الفصل الخامس:ديونيسيوس برصليبي في شرح إنجيل متّى زيارة المجوس

الفصل الخامس
ديونيسيوس برصليبي
في شرح إنجيل متّى
زيارة المجوس

2: 1    حين وُلد يسوع في بيت لحم اليهوديَّة في أيّام هيرودس الملك. وضع أربعة (أمور): الموضع أو المكان، الزمان، الشخص، السلطان. في هذه كلِّها يعلِّمنا أنَّ النبوءة تمَّت. والمكان الذي ذكر، ليعود بنا إلى (كلمة) ميخا: «وأنت يا بيت لحم أفراته» (5: 1). وليعرِّفنا أنَّه ابن داود الذي اكتتب اكتتابًا في مدينة داود... ووضع زمان هيرودس وشخصه لكي يعرِّف أنَّ أسابيع دانيال (10: 2-3) تمَّت والمسيح أتى. وسلطان هيرودس، لكي يعرِّفنا أنَّ نبوءة يعقوب كملت: «لا يزول الصولجان من يعقوب» (تك 49: 10).
يجب أن نعرف اسم بيت لحم أفراته. كالب بن يفنة (2 أخ 2: 18-19)، حين ماتت امرأته عزوبة، أخذ امرأة أرملة تُدعى أفراته. واقتبل الميراث من يشوع، مدينة حبرون التي تفسيرها: كلمة التسبحة (أو: المجد). وأضاف إلى مدينة حبرون، مدينةً أخرى بناها، ودعاها أفراته أي حاملة الثمار باسم امرأته أفراته. ووَلد من أفراته بنين، واحد اسمه «ل ح م» ومن بعده ولد «أ م و ن» وأبناء آخرين. ولأجل حبِّه تجاه «ل ح م» ابنه، بنى مدينة ثالثة ووحَّدها وضمَّها إلى هاتين المدينتين الأوَّليَّين، ودعاها بيت لحم، أي بيت الخبز.
وأيضًا يجب أن نعرف الملوك الذين ملكوا من داود إلى الجلاء (أو سبي بابل). وبعد الجلاء، تقبَّل الرئاسةَ عظماءُ الكهنة الذين هم من سبط لاوي. ولكن تواصل جنسهم من يهوذا بسب اختلاطهم بسبط لاوي، وخصوصًا عظماء الكهنة باتِّجاه سبط مملكة يهوذا. بعد ذلك، حين تخاصم الواحد مع الآخر من أجل الرئاسة، الأخوان أرسطوبولس وهرقانوس، بعد قتال كثير: من منهما يأخذ الرئاسة. وفي النهاية وصل المُلك إلى هيرودس العسقلانيّ. وهو بَلبَل كتاب مواليد اليهود، لأنَّه لم يكن يهوديًّا، ووضع حلَّة الكهنوت تحت ختمه أو سجلّه. في زمن هيرودس هذا ظهر المسيح إذ أبطل الملوك والرؤساء في الشعب بحسب الكلمة: «لا يزول الصولجان»، والباقي. في زمن الأخوين أرسطوبولس وهرقانوس، بطل (توقَّف) بيتُ داود، وملكَ هيرودس، وأتى المسيح الذي له الملك.
في سنة 35 لهيرودس هذا، وُلد ربُّنا يوم الأربعاء. (وقال) آخرون: في يوم الجمعة. وآخرون: في يوم الأحد. في الليل قبل أن يصيح الديك، في الوقت الذي قام من القبر، وفي ذلك المزمع أن يصنع فيه القيامة. في 25، في كانون الأوَّل، سنة 309 لليونان، في إصحاحات أخرى كتب سبعة، التي هي سنة 43 لأوغسطس قيصر: وُلد من البتول إذ كانت بنت 13 سنة. وماتت في أفسس وهي بنت 51 سنة. ودفنَها يوحنّا الإنجيليّ وتلاميذُه. وفي زمن مولد ربِّنا، أرسل كيرنُس مدبِّرًا (ܐܝܓܡܘܢܐ، hgemwn). وفي شهر نيسان أتى المجوس.
هي لفَّته في القمط ووضعته في مذود، مع تسابيح الملائكة، والختان، وأمور أخرى تركها متّى (جانبًا، ما ذكرها)، فكتب فقط مجيء المجوس، الذي فيه عُرف مكر هيرودس وقتل الأطفال، والباقي.
*  *  *
2: 2    أتى المجوس من المشرق إلى أورشليم قائلين. إذًا يُسأل: من أيِّ جنس كان المجوس؟ قال أوسيب Eusèbe وغريغوار النيصيّ Grégoire de Nysse: كانوا من أبناء بلعام. ويعقوب الرهاويّ: من جنس عيلام بن سام. وآخرون: من أبناء ملوك شبأ وسبأ، كما قال داود: «يأتون له بالقرابين» (مز 72: 10). كانوا رجالاً معروفين، ومن (بلاد) فارس أتوا. وكم كان عددهم؟ قال أناس: ثلاثة، لأنَّهم قرَّبوا ثلاثة قرابين. وكان معهم ألف رجل، ولهذا تحرَّكت أورشليم. قال يعقوب الرهاويّ: لم يكونوا ثلاثة، كما يصوِّرهم المصوِّرون، لكن اثني عشر رئيسًا، وكان معهم أكثر من ألف رجل. وآخرون: ثمانية، كما قال ميخا: «يقوم عليه سبعة رعاة وثمانية رعاة» (5: 4). أي: مدبِّرين. ومعهم جيش كبير. آخرون: كانوا لاثة أبناء ملوك وتسعة رؤساء معروفين بمناطقهم. والملك الذي أرسلهم يُدعى فيرشبور. وأيضًا أسماء هؤلاء هي: هدوندد بن أرطابن. وشتف بن جوددفر. أريوك بن مهدس. زروَند بن ورود. أريهو بن كسرى. أرطحشت بن حَوليت. اشتنبوزن بن شيشرون. مهدوق بن هوهَم. أحشيرش بن صنيبن. صردنح بن بلدَن، مردوك بن بيل. وكان معهم تقريبًا ثلاثة آلاف حاملي السلاح، وخمسة آلاف من أمناء المحفوظات. وحين عبروا الفرات، سمعوا بالمجاعة في أورشليم، فتركوا قوَّاتهم يخيِّمون على الفرات من كيلينيك أو رقّه حتّى قطسيفون. ومضى هؤلاء الاثنا عشر رئيسًا مع جيش يقارب ألف رجل وأوصلوا الهدايا (ܩܘܪܒܢܐ).
قال القدِّيس كيرلُّس ويوحنّا (الذهبيّ الفم): إذ كان المسيح طفلاً وملفوفًا بالقمط، وجدَه المجوس. قالا: قبل زمن ولادته تراءى الكوكب (أو: النجم) للمجوس، تقريبًا قبل ولادته بثمانية أيّام، كما قال كيرلُّس، فاتَّفقوا (بأن يمضوا) إليه. وقالوا أيضًا: يجب أن نسجد له في المذود وهو موضوع في القمط، لكي تُرى بشكل أفضل المعجزةُ كبيرة. (وقال) آخرون: في تلك الليلة وفي ذلك اليوم الذي فيه وُلد، أتى المجوس، وهذا معروف من (الكلام) الذي كُتب: «لمّا وُلد يسوع، أتى المجوس».
ما سلَّم إبيفان القبرسيّ بهذا (القول)، بل قال: وُلد مخلِّصنا في بيت لحم، وخُتن في المغارة، وصعد إلى الهيكل، وحُمل على يد سمعان، ومضى إلى الناصرة. وفي سنة أخرى، أتوا به ليُرى قدَّام الربّ. ومضى أيضًا إلى بيت لحم. ثمَّ عاد إلى الناصرة. وفي نهاية السنة الثانية، أصعدوه أيضًا إلى أورشليم ومضوا إلى بيت لحم. أحبُّوا وألحُّوا أن يروا الموضع الذي فيه وُلد، وإذ هم في بيت لحم أتى المجوس. وهذا معروف ممّا قال متّى: «ودخلوا إلى البيت ورأوا الصبيّ مع مريم أمِّه فسقطوا (على الأرض) وسجدوا له. قال هنا: البيت، لا المغارة. والصبيّ أيضًا هو مع أمِّه، لا الطفل الملفوف.
*  *  *
وفي تلك الليلة تراءى (الملاك) ليوسف (وطلب منه) أن يأخذ الصبيّ وأمَّه ويمضي إلى مصر. وفي تلك (الليلة) أيضًا عرفنا أنَّه كان ابن سنتين. دعا الكتاب «طفلاً" ذاك الذي لُفَّ في القمط. ثمَّ «صبيًّا» ذاك الذي يتمتم ويزحف ويمشي. وأوسيب أيضًا سلَّم بهذا ومار أفرام في النشيد (ܡܕܪܫܐ): «أتوا» في السنة الثانية (لامي 2: 495) ويعقوب السروجيّ في الميمر «على الكوكب والمجوس». رأوه وهو ابن سنتين. ومن هنا تثبَّتت أقوال متّى ولوقا. قال لوقا: مضى من بيت لحم إلى الناصرة. ومتى: من بيت لحم إلى مصر. والاثنان هما على حقّ. مضوا إلى أورشليم بعد أربعين يومًا بحسب لوقا، ثمَّ إلى الناصرة. وفي نهاية السنتين من الناصرة إلى بيت لحم، ومن بيت لحم إلى مصر كما قال متّى. وكان في مصر سنتين حتّى مات هيرودس وملك أرخيلاوس ابنه. ما هو معروف أنَّ المسيح كان ابن سنتين: فإنَّ هيرودس قتل الصبيان من عمر سنتين وتحت، بحسب الزمان الذي تعقَّبه من المجوس. وإن قيل إنَّه هرب في تلك الليلة إلى مصر وهو ابن 8 أيّام، كيف صعد إلى الهيكل وحُمل بيد سمعان ساعة هيرودس كان مملوءًا غضبًا؟
المجوسيَّة هي هرطقة مركَّبة من الوثنيَّة (ܚܢܦܘܬܐ) والكلدائيَّة (ܟܠܕܝܘܬܐ). هي تسجد للعناصر مثل الوثنيِّين وتسجد للكواكب وتضلّ في العدد ومعرفة النيِّرات وصور البروج وبتدبير الكواكب مثل الكلدائيِّين. وكلُّ واحد منهم، سواء كان وثنيًّا أو كلدائيًّا، ينسب لنفسه الحياة والنطق.
تجلَّى مولده لأمم (الوثنيَّة) غريبة، لا لليهود، لأنَّ شهادة الغرباء تصدَّق أكثر من (شهادة) أهل البيت. ولكي تُبطل الأممُ ظلامة اليهود ولئلاَّ يقولوا: ما عرفنا متى وأين وُلد، وهكذا يكون لهم عذر، هؤلاء الذين من اليهود لم يؤمنوا به. إذًا لم يقبلوا أقوال الأنبياء. أتى المجوس يكرزون قدَّامهم، ومع أنَّ آية مولده ظهرت للمجوس أي أنَّها بواسطتهم وصلت الكرازة إلى الخليقة كلِّها. ومع أنَّ الآية لم تُوهَب فقط لحزقيّا، ولكن كلّ خليقة أدركت أنَّ الشمس تراجعت (إش 38: 8)، هكذا بواسطة المجوس شعرت (أو: أدركت) الأمم كلُّها. وكما هرب إلى مصر وبواسطة ذهابه وإيابه عُرف مولده للمسكونة، هكذا لدى المجوس انكشف الحدث. ولأنَّ (شعوب) فارس ومصر اشتعلوا أكثر من الجميع في الوثنيَّة، لهذا بدأ فشفاهم قبل الجميع. ما تجلَّى مولده للأدوميِّين والفلسطيِّين، جيران اليهود، بل للبعيدين، لكي تنتشر البشارة بحيث يأتون لإكرامه من الأقاصي البرّانيَّة.
*  *  *
تجلَّى للمجوس (أفضل ممّا تجلَّى) للآخرين، لأنَّه جاء ليدعو الخطأة. فالمجوس كانوا مرضى أكثر من جميع الأمم في السجود للأصنام والعرافة وكانوا يتزوَّجون مع أمَّهاتهم. ولهذا تجلَّى لكي يشفيهم قبل (الجميع). وما تجلَّى للمجوس كلِّهم بل لأولئك الذين عرف مسبقًا في معرفته أنَّهم مزمعون أن يؤمنوا به في حرِّيَّتهم (دون أن يُكرههم أحد). وفضلاء كان المجوس الذين أتوا. وما يشهد هو أنَّهم ما خافوا من هيرودس ولا من اليهود، فكرزوا بشكل جليّ واحتملوا من أجله التعب القاسي من الطريق كلِّها. وهؤلاء كانوا كارزين (= مبشِّرين) في منطقتهم كلِّها حين عادوا، وهم باكورة المدعوِّين في الأمم.
رأوا في الكوكب (أو: النجم) صبيَّة جالسة وهي تحمل صبيًّا على صدرها، وكان على رأسه تاج المُلك. لهذا انجذبوا إليه. قال آخرون: رأوا كتابات مكتوبة في النجم: «هذا نجم ملك اليهود الذي وُلد»، كما ظهر لقسطنطين شبهُ الصليب في السماء فعُرف أنَّه به ينتصر. (وقال) آخرون: رأوا رؤية في النجم: وُلد ملك اليهود فامضوا إليه. وآخرون (قالوا): رأوا نجمًا ونوره أقوى من نور الشمس، وتراءى مع النجم ملاكًا يقول: وُلد ملك في اليهوديَّة، امضوا إليه».
ومن أين تقبَّل المجوس الأمر بأن يمضوا إلى المسيح؟ قال أناس: من بلعام أبيهم الذي تنبَّأ: يظهر كوكب من يعقوب (عد 24: 17). وقال: سوف يُولَد ملك لليهود. وحين يُولَد، امضوا وقرِّبوا القرابين (أو: الهدايا). وكتبوا هذا الخبر. وبعد زمان طويل رأوا الكوكب، فحملوا الهدايا ومضوا. وقال آخرون: «تنبَّأ دانيال للبابليِّين: بعد عدد من الأسابيع يُولَد ملك لليهود، وفي مولده يُشرق (ܕܢܚ) كوكب. امضوا وقرِّبوا له القرابين. فرسم ملك بابل هذا في كتابة ذهبيَّة. وإذ أشرق الكوكب ورآه المجوس أتوا ليسجدوا له (= للمسيح). (وقال) آخرون: في زمن دانيال، إذ كان نبوخذنصَّر ملكًا، أتى أناس من السبي ليقرِّبوا القرابين للملك وليتعلَّموا (اللغة) الكلدائيَّة. فقال لهم دانيال: حين يُولَد المسيح، ملوككم من سبأ وشبأ يقرِّبون له القرابين، وكتبوا هذه في البيبليوتيقا (ܒܝܒܠܝܘܬܝܩܝ، biblioqhka أي المكتبة) أي في بيت الأرشيف، بيت كتبهم. وحين رأوا الكوكب أتوا. وقال آخرون: أعلن زردشت ذلك في العرافة. وقال أناس: هو باروك. وبما أنَّه لم توهَب له النبوءة، تشكَّك فخرج إلى الأمم وتعلَّم اثني عشر لسانًا. وكُتب في كتابه: حين جلس زردشت على عين مياه، موضع اغتسال الملوك، قال لتلاميذه: في الأيّام الأخيرة، بتول بنت العبرانيِّين تلد ابنًا في الجسد (ܒܒܣܪ، بشر) وبلا زواج، وهو من طبيعة اللاهوت. وفي مولده يَبان كوكب. امضوا وقرِّبوا له ثلاثة قرابين: الذهب والمرّ واللبان (أو: البخور). وتكلَّم على حاشه (أو: آلامه) وموته.
إذًا ليس أجر المجوس لأنَّهم أتوا بدون إرادتهم (= لا طوعًا)، بل بحسب ما رُسم لهم. وكما أنَّه لم يكن لبلعام أجر بسبب نبوءته، وفي الأخير لأنَّه لم يؤمن بعد ذلك (ويأتي) إلى الحقيقة. قال آخرون: لمَّا سُبيَ بيتُ دانيال إلى بابل، قرأوا هذه: «لا يزول صولجان من يهوذا». ونبوءة بلعام: «يُشرق كوكب». وهذه: «ملوك شبأ»، كما قال داود: قرأوها قدَّام أبناء ملوك فارس وشبأ وسبأ الذين سبوهم إلى هناك. فسألوا العبرانيِّين: على من قيلت هذه؟ فقال دانيال ورفاقه: «على المسيح!» ففي مولده يشرق كوكب وينير مثل الشمس. وهؤلاء احتفظوا بهذه معهم. وإذ رجعوا إلى مناطقهم، كتبوا هذا السرّ، وتواصل حتّى مولد المسيح. قال مار يوحنّا (الذهبيّ الفم): حرَّك الله قلوبهم وجعلهم يحملون القرابين ويمضون في إثر الكوكب كما فعل في كورش حين حرَّكه ليسبي سبي اليهود.
من المشرق أتى المجوس نحو المسيح، لأنَّ الفردوس مغروس في المشرق. هكذا من المشرق بدأت شمس البرّ. ولأنَّ الذهب الذي سيأتون به، وليس مثل ذهب هذه الناحية (ذهب)، قال الكتاب: «ذهب تلك الأرض هو صالح» (تك 2: 12). وتنبَّأ الأنبياء أنَّ من المشرق يأتي المجوس. «من مشارق الأرض إلى مغاربها» (مز 50: 1؛ 113: 3). وملاخي: «من مشارقه» (1: 11). وفي المجيء الثاني، يُشرق من المشرق. وفي زمن مجيء ربِّنا، تتسلَّط رومة على الفرس من نصيبين إلى المشرق، ومن نصيبين إلى المغرب. وعملَ الله بحيث أنَّه في ذلك الزمان يكون الأمان فيما بينهم لئلاَّ يُعاق المجوس حين يأتون.
*  *  *
أين ملك اليهود الذي وُلد. أي: لا نطلب الملك الجالس على العرش، والذي مضى عليه زمن، بل ذاك الذي قال فيه إشعيا: «يكون جذر يسّى القائم آية للشعوب وإيّاه يرجو الشعوب فيكون رجاءَ كلِّ أقطار الأرض» (11: 10). نطلب ذاك الذي وُلد الآن، لا هيرودس. ما قالوا: أين هو ابن الله، واللبان (أو: البخور) يصوِّره، لأنَّ اليهود انتظروا الملك والفادي. ولهذا قالوا: الملك.
وأيضًا تتوزَّع أسماء المسيح ثلاثًا: الرفيعة مثل: الله وابن الله والربّ. والوسطى: مثل الملك والفادي والسلطان. والوضيعة: مثل إنسان، رجل، عبد. دعاه المجوس باسم الوسط: الملك، لكي يُقبَل بشكل أفضل، لأنَّ البداية كانت في التدبير. والأسماء الرفيعة أو الوضيعة لا تُقبَل كثيرًا. وأيضًا سألوا عن الملك، لأنَّ ميخا دعاه الملك: «منك يخرج ملك» (5: 1).
رأينا نجمه في المشرق، فأتينا لنسجد له. أي اجتذب الكوكبُ المجوس الذي انحدر إلى ضعفهم. اصطادهم بالشيء الذي اعتادوا عليه. فكما أخبر بموت شاول بواسطة العرّافين، وعلَّم بلعام قدرته بتلك التي صنع بالاق، وكما اجتذب بني إسرائيل بذبائح كانت محبَّبة لهم، كعادة الوثنيِّين في مصر، وكما اصطاد الرسل بصيد السمك، وكما فعل بولسُ حين تكلَّم مع الوثنيِّين حين أتى بالبيِّنات من الشعراء، وكما يُصطاد الطير بالطعام المعتاد عليه، هكذا فعل (الله) مع المجوس. دعاهم أوَّلاً بواسطة الكوكب. ثمَّ تكلَّم معهم بواسطة الملاك، وهكذا درَّجهم نحو الفضيلة.
وهكذا فعل أيضًا مع الفلسطيِّين: حين ضُربوا بالبواسير. دعوا عرّافيهم وقالوا: «اكدنوا بقرتين تحت تابوت العهد فتُعرَف الضربة: إن كان الشيء من الله أو إن حصل صدفة (1 صم 6: 7-9). وإذ ثبَّت الله نصيحة العرّافين، ما حُسب هذا حقارة بأن يشهد الأعداء للحقيقة. هكذا المجوس. بواسطة الكواكب التي يَضلُّون في إثرهم، تبيَّن مولدُه. وأيضًا، لأنَّه سماويّ، اصطادهم بكوكب سماويّ، ولأنَّهم من أهل البيت (أف 2: 19) دعاهم إلى السماء. وأيضًا بالكوكب اجتذبهم بحسب كلمة بلعام الذي سمّاه «الكوكب»، (إشعيا) «النور» وملاخي «الشمس» وإرميا «نبتة البرّ». وربُّنا نفسه كنّى نفسه بالنور (يو 9: 5). وأيضًا لكي يُناروا بواسطة الكوكب لدى الشمس المسيح. ولهذا حين بلغوا إلى الشمس، اختفى الكوكب، لأنَّه لا يليق بالكواكب أن يُرَوا بعد أن تتراءى الشمس المنظورة. وهكذا بطلَت الكلدائيَّة. فالله الذي يُظنُّ لدى الفرس الكوكبَ الذي يُدعى فتاي، وبما هو حقيقيّ لديهم، اجتذبهم إلى الحقيقة.
وأيضًا ثلاثة كارزين جسميِّين كرزوا به. الكوكب لأنَّه هو سماويّ. الرعاة لأنَّه هو الراعي والحمل. والمجوس لأنَّه هو مطهِّر الخطأة. وأيضًا بواسطة الكوكب بيَّن لاهوته: فهو الذي وُلد وهو الرفيع والعليّ بحيث يكون مرسلوه وكاتبوه أولئك الذين يظنُّ المجوس أنَّهم آلهة. وكما يصعد كوكب (نجم) الصباح قبل الشمس المنظورة، هكذا كرز الكوكب قدَّام العقليّ (ܡܬܝܕܥܢܐ) لكي يبيِّن أنَّه هو خالق الخليقة العتيقة والروحانيَّة: بهذا النور بدأ أوَّلاً ولكن بهذا الكوكب اجتذب المجوس.
*  *  *
وما كان الكوكب ذاك الذي تراءى للمجوس. فمن المعروف أنَّه نزل وأقام فوق البيت. إذ هو نزل، يعني ترك عُلاه. ونزل من موضع في القرب. وإن كان لا، فلا يقدر أن يبيِّن الموضع بوضوح، كما بإصبع. فها القمر الذي هو أعظم من الكواكب، يقف في موضع واحد فوق الأماكن الكثيرة والمتبدَّلة، لا يقدر أن يبيِّن واحدًا منها بوضوح. وهذا الكوكب إن هو نزل وبيَّن الموضع بوضوح، يكون جليًّا أنَّه ليس كوكبًا طبيعيًّا، لكن واحد من القوّات العلويَّة. ويوافق على هذه كيرلُّس ويوحنّا وتيودوت الأنقيريّ. وأيضًا، الكواكب هي من نوعين، منها تلك المثبَّتة بالدائرة فبلغت إلى وقفة لامتحرِّكة. ومنها من لا تني تتحرَّك. هذا تحرَّك حيث مضى قدَّام المجوس وقام فعرَّفهم إلى الموضع. وفي الوقت الذي مضى فيه وقف. إذًا، ما كان كوكبًا. وأيضًا الكواكب التي في الدائرة، منها من يجري من المشرق إلى المغرب، والسيّارة من المغرب إلى المشرق. فهذا جرى من مشرق الشمال إلى الجنوب الغربيّ. وهكذا وُضعت (بلاد) فارس قبالة (بلاد) الفلسطيِّين. والكواكب الطبيعيَّة لا تُرى في النهار. أمَّا هذا فكان مرئيًّا في الليل وفي النهار، ممّا يعني أنَّه ليس من الكواكب الطبيعيَّة، ثمَّ إذ دخلوا إلى أورشليم، اختفى. وإذ خرجوا بان. ثمَّ كان مرئيًّا للمجوس، لا للآخرين، وينير في الليل والنهار على السواء. وإذ كان ينير ولا يشتعل حين تنازل كثيرًا من موضع السماوات كما ليدلَّ المجوس على الطريق، كما بإصبع. ومن هذه: غلب بنوره في وسط الظهر أشعَّة الشمس، نقول: لم يكن كوكبًا طبيعيًّا.
إذًا ماذا كان؟ قال أناس: كان قدرة الربِّ الخفيَّة، التي تراءت بشبه كوكب. وآخرون، كما قلنا أعلاه: واحد من الملائكة أخذ شبه الكوكب وتكوكب وهدى المجوس فما كان هذيانًا ولا ذاتيِّ الحركة (ܐܘܛܘܡܐܛܘܢ، automate). ومن المعروف أيضًا أنَّه ما كان كوكبًا طبيعيًّا، لأنَّه جرى من الشرق إلى الجنوب. هكذا وُضعت فارس إلى الشرق من أورشليم، وأورشليم إلى الجنوب من فارس. آخرون: جرى من الشرق الجنوبيّ إلى الشمال ومن الشمال إلى الغرب. هكذا هي (الطريق) من فارس إلى فلسطية. وإذ يدخلون إلى إحدى الحواضر والمدن يختفي. ولهذا كان السؤال: أين ورد الجواب ليعرَف مولدُ المسيح وما اقتنى جريًا معروفًا (أو: ثابتًا كما في السابق)، بل متى وجب أن يمشوا مشى، وهكذا في مثل عمود إسرائيل (خر 13: 21).
حين أراد الناس أن يقيموا تعليم الكلدائيَّة قالوا: ها المسيح حين يُولَد، يُرى كوكب. نقول قبالتهم: إن كان وُلد بهذه القدرة التي يتكلَّم عنها المنجِّمون (ܐܣܛܪܘܠܘܓܘ، astrologues)، فكيف بطلت فجأة الكلدائيَّة والقوّات؟ فلا يُعرَف مولد إنسان من كوكب واحد. بل من (كواكب) كثيرة، من 12 ومن 7.
وأيضًا يستطيع المنجِّمون أن يعرفوا من الكواكب مُلك إنسان، أو ما هو مقدَّر له، حسب ما يبدو لهم. وربَّما قال أناس: حسبوا حول ملك اليهود. فنقول قبالتهم: قال: «ليست مملكتي من هذا العالم» (يو 18: 36). فلا عمّال له ولا جيوش ولا بيت.
وأيضًا لا تقيم الكلدائيَّة الولادة من كوكب واحد، بل من سبع سيّارات (ܛܥܝܐ، تائهة، ضالَّة) تُدعى فالتات (ܦܠܝܛܐ)، لأنَّها لا تلتصق بجسم السماوات، مثل الشمس، القمر، المرِّيخ Mars، عطارد Mercure. بيل (أو: بعل) الذي هو زوش (ܙܘܣ)، وب ل ت ي (أو: بعلتي) التي هي أفروديت (ܐܦܪܘܕܝܛܝ)، كرونوس (ܩܪܘܢܘܣ، cronoς) الذي هو «ك و ا ن» ومن 12 برجًا ملتصقة بالسماء: الحمل، الثور، صنمان هما توأمان، السرطان، الأسد، السنبلة، القصبة أو الميزان، العقرب، الصنم الكبير أو القوس، الجدي، الدلو، السمك.
وقالوا: سبعة يجرون من الغرب إلى الشرق، واثنا عشر من الشرق إلى الغرب مع جسم السماوات الذي يدور كعجلة (= كدولاب) المغزل حول الأرض. وهذه الأرض قائمة في وسط السماوات مثل مثانة منفوخة وفي وسطها حبَّة ذرة.
وأيَّام الأسبوع توهب لتتبع السيّارات هذه. الأحد (أوَّل الأسبوع) للشمس. الاثنين (اثنين الأسبوع) للقمر، ثلاثاء الأسبوع للمرِّيخ، أربعاء الأسبوع لعطارد، خميس الأسبوع لبيل. الجمعة لأفروديت، السبت لكرونوس.
وأيضًا يروي المنجِّمون أنَّ أجزاء الإنسان هي هكذا: الشمس، المخّ. القمر، الجلد. المرِّيخ، الدم. عطارد الأعصاب والشرايين. بيل، العظام. بعلتي، اللحم. كاون، الشعر.
وأيضًا يقولون إنَّ صور البروج اثني عشر، التي هي رمز الأشهر الاثني عشر وهناك منها الذكور، ومنها الإناث، وكلُّ واحد منها يكوِّن بمشيئة الله، واحدًا من أجزاء الإنسان. الحمل الذكر يكوِّن الرأس. والبقرة الأنثى تخلق الدماغ. صنما الذكر يخلقان اليدين. السرطان المؤنَّث يكوِّن الصدر. القصب الذكر يكوِّن الضلع. السنبلة المؤنِّث تخلق العمود الفقريّ. الأسد الذكر يخلق البطن. العقرب المؤنِّث يكوِّن دائرة المثانة. الصنم الكبير الذكر يثبِّت العظام. الجدي المؤنَّث يصنع الركبتين. الدلو الذكر يحدّ الساقين. السمك المؤنَّث  يؤسِّس الرجلين. هذه خطَطناها من خلال الكلدائيِّين لئلاَّ يُسبى إنسانٌ من الذين اقتنوا الحكمة في إثر ضلالهم ويُرمى في رواياتهم.
قال يوليانس الوثنيّ (الجاحد): خبر الكوكب ليس بحقيقيّ، لأنَّ المنجِّمين لم يتكلَّموا عنه، فنقول مقابله (ردًّا عليه): ها من أجل أمور عظيمة تراءت الكواكب في وقتها، تلك التي دُعيَت الملتحية، المقوَّسة، المذنَّبة. إذًا، ما كانت خارج الترتيب الذي بمشيئة الله، يجعل كوكبًا يُشرق على غير عادته في مولد مخلِّصنا ويتقدَّم فيبشِّر، إذ واحد من الملائكة تكوكب ورُئي للمجوس وحدهم. وحين شدَّوا الرحال رُئي مثل عمود وغمام لإسرائيل. هكذا الكوكب للمجوس.
وأيضًا قال: نجمه، لا النجم. ففي (الكلام) حول نجمه، تضمَّن مع الكوكب وجه ذاك الذي هو. فالنجم هو وعد بسيط. أمّا المجوس فأتوا نحو المسيح لكي يروه ويقرِّبون له السجود كما لله، والقرابين كما للملك.
2: 3    وسمع هيرودس الملك فاضطرب. أي لأنَّه كان من شعب غريب، وتقبَّل المُلك من أوغسطس، خارج حقِّ اليهود. تبلبل جدًّا واضطرب حين سمع خبر مولد الملك. ظنَّ أنَّه اتَّخذ السلطان في الأرض، ففزع من أن يقتله ويأخذ ملكه. وأيضًا اضطرب بسبب كثرة المجوس وعظمة شخصهم (أو: وجوههم) ولأنَّهم كرزوا بالملك في المدينة العاصمة أو أمّ المدائن. وأيضًا لأنَّهم ما سألوا عن الملك بشكل بسيط، بل سألوا عن ملك اليهود.
وكلُّ أورشليم معه. لماذا اضطربت حين أتاها المخلِّص. لأنَّها ما أرادت أن تتقبَّل الخلاص (أو: تخلّص)، أدارت وجهها عن المخلِّص. باسم أورشليم أشار إلى سكّانها. اضطربوا ولكن من رخاوتهم ما سألوا عن مخلِّصهم مثل المجوس. وأيضًا اضطربت، كما حين دخلها على (ظهر) حمار، وهذا بسبب حسدها له. ولكن حتّى الآن ما كشفوا حسدهم لأنَّهم أتوا بالشهادات عليها، بحسب هذه (الكلمة): يُولَد في بيت لحم.
وسألهم: أين يُولَد المسيح. سأل المجوس عن المسيح، وهيرودس (سأل) الكهنة عن المسيح. من أسئلة المجوس مع عظماء الكهنة تعلَّم هذه: أو لأنَّه حين سمعهم يقرأون في الأنبياء على المسيح المزمع أن يولد، وإذ رأى المجوس، فهم أنَّه هو الملك. وإذ اضطرب هيرودس وأحاط به الهلع، ما اتَّهم المجوس: كيف تكرزون بملك آخر سواي؟ وإن هو وُلد لليهود، من الذي كشفه لكم؟ وإن أنتم صادقون، فبيِّنوا لي نجمه. ولكنَّه أهمل ليأخذه بمكره.
2: 5    أمّا هم فقالوا: في بيت لحم يهوذا. توقَّفوا قبالة السؤال، لأنَّه كان لهم انتظار لمجيء المسيح، فكشفوا له بدقَّة وجاؤوه بشهادة ميخا. قال آخرون: مِن حسدِهم كشفوا له لكي يقتله. ومعروف أنَّهم ما كشفوا عن ملك الأدوميِّين أو آخرين، لكن عن ملك اليهود. (وقال) آخرون: حتّى الآن ما امتلأوا حسدًا فكشفوا له، لأنَّهم أحبُّوا أن يسمعوا مولده. آخرون: لأنَّهم مزمعون في النهاية أن يكذبوا في شأنه مثل هذه: المسيح، «لا نعرف من أين يأتي» (يو 9: 29). وهكذا كشفوا (أي: اليهود) لهم (أي: للمجوس). ومن عدد الأسابيع الذي حسب الكتبة، ومن هذه: «لا يزول صولجان من يهوذا» (تك 49: 10) أي: لأنَّ هيرودس يملك حين يزول الصولجان، عرفوا أن بلغ زمنُ مولده.
2: 6    وأنتِ يا بيت لحم يهوذا، لست. أي به عظمتِ ومُجِّدت. فتأتي الأمم من معابر الأرض ليروا المذود والمغارة التي فيها وُلد.
ذاك الذي يرعى شعبي إسرائيل. دعا إسرائيل أولئك الذين آمنوا من الشعب ومن الشعوب، وما كشف عنهم منذ البدء لئلاَّ يتشكَّك اليهود.
وإن هو مزمعٌ أن يشرق من بيت لحم، لماذا عاد إلى الناصرة فضلَّ اليهود (يو 10: 24)؟ نقول ما أخفى النبوءة، لكن كشفها. ففي الناصرة حُبل به، وفي وقت مولده صعدت أمُّه إلى بيت لحم فكان فيها 40 يومًا. وبشَّر به سمعان (الشيخ) وحنّة (النبيَّة) في وسط (الزمن). وبعد سنتين، بشَّر به الكوكب، والمجوس سجدوا له. ولئلاَّ يقول اليهود إنَّهم ما عرفوا متى وُلد، اقتاد المجوس.
وأيضًا ما قال الأنبياء: سكن في بيت لحم، وتراجعوا. لكن: يخرج. أي: يُولَد. ففيها وُلد، وفي الناصرة سكن. وهذه: «خروجه كان من البدء» (مي 5: 1). ما قال اليهود لأنَّهم لم يعرفوا قدرته أو لأنَّه لم يكن من الضروريّ سؤال هيرودس، أو أرادوا أن يُرضوا هيرودس، فتركوا هذه. فاليهود أخذوا على زربّابل هذه: «منكِ يخرج راعٍ فتقول: كهنتهم شرحوا على المسيح. وما كان مخرج زربّابل من الابتداء. وهو ما وُلد في بيت لحم، بل في بابل. فيها حُبل به ووُلد، كما قال مار يوحنّا (الذهبيّ الفم): الذين يفهمون اللسان الأراميّ أو السريانيّ يعرفون أنَّ اسم زربّابل هذا مركَّب من «زرع» ومن «ب ب ي ل».
2: 7    عندئذٍ دعا هيرودس المجوس خفية (أو: سرًّا) وعلم منهم في أيِّ وقت تراءى لهم النجم. إذا طلب أن يعلم أين وُلد، جمع رؤساء الكهنة، جليًّا، لئلاَّ يُفلت منه. وإذ أراد أن يعلم عن النجم، خفيًا. أوَّلاً، لأنَّه خجل بجنسه (بأصله) لئلاَّ يعلم المجوس من اليهود، من هو وابن من هو. ثانيًا، لئلاَّ يدرك اليهود أنَّه يسأل عنه في البغض، ظنَّ أنَّ اليهود يهتمُّون بالصبيّ. ثالثًا، لئلاَّ يدرك أبواه ويهرِّباه. رابعًا، لئلاَّ تنفضح حيلته في ما يريد أن يفعل سأل عن زمن النجم، لا عن مولده، بالحيلة. فكَّر في نفسه: إن سأل متى وُلد يظنُّ اليهود أنَّه يطلب أن يقتله فيمضون ويخبِّئونه. ولكن سأل عن زمن النجم لكي يحسب زمن سنة واحدة أو سنتين ليقتل الصبيان في بيت لحم. وما تبيَّن الجاهل أنَّه لا يقدر أن (يغلب) قدرته، لأنَّ الكوكب بشَّر به والفرس تحرَّكوا للسجود له والأنبياء (تكلَّموا) عنه فإن حقًّا لا يمكن أن تنجلي وإن هي كذب، لن يضطرب ويخاف ولكن اعتاد الحسد أن يُعمي وجدانه بحيث لا يرى ما يجب (أن يرى).
2: 8    امضوا. ابحثوا عن الصبيّ. مِن حسده، ما دعاه الملك، بل الصبيّ. هو ما احتمل أن يدعوه باسم سلطانه.
بيِّنوا لي فأمضي أنا أيضًا وأسجد له. أي يريد أن يمكر ويُضلّ اليهود والمجوس. إذ وعد بأنَّه يسجد له. وأيضًا لكي يعود المجوس إليه، ولكي لا يشعر إنسانٌ أنَّه سيقتل الصبيّ ولئلاَّ يرث الخوفُ الملك. وقال أناس: زوَّد هيرودس المجوس وأقام لهم موهبة حين يعودون. وما كان للمجوس في شأن هيرودس رأي شرِّير.
2: 9    وها النجم الذي رأوه في المشرق يمضي قدَّامهم. أي حين بلغوا إلى أورشليم اختبأ لكي يسألوا عنه ويتعلَّموا النبوءة، ويَشعر اليهودُ. والآن شرع يهديهم. ما خرج إنسان من اليهود لكي يهديهم لأنَّهم أبغضوه. ولكنَّ هذا لم يكن حقيقيًّا، لأنَّهم مضوا ليروا شيئًا يستحقُّ دهشة الكثيرين، وإن أبغضوه، لكنَّ تدبير الله منعهم، لأنَّه لو هداهم إنسان، تصبح رؤية النجم نافلة، وتبطل فائدته، ولئلاَّ يضع إنسانٌ نعمة على المجوس بأنَّه هداهم لأنَّه هو الذي بدأ وهو الذي يكمِّل ولئلاَّ يكون الشعب هاديًا للشعوب، بل الشعوب يهدونه، كما قال الكتاب: «هو انتظار الشعوب» (تك 49: 10). إذًا مضى النجم قدَّامهم من الشمال إلى الجنوب. هكذا وقعت بيت لحم بالنسبة إلى أورشليم، ومن هذا عُرف أنَّ النجم لم يكن (نجمًا) طبيعيًّا.
حتّى أتى ووقف فوق المكان الذي فيه كان الصبيّ. أي انحدر الكوكب حتّى وقف فوق الصبيّ ودلَّ عليه كما بالإصبع، لأنَّه ما سُمِّي في البيت. ثمَّ ليسجد لسيِّده حلَّ في البيت. لهذا وقف قريبًا فوق البيت كما قيل: «سبِّحيه يا كواكب النور» (مز 148: 3، لا: الكواكب والنور، كما في النصّ). ثمَّ: «الخلائق التي تقرِّب المجد» (طو 8: 5).
2: 10    وحين رأوا النجم فرحوا فرحًا كبيرًا. أي: لم يكن تعبهم فارغًا، والبشرى لم تكن كاذبة. وماذا كان من أمر النجم بعد أن دلَّ على الطفل؟ أناس قالوا: مضى إلى الحقل (ܐܓܘܪܣ، agroς) الذي هو بعيد عن بيت لحم، الذي دُعي «كوكبًا»، وهو يرمز إلى الكوكب منذ زمن بعيد. وهذا ليس بغريب أبدًا. سبقت فرمزت إلى خبز الحياة الذي نزل من السماء الذي هو الكلمة الذي صار بشرًا (، تجسَّد). فليس ببعيد عن الحقيقة أن تُدعى المدينة كوكبًا فترمز إلى الكوكب هادي المجوس. ونحن نقول: الملاك لبس شبه الكوكب معطفًا، وبعد أن كمَّل خدمته صعد إلى السماء ووقف في رتبته.
2: 11 ودخلوا البيت فرأوا الصبيَّ مع أمِّه. قال: دخلوا البيت لا المغارة. ورأوا الصبيَّ لا الطفل الموضوع في المذود. من هنا نعرف أنَّ المجوس رأوا المسيح وهو ابن سنتين. ما تشكَّكوا حين رأوا الصبيّ الذي ليس مجيدًا مثل النجم، لأنَّ إيمانهم كان عظيمًا وشهادة عظماء الكهنة والنبوءات عليه التي سمعوها من الكتب واضطراب أهل أورشليم وبلبلتهم لهذا ما استثقلوا حين رأوه في الفقر والتواضع.
وسقطوا فسجدوا له. لاهوته أنارهم. ففعل بهم لكي يسجدوا له. هكذا ورؤية النجم الذي هدى المجوس أقنعهم. سجدوا له بحسب المعرفة لا بحسب القدرة. فالرؤية ولَّدت فيهم الاندفاع نحوه، والمعرفة الفرح. على مجيء المجوس تنبّأ داود: «ملوك سبأ وشبأ يحملون إليه القرابين» (مز 72: 10). ويعقوب: «إيّاه تنتظر الشعوب» (تك 49: 10). هنا نرى أنَّ الشعوب تقدَّمت للسجود على الشعب. وكما قال (الربُّ) منذ البداية: «امضوا، تلمذوا كلَّ الأمم» (أو الشعوب) (مت 28: 19). ولكن في النهاية لأنَّه ينبغي أن تسبق الرموز، وجب أن يقترب اليهود أوَّلاً. ولكن بما أنَّهم ما أرادوا ودفعوا بعيدًا عنهم المساعدة، عادت الكلمة إلى الشعوب (أو: الأمم).
وفتحوا كنوزهم. أي كانت قرابينهم مطبوعة ومختومة كعادة الملوك: تُفتَح القرابين (الهدايا) التي ترسَل من قِبلهم إلى ملوك آخرين.
وقرَّبوا له القرابين: الذهب والمرّ واللبان (أو: البخور). أي حسب عادتهم قرَّبوا هذه القرابين. فالعادة كانت لهم بأن يرسلوا العطور قدَّام آلهتهم، ويقدِّموا الذهب لملوكهم، ويحنِّطوا بالمرِّ موتاهم. ولأنَّهم فهموا أنَّه إله وملك، وهو مزمع أن يتألَّم ويموت، قرَّبوا له هذه القرابين: البخور (أو: اللبان) للاهوته، والذهب لمُلكه، والمرّ لموتته صانعة الحياة. وأيضًا: رمز الذهب إلى أنَّ السجود قدَّام الذهب يعود إلى سيِّده. وصوَّر المرّ واللبان أنَّه الطبيب الذي يضمِّد جرح آدم. وأيضًا قيل: «له تنحني كلُّ ركبة من السماويِّين والأرضيِّين والذين تحت الأرض» (فل 2: 10). تشير القرابين إلى الثالوث الذي كان عليهم في تجلٍّ إلهيّ: بواسطة الذهب عرَّفنا على سجود السماويّين لأنَّه ذهبيّ. وبواسطة اللبان (عرَّفنا على) الأرضيِّين لأنَّه ملك الأرضيِّين. وبواسطة المرّ، أولئك الذين هم ثلاث مرَّات تحت الأرض.
وأيضًا: رمزوا بواسطة الذهب على نقاوة الإيمان ونصاعته، وبواسطة اللبان على ثبات الرجاء فيه. فهو منح الهناء والعذوبة للنفوس التي آمنت به. وبواسطة المرّ مثَّلوا المحبَّة التي هي رباط الإيمان (غل 5: 6) التي تشدِّد وتربط أعضاء الكنيسة كما يليق بالمرّ. وأيضًا: لأنَّ الذهب هو مَلك جميع الهدايا الجامدة (التي لا إحساس فيها)، لاق أن يقرَّب للملك المحسوسة واللامحسوسة (أو: الجامدة). وكما الذهب وحده من المعادن لا يفسد بالصدأ ووحده بين السوائل والحوارق لا يصفرُّ حين يغلي، هكذا مُلك يسوع لا يصفرُّ ولا يَفسد كما كُتب. وأيضًا بواسطة الذهب رمزوا إلى نقاوة جسمه (ܒܣܪܗ) «فهو ما صنع إثمًا ولا مكرًا» (1 بط 2: 22). بواسطة المرّ دلُّوا على حاشه (آلامه)، فجسده حُنِّط بالمرّ، بوزن مئة ليتر (ܠܝܛܪ̈ܝܢ). قال داود: «يعطِّرون لباسك بالمرِّ والعود والسليخة» (مز 45: 9). وبواسطة اللبان علَّموا أنَّنا نحن «رائحة طيِّبة لله في الذين يحيون» (أو: يخلصون، 2 كو 2: 15).
وأيضًا بالذهب قرَّبوا باكورة كلِّ الهدايا. وباللبان، كلّ الأشجار، وأيضًا على الهناء الذي تقبَّلوا من ربِّنا. أما بواسطة المرّ فكلُّ العطور. ورمزوا أيضًا إلى الاجتهاد والصعوبة في (حفظ) الوصايا مثل هذه: «ما أصغر الباب وأضيق الطريق» (مت 7: 14).
ومن أين تعلَّم المجوس ليأتوا بالقرابين؟ قال أناس: وُضعت بيد آدم في مغارة الكنوز؟ وأمر شيتًا بأن ينقلها. وحين أشرق المسيح، أتى المجوس وقرَّبوها. ولكنَّ هذا الشرح ليس مقنعًا للفاهمين. آخرون (قالوا): تعلَّموا هذا بتجلٍّ إلهيّ. وآخرون: عرفوا من الكوكب الذي تراءى لهم، أنَّ ذاك المولود هو إله وملك وأنَّه مزمع أن يموت. امضوا وقرِّبوا له الذهب والمرَّ واللبان.
وردَّ يوليان هنا: إذ قُرِّب البخور للمسيح، لماذا لا تجعلون سوى العطور في الكنائس؟ ونقول: ما طلب المسيح منهم أن يقرِّبوا له اللبان، بل تمييزهم قرَّب له هذا بحسب عادتهم فقبله، وما تطلَّع في العطايا بل في نيَّة الواهبين، لأنَّهم قرَّبوا بضمير نقيّ. ونحن نجعل العطور في الهياكل (أو: المعابد) ليلتذَّ المؤمنون بالرائحة العذبة حين يدخلونها.
وماذا كان من أمر القرابين؟ قالوا: أخذها يوسف ومريم وحملوها إلى مصر وكان لهم الكثير بحيث لا يستطيعون أن يحملوها، ولا هي قُرِّبت بسبب كثرتها، بل من أجل الأسرار والمضامين التي فيها قُرِّبت بشكل يؤكِّد. فالله في فيضه، ينظر كأنَّه محتاج، إلى نيَّة من يقرِّب على مثال فلسَي الأرملة (مر 12: 43؛ لو 21: 3).
2: 12    وتراءى لهم في الحلم ألاَّ يرجعوا إلى هيرودس. ما تشكَّكوا ولا قالوا للملاك: لماذا نهرب في الخفاء؟ بل أطاعوا الإشارة الإلهيَّة. فالإيمان لا يبحث متى يؤمَر. وما الذي تراءى لهم في الحلم؟ قال أناس: تراءى لهم في الحلم هيرودس وهو يمتشق السيف ويتحارب مع الصبيّ لكي يقتله. قال القدِّيس يوحنّا: ملاك تراءى في الحلم وقال لهم إلاَّ يرجعوا إلى هيرودس. وهو أيضًا هداهم وأوصلهم إلى موطنهم في طريق أخرى.
ولماذا مُنعوا من العودة إلى هيرودس؟ قال أناس: لئلاَّ تعرف نيَّة هيرودس الذي أراد أن يقتل الصبيّ. وآخرون: لكي تكون فرصة ليوسف ومريم بأن يهربا. فلو عادوا إليه، لكان أرسل في الحال وقتل الصبيان وما كانت فرصة للهرب.
وفي طريق أخرى مضوا إلى موطنهم. كان هذا بتدبير إلهيِّ، بحيث يكرزون لشعوب أخرى لم يدركوا. فالشعوب الذين لم يدركوا في صعودهم، كرزوا لهم في ذهابهم. فإن هم كرزوا في أقاليم (ܒܩܠܝܡܐ) أخرى، ولدى هيرودس بجلاء، فكم بالأحرى في مواطنهم!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM