تقديم

دراسات بيبلية - 49 -

من الكتاب المقدس إلى الآباء السريان

*******************

الخوري بولس الفعالي

دكتور في الفلسفة واللاهوت

دكتورفي الكتاب المقدس و في اللغات الشرقية

***************

الرابطة الكتابية

طبعة أولى- 2013


تقديم
حين يقرأ مؤمن من التراث السرياني، سواء عاش في التراث الغربي مع الموارنة و«اليعاقبة»، أو في التراث الشرقي مع الأشوريين والكلدان، شروحًا من الكتاب المقدّس، يفرح كلّ الفرح، وخصوصًا إذا كانت المواضيع مأخوذة من العهد القديم. فالقرابة كبيرة بين اللغة العبرية واللغة السريانيّة. وتكون القرابة أوسع بواسطة اللغة الآرامية التي هي أمّ السريانية وصنو العبرية.

فالعبرانيون أخذوا الحرف الآرامي وأعطوه الشكل المربع، بعد أن تركوا الحرف الفينيقي ودعوه الحرف العبراني القديم  Paléo-hébreu. ثمّ إن النصوص العبرية انتقلت بسرعة إلى اللغة الآرامية، عبر الترجوم أولاً بعد أن أضاع العبرانيون لغة الأجداد وأخذوا باللغة الآرامية، شأنهم شأن سكّان الشرق. فكان القارئ يتلو الكتاب المقدّس في اللغة العبرية، ويترجم رفيقه إلى الآرامية مع بعض الحرّية بحيث يصبح كلام اللَّه قريبًا من الشعب. ثمّ جاءت نصوص عديدة في الآراميّة كانت جسرًا من أجل الترجمة السريانية المدعوة البسيطة. ونحن لا ننسى خصوصًا أن بعض نصوص الكتاب المقدّس، وإن قليلة، جاءت في الآرامية، وخصوصًا في سفر دانيال.

وهكذا جاء هذا الكتاب بعنوان من الكتاب المقدّس إلى الآباء السريان. القسمان الأولان يقرأان النصوص الكتابية ويقدّمونها للمؤمنين. نحن لا ندرس هنا سفرًا من الأسفار، ولا نتوسّع في موضوع لاهوتي على مدّ الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، بل نقدّم باقة من المواضيع أكثرها مرتبط بأسفار الأنبياء. دُوِّنت في هذه المجلة أو تلك فما أردنا أن نُبقيها مبعثرة. ذاك كان القسم الأول. أما القسم الثاني، فتضمّن مقالات أرسلت إلى العراق إلى مجلة الفكر المسيحي، وهي توخّت أن تعطينا صورة عن اللَّه. اعتبره الكثيرون إله الغضب، فتأملناه إله الرحمة والغفران. قالوا: هو البعيد، العائش في السماء العالية بحيث لا يرى ما يحصل على الأرض. فإذا هو القريب القريب، بل أقرب إلى نفوسنا من نفوسنا، كما قال القديس أوغسطين. اسمه عمانوئيل أي إلهنا معنا. هو أب وأمّ. يحبّ البشر كما الوالدون يحبون أولادهم. ويحبُّ كلَّ واحد منّا كأنّه ابنه الوحيد أو ابنته الوحيدة. اسمه المحبّة، وهو يدعونا إلى أن نبادله الحبّ بالحبّ. وأما الدينونة فلا تكون أوّلاً على الممارسات التقوية والصلوات والإماتات، بل على المحبّة، كما قال لنا يوحنا الصليب: «في نهاية حياتنا نُدان على المحبّة». وفي امتداد المحبّة، كما في أساسها، نتعرّف إلى الإله الذي يغفر، لا سبع مرات ولا سبعين مرّة، كما طلب من بطرس، بل هو يغفر بلا حدود. ألف مرّة، وعدد ألف هو عدد كبير جدًّا، لأنه مكعّب عشرة. لهذا نستطيع أن نمضي إليه بكلّ دالة. ونحن لا نخاف أن نُقرّ بخطايانا متواضعين لأننا عارفون أننا واجدون ربًّا رحيمًا. وأخيرًا يقولون: الله لا يتكلّم. نحن لم نسمعه. إذا كان الأمر كذلك، فهو صنم. أما إذا كان الإله الحيّ، فمن يجسر أن يقول إنه لا يتكلّم. كلّم ابراهيم. كلّم موسى فدُعَي الكليم. وهو يكلّم كلّ واحد منّا. والمطلوب أن نصمت ونسمع ونقول له: لغيرك لا نصغي.
والقسم الثالث من كتابنا، يتوسّع في الدرفة الثانية: الآباء السريان. وإذ نحن نذكر مثلاً: افرام السرياني أو غيره من الآباء، لا ننسى التفاعل بين العالم اليوناني والعالم السرياني: الكنيسة السريانية الغربية أخذت، في بعض آبائها، من اليونان. كما انتقلت نصوص يونانية إلى السريانية خوفًا من التلف مثل تيودور المصيصي وأوغريس البنطي. أما الكنيسة الشرقية التي اشتهرت بروحانيتها، فكانت نبعًا غرف منه العالم اليوناني وصولاً إلى اللاتيني.
هذا هو كتابنا الذي أردناه ابن تراثنا الكتابي، والكتاب وُلد عندنا وأردناه ابن تراثنا السرياني واليوناني الذي ما زلنا نقرأه في كنائسنا، فنتذكّر آباءنا الذين يدعوننا إلى حمل المشعل فلا تخبو كلمة اللَّه من الشرق.





Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM