الفصل الحادي عشر:إلهنا يحبُّ لأنَّه المحبَّة

الفصل الحادي عشر
إلهنا يحبُّ لأنَّه المحبَّة

«أخبروا بنيكم وبني بنيكم، وليخبرْ بنوهم الأجيال الآتية: فضلة الزحّاف أكلها الجراد، وفضلة الجراد أكلها الجندب، وفضلة الجندب أكلها النمل... أفيقوا أيُّها السكارى وابكوا وولولوا. صعدت أمَّة على أرضي. هي قويَّة لا عدد لها: أسنانها أسنان الأسود ولها أنياب اللبوة... انتحبي يا أرض كعذراء اتَّزرت بالمسح على عريس صباها...» (يوء 1: 3-8). أهذا هو إلهنا الذي يحبّ؟ أهكذا يفعل بنا؟ ولكن من قال لك إنَّ الله فعل هذا؟ «الكتاب». وهل فهمتَ الكتاب؟
«بيت أفرائيم (أي شعب مملكة الشمال) بعاصمتها السامرة يصيرون خرابًا حين أؤدِّبهم. ما أعلنُه لكم يا بني إسرائيل لا بدَّ من وقوعه... سأصبُّ غيظي عليهم كالماء... سأكون لبيت أفرائيم كالعثِّ ولبيت يهوذا (مملكة الجنوب بعاصمتها أورشليم) كالسوس... سأنقضُّ على بيت أفرائيم كالأسد وعلى بيت يهوذا كالشبل، فأمزِّقهم وأمضي، وأخطفهم ولا منقذ» (هو 5: 9-14). أهذا هو إلهنا الذي يحبّ؟ أهكذا يفعل بنا؟ ولكن من قال لك إنَّ الله فعل هذا؟ «الكتاب». وهل فهمتَ الكتاب؟
«فكم جعلتُ نصيبكم خواء البطون في جميع مدنكم، وعوز الخبز في جميع مساكنكم... وكم منعتُ عنكم المطر... وضربتكم باللفح واليرقان، وكثيرًا ما أكل الجراد الزحّاف جنَّاتكم وكرْمكم وتينكم وزيتونكم... وأرسلتُ عليكم الوباء... ودمَّرتكم كما دمَّرت سدوم وعمورة... فاستعدُّوا للقاء إلهكم يا بني إسرائيل...» (عا 4: 6-11). أهذا هو إلهنا الذي يحبُّ؟ أهكذا يفعل بنا؟ ولكن من قال لك إنَّ الله فعل هذا؟ «الكتاب». وهل فهمتَ الكتاب؟

1-    هل تفهم ما تقرأ؟
كان فيلبُّس أحد السبعة (أع 6: 5) ذاهبًا من أورشليم إلى غزَّة. «وفي الطريق صادف رجلاً من الحبشة (وزيرًا...) وكان راجعًا وهو جالس في مركبته يقرأ النبيَّ إشعيا. فقال الروح لفيلبُّس: "تقدَّم حتّى تلحق هذه المركبة". فأسرع إليها فيلبُّس فسمع الرجل يقرأ النبيَّ إشعيا. فقال له: "أتفهم ما تقرأ؟" فأجاب: "كيف أفهم ولا أحد يشرح لي؟" ورجا من فيلبُّس أن يصعد ويجلس معه...» (أع 8: 29-31).
وشرح فيلبُّس مقطع إشعيا (53: 7-8) الذي كان يقرأه الرجل الحبشيّ. وهذا لم يكتفِ بأن يسمع، بل طلب أن يفهم. كم هو بعيد عن الكثيرين الذين يعرفون «كلَّ شيء» ولا يحتاجون إلى من يساعدهم. كم هو بعيد عن عدد من الشرقيِّين والغربيِّين الذين يقرأون بشكل حرفيّ جدًّا، وفي النهاية لا يجدون الله، بل يجدِّفون على اسمه القدُّوس لأنَّهم يقرأون نزواتهم وغضبهم وحقدهم في الكلام الإلهيّ، وفي النهاية يرمون الكتاب المقدَّس جانبًا لألف سبب وسبب. أهكذا نعيش سنة الكتاب المقدَّس التي دعتنا الكنيسة إلى عيشها؟
نبدأ فنقول: إنَّ الله لا يريد موت الخاطئ بل أن يعود عن خطيئته ويحيا. فالله ليس إله الهلاك، بل إله الخلاص. وما قاله الإنبياء سوف يجد تمامه في كلام الإنجيل الرابع: «هكذا أحبَّ الله العالم حتّى وهب ابنه الوحيد فلا يهلك من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديَّة. والله لم يرسل ابنه ليدين العالم بل ليخلِّص به العالم» (3: 16-17).
ونقول أيضًا: أسلوب الكتاب المقدَّس يعيد كلَّ شيء إلى الله. نقول: انتصرنا في الحرب، فيقول الكتاب: الله انتصر ونصرنا. نقول: غُلبنا في المعركة. يقول الكتاب: «الله دحرنا». ونمضي نطرح السؤال: «أيَّ خطيئة ارتكبنا؟» مثلاً، نقرأ في سفر يشوع عن معركة عاي (7: 1ي): «زحف من الشعب نحو ثلاثة آلاف رجل. فانهزموا أمام رجال عاي» (آ4). فاشتكى يشوع إلى الربّ: «لماذا نصحتَ هذا الشعب بأن يعبر الأردنّ...؟» (آ7). فردَّ الربّ: «خطئ بنو إسرائيل وخالفوا عهدي» (آ11). لهذا ما قدروا أن يثبتوا أمام أعدائهم، بل انهزموا من أمامهم لأنَّهم صاروا ملعونين من الربّ (آ12). وبحثوا عن الخطيئة فوجدوها في شخص اسمه عاكان بن كرمي (آ1).
هي طريقة لاهوتيَّة، لا طريقة تاريخيَّة. أوَّلاً، بحسب الآثار لم يكن من وجود لمدينة عاي حين أتى يشوع إلى فلسطين مع رجاله. فهي كانت مدمَّرة من زمن بعيد، شأنها شأن أريحا. أمّا الدرس من هذا الواقع، فهو الأمانة لعهد الله. حين يطلب الربُّ منّا، نحن نطيعه. وإن سرنا بحسب وصاياه، يقول لنا المزمور الأوَّل: «نكون كشجرة مغروسة على مجاري المياه، تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل» (آ3).
وما قلناه عن الحرب، نقوله عن الآفات التي تحصل في البلاد، في الماضي واليوم وفي كلِّ يوم: نتذكَّر تسونامي. ماذا فعل هؤلاء الفقراء بالله لكي يصيبهم ما أصابهم؟ أو أقلّ من ذلك: ماذا فعلتُ بالله لكي يأخذ لي ابني؟ وقيل لإحدى السيِّدات: بسبب خطاياك اختطف الله ابنك الشابّ. وأجبتها: إن كنت خاطئة وإن أراد الله أن يعاقب، فهو يعاقبك أنت لا ابنك الشابّ.
ماذا قرأنا في يوئيل؟ زحف الجراد. مثل هذه الآفة كانت معروفة من زمان. وعرفها لبنان خلال الحرب العالميَّة الأولى فمات ثلث السكّان من جرَّاء الحرب والجراد. قالوا: ماذا فعلنا بالله؟ سؤال تجديف! أوَّلاً، في هذه الأيّام، يحارَب الجراد حالاً وتجتمع البشريَّة كلُّها وتقتله في «المهد». أما قال الربُّ للإنسان: «انموا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلَّطوا على سمك البحر وطير السماء وجميع الحيوان الذي يدبُّ على الأرض» (تك 1: 28)؟ لا. ليس الله هو سبب انتشار الجراد، بل إهمال الإنسان. ويقول النبيّ: «أفيقوا أيُّها السكارى، ابكوا وولولوا يا جميع شاربي الخمر» (1: 5). أنتم نيام. أنتم لا تفعلون شيئًا. تكتِّفون أيديكم وتنتظرون من الربّ أن يعمل عنكم. ويتابع النبيّ: «جاء يوم الربّ. هو يأتي لكي يزوركم»، لكي يتفقَّدكم كما أبٌ (وأمٌّ) يسأل عن أولاده. أمّا الناس الذين لم يتخلِّصوا من الأفكار الوثنيَّة فيظنُّون أنَّه يأتي ليعاقب. ومتى كانت زيارة الربِّ إلاَّ للخير؟ زار الله إبراهيم «عند بلُّوط ممرا، وهو جالس بباب الخيمة في حرِّ النهار» (تك 18: 1). وحملَ إلى سارة امرأته الخبر الطيِّب: «سأرجع إليك في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة ويكون لسارة امرأتك ابن» (تك 18: 10). وزار يعقوب في تلك الليلة وهو هارب من أخيه، «الربُّ في هذا الموضع» (تك 28: 16). الله رفيقنا أينما نكون. هذا ما اختبره يعقوب. وحين الضيق حلَّ بالبلاد، زار الربُّ جدعون: «الربُّ معك، أيُّها الجبّار» (قض 6: 12).
وقرأنا هوشع. كيف بدأ كلامه؟ «اسمعوا هذا أيُّها الكهنة، وأصغوا يا بني إسرائيل، وأنصتوا يا بيت الملك» (هو 5: 1). كيف يصيرون خرابًا؟ أمِن الله؟ كلاَّ ثمَّ كلاَّ. ضاعت العدالة وسيطر الجور. والكبار لا يكونون المثل الطيِّب للشعب. صاروا «فخًّا». صاروا «شبكة ممدودة». صاروا «هاوية عميقة». شعب مريض ومملوء بالجراح (آ13). شعب مظلوم وحقُّه مهضوم. ومع ذلك يسيرون وراء السراب (آ11). والمسؤولون، يطلبون العون من الخارج، مع أنَّ الخارج «لم يشفِ جراحهم ولا شفاها» (آ13)، بل يزيد الجراح جراحًا والخراب خرابًا.
ما يريده الله من شعبه ومن كلِّ فرد من الأفراد، التوبة، تبديل الحياة، تبديل العقليَّة، تبديل التصرُّف. «تعالوا إلى بيت إيل (معبد الملك) وارتكبوا المعاصي، وفي الجلجال (معبد وادي الأردنّ) أكثروا من ارتكابها. وعند الصباح قرِّبوا ذبائحكم» (5: 4). نظلم الفقير، نضيِّق على الغريب، ثمَّ نمضي فنقدِّم الذبيحة وهكذا «نرشي» الله فينسى أفعالنا بعد أن قدَّمنا له «ذبيحة حمد» (آ5). ماذا يريد الله؟ الذبائح؟ قال: «أريد رحمة لا ذبيحة» وتتكرَّر الردَّة: «ما تبتم إليَّ...» (آ6). «ما تبتم إليَّ...» (آ9). «ما تبتم إليَّ...» (آ10، آ11).

2-    حبال الرحمة وروابط المحبَّة
التوبة هي الرجوع إلى الله. امرأة طلَّقت زوجها ترجع إليه. رجل طلَّق امرأته يعود إليها. تلك هي الصورة الأساسيَّة في نبوءة هوشع. تركت «جومر» زوجها هوشع. فكأنَّ الحبَّ لم يعد يجمع بينهما. قال له الربّ: «اذهب أيضًا وأحبب امرأة فاسقة تحبُّ آخر». أجل، مع أنَّها راحت في الزنى وطلبت آخر، على هوشع أن يحبَّها أيضًا، ويعيدها إلى البيت. هذا غير معقول على مستوى البشر، ولكنَّه أمر طبيعيّ على مستوى الله. قال الربُّ لنبيِّه: «أحبَّها (أي امرأتك) كما يحبُّ الربُّ بني إسرائيل، فيما هم يحوِّلون وجوههم عنه إلى آلهة أخر ويحبُّون أن يقرِّبوا لهم أقراص الزبيب» (3: 1).
نحن نعرف أنَّ خيانة الله في عبادة الأصنام تُدعى «زنى وفجور». الله ربٌّ يحبُّ بالرغم ممّا نردُّ عليه حين ندير له ظهرنا، ونبحث عن «مخلِّص» لنا هنا وهناك. وماذا يعني أن نعبد «الصنم»؟ فالصنم يدلُّ على ذاك الذي فرضه علينا، يدلّ على الملك والإمبراطور. مثلاً حين جاء ملك أشور قدَّم لأحاز طريق عبادة الإله الأشوريّ. وعبادة هذا الإله هي في النهاية عبادة الملك. هل نسينا أنَّ أنطيوخس الرابع الكبير دعا نفسه «إبيفانيوس» أي تجلِّي الله؟ وأوكتافيوس صار «أغوسطس» أي الإله المتسامي. وكان لأباطرة رومة تمثالٌ في ساحة كلِّ مدينة يقدَّم له البخور. أمّا المسيحيُّون فرفضوا، ولهذا اضطُهدوا فقيل فيهم: «لا يحقُّ للمسيحيِّين أن يظلُّوا على قيد الحياة»، يجب أن يموتوا، لأنَّهم يضعون الثورة في البلاد ويمنعون الناس من المسير وراء الرئيس مثل الغنم. الدنيا هي هي. والسلطة هي هي. والعبيد كثيرون يفضِّلون بصل مصر وثومها على الارتباط بعبادة الإله الواحد مع أنَّه قال لهم: «تكونون لي مملكة كهنة وأمَّة مقدَّسة» (خر 19: 6). شعب مكرَّس لله. يحبُّون الله والله يحبُّهم. ما أجمل هذه العلاقة!
ونسمع ما قال الربُّ لشعبه، ويمكن أن يقوله لكلِّ شعب: هو يحبُّنا ونحن نتمرَّد عليه. هو يدعونا ونحن نرفض الجواب، بل لا نريد أن نسمع. وهو ما أراد يومًا أن يأخذنا بالقوَّة ولا بالعنف. كان بالإمكان أن يفعل ولكنَّه رفض أساسًا هذا المبدأ. قال: «جذبتُهم إليَّ بحبال الرحمة وروابط المحبَّة» (هو 11: 4).
هل تتخيَّلون إله العهد القديم الذي قيل فيه ما قيل بأنَّه «إله يحبُّ الدم» يتلفَّظ بمثل هذا الكلام؟! عاد بالشعب العبرانيّ إلى أيَّام مصر، يوم كان الشعب ينطلق في عبادة إلهه الواحد بقيادة موسى. «يوم كان إسرائيل فتى» (هو 11: 1). يقول الربّ: «أحببته». ماذا فعل هذا الشعب لكي يحبَّه الله؟ لا شيء. فحبُّ الله مجّانيّ، وهو يحبُّنا قبل أن نحبَّه. وما اكتفى هذا الإله بأن يحبَّ «من بعيد لبعيد»، بل دعا هذا الشعب «ابنه». دعاه، ناداه، أعطاه اسمًا: «أنت شعبي». وهذه التسمية ليست افتخارًا، بل مسؤوليَّة. أن أكون أنا «ابن الله» يرتِّب عليَّ واجبًا، أن أكون بحسب قلب الله، كما قيل عن داود.
والمؤسف: هذا الإله يدعو، ينادي، والشعب «يهرب من وجه الربّ» (آ2). يا للعيب! يا للوقاحة! وكيف هربوا؟ «مضوا يذبحون للبعل ويبخِّرون للأصنام». ألا يستحون؟ وماذا يكون جواب الله؟ هل يتركهم؟ كلاّ. بل يذكِّرهم بما فعل لهم، وهو أمر تفعله الأمُّ لأولادها: «وأنا الذي علَّمهم المشي وحملهم على ذراعه» (آ3). نتخيَّل الأب (وخصوصًا الأمّ) يمسك ابنه (أو: ابنته) ويعلِّمه المشي. وإن تعب الطفل «يرفعه (أبوه) على ذراعه».
وهل هذا الشعب يهمُّه عرفان الجميل؟ كلاّ. ولا نحن يهمُّنا. مرَّات عديدة نتَّهم الله أنَّه تركنا، مع أنَّنا نحن نتركه، كما فعل الابن الضالّ. والشعب العبرانيّ، كم مرَّة تذمَّر على موسى ومن خلاله على الله: لا ماء عندنا. لا طعام عندنا. قال هوشع: «لم يعترفوا أنِّي أنا أصلحتُ حالهم» (11: 3) كانوا في العبوديَّة، حرَّرتهم. كانوا في الأشغال الشاقَّة عبادةً لفرعون، فنقلتهم إلى داري، إلى جبل سيناء.
ولكن حين نقرأ سفر الخروج وخصوصًا سفر العدد، نكتشف قساوة الله، وكلُّ هذا أسلوب أدبيّ. فالربُّ لا يفرض ذاته علينا، ويرفض العنف. كيف اجتذب شعبه؟ «بحبال الرحمة». بدا الله مثل أمٍّ يرتبط أولادها برحمها، وحشاها. بل هو أفضل من أمّ. قال في إشعيا: «أتنسى المرأة رضيعها، فلا ترحم ثمرة بطنها؟ لكن لو أنَّها نسيَت فأنا لا أنساك، يا أورشليم، فعلى راحتي رسمتك» (49: 15-16). اسمنا على كفِّ الله. وهو لا يُمحى. طبعه الله ليتذكَّرنا دومًا. فهذا الإله هو أب وأمٌّ معًا. يجتذبنا أيضًا «بروابط المحبَّة». ومن لا يعرف أنَّ الحبَّ ضعيف من جهة وقويّ من جهة ثانية. هو ضعيف لأنَّه يستعمل وسائل الضعف: لا يضرب، لا يغضب، بل ينتظر طويلاً. لا بدَّ أن يرجع «ابني» كما في مثل الابن الضالّ. هل سأل الوالد ابنه سؤالاً واحدًا؟ كلاّ. بل استقبله، قبَّله، غمره بمحبَّته، أولَـم له وليمة لم يُولم لأحد مثلها.
ويواصل هوشع كلام الربّ: «وكنتُ لهم كأب يرفع طفله على ذراعه» (11: 4). وإذا كان هذا الطفل على الأرض، يحنو أبوه، ينحني بكلِّ حنان ليصبح على مستواه ويطعمه كما تطعم الأمُّ ابنها. ومع ذلك، فهذا الشعب تجتذبه مصر بأصنامها، كما تجتذبه أشور بقوَّتها فيستند إليها ضدَّ جيرانه من أراميِّين وعمُّونيِّين وأدوميِّين. ويُطرح السؤال فيجيب الله: «كيف أتخلَّى عنكم يا بيت أفرائيم، كيف أهجركم يا بني إسرائيل؟ أأجعلكم مثل أدمة وأعاقبكم مثل صبوئيم؟» (آ8) هاتان المدينتان نالهما ما نال سدوم وعمورة من نار وكبريت. هي أفكار بشريَّة. لا أفكار الله: «قلبي يضطرم في صدري، وكلُّ مراحمي تتَّقد». فالله رفض أن «يعاقب في شدَّة غضبه» والربُّ رفض أن يدمِّر. والسبب؟ الخراب والدمار هما عمل الإنسان. فيقول الربّ: «أنا إله لا إنسان، وقدُّوس في وسطكم» (آ9).
أجل، إلهنا يحبُّ لأنَّه المحبَّة. ويستعمل قدرته ليجمع شعبه. والنتيجة؟ نقرأها أيضًا في هوشع: «يسيرون وراء الربّ وهو يزأر كالأسد (من يجسر أن يقف في وجهه؟). يزأر فيسرع البنون (والبنات) إليَّ من جهة البحر. من مصر فيسرعون إليَّ كالعصافير. ومن أرض أشور كالحمام. فأعيدهم إلى بيوتهم، أنا الربّ» (آ10-11).

الخاتمة
نظرة جديدة إلى الله تبدِّل النظرةَ القديمة، الآتيةَ من العالم الوثنيّ: نحن نخاف الله. نخاف ضرباته. كم مرَّة نسمع: «المهمّ أن يبعد الله الضربات!» ما هذا التجديف على الله. أو الله يعاقبنا لأنَّنا أخطأنا. أو: هو ينتقم منّا. هكذا يتصرَّف الإنسان أمام الله كما أمام رؤساء هذا العالم وأقويائه وأغنيائه. «العصا تلاحقنا». ونتساءل بعد ذلك: لماذا نحن تعساء؟ لماذا نعيش في الحزن والخوف؟ لا حاجة إلى السؤال، بل ينبغي أن نتذكَّر أنَّ الله محبَّة. وأنَّه أب وأمٌّ معًا. إنَّه لا ينسانا ولو نسانا أبونا وأمُّنا. وهو يعتني بنا عناية لا نستطيع أن ندركها إلاَّ بالإيمان، إلاَّ إذا كان قلبنا قريبًا من قلبه. وإلاَّ نشبه معاصري هوشع؟ لم يعرفوا يومًا كم الله يحبُّهم، كم الله يهتمُّ بهم. كم يطيل الربُّ روحه عليهم لكي ينتزعهم من «الزنى» الذي هو خيانة لحبِّ الله، وتعلُّق بالأصنام التي هي اليوم من لحم ودم. فهل نقبل أن ننشد له: أنت إله تحبّ. أنت أب وأمّ. ندعوك: أبانا ونعرف ماذا نقول، ونشهد لك في العالم الذي حولنا: «تلك هي المحبَّة. نحن ما أحببنا الله، بل هو الذي أحبَّنا وأرسل ابنه كفَّارة لخطايانا» (1 يو 4: 10). ونحن من نختار؟ من يسحقنا أو من يحبُّنا؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM