الفصل الثاني:رؤية مُلك الربّ في يوم الربّ

الفصل الثاني

رؤية مُلك الربّ في يوم الربّ

بعد العنوان (2: 1) الذي يفتتح مجموعة تضمُّ ف[RK1] 2-12، نتعرَّف إلى وحدتين متميِّزتين: في الأولى (2: 2-5) نرى الشعوب آتية إلى أورشليم كما في حجّ لكي يتعلَّموا شريعة الربّ وكلمته. هناك يتعرَّفون إلى الله الملك كما تنشده المزامير مرارًا: "الربُّ قد ملك، لبس الجلال، لبس الربُّ القدرة وائتزر بها" (مز 93: 1). وهو إذ يأتي يضع السلام ويُلغي أسلحة الحرب والدمار. والوحدة الثانية (2: 6-22) تُدخلنا في يوم الربِّ ودينونته: لماذا عبادة الأوثان؟ والجواب: الخوف من المستقبل. كان العبرانيّون يقولون إنَّ الربَّ هو إله البرِّيَّة، وبعل إله الأرض المزروعة. لهذا تعلَّقوا بالعبادات الكنعانيَّة. ولكن ماذا كان لهم من كلِّ هذه العبادات؟ الذلّ والموت.

2: 1 العنوان هنا يشبه ما قرأنا في 1: 1، مع اختلاف في المضمون. هي الكلمة (د ب ر) تجاه الرؤيا (ح ز و ن). كما لا يُذكَر هنا الملوك. يبدو أنَّ هذه الأقوال (ف 2-12) توجَّهت في البداية إلى مملكة إسرائيل بعاصمتها السامرة، ثمَّ قرأتها مملكة يهوذا بعاصمتها أورشليم، وهذا ما يفسِّر أسماء الملوك[RK2] .

2: 2-5 هي رؤية المستقبل مع تشديد  على السلام الآتي إلى صهيون.

"في آخر الأيّام" (آ2). أي في المستقبل. هو نداء إلى الرجاء مع تبدُّل في الوضع. أمّا الترجمة اليونانيَّة فتحدَّثت عن "الأيّام الأخيرة" أو نهاية الأزمنة. من أجل هذا الوقت الذي ما زال بعيدًا، يُعلن النبيّ عظمة أورشليم وهيكلها حين يجتذبان "كلَّ الأمم" و"الشعوب".

"جبل بيت الربّ" أو جبل الهيكل، هو فوق جميع الجبال والتلال. لا بسبب علوِّه المادّيّ، بل لأنَّ الربَّ اختار أن يقيم عليه. لهذا يدبُّ الحسد "في قلوب الجبال" كما قال مز 68: "لماذا أيَّتها الجبال المسمَّنة (كذا بحسب اليونانيّ، بل: العالية) ترصدين الجبل الذي اشتهاه الله لسكناه" (آ16).

في مز 46 يعلن الربُّ انتصاره، لا على أمَّة من الأمم، بل على الجبال بطموِّها (آ4) وكبريائها. لا مجال للحرب بعد: "يكسر القوس ويقطع الرمح ويحرق المركبات بالنار" (آ9). وينشد مز 48 الجبل المقدَّس ومدينة إلهنا: هو الجمال والارتفاع وفرح الأرض كلِّها.

من بعيد يُرى "جبل الربّ". فتجري إليه الأمم. الفعل العبريّ هو "ن ه ر". هم يأتون من فوق كما النهر يجري من على الجبال. ولكن ما نلاحظ هنا، هو أنَّ هذا النهر البشريّ ينطلق صُعدًا. ويدلُّ الفعل الثاني على مسيرة كما في تطواف. ومن هم الصاعدون؟ لا الشعب العبرانيّ، بل "الأمم" الوثنيَّة (ج و ي م)، ثمَّ "ع م ي م" أي الشعوب قبالة الشعب الذي اختاره الله (ع م ا). في مز 46 كان كلام عن الأمم والممالك. أتُرى أورشليم تستطيع أن تستقبل كلَّ هذه الجموع؟ أورشليم الأرضيَّة، كلاّ. أورشليم السماويَّة، نعم. لأنَّ أبوابها لن تُغلَق نهارًا ولا ليلاً[RK3] .

"هلمَّ نصعد". الواحد يدعو الآخر، والقائد يشجِّع الجماعة. أمّا الهدف فواضحٌ: ذاك الجبل المقدَّس. ثمَّ "بيت إله يعقوب". هي نظرة خاصَّة إلى "بيت يعقوب" بأسباطه الاثني عشر، الذي يتكرَّر في آ5، 6؛ 8: 17؛ 10: 20. هذا يعود بنا إلى مملكة إسرائيل التي يمكن أن تأتي إلى أورشليم على ما فعل الهاربون بعد سقوط السامرة سنة 722-721. ق.م.، فأقاموا في "المدينة الجديدة" أي تلك الواقعة بين السور القديم والسور الذي بُنيَ فيما بعد فتوسَّعت أورشليم.

ولماذا هذا الصعود؟ لا للسجود، ولا لتقدمة الذبائح، ولا لحمل القرابين. ما يمكن أن نلاحظه عند إشعيا وسائر الأنبياء هو الاهتمام بالكلمة قبل شعائر العبادة. فيَحملون على الهيكل كما فعل إرميا لأنَّ رأي الشعب يتعلَّق به وكأنَّه "حرز" يقيه من الخطر، دون أن يصلح طرقه وأعماله (إر 7: 5). ويحملون على شعائر العبادة التي أُفرغت من روحها. قال الربُّ في عاموس: "إذا قدَّمتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضي (بها)، وذبائح السلامة من مسمَّناتكم لا ألتفت إليها" (عا 5: 22).

جاءت الشعوب لكي تتعلَّم ما قال النبيّ: تتعلَّم طرقه، بل "من طرقه" مع حرف الجرّ. صارت الطرق نورًا يدلُّ الناس كيف يسلكون، كيف يتصرَّفون. وعبارة "نسلك في سبله" تعني العيش بحسب شريعته ووصاياه. والشريعة هنا ليست بضع وصايا وأحكام محدَّدة. إنَّها توازي "كلمة الربّ". فهي واسعة. يأتي المؤمن فيسأل الكاهن فيعطيه الكاهن الجواب. ذاك هو المعنى الأوَّل للفظ "ت و ر ه". ونحن ننتظر يومًا تصبح الشريعة موضوع قراءة وتأمُّل (مز 1: 2: في ناموسه، أو شريعته، يلهج نهارًا وليلاً).

الطريق لفظٌ غنيٌّ جدًّا. لا يتوقَّف عند العهد القديم، بل يصل إلى العهد الجديد. فتبّاع يسوع تسمَّوا أوَّل ما تسمّوا: الطريق. وحين نسير في طريق ما، نأخذ اتِّجاهًا نعيشه في حياتنا اليوميَّة. هذا الطريق ينطلق من صهيون، من المدينة المصونة، من أورشليم مدينة السلام والتي لن يكون فيها سلاح، ويعود إلى صهيون. في هذا المجال يعلن مز 87 أنَّ جميع الشعوب وُلدوا في أورشليم وإليها سوف يعودون لأنَّها مركز سكنهم وينبوع بركتهم.

ولكن من يقبل بمقرَّرات الشريعة؟ فهناك الاختلافات التي قد تقود إلى الحروب. ولكن لا مجال للحرب هنا، لأنَّ الله هو ملك الكون، ويرى كيف تُنزَع الأسلحة من الشعوب، بل هي تتحوَّل من أدوات للموت إلى أدوات من أجل الحياة: السيف يصبح سكَّة للفلاحة، والرمح منجلاً للحصاد[RK4] . تلك هي المعجزة الثانية بعد تلك التي تجمع الشعوب للصعود إلى أورشليم. ما من أحد فرض "نزع السلاح" على الناس، بل هم بملء رضاهم رفضوا الاستعدادات للحرب والهجوم والدفاع. "لا ترفع أمَّة" بعدُ سيفًا. فلا حاجة إلى ذلك بعد أن عمَّت العدالة في العالم. "فالقاضي" ليس واحدًا عن الناس، بل هو الربُّ بالذات. أمثلُ هذا الإله لا يعرف الإنصاف؟ بلى. ولهذا أنشد مز 72: "اللهمَّ أعطِ أحكامك للملك، وبرَّك (أو: عدلك) لابن الملك" (آ1) حينئذٍ تحمل الجبالُ السلامَ وملء الأزدهار للشعب (آ3).

"يا بيت يعقوب" (آ5) ماذا تنتظرون؟ سبقتكم الأمم، ساعة كان يجب عليكم أن تستقبلوهم. الشريعة في بيت يعقوب وكلمة الربِّ أيضًا، فهل يتعلَّمون أن يسلكوا في هذا "النور" كما فعلت الأمم (آ3)؟ وهكذا تكون آ5 نداء ليتورجيًّا يطلقه الإمام ليشجِّع شعبُ الله، كما كان يفعل بالنسبة للشعوب حين قال لهم: "هلمَّ نصعد" (آ3).

2: 6-22 يوم الربِّ يوم الدينونة. يرتبط هذا المقطع بما في آ5 والإشارة إلى "بيت يعقوب". وهو نداء إلى السامرة قبل سقوطها في خطِّ تفسير سفر الملوك الثاني كما حصل للشمال بيد الأشوريّين: "وكان أنَّ بني إسرائيل أخطأوا إلى الربِّ إلههم" (2 مل 17: 7).

الموضوع الأساسيّ هنا هو ظهور الربِّ المهيب (آ10، 19، 21)، الذي يقابله الرعب عند الإنسان (آ19). والذلّ الذي لا يعرفه البشر (آ9) يقابله "السموّ" عند الله (آ11-17).

نستطيع أن نقرأ هنا ثلاثة مقاطع. المقطع الأوَّل (آ6-9): خطايا بيت يعقوب. المقطع الثاني (آ10-16): يوم الربِّ وضحاياه. المقطع الثالث (آ17-22): رفض الأوثان على أنواعها. كما نلاحظ شبه ردَّة تتكرَّر في آ10 (أدخل إلى الصخر)، آ19 ( ويدخلون في مغاور الصخور)، آ21 (لدخول في نقر الصخور). ذاك هو مناخ الخوف الذي يسيطر على السكّان يوم تأتي دينونة الربّ[RK5] .

"فإنَّك رفضتَ" (آ6)، أنت. يوجِّه النبيّ كلامه إلى الربِّ فيجعله شاهدًا على خطايا اقترفها الشعب ويطلب منه العقاب مضاعفًا. فالنبيّ يتَّهم شعبه ولا يتوسَّل إليهم. الخطيئة الأولى هي العرافة. والخطيئة الثانية تكديس المال الذي هو ثمرة الجور والباعث على الفجور وعبادة الأوثان. وهكذا "ينخفض الإنسان" لا قدَّام الله، بل قدَّام الأصنام. قال المزمور: يا ليت صانعيها يكونون مثلها[RK6] .

"أدخل" (آ10). يتوجَّه النبيّ إلى الإنسان الخاطئ، ويصوِّر له العقاب الآتي. وأمام هيبة الله لا يبقى للإنسان سوى أن يختبئ. فيوم الربِّ آتٍ (آ12) على كلِّ كبرياء. ويعدِّد النبيّ: الأرز، بلّوط باشان، الجبال، التلال، البروج العالية. سفن ترشيش المعروفة بضخامتها. يبدو أنَّ ترشيش تقع في إسبانيا. وفي أيِّ حال، كلُّ كبرياء سوف تُخفَض.

مع آ17 نقرأ المقطع الثالث مع موضوع إخفاض الكبرياء وسموّ الله، ثمَّ الحكم على الآلهة الكاذبة. أمّا نتيجة يوم الربّ فهي رفض الأصنام التي "تُطرَح للجرذان والخفافيش" (آ20). وأمّا صانعوها فيهربون ويختبئون.

"كفُّوا عن الإنسان" (آ22). لماذا تهتمُّون به؟ هو كلا شيء. هذه الآية المرتبطة بالأسفار الحكميَّة غير موجودة في النصِّ اليونانيّ. رج[RK7] أي 7: 17: "ما الإنسان لتحسبه عظيمًا؟"

الخاتمة

هذه القصيدة التي تصوِّر يوم الربّ وبهاء ظهوره الإلهيّ، تحرِّك الخوف والرعدة عند الإنسان. كلّ متكبِّر يخفض، لا بيت يعقوب فقط ومملكة إسرائيل، بل كلّ إنسان. مثل هذه الحال صالحة لأنَّها تقود إلى التوبة والعودة إلى الله في خطوة أولى تقوم في رفض عالم الأوثان. فمتى تأتي الخطوة الثانية؟

 


[RK1]ينبغي وضع جدول بالمختصرات في التفسير (آ=آية، ف= فصل أو فقرة؟؟؟)....

[RK2]ملاحظة ضرورية للقارىء.

[RK3]ربما تجدر الاشارة هنا إلى العنصر الأخروي في هذه الفقرة.

[RK4]ربما تجدر الاشارة هنا إلى العنصر الأخروي في هذه الفقرة.

[RK5]تقسيم جيد.

[RK6]ما هو المزمور؟

[RK7]اختصار "راجع".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM