الفصل الحادي والثلاثون مصر الضعيفة تجاه قدرة الله

الفصل الحادي والثلاثون

مصر الضعيفة تجاه قدرة الله

أراد الشعب أن يرتكز على مصر، ولكن ما تكون مصر تجاه الله المقيم في صهيون، في المدينة المصونة؟ ولكن هذا يعني اللجوء إلى الله والتعلُّق بعهده. فهو وحده يحمي أورشليم. في 31: 1-3، يعارض إشعيا الاستعانة بمصر. وفي آ4-9، يعلن قدرة الله على مصر كما على أشور.

31: 1-3 ويل للذين ينزلون إلى مصر

يتأسَّف النبيّ على الذين يبحثون عن مساعدة في مصر (رج 30: 2). وماذا يطلبون؟ الخيل، المركبات، الفرسان. كلُّ هذا يبهر عيون مملكة يهوذا الصغيرة حين تنظر إلى مصر. ولكن هل "نظروا" إلى الربّ، هل سألوه ماذا يجب أن يفعلوا؟ الله لا يُرى، لا يُلمَس. أمّا الخيل والمركبات فهي فاعلة. الله "البعيد" في سماء السماوات ومرَّات يبدو وكأنَّه ينسى شعبه. أمّا مصر فهي قريبة. على الحدود نصل إلى صوعن.

في آ2، يُقابَل الله مع "مصر" وأيَّة مقابلة! مستشارو الفرعون حكماء (19: 11-12) ومثلهم مستشارو يهوذا الذين اختاروا التعاهد مع مصر (29: 14-15). هكذا يقولون. ويردُّ إشعيا: أما يكون الله حكيمًا؟ مصر حملت الشرّ أكثر من مرَّة ليهوذا؟ والربُّ ألا يعرف أن يأتي بالشرّ؟ بلى، ولكنَّه لا يريد. اعتادت مصر أن تتراجع حين ترى الخطر عليها، فتعِد ولا تفي؟ أمّا الله "فلا يرجع بكلامه". هو الإله الأمين. ثمَّ هو الإله القدير الذي يكفي أن يقول لكي يتنفَّذ ما يقول. أمّا مصر، أما اختبرت يهوذا عجز مصر أكثر من مرَّة أمام المدِّ الأشوريّ؟ وبما أنَّ الربَّ لا يتراجع، فهو يقوم على مصر وعلى المتعاملين معها والطالبين مساعدتها.

وتتواصل المقابلة في آ3: المصريّ إنسان. والله هو الإله القدير. الخيل لحم (ب ش ر) ودم، ممّا يدلُّ على ضعفها. أمّا الله فروح. فماذا يستطيع الإنسان أن يقول تجاه الله؟ ويكفي أن يمدَّ الربُّ يده. سنة 701 هُزمت مصر في إلتقة التي تبعد 40 كلم إلى الغرب من أورشليم. جاءت تساعد يهوذا، فعثرت وسقطت وفنيت أرض  يهوذا، ولولا يدُ الربِّ لراحت أورشليم إلى الفناء.

31: 4-9 هكذا قال الربّ

أنشد المزمور: "أنت تخلِّص البشر والبهائم. ما أكرم رحمتك يا الله! في ظلِّ جناحيك يحتمي البشر" (مز 36: 7-8). وأنشد أيضًا: "على الله أتوكَّل ولا أخاف، فالبشر ماذا يفعلون لي"؟ (مز 56: 5). وتعلّم المؤمن من اختباره السابق: "باطل بنو آدم، كذب بنو البشر" (مز 62: 10). وفي ترجمة أخرى: "كالذباب" (ك ز ب). وتجاه الضعف يقول المزمور: "تكلَّم الله مرَّة ومرَّتين، فسمعتُ أنَّ العزَّة لله" (آ12).

هذا ما نكتشفه هنا. "قال الربّ" (آ4). صوته يكفي. يشبِّه نفسه بالأسد. فماذا يستطيع الرعاة، أي الأشوريّون وحلفاؤهم؟ أتراه يخاف من صوتهم وضجيجهم؟ لهذا ينزل ويحارب ويحامي هو عن مدينته، لا مصر.

شبَّه الربُّ نفسه بالأسد. وها هو يشبِّه نفسه بالطير (ع ف و ف)، بالعصفور (ص ف و ر ي م) الذي يرفُّ على صغاره ليحميها. صورة تعود إلى مسيرة الخروج. قال الربّ: "أنا حمتلكم على أجنحة النسور وجئتُ بكم إليَّ" (خر 19: 4). ونقرأ في تث 32: 11: "كما يشجِّع النسر عشَّه، وعلى فراحه يرفّ، ويبسط جناحيه، ويأخذها، ويحملها على مناكبه، هكذا الربّ...".

نقرأ هنا أربعة أفعال: حامى (ي ج ن)، أنقذ (هـ ص ي ل)، عفى (ف س ع) بمعنى راعى. وأخيرًا نجّى (هـ م ل ي ط، في ارتباط مع أفلت في العربيَّة).

إذا كان الله يفعل كلَّ هذا، فماذا ينتظر شعبه أن يفعل؟ لهذا فهو يناديهم: "ارجعوا". انحرفتم في العمق، تجذّرتم في الشرّ. هذا في الماضي. أمّا الآن فتركتم الأوثان (آ7).

بعد هذا الاهتداء إلى الربّ تنهزم أشور. من يهزمها؟ المصريّ؟ هو إنسان (إ ي ش)، هو "آدم" ابن الأديم والأرض. فالسيف الذي هزم أشور ليس بالسيف البشريّ. بل الربّ الإله. ذاك ما حصل سنة 701. حسبَ الملك الأشوريّ أنَّه "صخرة" لا يمكن أن تسقط، ونسي أنَّ الربَّ وحده هو الصخرة (مز 31: 4). صخرة أشور هرب لأنَّه خاف (و ج ر) ارتعب (ح ت د). ما الذي أخافه؟ الربُّ هو نار آكلة، هو تنّور، كذاك الذي احترقت فيه سدوم (الأتون).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM