الفصل السادس والثلاثون: سنحاريب يهدِّد أورشليم

الفصل السادس والثلاثون

سنحاريب يهدِّد أورشليم

يستعيد ف 36-39 ما نقرأ تقريبًا في 2 مل 18: 13-20: 9. وهي تروي بشكل مؤثِّر هجوم الملك سنحاريب على أورشليم. من سوف ينتصر؟ الربُّ الذي يقيم في أورشليم وعلى الجبل المقدَّس، أم الملك الأشوريّ بجيوشه الجرّارة؟ بشريًّا، سنحاريب. ولكن إن وضع الملك ثقته بالربّ، تنجو أورشليم مهما كان التهديد قويًّا. وهذا ما حصل في الحقيقة. نكتشف مع إشعيا أنَّ الموقف السياسيّ الواجب اتِّخاذه هو الإيمان بالربّ والارتكاز عليه، لا التسكُّع عند ملك أشور أو ملك مصر. ولكنَّ إيمان الملك حزقيّا يبقى متردِّدًا، وهو يحتاج إلى مساندة إشعيا.

36: 1-10 قولوا لحزقيّا

"السنة الرابعة عشرة" (آ1). نتذكَّر أنَّ حزقيّا بدأ حكمه في يهوذا سنة 715 ق.م. وامتدَّ هذا الحكم إلى سنة 687. أمّا سنحاريب فملك سنة 704-681. إذا كانت السنة الرابعة عشرة لحكم حزقيّا، فهذا يعني أنَّنا سنة 701ق.م. وهذا ما تؤكِّده الحوليّات الأشوريَّة حيث يعلن سنحاريب أنَّه استولى على 46 مدينة محصَّنة من مدن حزقيّا.

"ربشاقى". اعتبر اسم علم. في اللغة الأراميَّة: ربّ (سيِّد) ش ق ه (السقاة). هو مساعد الملك والمتكلِّم باسمه. لخيش (أو: تلّ الدوير). تقع على الطريق بين غزَّة وأورشليم. هناك كان مركز قيادة الجيش الأشوريّ. هذا "المساعد" أتى قرب الموضع الذي وقف فيه إشعيا حين كلَّم آحاز في إطار الحرب الأراميَّة الأفرايميَّة (7: 3). هنا دعا إشعيا الملك ألاَّ يخاف بل يجعل ثقته في الربّ. أمّا "ربُّ السقاة" فأتى باسم سيِّده. وهمُّه أن يزرع الخوف في قلب أورشليم وسكّانها. لم يأتِ الملك للقاء موفَد ملك أشور، بل ثلاثة موظَّفين كبار.

"الملك العظيم" (آ4). هل حسب ملك أشور أنَّه يقف مقابل الله الذي أنشده المؤمنون: "الربّ عظيم" (مز 40: 17)؟ أو: هو "ملك عظيم على كلِّ الأرض" (مز 47: 3). اتَّكل الملك حزقيّا على الربّ، فلا بدَّ من نزع هذا الاتِّكال، على مثال ما فعلت الحيَّة مع آدم. "ب ط ح و ن. ب ط ح ت": ثقةً وثقت. هو المفعول المطلق الذي يدلُّ على ما تتمتَّع به هذه الثقة من قوَّة، ظنَّ الأشوريّ أنَّ حزقيّا متَّكل على مصر. وما هي مصر؟ قصبة مرضوضة. تثقب الكفّ. وفي أيِّ حال، لا يمكن الاتِّكال عليها، لأنَّها خادعة.

ولكنَّ حزقيّا اتَّكل على الربّ، ودلَّ على إيمانه حين أزال المرتفعات والمذابح (آ7) المكرَّسة للآلهة الوثنيَّة. هل يكفي هذا لملك صغير لا يستطيع أن يجد في بلاده ألفَيْ فارس إذا أرسلت إليهم الأفراس! والكذبة الأخيرة: الربُّ أرسل سنحاريب (آ10). ومتى تكلَّم الله بفم شخص يترفَّع عليه ويحسب أنَّه سيِّد الأرض كلِّها؟

36: 11-22 لا يخدعكم حزقيّا

بعد كلام إلى الملك ليزعزع له ثقته بالربّ، ها هو كلام إلى الشعب ليزعزع لهم ثقته بالملك، وفي النهاية، هي زعزعة الثقة بالله، لأنَّ حزقيّا يدعو الناس لكي يتَّكلوا على الربّ. فإن ملك أشور اعتبر أنَّه ينفِّذ مآرب الربِّ على يهوذا الخاطئ. طلب الرؤساء من الأشوريّ أن يكلِّمهم باللغة الأراميَّة، لأنَّهم وحدهم يفهمونها، لا الشعب الذي يعرف فقط اللسان "اليهوديّ" أو "العبريّ". ولكنَّ مساعد الملك يُسمِع الشعبَ كلام التهديد: فهو يحاصر المدينة فيحلُّ الجوع فيها.

وما الذي يطلب سنحاريب من يهوذا؟ أن يتركوا صداقتهم مع الربِّ ويتعاهدوا معه. فهو الحرز الأمين، ومعه يكون السلام الحقيقيّ في البلاد (الجفنة والتينة هما رمز الحياة الهادئة). قال: "اصنعوا معي بركة" (آ16). نتَّفق فتكون البركة لي ولكم. وأيَّة بركة! هو يستعدُّ أن يأخذهم في السبي "إلى أرض مثل أرضهم" (آ17). كأنَّه يقول لهم: استسلموا فتنجوا بحياتكم، ولكنّي أبعدكم عن أرضكم! يا للخديعة! أتُرى سوف يسمعون؟ بل يفضِّلون الموت على مثل هذه الحياة التي يعرضها عليهم.

والنداء الأشوريّ الأخير: بماذا يفترق إلهكم عن آلهة الأمم الأخرى؟ هم ما استطاعوا أن يخلِّصوا شعوبهم، فهل يختلف الربُّ عنهم؟ ذكر حماة على العاصي، وأرفاد، شمالي حلب... أجل، يد ملك أشور أقوى من يد الربّ؟! ما هذا التجديف! انتظر الأشوريّ جوابًا، فما ردَّ عليه أحد، كما أمر الملك (آ21). أمّا الموظَّفون الكبار فدلُّوا على حزنهم العميق وحملوا إلى الملك  كلام "ربِّ السقاة"، وكأنّي بهم يريدون أن يؤثِّروا على القرار الذي يمكن أن يُتَّخذ.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM