بدخول الخطيئة في حياته بإرادته بل يتعلَّق بوصايا الربّ وأحكامه. يقول المزمور (18: 8-9): شريعة الربِّ كاملة تنعش النفس، وإرشاداته مأمونة تجعل الغبيّ حكيمًا. أمر الربِّ مستقيم يُفرح القلب، ووصيَّته بريئة تُنير العيون.

النصيحة الثالثة: التصدُّق على الفقير. قال طوبيت لابنه: تصدَّق من مالك، ولا تحوِّل وجهك عن فقير، وحينئذٍ فوجه الربِّ لا يتحوَّل عنك. كن رحيمًا على قدر طاقتك: إن كان لك كثير فابذل كثيرًا. وإن كان لك قليل، فاجتهد أن تبذل القليل عن نفس طيِّبة فإنَّك تدَّخر لك ثوابًا جميلاً في يوم الضيق، لأنَّ الصدقة تنجّي من كلِّ خطيئة ومن الموت، ولا تدع النفس تسير إلى الظلمة. إنَّ الصدقة هي رجاء عظيم عند الله العليّ لجميع صانعيها (4: 7-12). بمثل هذا الكلام حدَّث ابن سيراخ (4: 1-11) ابنه وتلميذه: لا تأبَ إعطاء البائس سؤاله ولا تحوِّك وجهك عن المسكين.

النصيحة الرابعة: الزواج. أوَّلاً: الحذر من الزنى والابتعاد عن كلِّ إثم في هذا السبيل، ثمَّ الزواج من امرأة تعرفها وتعرفك. لا تتكبَّر على أبناء وبنات شعبك، لأنَّ الكبر مبدأ كلِّ هلاك وانقسام (4: 13-14). وليكن زواجك مثل زواج نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب، لأنَّنا نحن أبناء الأنبياء وعلينا أن نشهد لله بحياتنا في عالم شرّير وملتو.

النصيحة الخامسة: وصايا العدالة والمحبَّة. قال طوبيت: كلُّ من خدمك في شيء فأوفه أجرته لساعته، وأجرة أجير لا تبقِ عندك. كلُّ ما تكره أن يفعله غيرك بك، فإيّاك أن تفعله أنت بغيرك (4: 15-16). ويتابع كلامه بمشاركة الجائع المسكين خبزنا والعريان ثوبنا والميت دعاءنا (4: 17-18). من مارس هذه الوصايا باركه الله في كلِّ أعماله، لأنَّ الربَّ يحبُّ السخيَّ الكريم (أم 22: 8 بحسب الترجمة السبعينيَّة).

النصيحة السادسة: التماس مشورة الحكماء. والنصيحة السابعة: الصلاة إلى الله. اسأله أن يوجِّه طرقك ويرشدك في سبله (4: 19-20).

3- في ساعات الشدَّة والضيق

نصح طوبيت ابنه أن يعمل بوصايا الله، وكان قد سبقه إلى ذلك وزاد بممارسة أعمال الرحمة. فكان يطوف على إخوته المشرَّدين ويرشدهم بنصائح الخلاص، يزورهم فيعزِّيهم ويؤاسيهم في محنتهم (1: 15-19). وما كانت محبَّته بالكلام أو باللسان وحسب، بل بالعمل والحقّ (1يو 3: 18). فكان يترجم محبَّته لإخوته بمساعدة كلِّ واحد من أمواله قدر وسعه، فيطعم الجياع ويكسو العراة. ولقد كان يعرِّض حياته للخطر عندما يقوم بدفن الموتى (1: 19-21) فلا تبقى جثثهم ملقاة على الطرقات.

ولكنَّ طوبيت لم يمنِّن على الله يومًا بما صنع من الخير، لاسيَّما في ساعات الشدَّة والضيق. عاش في زمن الانقسام بين الشعب إلى مملكتين، مملكة الشمال ومملكة الجنوب، وعرف انحراف قسم من الشعب عن عبادة الإله الواحد في أورشليم (1: 5-6). وذاق ذلَّ التهجير يوم أجلى شلمنصَّر أبناء إسرائيل إلى نينوى في العراق. ثمَّ قاسى الاضطهاد مع أبناء شعبه حين تحوَّل قلب الملك وتبدَّل (1: 11-21). كلُّ هذه الحالة القاسية لم تمنع طوبيت من متابعة ممارسة أعمال الرحمة تجاه الأهل والأقارب. أما ترك يومًا مأدبة دعا إليها أصحابه، لأنَّه عرف هناك جثَّة ملقاة في السوق تحتاج إلى من يدفنها (2: 3-5)؟ لقد تقبَّل ما يحصل للشعب بروح الإيمان، وشارك أتقياء الله في ترداد كلام النبيّ عاموس (8: 10): "أعيادكم تتحوَّل إلى عويل وأناشيدكم إلى نحيب".

ولم تكفِ طوبيت المصائب التي حلَّت بشعبه فتأثَّر بها حتّى أعماق قلبه وعواطفه، بل جاءته المحنة في حياته الخاصَّة. ترك بيته وعاش بعيدًا عن دياره ككلِّ الذين سيقوا إلى المنفى. أصاب حظوة على أيّام الملك شلمنأسَّر فلم يترك الاهتمام ببني قومه، ولكنَّه اعتبر كموسى أنَّ كنوز الملوك لا تساوي ما يهيِّئه الله لأتقيائه من ثواب، ففضَّل أن يشارك شعب الله في الذلّ على التمتُّع الزائل بالخطيئة (عب 11: 25). فكانت النتيجة أنَّ الملك أمر بقتل طوبيت وضبط جميع ماله (1: 22). وازداد فقرًا لمّا فكَّ دَين أحد أقاربه (غابيلُّس) فدفع إليه كلَّ ما يملك، وحين أراد الاتِّصال به كان الملك سنحاريب قد قطع طرق الاتِّصال بالناس. فشكى طوبيت العوز وأجبرت امرأته على العمل في الحياكة (2: 19).

وزاد شقاؤه أن أصيب بالعمى بعد أن قام بعمل رحمة جديدة، ألا وهو دفن الموتى. يقول الكتاب إنَّه كان قد وافى بيته بعد أن تعب من دفن الموتى فرمى بنفسه إلى جانب الحائط فنام فوقع ذرق من عشِّ خطّاف فعمي (2: 10-11). أجل، هكذا أراد الربُّ أن يبتلي صبر طوبيت كما ابتلى صبر أيّوب. عيَّره أنسباؤه وقالوا له أين رجاؤك الذي لأجله كنت تبذل الصدقات وتدفن الموتى؟ فأجابهم: "نحن بنو القدّيسين، ننتظر تلك الحياة التي يهبها الله للذين لا يصرفون إيمانهم عنه أبدًا" (2: 12-16). غضبت عليه امرأته وقالت له: "قد وضح بطلان رجائك. أين صدقاتك وأعمالك الصالحة؟ الآن قد عرفت ماذا أغلَّت لك" (2: 22). أمَّا جوابه إليها فكان صلاة واتِّضاعًا أمام الله القدير واتِّكالاً على عدله ورحمته.

4- لا يتحدَّث الكتاب طويلاً عن عيلة سارة، ابنة رعوئيل، إلاَّ أنَّه يذكر عناء قلبها وقد خُطِّبت المرَّة بعد المرَّة فمات خُطّابها الواحد بعد الآخر. حتّى جاريتها أخذت تعيِّرها: "تريدين أن تقتليني كما قتلت الرجال الذين خطبوك" (3: 10)؟ وكما أنَّ طوبيت التجأ إلى الصلاة مسلِّمًا أمره إلى الربّ، هكذا فعلت سارة، فأفرغت ما في قلبها لتسأل الله...

يقول الكتاب عن سارة إنَّها صعدت إلى العلِّيَّة وصامت ثلاثة أيّام واستمرَّت تصلّي وتتضرَّع إلى الله بدموع. وقالت: تبارك إله الرحمة، وتبارك اسمه إلى الأبد ولتباركه أعماله إلى الأبد. بعد غضبه يصنع الرحمة، وفي زمان البؤس يغفر للذين يدعونه. إنَّك عالم يا ربّ أنّي صنت نفسي عن كلِّ شهوة، وأنّي إنَّما رضيت أن أتَّخذ زوجًا لخوفك لا لشهوتي. ولعلّي لم أكن مستأهلة لهم، أو لم يكونوا مستحقّين لي، فلعلَّك أبقيتني لبعل آخر، لأنَّ مشورتك لا يدركها إنسان. على أنَّ من يعبدك يؤمن أنَّ حياته، إن انقضت بالمحن، فستفوز بإكليلها، وإن حلَّت به شدَّة فسيُنقذ، وإن عرض على التأديب فله أن يرجع إلى رحمتك. فليكن اسمك مباركًا مدى الدهور (3: 1ي).

وكما صلَّت سارة، صلّى طوبيت وقال: عادل أنت أيُّها الربُّ، وجميع أحكامك مستقيمة، وطرقك كلُّها رحمة وحقّ. فالآن اذكرني يا ربّ، ولا تعاقبني بسبب ذنوب آبائي. نحن لم نعمل بحسب وصاياك، ولا سلكنا بإخلاص أمامك. والآن يا ربّ، اصنع بي بحسب مشيئتك، ومرْ أن تفيض روحي بسلام، لأنَّ الموت لي خير من الحياة (3: 1ي).

استجاب الله صلاة سارة وصلاة طوبيت وأرسل ملاكه رافائيل ليشفي طوبيت من عمى عينيه وينجّي ساره من حبائل الشيطان.

ب‌-زواج طوبيّا بساره

1- عرفت ساره في أعماق قلبها أنَّ الخطّاب الآتين إليها ليسوا لها. هي قريبة إلى طوبيّا، وهي وحيدة أبيها، فلا يجوز أن يذهب الميراث خارج القبيلة، بل تحافظ كلُّ قبيلة على ميراثها (عد 27: 6 + 36: 8). هي لم تفهم المحنة التي وقعت فيها، غير أنَّها سلَّمت أمرها إلى الربّ الذي يُعطي إكليل المجد بعد المحنة والخلاص بعد الشدَّة.

هيَّأ الملاك طوبيّا للزواج بساره يوم طلب إليه أن يحتفظ بكبد السمكة (6: 5) فيكون دواء "يطرد كلَّ جنس من الشياطين" (6: 8). ثمَّ أخبره في الطريق عن رعوئيل والد ساره وعلَّمه أن يخطبها إلى أبيها الذي لا يستطيع أن يرفض له مثل هذا الطلب وهو من ذوي قرابتها (6: 11-13) وهكذا ينتقل إرث رعوئيل إلى طوبيّا وساره.

خاف طوبيّا أن يكون مصيره كمصير الخطّاب السابقين وهو وحيد والديه. ولكن من يأخذ بنصائح والديه لا يمكنه أن يخزى. قال الوالد لابنه أن يأخذ امرأة من عشيرته كما فعل إسحق عندما تزوَّج رفقة (تك 24: 3-4) ويعقوب حين اقترن براحيل (تك 28: 1-2). وعلَّمه أهمِّيَّة الصلاة والصوم استعدادًا لحياة الزواج (6: 18)، وأفهمه أنَّ الشيطان يقوى على الذين يتزوَّجون فينفون الله من قلوبهم، ويتفرَّغون لشهواتهم كالفرس والبغل (6: 17). أمّا المؤمنون فهم بنو القدّيسين، فإذا أرادوا نوال بركة إبراهيم يتزوَّجون بخوف الربِّ، وهم راغبون في البنين أكثر من الشهوة (6: 22).

بعد كلام الملاك عن ساره، تلك الفتاة الرصينة والقديرة والظريفة والمحبوبة، أحبّها طوبيّا وتعلَّق قلبه بها.

2- سيكون عون الربِّ حاضرًا عند اختيار طوبيّا لساره، كما كان عند اختيار إسحق لرفقة. فاسم الملاك "عزريّا" يعني الربُّ يعين، واسم خادم إبراهيم "إليعازر" يعني الله يعين، وفي كلتا الحالتين كان الربُّ حاضرًا في شخص من أرسله، والملاك أساسًا هو الرسول الآتي إلينا من عند الربّ. ولهذا سوف يتشجَّع طوبيّا، وهو من كان خائفًا فيما قبل، فيقول لرعوئيل الذي ذبح لضيفه كبشًا: إنّي لا آكل اليوم طعامًا ههنا ولا أشرب ما لم تجبني إلى طلبي وتعدني أن تعطيني ابنتك ساره زوجة لي (7: 10).

خاف رعوئيل، والد ساره، ولكنَّ الملاك شجَّعه: ينبغي أن تكون ابنتك زوجة له، لأنَّه يخاف الله (7: 12). حينئذٍ قال: "لا شكَّ أنَّ الله قد تقبَّل صلواتي ودموعي أمامه، ولعلَّه لأجل ذلك قادكما إليَّ حتّى تتزوَّج ابنتي بشابٍ من قرابتها على حسب شريعة موسى. ثمَّ أخذ بيمين ساره وسلَّمها إلى يمين طوبيّا قائلاً: إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب يكون معكما وهو يقرنكما ويتمُّ بركته عليكما. ولمّا خافت ساره شجَّعتها أمُّها فقالت لها: ربُّ السماء يؤتيك فرحًا بدل الغمِّ الذي قاسيته، فاتِّكلي عليه.

3- جاءت ليلة الزواج. الوالدة تخاف على ابنتها وخطِّيبها، والوالد يهيِّئ مع خدمه القبر لأنَّه يخشى أن يصيب طوبيّا ما أصاب غيره من الرجال الذين سبقوه. وصعدت الخادمة إلى مخدع العروسين فوجدتهما نائمين نومًا عميقًا. أمر الوالد بردم القبر وبدأ الجميع يستعدُّون لأفراح عرس تدوم أسبوعين: ذبح بقرتين سمينتين وأربعة أكباش (8: 22). في ذلك الوقت كان الملاك رفائيل يقيِّد الشيطان فلا يضرّ العروسين. هذا ما سيفعله يسوع خلال حياته التبشيريَّة. يقول: إذا كنت بروح الله أطرد الشياطين، فملكوت الله حلَّ بينكم. كيف يقدر أحد أن يدخل بيت رجل قويّ ويسرق أمتعته إلاَّ إذا قيَّد هذا الرجل القويّ أوَّلاً، ثمَّ أخذ ينهب بيته (مت 12: 28-29)؟

تلك الليلة كانت ليلة صلاة. قال طوبيّا لساره: قومي نصلّي إلى الله، لأنّنا بنو القدّيسين (بنو الإيمان)، فلا ينبغي لنا أن نقترن اقتران الأمم الذين لا يعرفون الله. قال طوبيّا: أيُّها الربُّ إله آبائنا، لتباركك السماوات والأرض وكلُّ ما فيها. أنت جبلت آدم من تراب الأرض وأعطيته حوّاء عونًا له. والآن يا ربّ أنت تعلم أنّي لا لسبب الشهوة اتَّخذت قريبتي زوجة، وإنَّما رغبة في النسل الذي يبارك اسمك إلى دهر الدهور. وقالت ساره: ارحمنا يا ربّ ارحمنا، حتّى نشيخ كلانا معًا في عافية. وصلّى رعوئيل حين عرف أنَّ العروسين سالمان معافيان قال: نباركك أيُّها الربّ، فإنَّك قد آتيتنا رحمة ورحمت الوحيدين، فاجعلهما يا ربّ يباركانك أتمَّ بركة، حتّى تعلم الأمم كافَّة أنَّك أنت الإله الواحد في الأرض كلِّها (8: 8-19).

ج- هذا السرُّ عظيم

1- يقول القدّيس بولس في رسالته إلى أهل أفسس (5: 25-32) في معرض حديثه عن الزواج: هذا السرُّ عظيم، وأعني به سرُّ المسيح والكنيسة. فالزواج بين الرجل وامرأته يرمز إلى الاتِّحاد بين المسيح وكنيسته، وحبُّ الرجل لامرأته سيكون على مثال حبِّ المسيح الذي أحبَّ كنيسته، وضحّى بنفسه من أجلها، حتّى يزفَّها إلى نفسه كنيسة مجيدة لا عيب فيها. لقد روى الكتاب أعمال الله وهو يدعونا إلى مشاركة طوبيّا نشيده. وكما أنَّ طوبيّا انفتحت عيناه فتعرَّف إلى رسول الله (12: 15-16) وترجَّى الخلاص له ولشعبه، كذلك يطلب إلينا يسوع أن نشتري "كحلاً نكحل به عينينا فتبصر" (رؤ 3: 18) وهو نير بصائرنا وقلوبنا فندرك إلى أيِّ رجاء دعانا وأيّ كنوز مجد جعلها لنا ميراثًا (أف 1: 18).

2- هذه القصَّة تجعلنا بين العهد القديم والعهد الجديد. فنذكر خلاص الشعب من مصر مرَّة أولى ومن بابل مرَّة ثانية، ونتعرَّف إلى خلاص الإنسان الذي يقيِّده الشيطان، وإلى الرجاء الذي ينتظر إسرائيل. ولكنَّنا ننتظر أيضًا خلاص البشر كلِّهم بواسطة عبور جديد مع يسوع من الموت إلى القيامة، وفصح جديد مع يسوع يتمُّ على الصليب. وننتظر أيضًا ولادة شعب مؤمن يجتمع في كنيسة ستتمُّ فرحتها مع عروسها في أورشليم السماويَّة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM