تقديم

ينابيع الإيمان -26-

إنجيل متّى في التّراث السريانيّ

*******************

الخوري بولس الفعالي

دكتور في الفلسفة واللاهوت

دكتورفي الكتاب المقدس و في اللغات الشرقية

*******************

الرابطة الكتابية

-طبعة أولى- 2013


تقديم

منذ البدايات تحدثت النصوص الكنسيّة عن انجيل متى. فالبابا كليمان في رسالته الأولى إلى الكورنثيين أشار مرتين إلى هذا الانجيل موجِزاً مت 5: 7؛ 6: 41؛ 7: 1-2: هذا ما قال: «ارحموا تُرحمون، اعفوا يُعفَى عنكم، أفعلوا للغير ما تريدون أن يفعلوا لكم» (31: 2). وفي 62: 7: «تذكّروا كلام يسوع ربّنا...»
هذه الرسالة دُوّنت حوالي سنة 59. ورسالة برنابا التي تعود إلى الربع الأول من القرن الثاني لـمَّحت في ثلاثة مقاطع (4: 41؛ 7: 3؛ 21: 01) إلى الانجيل الأول: «المدعوون كثيرون والمختارون قليلون» (مت 22: 41).
أما اغناطيوس الانطاكي، فأشار إلى مت 3: 51 («هكذا يليق بنا أن نكمّل كل برّ») في الرسالة إلى أهل إزمير (1: 1) وإلى مت 8: 71 في الرسالة إلى بوليكرب (1: 3) وإلى مت 01: 61 («أُرسلكم كغنم في وسط ذئاب») في الرسالة عينها (2: 2).
وننهي الآباء الرسوليين مع الديداكيه أو تعليم الرسل الاثني عشر، الذي وصل إلينا منذ بداية القرن الثاني: لا تُصَلّوا مثل المرائين (مت 6: 9-31). وبمناسبة الاصلاح الأخوي الذي يتمّ في السلام لا في الغضب (مت 81: 51). وفي عودة إلى عظة الجبل: متى صلّيت (مت 6: 5-8) ومتى تصدّقت (آ 2-4).
* * * *
وننتقل إلى المدافعين عن الايمان. مع اثيناغوراس (سنة 771): «باركوا لاعنيكم، احسنوا إلى مبغضيكم» (مت 5: 44-54). «كل من نظر إلى امرأة...» (مت 5: 82)، وأخيرًا، يرذل هذا الكاتب الزواج الثاني فيورد مت 91: 9، تاركاً عبارة «إلاّ بسبب الزنى»: فقال: «من طلق امرأته وتزوّج بأخرى يزني».
أما القديس يوستين، ابن نابلس في فلسطين، وابن القرن الثاني المسيحي، فترك لنا الحوار مع تريفون حيث يتحدّث عن مسيحانيّة يسوع وحقيقة ديانته، ثم الدفاع الأول والدفاع الثاني، حيث يرافع عن براءة المسيحيين ويحتجّ على ظلم المضطهدين. أشار إلى 14 آية من انجيل متّى. مثلاً، في الدفاع الأول، حين يصل إلى المسيح والكلام عن العفة، يورد مت 5: 92-03؛ 91: 11-21: «من نظر إلى امرأة فاشتهاها...». وفي كلام عن واجب المحبة، يورد عظة الجبل: «إن احببتُم من يحبكم»... «صلّوا من أجل اعدائكم» (مت 5: 64-44)، «من سألك فأعطه» (6: 03) «لا تكنزوا لكم كنوزًا في الأرض» (6: 91-02). ويتواصل انجيل متّى كأساس «لتعاليم يسوع» كما يوردها يوستين.
ونصل إلى بابياس، اسقف هيرابوليس في آسية الصغرى. أورد كلماتِه أوسيب، اسقف قيصرية فلسطين، في التاريخ الكنسي (3: 93-61). «هذا ما روى بابياس عن مرقس. وإليك ما قيل عن متى: «أمّا متّى فرتّب الخطب في اللغة العبرية (أي: الارامية) وفسّرها كل واحد كما استطاع». قال روفين مترجم هذا النص إلى اللاتينية: «كتب متّى في العبرية، وفُسِّر ما كتب...». وفي السريانية: «كتب متى الانجيل في اللغة العبرية...».
وأورد اوسيب القيصري أيضًا مقال ايرينه (5/8: 2). «أما متّى الذي كان يعظ وسط العبرانيين، فقدّم لهم، كتابةً، الانجيل في لغتهم الخاصة، يوم كان بطرس وبولس يعظان الانجيل في رومة ويؤسّسان الكنيسة...» سياق الكلام هو كرازة الرسل، ولكنَّ متّى أضاف إلى الكرازة الكتابة. لهذا قالت اللاتينية مباشرة: «كتب الانجيل...».
ونقرأ أيضًا في التاريخ الكنسي (5/01: 31) عن الأسقف بانتان: «ويُروى أن بانتان مضى إلى الهند حيث وجد، قبل وصوله، الانجيل بحسب متّى لدى بعض السكّان الذين اعترفوا بالمسيح. كان واعظًا لهم برتلماوس، أحد الرسل، فترك لهم كتابة متى في أحرف عبريّة، وهو الذي احتفظ به حتى الوقت المعيّن».
ويمكن أن تطول اللائحة مع اوريجان («العشّار القديم وتلميذ يسوع المسيح في ما بعد») ومع أوسيب («في مدرسة الرب، وحدهما متى ويوحنا كتبا مذكرات... وحين كتب متّى عوّض بالكتابة ما نقص من حضوره الحقيقي من أجل الذين ابتعد عنهم») وعاد أوسيب وتحدّث عن انجيل متّى الذي دُوِّن في العبريّة ونُقل إلى اليونانية، وذلك في رسالة إلى مارينس. وكذا فعل حين شرح مز 87: 2. ونحن لا ننسى كيرلّس الأورشليمي وإبيفان اسقف سلامينة (قبرس) والذهبي الفم وافرام وإيشوعداد المروزي...
جميعهم تحدّثوا عن متى، ذاك العشّار الذي يُذكَر باسم لاوي بن حلفي (مر 2: 41). لغته العبرية أو بالأحرى الأرامية، وفيها دَوَّن مذكراته حول يسوع. ولكن لم يبقَ شيء من العالم الأرامي. فما بين أيدينا، هو انجيل يوناني في لغة يونانية أنيقة، مع بلاغة قلَّ نظيرها في القرن الأول المسيحي.
فسَّر الآباء والذين سبقونا انجيل متى، منذ اوريجان الذي قام بعمله سنة 422، في قيصرية. وبقي لنا قسمٌ في اليونانية وقسم آخر في ترجمة لاتينيّة، هذا عدا العظات الخمس والعشرين. نشير إلى أن اوريجان كان يعظ يومي الاربعاء والجمعة، كما قال المؤرخ سقراط في التاريخ الكنسي (5: 22).
وما تركه اثنار، بطريرك الاسكندرية، ليس بالكثير بالنسبة إلى متى. وتبقى العظات، ومنها مثلاً حول المحبة والخلاف (02: 1-61).
وألّف ديديم الأعمى (القرن الرابع) شروحًا حول انجيل متى، ذكرها القديس جيروم في كتابه: الرجال المشهورين. وكيرلس الاسكندراني شرحَ هذا الانجيل الذي عاد إليه ليونتيوس البيزنطي. لم يسلم من الضياع ما كتبه، فوصلت إلينا أجزاء منه في السلسلات. وبقي لنا من أبولينار، أسقف لاودكية (أو اللاذقية في سورية) بعض المقاطع من المقدمة وشرح انجيل متى، وهو المتوفي تقريبًا سنة 093. وبعده تيودور، اسقف المصيصة، المتوفي سنة 824. شرح انجيل متّى الذي لم يبقَ الكثير من شرحه بسبب الحكم الذي أصابه سنة 355، وذلك بعد موته بـ521 سنة. وأخبر هذا الذي دُعيَ «المفسّر» في التراث السرياني أنه عرف تفاسير الأناجيل الاربعة بيد ديودور اسقف طرسوس، فنقّحه.
ونصل إلى يوحنا الذهبيّ الفم، الذي ترك لنا حول انجيل متى تسعين عظة، وهو أقدم شرح كامل لهذا الانجيل. ألقيتْ هذه العظات في انطاكية، كما تشير إلى ذلك العظة السابعة، حوالي سنة 093. ردّ هذا الواعظ على المانويين وبيّن العلاقة الحميمة بين العهدين القديم والجديد، وشدّد، في ردّ على الاريوسيين، على أن الابن مساوٍ للآب، وليس هو أدنى منه وإن ظهرَ ذلك في كلام عن الطبيعة البشرية.
وفي خط الذهبي الفمّ، كان تفسير غير كامل في اللاتينية، نعمَ بشهرة كبيرة في العصر الوسيط. يبدو أن كاتبه هو أريوسي. دوّنه في اليونانيّة في القرن الخامس، وألصقه بالذهبي الفم لكي يكون مقبولاً من المؤمنين.
هذا في العالم اليوناني. وفي العالم اللاتيني قدّم القديس جيروم تفسيرًا سريعًا للانجيل الأول، سنة 893، بناءً على طلب أوسيب ده كريمونا، أحد رفاقه في بيت لحم.
أما القديس أوغسطين، فشرح فقط سنة 393 عظة الرب على الجبل (مت 5-7). كان أوغسطين كاهنًا شابًا، فشدد على الوجه الخلقي في كلام يسوع. بالإضافة إلى هذه العظة، نذكر مؤلَّفًا في اربعة كتب عنوانه: في توافق الانجيليّين (سنة 093) وآخر عنوانه أسئلة حول الأناجيل، وخصوصًا متى ولوقا (سنة 994). هنا تأثر أوغسطين بأوريجان في شرحه انجيل متى، بغريغوار النيصي في عظاته، وبكتابات أوسيب القيصري في شروحه.
ويبقى في العالم اللاتيني، في العصر الوسيط، ما تركه توما الأكويني (5021-2521). أولاً، السلسلة الذهبية جمعَ فيها مقاطع قديمة حول الأناجيل، محاولاً أن يكتشف العقائد اللاهوتية.
ويبقى العالم السرياني الذي أفردنا له فصلاً خاصًا في بداية كتابنا هذا. راح الكتّاب في خط الكنيسة الجامعة، وبشكل خاص في خطّ أنطاكية، مثل ديودور وتيودور وغيرهما. ولكن إن نقلَ السريان مؤلّفات تيودور، إلاّ أنّه لم يصل إلينا شيء من مؤلّفات ديودور. وإن وصل من الذهبي الفم، فالقليل هو ما وصل.
وتبقى التفاسير العربية. نذكر هنا بشكل خاص تفسير كورنيليوس الحجري الذي نقله إلى العربية المعلم يوسف الباني، ثم تحفة الجيل في تفسير الاناجيل الذي يقدّم تفسيرًا متكاملاً للأناجيل الاربعة، وأولها متّى. وينبغي أن ننتظر القرن العشرين وبداية الحادي والعشرين لنقرأ تفسيرًا متكاملاً لانجيل متى، نشرته الرابطة الكتابية في أربعة أجزاء: انجيل متى، بدايات الملكوت. انجيل متى، سرّ الملكوت. الجماعة وملكوت الله. انجيل متى، تجلّي الملكوت.
أما كتابنا وعنوانه انجيل متى في التراث السرياني، فيفتح طريقًا في عالم التفسير السرياني. فبعد كتاب أوّل عنوانُه سفر أيوب في التراث السرياني الذي صدر عن الجامعة الانطونية سنة 1102، ها هو انجيل متى. ونرجو أن نقدّم آثارًا سريانية أخرى في عالم الكتاب المقدس. جعلنا كتابنا في قسمين: الدروس ثم النصوص أما مواضيع الكتاب فهي كما يلي:
1- التفاسير المتاوية
2- المواعظ حول انجيل متى
3- الأسئلة والأجوبة في انجيل متى
4- وجهان في التفسير: إيشوعداد وديونيسيوس
5- ديونيسيوس برصليبي في شرح انجيل متى
6- تيودور بركوني، عظة الجبل
7- تيودور بركوني، الصلاة والصلاة الربيّة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM