الفصل السابع عشر: دمار دمشق وإسرائيل

الفصل السابع عشر

دمار دمشق وإسرائيل

دمشق هي عاصمة الأراميّين، وإسرائيل هي مملكة الشمال بعاصمتها السامرة. هاتان المملكتان حاولتا إخضاع أورشليم خلال الحرب الأراميَّة الأفرايميَّة. من يهدِّد شعب الله متكبِّرًا على الله، ينال العقاب المناسب. دمشق تكبَّرت والله يرذل المتكبِّرين، وإسرائيل نسيَتْ عهدها مع الله مخلِّصها واستندت إلى الرمل، لا إلى الصخرة الحصينة، فكانت نهايتها.

ثلاث آيات على دمشق (17: 1-3) وما تبقّى من ف 16 يتحدَّث عن إسرائيل: دمارها (آ4-6)، عودتها إلى الربّ (آ7-11). فماذا يكون موقفها فيما بعد؟ هل تستعدّ لاحتمال خراب بعد خراب؟ (آ12-13). ولكن كلُّ شيء يتوقَّف فجأة (آ14). فالإنسان لا يستطيع أن يتابع مشاريعه إلى النهاية، فهو محدود. ولا يوقفه إلاَّ الربُّ القدير.

17: 1-3 إعلان على دمشق

سقطت دمشق بيد الأشوريّين سنة 735 ق.م. وهذا الإعلان (م ش ا) جاء في قلب الحرب على أورشليم. هي صور تقليديَّة، معروفة: رجمة ردم. لم يبقَ شيءٌ قائمًا. والمدن التي تحيط بها، تصير مرعى للمواشي. في النصِّ الأصليّ نقرأ "عروعير" التي هي مدينة في شرقيّ الأردنّ، ذكرها سفر يشوع (13: 16-25) وكتاب صموئيل (2 صم 24: 5) ونصب ميشع. لهذا نترك هذه القراءة ونتبع النصَّ اليونانيّ (تُهجَر المدن) إلى الأبد. Eis ton aiôna (ع ر ي م. ع د ي. ع د). دمار نهائيّ. ولماذا؟ لأنَّها تحالفت مع مملكة إسرائيل التي حطَّمت وحدة القبائل حول المعبد الذي اختاره الله، وخلقت لها معبدين في شمال البلاد (دان) وجنوبها (بيت إيل). فحين تضعف دمشق تضعف إسرائيل. "بقيَّة أرام" و"مجد بني إسرائيل" يكونان معًا في المحنة القاسية.

17: 4-6 دمار السامرة

"في ذلك اليوم"، يوم يزور الربُّ السامرة، ويعاقب من يجب أن يعاقب. كانت المملكة مزدهرة (ش م ن، سمينة) فصارت "هزيلة" (ر ز ه). ماذا بقي منها؟ بعض السنابل التي "تُلقط" بعد الحصاد، بعض حبّات من الزيتون بعد القطاف. هي "البقيَّة"، هذا المفهوم الذي يملأ نبوءة إشعيا. ولكن لا شيء يبيِّن أنَّ هذه البقيَّة ستكون حاملة الخلاص، كما هو الأمر بالنسبة إلى يهوذا.

17: 7-11 عودة السامرة إلى الربّ

في آ7-9 يقرأ النبيّ في دمار السامرة نموذجًا ينبِّه كلَّ مدينة ويحذِّرها: يكون مصيرها الخراب إذا هي لا تتوب وترجع إلى الربّ. وأوَّل من يحذِّر، أورشليم. نتذكَّر هنا أنَّه في زمن حزقيّا، هرب قسم من السامرة ومملكة الشمال، فاستُقبلوا في أورشليم. كما أنَّ ملك يهوذا حاول أن يوصل الإصلاح الدينيّ إلى مملكة إسرائيل.

متى يكون ذلك؟ "في ذلك اليوم" الذي فيه يتدخَّل الربّ فيعيد القلوب إليه: موقف إيجابيّ أوَّلاً، يسعى (ي ش ع ه) الإنسان إلى صانعه، إلى الذي خلقه ويحفظه في الوجود فلا يعود يرى (ر أ ه) إلاَّ قدّوس إسرائيل، ولا يعود يتوجَّه إلى المرتفعات. ثمَّ الموقف السلبيّ مع النافية: لا (و ل ا): لا يسعى، ثمَّ لا ينظر أو يرى. فالله لا يُرى، وإذا بحث الإنسان عمّا يُرى، فهذا يعني أنَّه لا يبحث عن الربّ، بل عن الصنم لكي يعبده. والصنم الكبير في العهد الجديد هو "مامون" أي المال الذي "نؤمن" به، ونستند إليه (مت 6: 24). هناك المذابح "المصنوعة باليدين". أمّا مذبح الإله الواحد فلا تمسُّه يدٌ ولا يقترب منه إزميل (خر 20: 25). إلى "أشيرة" الذي هو معبد كنعانيّ بشكل "غابة مقدَّسة"، والذي ذُكر في نصوص أوغاريت. وكانت تلك "الغابات" كثيرة (أ ش ر ي م). وهناك أخيرًا "المسلاّت" (ح م ن ي م) التي ترمز إلى الشمس. أمّا أشيرة فهي "الوتد المكرَّس".

"في ذلك اليوم" (آ9). يعود النبيّ ويذكِّر إسرائيل بالدمار الذي حصل، والسبب: نسيتِ، ما تذكَّرت الله. وماذا فعلتْ؟ غرست "أغراس تنعُّمات" (نعمان هو إله فينيقيّ) إكرامًا لتمّوز أو أدونيس. استندَت السامرة إلى هذه العادات الكنعانيَّة التي لا تنفع أكثر من المعاهدات السياسيَّة. هذه النبتات تنمو بسرعة، ولكنَّها تبدو كالرماد في الأفواه. أيُنتظَر خلاص؟ بل هي خيبة أمل: أين الحصاد (آ11). والوجع لبث وجعًا.

17: 12-14

حالة الفوضى تسود السامرة، والمجهودات المبعثرة واللجوء إلى الحيل، لا تكفي إن لم يكن "من هجوم" على جذور الشرّ. تُزرَع نبتات صغيرة تعطي زهرًا ولا تعطي ثمرًا. عمل لا منفعة منه. فهذه الزهرات السريعة تزول بسرعة. وهكذا يكون كلام النبيّ تنبيهًا لإسرائيل. ولكن هل تنجو المملكة من مصيرها المشؤوم؟ أقلَّه تبقى بقيَّة، وتنضمّ ربَّما إلى مملكة يهوذا.

ما هو الوضع الآن؟ ضجيج البحر. هم الأشوريّون مع الجنود المرتزقة الآتين من كلِّ مكان. هم يشبهون المياه الأولى التي طلعت في الطوفان وتستعدُّ اليوم لابتلاع شعب الله، ولكنَّ الربَّ ينتصر عليها (51: 9). أجل، كلُّ هذه الهجمة توقَّفت فجأة، كما ستتوقَّف مرارًا بسبب خصوم الربّ في الوقت المناسب (39: 22-24).

وتأتي المقابلة بين المساء والصباح. المساء والليل زمن الخطر. والصباح زمن النجاة. أما هكذا حصل للعبرانيّين حين اجتازوا البحر الأحمر؟ "فمدَّ موسى يده على البحر، فرجع البحر عند إقبال الصبح" (خر 14: 27). وحين حوصرت أورشليم سنة 701 ق.م.، نقرأ: "فلمّا بكَّروا صباحًا، فإذا هم (الأشوريّون) جثثٌ ميتة" (37: 36).

ما حصل هنا لم يكن أمرًا عرضًا. فالله نجّى شعبه من "الناهبين" ومن "السالبين" (آ14). إنَّه سيِّد التاريخ، ويهتمُّ بشكل خاصّ بالصغار والمساكين الذين ينتظرون منه كلَّ خلاص.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM