الفصل التاسع والثلاثون: الوفد البابليّ إلى أورشليم

الفصل التاسع والثلاثون

الوفد البابليّ إلى أورشليم

هذا الحدث التاريخيّ الأخير في ف 39، يقدِّم لنا صورة عن سياسة حزقيّا الخارجيَّة. استقبل وفدًا أرسله مردوخ بلادان، ملك بابل، فدان إشعيا بقساوة هذه السياسة. فالملك ما زال يطلب الدخول في لعبة القوى المتصارعة: يتحالف مع بابل ليُبعد الشرَّ الأشوريّ. هنا نتذكَّر ما فعله يوشيّا حين أراد أن يصدَّ الزحف المصريّ. فمات في التاسعة والثلاثين من عمره، وتواصلت سياسة الكبار دون أن تعبأ به. نشير إلى أنَّنا نجد نصًّا موازيًا في 2 مل 20: 12-19. أمّا سفر الأخبار الثاني فاكتفى بتلميحين (32: 26، 31) ذات بعد لاهوتيّ. في الأوَّل، إشارة إلى كبرياء حزقيّا ممّا جعل الله يغضب عليه. عندئذٍ "رجع عن كبريائه هو وسكّان أورشليم" (آ26). في الثاني (آ31)، جاء إليه الأعيان يسألونه عن الأعجوبة: "تخلّى عنه الربُّ فقط ليجرِّبه ويعرف ما في قلبه".

"في ذلك الزمان" (آ1). ربَّما بعد شفاء أحزيّا. مردوخ بلادان[RK1] . هو أحد وجهاء بابل. حاول مرَّتين أن يزيل نير أشورية ويستقلّ في بابل ويعلن نفسه ملكًا. نجح مرَّة أولى ولبث في الملك عشر سنوات (721-711). في المرَّة الثانية (سنة 703) فشل وأجبر على الهرب إلى الخارج. إذًا، جاء إلى مختلف البلدان الخاضعة للأشوريّين. وجاء أيضًا إلى حزقيّا. فدلَّ ملك أورشليم على بساطة قلبه وعدم فطنته: استقبل الموفدين وأراهم كنوزه، ولم ينتبه إلى عاقبة عمله، ولاسيَّما بالنسبة إلى الأشوريّين. ولكنَّه سوف يدلُّ على أنانيَّته: "يكون سلام وأمان في أيّامي" (آ8). وبعد أيّامك، ماذا سيكون؟ ما تطلَّع إلى مستقبل أورشليم، بل إلى راحته في أيّام ملكه.

"فجاء إشعيا". تدخَّل في أمور المملكة. سأل فأجابه حزقيّا مفتخرًا بما عنده من غنى ومن سلاح. ودلَّ على عدم خوفه: "جاؤوا من أرض بعيدة" (آ3). إذًا، لا خطر. ويُطرَح السؤال: هل أشورية تأتي من مكان قريب.

فجاء كلام النبيّ القاسي: الأوجاع الآتية، الكنوز الذاهبة إلى بابل، المنفى للشعب، وسقوط نسل حزقيّا في العبوديَّة.

لماذا ندَّد النبيّ بما فعله الملك؟ أوَّلاً، عرض كلَّ الغنى في قصره، وهذا ما لا يرضى به إشعيا (2: 7) وهو الذي كان قاسيًا على النساء المترفات (3: 16-26). ثانيًا، دلَّ الملك على السلاح الذي عنده من أجل معاهدة جديدة مع ملك بابل (10: 20؛ 30: 1-7). أما فهمَ الملكُ بعد خطر الدخول في تزاحم القوى.

نشير أوَّلاً إلى أنَّ حزقيّا عرض كنوزه قبل أن يأخذها الأشوريّ (2 مل 18: 15-16). ثانيًا، الإشارة إلى المنفى تجعل النصَّ مرتبطًا بالسبي الذي حصل بعد قرن من الزمن، سنة 597 أو سنة 587 ق.م.

بهذا الفصل (ف 39) ننتقل إلى القسم الثاني من إشعيا الذي ارتبط بالمنفى البابليّ ، وحمل "العزاء" إلى الشعب بانتظار الخلاص القريب.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM