الفصل الثالث والثلاثون: الوعد بالخلاص من أجل أورشليم

الفصل الثالث والثلاثون

الوعد بالخلاص من أجل أورشليم

السعادة لأورشليم والطوبى. كانت برِّيَّة وصحراء، فصارت جنَّة غنّاء. أمّا ما حُسب جنَّة وكرملاً، فصار غابة تقيم فيها الوحوش. وها هو ف 33 يواصل المقابلة: ويل لأشور التي ينتظرها الخراب والنهب. أمّا أورشليم فتطلب الرحمة والحنان. فيدعوها الربُّ إلى التوبة. عندئذٍ يستطيع المؤمنون أن يروا خلاص مدينتهم.

يبدو ف33 بشكل ليتورجيا وصلاة جماعيَّة: مزمور في البداية (آ3-6)، ثمَّ عرض لحالة الشقاء في البلاد (آ7-9) وجواب الله في قول نبويّ (آ10-16). وفي آ17-24، يعلن المؤمن ثقته بالله الذي خلَّص أورشليم "مدينة أعيادنا".

33: 1-6 ويل للمخرِّب

"هـ و ي"، ويل. عبارة تبدأ عددًا من الفصول (28: 1؛ 29: 1، 15؛ 30: 1؛ 31: 1). هناك لعنة وتهديد لمثل هذا التعيس: عدوّ يخرِّب الأرض ولا من يوقفه. أربع مرَّات يرد فعل "ش د د"، خرَّب. وكذلك فعل "ب ج د"، غدر. سيأتي يوم ينالك فيه الخراب. الكلام على أشور (10: 5) التي ينالها الضيق فينقلب وضعها.

في آ2-6 نحن أمام مزمور يبدأ بنداء إلى حنان الله، يتأسَّس على الرجاء (مز 4: 2: "عند دعائي، تحنَّن عليَّ"؛ مز 6: 3: "ارحمني يا ربّ لأنّي ضعيف"). "الصباحات" أي كلّ صباح. ممّا يعني أنَّها صلاة تتكرَّر كلَّ صباح (ب ق ر، الباكر). ينشد المؤمنون هنا تجلّي الله في صهيون قبل تدخُّله: يهرب العدوّ حين يعجّ صراخ الحرب. والسلب هو الذي يتركه العدوّ في تراجعه. الضجّة التي تخيف العدوّ وهي الرعد أي صوت الله. ذاك ما حصل بعد تراجع الجيش الأشوريّ عن محاصرة أورشليم. تكدَّست، تجمَّعت الغنائم تلالاً مثل الجراد. نتخيَّل عدد العسكر الأشوريّ فنعرف ما ترك وراءه.

الله هو في العلاء وهو في صهيون. في العلاء يمجِّده السرافيم، وفي صهيون يقيم الحقَّ والعدل. حينئذٍ يحلُّ الأمان في المدينة. نستطيع أن نقرأ: "يكون الربُّ أمان أوقاتك (أيّامك) وغنى الخلاص يكون الحكمة ومخافة الربّ. مخافة الربّ تكون كنزك".

33: 7-9 البكاء على ما يحصل من خراب وحريق

هنا تُصوَّر الأرض قبل تدخُّل الله. الأبطال هم هنا ورسل السلام يبكون لأنَّ مهمّتهم فشلت. الحرب آتية لا محالة فلا تبقي ولا تذر. وتُصوَّر الأرض مثل صحراء، والطرقات مقفرة. لبنان، الشارون، باشان، الكرمل، كلُّ هذه شاركت في الحداد. في كلِّ هذه المناطق مرَّ الجيش الأشوريّ مع أفعال تدلُّ على ما صار وراءه: ناح، ذبل، خجل، تلف...

33: 10-16 الآن أقوم، يقول الربّ

يصوِّر النبيّ تدخَّل الربُّ مع صورة النار (آ10-13) فيطهِّر أورشليم من أدرانها (آ14-16). ثلاثة أفعال: أقوم، أصعدُ، أرتفع. الله حاضر في التاريخ وهو يعمل، وعلى البشر أن ينظروا عمله ويرتعدوا. ويعلن أنَّ أعمال الأعداء تسقط عليهم: الحشيش، القشّ (ق ش). طعم سريع للنار التي يخرج من أفواههم. "روحكم" هو النفس الذي يخرج من أفواه المقاتلين. ويتواصل التشبيه: الشعوب وقود كلس، أشواك تحرقها النار.

الجميع يسمعون: القريبون (العائشون في أورشليم)، البعيدون (خارج يهوذا). ويعرفون العمل العجيب الذي قام به الربّ (آ13) وتأتي المقابلة: ما صنعت. ثمَّ "جبروتي". أعمال الله أعمال جبّار. الربُّ يأتي ليدين، لهذا يرتعب الخطأة والأشرار ويقولون: من يستطيع أن يجاور (ي ج و ر) النار الآكلة؟ وتتكرَّر العبارة مع "المواقد" التي تدوم وتدوم.

مع آ15 نحسّ وكأننّا نقرأ مز 15: 24 والكلام عن الشروط للدخول إلى الهيكل والاقتراب من جبل الربّ. بما أنَّ الله حاضر وهو نار موقدة على الأشرار، فلا يقترب منه إلاَّ العاملون مرضاته: ستَّة أسماء فاعل: سالك، متكلَّم، راذل، نافض، سارّ، مغمض. بعد اجتناب عدد من الرذائل (رفض الرشوة، كلام بلا تلفيق، عيش بحسب الاستقامة) تُذكَر اليدان (لا رشوة) والأذنان (لا تسمعان من يدعوهما لكي تمارسا القتل) والعينان (لا تنظران إلى الشرّ).

مثل هذا الإنسان يكون في الأمان: هو في الحصون العالية، وملجأه الصخور (س ل ع ي م). وإذ هو هناك يؤمَّن له الخبز والماء فلا ينقصه شيء إن حاصره الأعداء.

33: 17-24 الخلاص لأورشليم

وينتهي هذا الفصل بنشيد تطلقه المدينة التي تثبَّتت وسادَها الأمانُ. وهكذا حقَّق الله ما وعد به في آ10-14. عيناك تنظران، يا شعب يهوذا. ماذا؟ الملك في جماله. انتصر واستعاد الأرض بعد أن قُهر العدوّ، ومضى ذاك الذي زرع الرعب في البلاد. وطرح النبيّ ثلاثة أسئلة فيها الكثير من التهكُّم: أين، أين، أين؟ الأشوريّ يحصي السكّان ليأخذ ضريبة الرأس. ويزن (ش ق ل، الثقل في العربيَّة) الفضَّة التي تُدفع. ويعدّ الأبراج ويراقبها. تبدَّل الوضع (آ19) وغاب شعب الاحتلال: هو شرس، لغته غامضة، يلعج بلسانه (يتلعثم) فلا تفهم كلامه.

انتهت الصورة البشعة وأطلَّت الصورة الحلوة. "أنظر" (آ20). ثلاثة أمور. أوَّلاً، صهيون، المدينة المصونة حيث يقوم الهيكل مع الاحتفالات البهيجة. ثانيًا، أورشليم التي عرفت البلبلة والاضطراب فعادت إليها الطمأنينة. ثالثًا، الخيمة تلك التي أقام فيها الربّ وسط خيام العبرانيّين في مسيرة البرِّيَّة مع موسى. هي ثابتة. ثلاثة أفعال: لا تُنقَل من هنا إلى هناك بحيث لا يستقرّ المقيم فيها. لا تُقلَع الأوتاد مهما كانت الريح قويَّة، عاتية. لا تُقطَع الحبال (ح ب ل ي م) التي تمسك الخيمة بالأوتاد.

راح وجه الأشوريّ، وابن أورشليم يرى وجه الربّ البهيّ في جلاله (ا د ي ر)، مع البركة الكبيرة التي تتمثَّل في مياه الأنهار والترع الواسعة. ولكن لا تمرُّ السفن والقوارب كما في أنهار الفرات ودجلة والنيل مع القوى العظمى، وكما في البحر مع الفينيقيّين.

في آ22-26 هي الخاتمة. لا حاجة بعد لرؤساء من البشر. كان صموئيل "القاضيَ" الذي يقضي في الشعب ويهتمُّ بأموره. راح صموئيل وها هو الربّ يحلُّ محلَّه، وأيُّ قضاء مثل قضائه. كان موسى "المشترع". غاب موسى وما دخل إلى أرض الموعد. الآن الربّ هو الذي يقدِّم لنا الشريعة ويقول لنا ماذا يجب أن نفعل. هكذا نصل إلى "شريعة المسيح" (غل 6: 2) التي جاءت تكمِّل شريعة موسى ولا تنقضها (مت 5: 17). "قيل لكم وأنا أقول لكم" (آ21-22). وأخيرًا، كان داود الملك، وبعده نسله. غابت سلالة داود في سقوط أورشليم سنة 587-586. ولكنَّ الربَّ هو الملك كما قالت المزامير (مز 93: "الربُّ ملك ولبس الجلال"). وفي العهد الجديد حلَّ "ابن داود" محلّ "داود" الذي دعاه ربّي (مت 22: 41-45). فيسوع هو الملك الحقيقيّ الذي ليست مملكته من هذا العالم (يو 18: 36)، الذي يضع جميع أعدائه تحت قدميه، وآخر عدوّ يبيده هو الموت (1 كو 15: 25-26).

الربُّ يخلِّصنا: لا حاجة إلى آخر، لاسيَّما وأنَّ العدوّ مضى. حبال خيامه ارتخت ولا تشكِّل خطرًا لخيمة أورشليم الوحيدة، خيمة الربّ. أين هي الراية؟ لن تنشر بعد. ولا مكان للسفن مع سواريها. زالت الحرب وزال معها المرض بعد أن غُفرت خطايا أورشليم. المستقبل هو أمام شعب الله فلا عليه أن يخاف. ويستطيع أن يقول مع بولس الرسول: "إن كان الله معنا، فمن علينا ؟"


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM